كتبت منة حسام الدين ومحمد عمدة: 19 ساعة صيام في ألمانيا والمجر ولا وقت لصلاة التهجد. ناصر: الصيام أحلى في كندا.. ومنال: نقلت رمضان إلى بودابيست بالزينة وقرآن المغرب. عادات وطقوس نشأوا عليها، ظلوا طوال حياتهم يحاولون التمسك بها، وإن أبعدتهم المسافات عن أوطانهم، بقيت محاولات الحفاظ على هويتهم هي شغلهم الشاغل وخاصةً بحلول شهر رمضان. المصريون في "الغربة" وإن اختلفت طقوسهم اليومية في شهر رمضان، إلا أنهم يشتركون في حالة "الحنين" التي تظهر عليهم بمجرد الهروب بخيالهم إلى أيام كانت "لمة العيلة" في الإفطار والصلاة هي أهم ما يميز الشهر الكريم، حتى وإن تظاهروا بالقدرة على التعايش مع حياتهم في بلادهم الجديدة. في كندا.. الإفطار يفتقد ل"دلع" المائدة المصرية تجمع المائدة مختلف الطوائف والجنسيات، والأكلات متعددة الأنواع والنكهات، وعادات وتقاليد مختلفة وأحاديث سياسية واجتماعية تدور دون توقف وكأنها فرصة للعودة إلى الأصول دون تكبد معاناة السفر، هناك في كندا هذا أهم ما يميز الولائم الرمضانية التي يحرص المهاجرون على إعدادها سنويًا للحفاظ على ما تبقى من نكهة الشهر الكريم. يقول ناصر البلتاجي، أحد المهاجرين المصريين إلى كندا منذ أكثر من 20 عامًا، إن تمضيته لشهر رمضان في كندا جعلته يعتاد على أن يجتمع مع جيران وأصدقاء له من المذهب الشيعي على مائدة واحدة وفي مكان واحد للصلاة مضيفًا: "تعودت على أننا لما بنتجمع في عزومة، إحنا المسلمين السُنة بنكسر صيامنا على آذان المغرب لكن ما بنبدأش الأكل إلا بعد ما الشيعة يفطروا لانهم وفقًا لمذهبهم بينتظروا دقائق زيادة بعد الآذان عشان يفطروا". ويتابع ناصر: "لمة المهاجرين العرب بيسيطر عليها الكلام في السياسة، قبل الربيع العربي كان الموضوع مقبول لأن معظم الناس كانت متفقة على إن الحكومات العربية سيئة، و لكن للأسف بعد الربيع العربي الناس اتقسمت جامد لدرجة أن في مجموعات بطلت تكلم بعض". ويحرص ناصر على أن يمضي أيام شهر رمضان وكأنه مازال يعيش في وطنه الأم، تزيين المنزل وجلب مستلزمات الشهر الكريم من طعام ومشروبات، عادات مازالت متآصلة في نفس ناصر وعائلته الصغيرة المكونة من زوجته وأبنائه الثلاثة. ويقول "بنقضي نهار رمضان وكأننا في مصر، صوم وصلاة، متاعب الحياة هنا أقل فالصيام بيكون أحلى، لكن أصعب حاجة بنواجهها هو الضغط الناتج عن ان كل المحيطين بك يستطيعون تناول الطعام، وأنت وحدك الممتنع عن أي طعام أو شراب". ويؤكد ناصر أن انخفاض حرارة الجو ونقائه في كندا يجعل الصيام في المدن الكندية أسهل من مصر خاصًة مع مجيء الشهر الكريم في فصل الصيف. 