لعل أكثر ما يميز شهر رمضان، الطقوس والعادات التي ترافقه كل عام، وتعتبر هذه المجاملات الاجتماعية جزءاً من مظاهر العبادات التي يحرص علها المسلمون على مدى 30 يوماً. ولرمضان في العراق نكهة مميزة، إذ يُظهر السنة والشيعة تلاحماً دينياً في المجمل، وإن اختلف قليلاً في بعض تفاصيله. فالمسلمون السنة يواظبون على صلاة التراويح مباشرة بعد صلاة العشاء رجالاً ونساءً، بينما يقوم الشيعة بتلاوة الأدعية في الحسينيات والمساجد أيضاً. ويصوم المسلمون الشيعة قبل شهر رمضان، خاصة في شهري رجب وشعبان من السنة الهجرية، لأيام متقطعة، فيما يعرف شعبياً ب "التسابيج" أي بالتسابيق، بمعنى أنهم يصومون قبل رمضان بأيام. لم يحدث وأن توحد المذهبان في أذان المغرب إلا ما ندر، إذ ثمة فرق مدته 10 دقائق عند آذان المغرب. يتقدم السنة بالوقت فيما يتأخر الآذان لدى الشيعة احتياطاً للشك في مغيب الشمس، وكذا الحال في نداء الإمساك عبر المساجد، حيث يمسك الشيعة بعد 10 دقائق أيضاً من إمساك أهل السنة. ويرى علماء الشيعة "الجعفرية" أن"الإفطار يأتي بعد اختفاء الحمر المشرقية، وهو شيء يحدث بعد عشر دقائق من غياب الشمس، فيما يرى علماء السنة أن يكون إمساك الصائم عند طلوع الشمس وإفطاره عند غروب قرص الشمس، وتالياً فإذا غرب قرص الشمس جاز الإفطار، لذلك تم الإجماع على أن يكون الإفطار بعد اختفاء قرص الشمس. ويرى الشيخ حافظ العبيدي، وهو رجل دين سني، أنه "لا فوارق أو اختلافات جوهرية في طبيعة الصيام بالنسبة لأهل السنة والجماعة والشيعة، إلا في بعض التفاصيل التي لا تبطل الصيام". والعراق مثله مثل بقية الدول العربية والإسلامية من حيث تقليل ساعات العمل، وإغلاق المطاعم والمقاهي طيلة ساعات الصيام, غير أن الظروف المناخية وأجواء الحر وانقطاع التيار الكهربائي المستمر تجبر الصائم على البقاء في المنازل خشية العطش، حيث تصل درجة الحرارة صيفاً إلى ما يقارب ال 50 درجة مئوية، حسب مؤشرات هيئة الأحوال الجوية. ويُعرف العراق بأنه بارد رطب شتاء وحار جاف صيفاً، وبسبب ارتفاع درجات الحرارة يلجأ ميسورو الحال إلى السفر خارج العراق، أو لإقليم كردستان العراق لقضاء شهر رمضان حيث الجو أبرد. وفي غالب الأحيان يتبادل الجيران من السنة والشيعة طعام الأفطار، وخاصة التمر واللبن والفاكهة وحساء العدس "الشوربة"، وهو الطعام المحبب للصائمين، فضلاً عن العصائر المتنوعة، ومنها ما يعرف بعصير "نومي البصرة" لفائدته الصحية. ويحرص العراقيون في عمومهم على التمسك بسنة الإسلام بتناول حبات التمر واللبن عند إفطارهم، وتتصدر أصناف التمور العراقية المعروفة مائدة الطعام، مثل الأشرسي أو البربن أو الخستاوي أو الخضري أو الزهدي أو الحلواني.. وغيرها من عشرات الأصناف الأخرى التي تشتهر بها بلاد الرافدين. ويقيم ميسورو الحال من التجار، وبعض الجمعيات الخيرية، موائد إفطار من كلا المذهبين في المساجد والحسينيات والشوارع، فيما يوزع الآخرون الطعام على مخيمات النازخين القريبة من محافظاتبغداد والأنبار وصلاح الدين وكربلاء وبابل وكردستان. ويتمسك العراقيون في شهر رمضان بعادات وقيم أصيلة مستوحاة من الإسلام، تتمثل بكثرة الزيارات بين العائلات وزيادة صلة الأرحام وزيارة المرضى وتقديم المساعدات للمحتاجين، فيما تشكل مسألة تبادل الأطعمة بين العائلات قبل الفطور بوقت قصير، نكهة خاصة لهذا الشهر الفضيل. ويخيم الحزن على الشيعة يوم 21 رمضان من كل عام لذكرى وفاة الإمام علي بن أبي طالب، الذي استشهد في مسجد الكوفة سنة 40 هجرية. ويزور أتباع المذهب الجعفري ضريح الإمام علي في محافظة النجف، وتقام مجالس عزاء في بغدادومحافظات الجنوب والوسط بعد الإفطار، وتخصص المنابر في الحسينيات إلى الحديث عن حياة الإمام علي وسيرته. يذكر أن الأجواء التقليدية لشهر الصيام غابت عن المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” في العراق منذ أكثر من عامين، حيث ألقت الظروف الأمنية الصعبة التي يعيشها العراق بظلالها على أجواء الشهر، وغابت الطقوس المعروفة، وخاصة في مدن عراقية كبيرة، مثل الموصل والرمادي ومدن أخرى تعيش تحت الراية السوداء للتنظيم. وطبقاً لروايات شهود عيان، فإن تنظيم “داعش” يُجبر الشباب في أحياء مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، على أداء فريضة الصلاة في المساجد، ويمنع النساء من الخروج من المنازل خلال شهر رمضان، محذرين الأهالي من مشاهدة البرامج والمسلسلات الرمضانية التي تعرض عبر المحطات الفضائية، وإلا تعرضوا لعقوبات قاسية، فضلاً عن منع كل الألعاب الشعبية التي كانت تمارس من قبل الشباب خلال شهر رمضان ومنها لعبة المحيبس وغيرها.