كشفت إحصائية نشرت مؤخرًا عن أن عدد الشركات غير الخاضعة للرقابة والضرائب يصل إلى 18 مليون شركة، حيث إن هذه الشركات فضلت الاختباء، ويعتقد أن الاقتصاد غير الرسمى يبلغ ثلثى الاقتصاد الرسمى فى مصر . يذكر أن فريق من صندوق النقد الدولى يزور مصر منذ أيام للتفاوض بشأن حزمة جديدة من القروض يُعتقد أن قيمتها تبلغ 12 مليار دولار على مدار ثلاثة أعوام. يحتاجها الرئيس عبد الفتاح السيسى بشدة. حيث تواجه حكومته عجزًا كبيرًا فى الميزانية والحساب الجارى (حوالى 12 بالمائة و7 بالمائة من إجمالى الناتج المحلي، على التوالي)، بينما انخفضت احتياطيات النقد الأجنبى إلى مستويات خطيرة. تكمل عناصر أخرى مثل العملة المتضخمة، نسبة التضخم مزدوجة الأرقام، ومعدل البطالة البالغ 12 بالمائة هذه الصورة القاتمة. ويبقى المستثمرون المحتملون بعيدًا عن البلاد. وذكر التقرير الذى رصده موقع إضاءات أن الحكومة المصرية لا تبعث على الثقة. حيث سوف تتوقف حزمة صندوق النقد الدولى الجديدة على الإصلاحات التى تحدث عنها سياسيون لسنوات، لكنهم فشلوا فى تطبيقها. كضريبة القيمة المضافة التى سوف ترفع مستوى الإيرادات التى تشتد الحاجة إليها. هناك خطة مطروحة الآن أمام البرلمان، لكنها أثارت ضجة بسبب المخاوف المتعلقة بالتضخم، الذى بلغ 14 بالمائة. وامتنع صندوق النقد الدولى أمام هذا الجمود، عن تقديم حزمة منفصلة من الدعم. وقد يفعل البنك الأفريقى للتنمية الأمر ذاته. وحتى دول الخليج، التى تدعم السيسى بقوة وقدمت لمصر مليارات الدولارات من المساعدات، يبدو أنها تفقد ثقتها به. يُعتقد أن الإمارات قد سحبت مستشاريها من البلاد فزعًا. وكان وصول الدفعات الأخيرة من المساعدات بطيء. الادخار حرام يمتد عجز الحكومة إلى مشكلة مصر الأكثر إلحاحًا: عملتها المضخمة. فبينما يبلغ سعر الصرف الرسمى 8,83 جنيه مصرى للدولار، يزيد سعر الدولار فى السوق السوداء إلى أكثر من الثلث. فاق الطلب على الدولار المعروض منه بسبب التراجعات الحادة لقطاع السياحة والاستثمارات الأجنبية، المصدرين الرئيسيين للعملة الصعبة. لذلك حاولت الحكومة أن تبقى على الدولارات داخل مصر، على سبيل المثال،عبر تقييد السحب من البنوك. كما أعلن الأزهر، أكبر هيئة إسلامية فى البلاد، أن اكتناز العملة الأجنبية محرم. لكن هذه الجهود أخافت فقط المستثمرين المحتملين وأعاقت المستوردين المصريين. هناك مخاوف حول أن إضعاف الجنيه سوف يؤدى إلى ارتفاع الأسعار، فى ضوء استيراد مصر للعديد من السلع الرئيسية، مثل القمح. لكن الحكومة يجب أن تقلق أكثر بشأن خطط دعمها الوعرة. تمثل مصر أكبر سوق فى العالم للقمح، الذى تشتريه الدولة ويستخدم فى صنع الخبز المدعم بقوة. تشترى الدولة بعض القمح من الداخل بزيادة بالغة عن تكلفته لتشجيع المزارعين المحليين. يجفف ذلك موارد الخزينة العامة ويشوبه الكثير من الفساد. حيث يخلط المزارعون القمح الأجنبى بقمحهم ويبيعونه بأسعار مرتفعة. كما يضخم الموظفون الحكوميون كميات القمح التى فى صوامع الحكومة ويختلسون بعض أموال الدعم. حتى نظام البطاقة الذكية الذى هدف إلى تعقب مبيعات الخبز تعرض للاختراق، ما سمح لبعض الخبازين بالحصول على المزيد من الدقيق المدعم. حذر السيسى من تطبيق «إجراءات اقتصادية قاسية» قريبًا. كما يقر طارق عامر، محافظ البنك المركزي، بأن الدفاع عن الجنيه كان «خطأً فادحًا». يبدو مرجحًا أن الحكومة تعتزم تمرير عددٍ من الإصلاحات وخفض قيمة الجنيه. لكن السياسية الاقتصادية نادرًا ما تنفذ بشكل صحيح. فالحكومة، على سبيل المثال، تراجعت عن خطةٍ للبدء بالدفع للمزارعين المصريين بسعر