إن كل شىء أمانة؛ لقوله - تعالى - : "لا تَقْفُ ما ليس لكَ به علمٌ إنَّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئك كان عنه مسؤولاً" ومن أعظم أمانات الدين "التبليغ" ومن أعظم وسائل التبليغ "الكلمة"، فالكلمة أمانة ورسالة. وقد قرأت العمود اليومي للأستاذ الفاضل محمود سلطان رئيس تحرير جريدة "المصريون"، يوم الاثنين 5 من ربيع الآخر سنة 1433ه - 27/2/2012 وأحزنني ما أصابه من سب وقذف وإهانة، أرسلها سفهاء إلى بريده الآلي (الإلكتروني)، لعدم إعلان انحيازه لأحد المرشحين المحتملين للرئاسة، وهو - كما نعرفه منذ سنوات طويلة - عف القلم واللسان، نحسبه كذلك ولا نزكّي على الله أحدًا. وقد بدأت في مراجعة ما قاله وما نسبه إلى بعض مَن يزعمون انتماءهم للاتجاه الإسلامي الواجب عليه حسن الخلق ، وبخاصة مَن يدَّعون تأييد الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل المرشح المحتمل لرئاسة مصر ، وهو بريء من إساءة البعض المدَّعين الانتساب إليه ؛ لما نعلمه من دماثة أخلاقه وهذا ما شهد له به الأعداء قبل الأصدقاء ، وعليه أن يعلن البراءة منهم ، وهم يعلمون قوله - تعالى - : "وإنك لَعلى خلقٍ عظيمٍ" وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما بُعثتُ لأتممَ مكارمَ الأخلاقِ" وقوله : "إن من أقربِكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسِنَكم أخلاقاً" . وقول أمير الشعراء العرب أحمد شوقي : إنما الأممُ الأخلاقُ ما بَقِيَتْ فإن هُمُو ذهبت أخلاقُهم ذهبوا فما الذي تسبَّب في انحطاط كثير من المصريين ، ولو تقلَّدوا أعلى المناصب ؟! ، وهل ذلك عَرضٌ أم مرضٌ ؟ . إنه عَرَضٌ لمرض، والمرض هو سيطرة الحكام الطغاة على الحكم ، مصداقاً لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - متحدثًا عن علامات يوم القيامة : "إذا ضُيِّعتِ الأمانةُ فانتظرِ الساعةَ ، قال : كيف إضاعتُها يا رسول الله ؟ ، قال : إذا وُسِّدَ الأمرُ لغيرِ أهلِه فانتظرِ الساعةَ" ، فحينما تخاذل معظم العلماء والدعاة وأهل الرأي عن تقويم الحكام الظالمين والمستبدين تصدَّر المشهدَ السياسيَّ هؤلاء الذين ساءت أخلاقهم، فنشروا الرعب والخوف والرذيلة بين الناس ، وبثّوا الغِيبَة والنميمة والكذب ، وكل ما يُردي المرء ، ويهوي به إلى مكان سحيق. وكذلك جعلوا رأيهم هو الواجب الاتباع ، وما عداه أساطير الأولين وأقوال المخالفين المخبولين !. وشعارهم هو شعار جدهم فِرعون "أنا ربكم الأعلي" ، "ما أُريكم إلا ما أرى وما أَهديكم إلا سبيلَ الرشادِ" ، فضاقت الأخلاقُ ، وخربت الذممُ ، وصار الأمينُ خائنًا ، والخائنُ أمينًا ، وسوء الأدب عُنوان المرحلة ، وما أفلت من ذلك إلا القليل ، وما ذلك إلا لسماح الطواغيت بمِساحة قليلة من حرية الصراخ. وإذا ألقيت نظرة سريعة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في الشبكة الدولية للمعلومات - وجدت ما يفزعك ويحزنك ويصيبك بالحسرة والأسى على ما آلت إليه أحوال الناس ، حينما يستبيح السفهاء منهم كل شيء عند التحاور معك ومناقشتك بعد قضائهم على فضيلة الأدب وإعدامها في مَيدان عام ! وما على العلماء والدُّعاة وأهل الفكر والرأي والغَيرة إلا قيادة حملة لدعم الأخلاق وتوعية الناس بأهميتها في حياتنا ودعوة السلطات الحاكمة لمحاسبة المسيئين للآخرين ، ومعاقبتهم بأشد العقوبات حتي ينزجروا ويرتدع غيره ، ونشعر بما منَّ الله به علينا من دعوة الخير والفضيلة. عبد الناصر الشعراني - كاتب صحفي وباحث