نشرت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية، تقريرًا لها حول الأزمة الإقتصادية بمصر، قائلة أن الرئيس عبد الفتاح السيسي كان قد رحب السنة الماضية بالمئات من الشخصيات الأجنبية في شرم الشيخ، وذلك بهدف طمأنتهم حول الأوضاع في مصر، قائلاً " أن الاضطرابات التي أعقبت الربيع العربي قد أنتهت، وقد أكّد السيسي خلال لقائه بهذه الشخصيات على استعداد مصر لتلقي المزيد من الاستثمارات الأجنبية واعدا بضمان الاستقرار والقيام بإصلاحات اقتصادية، مضيفة "في المقابل، ساعد ضيوف السيسي مصر بتقديم الأموال والقروض و الاستثمار بأعمال جديدة، حيث قال كريستين لاجارد، رئيس صندوق النقد الدولي أن ما قام به السيسي بمثابة "فرصة". و أضافت المجلة أن هذه الفرصة، قد تم إهدارها وقام فريق من صندوق النقد الدولي مرة أخرى بالتفاوض على حزمة جديدة من القروض يعتقد أن تصل قيمتها إلى 12 مليار دولار، على مدى ثلاث سنوات، مشيرة إلى أن السيسي بحاجة ماسة إلى تلك المساعدات المالية، لأن حكومته تواجه ميزانية كبيرة و عجز في الحساب الجاري (حوالي % 12 و %7 من الناتج المحلي الإجمالي، على التوالي)، و احتياطيات مصر الخارجية منخفضة بصورة خطيرة، و هناك ارتفاع في معدل التضخم ومعدل البطالة، مما أدى إلى أن قام عددا كبيرا من المستثمرين بإعادة النظر في إقامة أي استثمارات داخل مصر. و تابعت المجلة أن حزمة صندوق النقد الدولي الجديدة ستكون متوقفة على الإصلاحات التي تحدث السياسيون عنها لسنوات، ولكنها لم تنفذ، كما أن اقتراح رفع الضريبة على القيمة المضافة، والتي من شأنها رفع الإيرادات، تم عرضه على البرلمان حاليا، لكنه أثار ضجة بسبب المخاوف من التضخم الذي بلغ %14، و هناك مخاوف مماثلة تسببت في تراجع السيسي عن وعده حول إنهاء دعم الوقود". و أشارت المجلة أنه في مواجهة هذا الوضع، قام البنك الدولي بحجب دعمه للبلاد، و قام البنك الإفريقي للتنمية بفعل نفس الشيء، حتى دول الخليج، والتي كانت تدعم السيسي بقوة و قامت بتقديم مليارات الدولارات كمساعدات لمصر، يبدو أنها فقدت الثقة، و قامت الإمارات العربية المتحدة بسحب مستشاريها من البلاد في حالة من الخوف، و تأخرت في إيصال آخر دفعات المساعدات إلى مصر. الاحتكار حرام وقد امتد عجز الحكومة ليصل إلى أكبر المشكلات التي أصبحت تواجهها مصر حاليا؛ وهي تضخم عملتها، ففي حين أن سعر الصرف الرسمي بلغ حوالي 8.83 جنيه مصري مقارنة بالدولار، إلا أن سعر السوق السوداء أصبح أعلى بحوالي الثلث، كما أن الطلب على الدولار فاق العرض وذلك بسبب الانخفاض الذي شهده قطاع السياحة والاستثمار الأجنبي، و اللذان يمثلان المصدار الرئيسية للعملة الصعبة. و لذلك حاولت الحكومة المصرية الحفاظ على الدولار داخل البلاد عبر الحد من سحب الدولار من البنوك، حتى أن الأزهر، الذي يعدّ السلطة الدينية في البلاد، أفتى بتحريم احتكار العملة الأجنبية، لكن هذه الجهود أثارت مخاوف وقلق المستثمرين المحتملين والمستوردين المصريين. و هناك قلق من أن ضعف الجنيه المصري يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، خاصة وأن مصر تستورد العديد من المواد الغذائية الأساسية مثل القمح، وتعد مصر أكبر سوق في العالم للقمح، حيث تقوم الدولة بشرائه بهدف استخدامه لصنع الخبز المدعم. وتشتري الدولة كميات من القمح من المزارعين المحليين اعتمادا على الفائض وذلك بهدف تشجيعه، إلا أن هذا الفعل فاسد و يستنزف الخزينة العامة خاصة وأن هؤلاء المزارعين يقومون بخلط القمح الأجنبي مع المحلي و بيعها بأسعار مرتفعة، كما تم اختراق نظام البطاقة الذكية التي من المفترض أن تتتبع عمليات شراء الخبز، و السماح لبعض الخبازين للحصول على كميات كبيرة من الدقيق المدعم. و أرفقت المجلة في تقريرها بعض الإحصاءات التي تتعلق بالاقتصاد المصري مثل الناتج القومي الإجمالي لكل فرد، ومعلات ارتفاع الأسعار سنويا، وعجز الموازنة، وأخيرا نسبة البطالة بين الشباب.