السوق (بالإضافة إلى دعم صغير) مقابل قمحهم. وبدلًا من ذلك، هلل السيسى لمجموعةٍ متنوعة من المشروعات الضخمة، مثل توسيع قناة السويس، لتعزيز الفخر الوطنى – وكبريائه. لكن هذه المشروعات لم تقدم الكثير لتعزيز الاقتصاد. بل فى الواقع تراجعت إيرادات قناة السويس منذ إتمام توسيعها فى أغسطس الماضي. سوف يدشن مشروعا آخر ذى صلة منطقة اقتصادية خاصة على جانبى القناة، والتى يفترض أن قوانينها وضرائبها سوف تكون أقل من بقية البلاد. أكد رئيس المنطقة، أحمد درويش، أن إدارة المنطقة «مستقلة بالكامل عن عملية اتخاذ القرار الحكومية». ومع ذلك، وقع القليل من الشركات للانضمام إلى المنطقة – ربما لأن زعم درويش قُوّض بالفعل بواسطة قرار الحكومة زيادة معدل ضريبة دخل الشركات، حتى فى المناطق الاقتصادية الخاصة، من 10 بالمائة إلى 22,5 بالمائة. تجدر مقارنة ذلك بميناء جبل على فى دبي، حيث لن تدفع الشركات أى ضرائب لمدة 50 عامًا. فكر صناع القرار، على الأقل، فى طرق للتحايل على نظام مصر التنظيمى المتعجرف. حيث يستخدم السيسى الجيش فى تنفيذ العديد من مشروعاته، ما يوسع نطاق دوره الكبير بالفعل فى الاقتصاد. ومع ذلك، تتعرض الشركات العادية للخنق بفعل الروتين. لا شيء يتم دون تقديم رشاوي. وتحتل مصر بشكل بائس المركز 131 على مقياس البنك الدولى لسهولة ممارسة أنشطة الأعمال. يحتاج المستثمر لاستخراج تصاريح من 78 هيئة حكومية مختلفة لبدء مشروعٍ جديد، وفقًا لبيانات الحكومة. ولم يسفر وعدها، منذ 18 شهر، بإنشاء محطة واحدة لتستبدل كل هذه الخطوات، عن شيء حتى الآن. البيروقراطية مفترسة للغاية لدرجة أن بعض الشركات تفضل عدم التوسع للاختباء منها. حيث يبلغ عدد الشركات غير المراقبة (وغير الخاضعة للضرائب) من قبل الحكومة 18 مليون شركة. ويُعتقد أن حجم الاقتصاد غير الرسمى يبلغ حوالى ثلثى حجم الاقتصاد الرسمي. لكن المشروعات غير الرسمية تجد الأمر صعبًا أن تحصل على قروض، وبالتالى تجد النمو صعبًا. أصدرت الحكومة هذا العام تكليفًا بأن تذهب نسبة 20 بالمائة من القروض الحكومية إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، لكن من غير الواضح كيفية معاملة الشركات غير الرسمية (أو ما إذا كان هناك قدر كافى من المشروعات الصغيرة الواعدة لاستيعاب هذه الأموال على أى حال). قد تعانى البنوك لتمويل هذه الخطة مع استمرارها فى إقراض الحكومة. كذلك تفشل مصر فى تجهيز شبابها بالمهارات المفيدة. حيث تزيد نسبة بطالة الشباب عن 40 بالمائة. التعليم الجامعى بالفعل مجاني، لكن جودته سيئة ولا تبذل الجامعات الكثير من الجهود لتدريس المهارات التى يحتاجها سوق العمل المحلي. تخرّج مصر الكثير من الأطباء – لكن الكثير منهم يسافر للعمل فى السعودية وليس مصر. يعتمد الخريجون الآخرون على القطاع العام للتوظيف، لكن الوظائف الشاغرة تشح بشكل متزايد. احتج الخريجون العاطلون عن العمل عشرات المرات خلال السنوات الأخيرة. يشير عادل عبد الغفار من مركز أبحاث بروكينجز الدوحة إلى «الارتباط المباشر بين بطالة الشباب واستقرار الدولة السياسى والاقتصادى الاجتماعي». فمع استمرار نمو أعداد الشباب فى مصر، يصف البعض البلاد بأنها قنبلة موقوتة. لكن مصر لديها أيضًا تاريخٌ من التخبط. فقد تلقى حسنى مبارك، الزعيم السابق، مساعدة من صندوق النقد الدولى وتبنى إصلاحاته المقترحة، ما أدى إلى نمو هائل فى التسعينيات والألفينات، حتى مع استمرار معاناة جموع الشعب. يتطلع السيسى إلى تحقيق المزيد من التطوير على نطاق واسع. لكن حتى الآن هناك القليل من العلامات على أنه سوف يفعل ما يتطلبه تحقيق ذلك.