كنت أتمنى أن أسمع الرئيس السودانى عمر البشير، يقول بكل عزمه إن «جوبا» سودانية وستبقى سودانية إلى الأبد، وأن يظهر قدراً من الإيمان بوحدة أرض السودان، وقدراً من الجدية فى بلوغ هذا الهدف، لكن الرجل ترك نصف مساحة بلاده تتزايد احتمالات انفصالها، ويبدو داعماً لهذا الانفصال، ثم خرج بجرأة القائد الشريف الذى لا يقبل التفريط فى حقوق بلاده وأراضيها، ليقول إن حلايب «الواقعة داخل الحدود المصرية شمال خط عرض 22» سودانية وستبقى سودانية. دعك من الحديث عن توقيت تصريحات الرئيس السودانى المفاجئة، وهل هى محاولة للضغط على مصر بسبب إعلانها قبول نتائج الاستفتاء على انفصال الجنوب أياً كانت، أو اللعب معها بورقة حوض النيل التى تبدو الخرطوم وحدها مع مصر فى مواجهة باقى دول الحوض، لكن حاول أن تصدق أن الرئيس السودانى، الذى نجح فى 20 عاماً قضاها فى السلطة، فى تكريس الحرب الأهلية داخل السودان، وتقسيم البلاد إلى مناطق نزاعات طاحنة، وتحويل الوحدة الكاملة لأرض السودان إلى حلم بعيد المنال، يحاول دغدغة مشاعر الجماهير هناك، بإعلانه التمسك بحلايب، دون أن يجرؤ أحد على أن يسأله، لماذا تتمسك بحلايب ولا تتمسك بجنوب البلاد، هل تجد أن حلايب أهم من جوبا؟ وماذا فعلت لتصون وحدة بلادك منذ توقيع اتفاق السلام وإقرار مبدأ استفتاء على تقرير المصير؟ هل اجتهدت لتجعل الوحدة خياراً جاذباً للجنوبيين؟ وما دلائل هذا الاجتهاد؟ لا يبدو أن الرئيس السودانى يستشعر أى درجة من الحرج أو العار، عندما يذكر التاريخ أن السودان انشطر إلى نصفين فى عهده، ولا يكترث بما ستدونه الصفحات عن سياساته التى قسمت البلاد، وفجرت مناطق توتر فى الشرق والغرب والجنوب، وعن تفضيله البقاء فى الحكم ولو على جثة السودان الموحد، وبدلاً من أن يتخذ إجراءات تعزز الوحدة ويتبنى سياسات تحافظ على سودان موحد ومدنى وديمقراطى، يقوم على العدالة بين جميع مواطنيه دون تمييز إثنى أو عقائدى، فإنه يفضل التخلص من نصف مساحة البلاد، ونصف سكانها، مقابل أن يتخلص من «آخر» عجز عن إدارة حوار معه أو احتواء له، ليبقى له الشمال يمارس فيه تطرفه الدينى كما يشاء. يؤمن الرئيس السودانى بأن حلايب سودانية ويريد أن تبقى سودانية، لكن الأرجح أنه لا يؤمن بأن «جوبا» سودانية ولا يريد لها أن تبقى سودانية، لأن المنفعة الخاصة عنده أهم بكثير من المصالح العليا والأهداف الكبرى، فلا قداسة عنده للسودان الموحد، ولا اكتراث لديه بالتراب الوطنى، وإلا ما حاول أن يناضل فى المكان الخطأ، ولا فى الوقت الخطأ..! [email protected]