و استطردت قائلة إن النظام في مصر يقوم على الرقابة الشديدة وتضييق الخناق على جميع الأطراف، فلا شيء في مصر يتم دون رشوة حتى أنها احتلت المرتبة 131 وفقا لتقرير ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي حيث تقوم الحكومة بإعاقة المستثمرين عبر تقييدهم بضرورة الحصول على تصاريح من 78 هيئة رسمية مختلفة قبل البدء بتنفيذ مشروع جديد. و أضافت أن البيروقراطية هي إحدى أهم أسباب تراجع الاقتصاد في مصر حيث أن حوالي 18 مليون مشروع لا تقوم الدولة بمراقبتها أو حتى بفرض ضريبة عليها مما أدى إلى بلوغ حجم الاقتصاد غير الرسمي حوالي ثلثي حجم الاقتصاد الرسمي للبلاد. فيما تجد المؤسسات الرسمية صعوبة في اقتراض الأموال، وبالتالي من الصعب عليها أن تحقق النمو المطلوب، فخلال هذه السنة، فرضت الحكومة توجيه حوالي 20 % من قروض البنك إلى الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، ولكن ليس من الواضح كيف سيتم التعامل مع الشركات غير الرسمية، وبالتالي قد تواجه البنوك عدة صعوبات لتمويل هذه الخطة وقد تواصل إقراض الأموال للحكومة. و أوضحت أن مصر فشلت أيضا في تزويد شبابها بالمهارات المفيدة؛ فأكثر من 40 % منهم عاطلون عن العمل، وعلى الرغم من أن التعليم الجامعي مجاني، إلا أن نوعية هذا التعليم رديئة خاصة وأن الجامعات تبذل القليل من الجهد لتعليم المهارات التي يحتاجها الشباب المصري والتي يطلبها أصحاب الأعمال المحليين، كما أنه على الرغم من تخرج العديد من الأطباء من الجامعات المصرية، إلا أن الكثير منهم يفضلون السفر و العمل في المملكة العربية السعودية، أما باقي الخريجين، فهم يأملون في الحصول على وظيفة في القطاع العام، ولكن فرص العمل أصبحت نادرة للغاية. وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الخريجين العاطلين عن العمل قاموا بالعشرات من الاحتجاجات في السنوات الأخيرة، وفي هذا السياق، قال عادل عبد الغفار، العضو في مركز الدوحة بروكنجز، وهي مؤسسة فكرية، " أن هناك علاقة مباشرة بين ارتفاع معدل البطالة بين الشباب والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للدولة". و اختتمت المجلة بقولها أن مصر لديها تاريخ طويل من الاضطرابات، فعلى الرغم من تنفيذ الرجل القوي السابق، حسني مبارك للعديد من الإصلاحات و التي أدت إلى نمو هائل بين سنتي 1990 و2000، إلا أنه قام بطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي، مضيفة وعلى الرغم من إعلان السيسي رغبته في تحقيق تطور أفضل في مصر، فهناك إشارات قليلة فقط تشير إلى أنه قادر على تحقيق ذلك.