الطابع الانتقامى واضح وضوح الشمس فى المذبحة البشعة التى شهدها استاد بورسعيد، فشباب الألتراس كان ضلع القوة فى أحداث ثورة 25 يناير وما تلاها. كان هذا الشباب بطل موقعة 28 يناير ضد الشرطة القمعية لنظام المخلوع، وموقعة محمد محمود وموقعة مجلس الوزراء، ومن بينهم سقط الكثير من الشهداء أثناء تلك المواقع. فى هذا السياق جاء الانتقام منهم بذبح أكثر من سبعين من شبابهم يوم الأربعاء الدامى. وكما دار الحديث فى المواقع السابقة حول الطرف الثالث دار هذه المرة. وحقيقة الأمر أن موقعة بورسعيد أكدت أن هذا «الأشكيف» الوهمى القاتل ليس فردا أو جهة واحدة بل هو مركب من عدة أطراف، بعضها داخل طرة، وأحدد بالاسم خائب الرجاء «جمال مبارك» ووزير داخلية المخلوع السفاح «حبيب العادلى»، وبعضها خارج طرة ويبرز من بينهم عدد من القيادات الشرطية التى تدين بالولاء ل«العادلى» والطرف الممثل لجهة التمويل ويتحدد فى زوجة المخلوع «سوزان ثابت». هذه الأطراف تشارك بالفعل مع أطراف أخرى تتورط بالسكوت - وتشمل المجلس العسكرى والإخوان - فى مجموعة الجرائم الممنهجة التى تشهدها مصر منذ اندلاع ثورة «استكمال الثورة» يوم 25 يناير 2012. والأفعال الانتقامية يمكن تفسيرها بسهولة من خلال البحث عن الخاسر فى حدث معين بصورة تسوقه إلى الانتقام ممن كان سبباً فى خسارته. وجمال مبارك كان الخاسر الأكبر من قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير التى أطاحت بأحلامه المريضة فى وراثة أبيه الديكتاتور الأكبر، لذلك من الطبيعى أن يسعى بكل طاقته وقوته إلى الانتقام ممن أعجزه عن الوصول إلى حلمه. وقد وجد فى متنزه طرة أرضاً خصبة لإشعال روح الانتقام داخله وتركيز تفكيره فى التخطيط له، خصوصاً أن خروج المجلس العسكرى من السلطة بات وشيكاً ليخضع جمال وأخوه وأبوه وأمه لمحاكمة حقيقية بعيداً عن حماية المشير. ويتآزر مع جمال مبارك حبيب العادلى الذى يقوم بإبلاغ رجاله فى الداخلية بما يجب فعله، ويتلقف رجال الداخلية الناقمون على الشعب - خصوصاً شباب الألتراس - هذه التكليفات ليتم تنفيذها على أرض الواقع تحت سمع وبصر وزراء داخلية عجزة وغير قادرين على التخلص من هذه القيادات بسبب ضغوط المجلس العسكرى. والكل يذكر واقعة اعتداء الأمن المركزى على شباب ألتراس الأهلى فى شهر سبتمبر الماضى عندما هتفوا ضد حبيب العادلى، ويجب ألا ننسى أيضاً أن محامى حبيب العادلى استشهد بأحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وهو يدفع عن السفاح تهمة قتل المتظاهرين ليؤكد أن هناك طرفاً ثالثاً يقتل بعيداً عن الداخلية. وكلما سقط المزيد من الشهداء اتخذ «العادلى» ودفاعه ذلك ذريعة للحديث عن براءته من تهمة قتل المتظاهرين أثناء أحداث الثورة. أما سوزان ثابت فهى الممول الرئيس لهذه العمليات الانتقامية القذرة، فالسيدة الحقود يزدحم قلبها بالغل والرغبة فى الانتقام، ليس فقط بسبب حسرتها على مشهد مخلوعها وابنيها الذين يحاكمون محاكمة هزلية، بل لإجهاض حلمها فى أن تكون ملكة مصر أيضاً! لقد أشارت تسريبات تناقلها بعض وسائل الإعلام إلى ما جاء فى مذكراتها وكيف أن حلم ملك مصر كان يراودها فى صحوها ومنامها! لقد تركت هذه السيدة مطلقة السراح تحت سمع وبصر المجلس العسكرى رغم ما وجه إليها من اتهامات تمت تسويتها بشكل مريب، حين أفرج عنها بعد القبض عليها نظير أن تتنازل عن أرصدتها المالية لصالح الدولة (24 مليون جنيه!)، وبناء عليه تم إخلاء سبيلها على ذمة التحقيقات التى تجرى معها بمعرفة جهاز الكسب غير المشروع، وهو موقف غريب يتم فيه العفو عن اللص لمجرد أنه أعاد «السريقة»! إذن الطرف الثالث الفاعل هو عبارة عن مثلت يتكون من ثلاثة أضلاع: جمال وأمه وحبيب العادلى وأبناؤه فى الداخلية. ولم يكن لهذا المثلث أن ينجح فى الانتقام من الشباب الذى ثار ضدهم وأذلهم جميعاً لولا سكوت أطراف أخرى تجلس على كراسى السلطة الآن ولها ثأر أيضاً مع هذا الشباب، فالمجلس العسكرى – أبرز الساكتين – غاضب من الألتراس أشد الغضب لأنهم أول من هتف بسقوط العسكر، وهو يعلم أنه سوف يغادر السلطة عما قريب تحت ضغط رفض الشارع الثورى له، لذا فأعضاؤه الآن يحرصون على تأمين أوضاعهم المستقبلية دون اكتراث بما يحدث فى الشارع ولا يشغلون بالهم به مهما كان حجمه أو عدد ضحاياه. وفيما يبدو أن المجلس وعد المخلوع وابنيه وبطانته بتركهم يفعلون ما يريدون فى هذا البلد. وهناك طرف آخر يشارك بالسكوت عن هذه المهزلة وهو الإخوان المسلمون الذين أصبحوا جزءاً من مركب السلطة السياسية بالقوة قبل الانتخابات وبالفعل بعدها، فالإخوان يتسامحون كثيراً مع المجلس العسكرى وأسلوبه فى إدارة البلاد وتركه الملعب مفتوحاً أمام الأفعال الانتقامية التى يقوم بها مثلث الطرف الثالث الذى أشرنا إليه. يضاف إلى ذلك عدم رضائهم عن الشباب الثورى وميلهم إلى تهدئة الأمور حتى يتمكنوا من تثبيت أوضاعهم الجديدة التى سيطروا فيها على المجالس التشريعية، وهم يريدون الآن التفرغ لانتخابات الرئاسة لينظروا ما هم فاعلون. لقد كتب أحد شباب الألتراس معلقاً على مذبحة بورسعيد «إحنا جيل اتحكم عليه بالإعدام عشان فهمنا». من يتأمل عمق ونفاذ المعنى الذى تشير إليه هذه الجملة سوف يخرج بحقيقتين، أولاهما أن هذا الشباب لن يسكت بعد أن هتك ستر كل القوى الشائخة التى حكمت عليه بالإعدام، وثانيتهما أن هذا الجيل سوف ينتصر فى النهاية، فالتاريخ يشهد أن الشباب لا يدخل معركة مع الشائخين إلا ويكون النصر حليفه.. والأيام بيننا!