17 ساعة ونصف هو عدد ساعات الصيام في كندا، وتحديدًا في مدينة "أدانا" حيث يعيش ناصر وعائلته، وعلى الرغم من أن أقرب مسجد ينظم تجمعات يومية للمسلمين في رمضان، يبعد عن سكنه مسافة تصل إلى 20 دقيقة بالسيارة، لكنه يجد كل ما يحتاجه من في محيط منزله: "كل المحلات فيها لحوم حلال وياميش ومكسرات بجودة أفضل من مصر، وكمان المهاجرين الشوام منتشرين، وبيعملوا حلويات رمضانية تأكد أن المصريين مابيعروفش يعملوا حلويات شرقية". ويقول ناصر إنه يشعر أن رمضان الكندي لا يختلف كثيرًا عن رمضان في مصر، ولايمنعه ذلك من الاعتراف بأن هناك مهن وأكلات مصرية يفتقدها ولا يجد لها بديلًا في كندا. ويضيف: "نفسي يكون في في كندا بوابين للعمارات، هنا كل واحد لازم ينزل يعمل حاجته بنفسه، وكمان وحشني أكل الموزة والعكاوي، الدلع دا اللي كنا بنلاقيه في مصر". في فرنسا.. الصلاة ممتدة من المغرب وحتى الفجر في شوارع مدينة فيرساي بفرنسا، يتحرك عمر الشريف الشاب المصري بدراجته، قبل 20 دقائق من آذان المغرب، متوجهًا إلى مسجد المدينة، لا يطيق الجلوس بمفرده في البيت، رمضان يُحب الصُحبة والأجواء الروحانية، يصل لحظة الإفطار، يتناول مع الحضور طعام يقول عنه الشريف: إنه مجرد تمر ولبن ومياه وعيش، ثم يقوم للصلاة، بعد الانتهاء منها يتجول بالقرب من المسجد، لا يبتعد كثيرًا، ثم يعود بعد ساعة لأداء صلاة العشاء. الجاليات العربية في فرنسا كبيرة، غير أن المدينة التي يعيش فيها لا تحوي عدد كبير من المسلمين، لكنه ينعم بصُحبة جيدة خلال صلاه التراويح داخل مسجد فيرساي، تجعله يتلمس أجواء الشهر الكريم، وبعد نهاية الصلاة ينطلق إلى المنزل لتناول بعضًا من الطعام يشتريه من محلات الأكل الحلال، ثم ينتظر لأكثر من ساعة قبل أن يُعد وجبة السحور التي لا تختلف كثيرًا عن وجبة الإفطار. ويتلقى الشريف منذ بداية رمضان كل يوم العديد من الأسئلة حول الصيام الذي يمتد لأكثر من 18 ساعة في اليوم، من قِبل زملائه في الجامعة، يتعجبون من الأمر خاصة الامتناع عن الشرب، يعتبرونه فِعل مجهد، لكنه يقضي جزءًا من يومه في التعريف بالإسلام وشرح طبيعة الصوم وأنه عبادة دورها مقاومة النفس والتحكم فيها. أيام صعبة تمر على المسلمين هناك لقلة عددهم لكن رُزق الشاب المصري بمعارف جُدد حينما تعرف على إمام مسجد فيرساي خلال صلاة التراويح، واكتشافه أن الرجل مصري من محافظة المنصورة، وصارا أصدقاء، تلقى دعوة من الأخير للإفطار في منزله، كانت المرة الأولى التي يرى فيها قناة مصرية في بيت فرنسي، فضلًا عن السعادة الفائقة التي انتباته عندما رأى على المائدة أكل مصري. في المجر.. يختفي "المحشي" وتقل "الولائم" "أفتقد كل تفاصيل رمضان التي كنت أعيشها في مصر، هنا لا أشعر بأي شيء يميز الشهر الكريم لأن مفيش أهل ولا صحبة"، هكذا تعلق منال السيد، المهاجرة المصرية إلى المجر منذ عدة أشهر، على تمضيها لشهر رمضان بعيدًا عن وطنها الأم. وتحاول منال جاهدة أن تنقل أي من مميزات الشهر الكريم إلى منزلها في "بودابيست"، وحرصت على إعداد زينة رمضان بنفسها لتعليقها على مدخل المنزل، كما تنتظم في تشغيل قرآن المغرب يوميًا حتى تعوض فكرة عدم سماعها للآذان، وتقول:" إللي مابيعرفش لغة مجرية هيبقى بعيد عن الناس، عشان كدا أنا