السؤال: لماذا التصعيد المفاجئ ضد وزير التموين الدكتور خالد حنفي في هذا الوقت؟. هل يُراد الخلاص منه؟، هل صار عبئا؟، هل تجاوز دوره وحدوده المرسومة له؟، هل قضية فساد توريد القمح، وقبلها أزمة الأرز أضعفت أسهمه؟، هل منظومة الخبز، ونقاط السلع، التي كانت مثارا للتهليل، ثم بدأت تسوء، ولم تساهم في خفض حصة الدعم كما كان متوقعا، إنما تستنزف المزيد بفعل الفساد وغياب الرقابة وضعته في مأزق؟، هل هناك أسباب خفية لا يعلمها إلا من يريد إنهاء دوره إذا صح ذلك ؟، هل أحد هذه الأسباب، أو كلها، أو غيرها، وراء ضغط الوزير، والتعريض به، وهز صورته أمام الرأي العام تمهيدا لإقالته مثلا، ولإظهار أن من بيده القرار لا يسكت على تجاوز أو فساد، وهو سلوك سياسي بات معروفا ومستهلكا ؟، أم أن القضية عندما تركز على تكلفة إقامته في أحد الفنادق هدفها مجرد شغل الرأي العام في واحدة من حلقات مسلسل الإلهاء بأمور فرعية تبتعد عن أصول القضايا الكبرى التي تتعلق بحالة هذا البلد وكيانه السياسي والاقتصادي والاجتماعي المرتبك. يجري اليوم فتح ملفات تتعلق بالفساد في وزارة التموين، كما يجري الحديث حول نزاهة الوزير وذمته المالية الشخصية، وكلها أمور تثير القلق، لكن معروف أن الفساد في تلك الوزارة، وفي الجهات المرتبطة بها ليس جديدا، منظومة الفساد متغلغلة ومتحكمة ومسيطرة، وتفكيكيها وضربها بحاجة إلى قدرات مذهلة، وإرادة سلطة جادة في محاربة سرطان الفساد في مفاصله ومنافذه ومختلف قنواته في الدولة كلها، وليس محاربته بالتصريحات والخطب فقط. الوزير خالد حنفي جاء مع حكومة المهندس إبراهيم محلب في فبراير 2014، وخرج محلب، وبقي حنفي مع حكومة المهندس شريف إسماعيل حتى اليوم، وكان يتم تقديمه باعتباره أحد الوزراء النشيطين الذين يساهمون في تخفيف مصاعب الحياة على المواطنين، والحقيقة أن مصاعب الحياة تتزايد، ولا يشعر المواطنون بتحسن، إنما غلاء فاحش، وانتقال من حال سيء إلى أسوأ، وقلق من اليوم، وعلى الغد، وعدم قدرة على الاحتمال، وفقدان الثقة في خطاب الشعارات وبناء القصور على الرمال، وللإنصاف فتلك ليست مسؤولية الوزير بمفرده، بل مسؤولية سياسات عامة، وسلطة مجتمعة. وزير التموين المرضي عنه، ونجم الفضائيات صار فجأة مثار اتهامات كثيرة، أقلها ما يتعلق بإقامته في أحد الفنادق بمبالغ كبيرة، لكن الأهم من ذلك هو الفساد في التوريد الوهمي في القمح والصوامع والتخزين، وتكلفة الفساد فيها بمليارات الجنيهات، هناك فقراء لا يجدون ثمن الرغيف، ولا حبة الدواء، وهناك مليارات من موازنة الدولة وأموال الشعب تبتلعها منظومة الفساد الأخطبوطية التي تتغلغل في الدولة، وهنا نسأل: لماذا إذاً كانت حملة الهجوم على المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات عندما خلصت دراسة للجهاز إلى أن تكلفة الفساد خلال 4 أعوام وصلت 600 مليار جنيه؟، أي 150 مليارا في العام، هذا الرقم لن يكون مفاجئا عندما يكون الإهدار في منظومة القمح أكثر من ملياري جنيه، وعندما يرتفع دعم السلع عدة مليارات بدل أن ينخفض بعد تطبيق منظومة الخبز ونقاط السلع، وهذا باب عمل واحد فقط ضمن أبواب عديدة في وزارة واحدة، فكيف يكون الحال ببقية الأبواب والمنافذ والمسالك والدروب في مختلف الوزارات والهيئات والمصالح في الدولة؟. عندما يجري الحديث عن الفساد المستشري وصعوبة مواجهته، فهذا واقع، لكن مثل هذا الحديث من جانب رموز السلطة يطمئن الفساد على نفسه، ويجعله ينتعش، الأصل أن السيسي وضمن ما طرحه في برنامجه غير المكتوب هو محاربة الفساد، لكن بعد أكثر من عامين ماذا كانت نتائج تلك الحرب؟. لا شيء تقريبا، بل إن الفساد يزداد تغلغلا، ويظل الإنفاق الترفي والتقشف للحفاظ على المال العام مجرد أفكار خيالية، ويكون الإنجاز البارز للسلطة هنا هو الإطاحة ب جنينة الذي كان يحارب الفساد!. خرج وزير التموين، ورد على ما قيل بشأن إقامته في الفندق، وأن ذلك على نفقته الشخصية، ولا يدفع له أحد جنيها واحدا لا الحكومة، ولا الوزارة، ولا هيئة، ولا جهة، ولا شخص، هناك تباين صارخ بين اتهامات تُوجه للوزير في هذه القضية، ونفي قاطع من جانبه، ولذلك فالأمر بحاجة إلى بيان رسمي واضح وشفاف، إما أن ينصف الوزير في ذمته المالية، أو يؤكد العكس. هل هذا هو العهد الجديد، عهد مصر أم الدنيا، والتي ستكون أد الدنيا ؟، مجرد شعارات، وإنشائيات، وبلاغيات لدغدغة المشاعر، ويكفي للتدليل ما قاله النائب مصطفى بكري بشأن فساد القمح، وإهدار أموال الدعم، وهو ليس معارضا للسلطة، إنما أحد أشد أنصارها، وهنا لن يحتاج من يعارض أن يقول شيئا إضافيا. لا شيء يتغير، الذي تتغير هى الوجوه فقط ، أسلوب ونهج الحكم كما هو، يتبين أن حيازة السلطة في مصر تاريخيا هى غاية في حد ذاتها، وليست وسيلة لبناء دولة بجد، دولة حقيقية، دولة تقف على قدميها، وتسير للأمام، هذا لم يتم سابقا، ولا يتم حاليا في ظل بقاء الأوضاع والأفكار والسياسات كما هى. كل النظم والحكومات التي تُنتخب وفق آليات الديمقراطية المتعارف عليها دوليا هى الوحيدة التي تكون قادرة على النهوض ببلدانها، الحاكم الفرد لا ينجز تجربة مكتملة، مشروع النهضة لا يكون إلا بحكم دولة المؤسسات المستقلة، وفي مجتمع سياسي حر ومنفتح تزدهر فيه كل الأصوات دون خوف أو كبت أو نفاق. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.