بعيدة عن الجالية المسلمة فبحاول أخلق لنفسي جو خاص برمضان في منزلي". أجواء منال الرمضانية، اشتملت أيضًا على شرائها لبعض المستلزمات الغذائية من مصر للتغلب على عدم توافر جميع المنتجات التي تفضلها في المحلات التركية بالمدينة المجرية: "بجيب من بودابيست الياميش والبلح ومنتجات كتير، لكن بحاول لما انزل مصر أجيب الحاجات اللي مش بعرف ألاقيها هنا و أخليها عندي، ومنها مكونات المحشي إللي مش موجودة في المجر". وتروي منال تفاصيل يومها في بودابيست والذي ينقسم إلى 19 ساعة صيام و5 ساعات فقط إفطار، "بصلي في البيت وكل حاجة بعملها مع زوجي في البيت حتى القطايف والطعمية بقيت أعملهم في البيت". وتؤكد أنها حتى اللحظة لم تتمكن من بناء صداقات مع المحيطين بها وهو ما جعلها تمضي جميع أيام الشهر الكريم وحيدة مع زوجها داخل منزلهما: "مفيش أي عزومات للأسف، أنا بفطر مع زوجي وبعدين نصلي ثم نبدأ في تحضير السحور، وفي بعض الأوقات بنتفرج على مسلسل الكبير على الإنترنت عشان أحس إن في حاجة لسه بتربطني بمصر". في ألمانيا.. رمضان في القلب فقط أنهت نيرة مصباح، الفتاة العشرينية، قبل أيام من شهر رمضان الكريم، يومها الدراسي سريعًا في إحدى الجامعات الألمانية، لبدء جولة لشراء ياميش رمضان داخل مدينة "كيل" أقصى شمال ألمانيا، التي تسكن فيها منذ قدومها في أبريل 2013. تقول نيرة إنها تهتم بالحصول على مشروبات ومأكولات رمضانية مثل قمر الدين والتمر والتين المتوافرة في المحلات العربية المنتشرة في المدينة، فضلًا عن سماع الإذاعة المصرية والابتهالات حرصًا منها على استدعاء جزءٍ من طقوس الشهر الكريم في مصر. وتتعدى ساعات الصيام في ألمانيا 19 ساعة يوميًا، ولا توجد أية مظاهر رمضانية من انتظار وتلهف الناس واحتفالات وطقوس حضوره كما يحدث في الدول الإسلامية، هناك لا ينتبه إليه سوى المسلمين المتواجدين داخل المدينة، توضح نيرة أن الألمان لا يلتفتون للأمر، الحياة تمضي باعتيادية شديدة، غير أن زميلتها في السكن تُقدر استخدامها المطبخ في وقت متأخر لإعداد الإفطار قبل آذان المغرب في العاشرة مساءً، وهو توقيت يتداخل مع ساعات النوم لدى الألمان. وتنتشر مساجد عديدة عربية وتركية داخل المدينة، وتقوم بإعداد وتقديم وجبات الإفطار للمحتاجين أو الباحثون عن تناول الطعام في جماعة، كما تستقبل تلك المساجد الطلبة والعائلات لأداء الصلاة فور أذان المغرب، بعدها لا يغادرون المكان، ينتظرون صلاة العشاء في الثانية عشرة من منتصف الليل، ثم التراويح، لينتهوا منها قبل الفَجر بساعة، ولا يمكنهم أداء صلاة التهجد لعدم وجود وقت كافي. ويعد اليوم طويلًا على الصائمين في مدينة "كيل"، والأجواء مختلفة، والناس يأكلون من حولك، بعضهم بحسب نيرة، قد يطلب منك مشاركته الطعام "ولن أقول لكل شخص أني صائمة.. ليس لدي طاقة للشرح" تقولها نيرة مشيرة إلى أن تفاصيل شهر رمضان في مصر منتشرة في كل مكان لكنه في ألمانيا داخل قلبها.