«المحافظ أخدها من الفرن».. أول تعليق لوالدة إحدى طالبات مدرسة القابوطي الإعدادية بنات ببورسعيد    «القومي للمرأة» يشارك في الملتقى الدولي لفنون ذوي القدرات الخاصة «أولادنا»    عاجل.. الذهب يصعد إلى قمة جديدة مدعومًا بثقة المستثمرين    الرئيس التنفيذي ل "صندوق الإسكان الاجتماعي" تعرض التجربة المصرية الرائدة لتوفير السكن الملائم للمواطنين    وزير الخارجية يلتقى مع نظيره الإيطالى على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة    انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة    رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا: إسرائيل كثفت غاراتها مسببة دمارا وضحايا مدنيين    بث مباشر يلا شوت مشاهدة مباراة بيراميدز والأهلي السعودي في كأس إنتركونتيننتال 2025    بوليتانو في نابولي حتى 2028    جوارديولا يحسم موقف مرموش من مواجهة السيتي في كأس الرابطة    محافظ الدقهلية يتابع حملة مشتركة للكشف تعاطي المواد المخدرة والمخالفات المرورية بمنية سندوب    نائب محافظ القاهرة تقود حملة لرفع الإشغالات والتعديات بمدينة نصر    «تذاكر مجانية وبنصف الثمن».. تعرف على تسهيلات السكة الحديد لكبار السن 2025    46 دولة وعرض 131 فيلمًا ضمن 8 مسابقات بمهرجان الإسكندرية السينمائى.. فيديو    كريم أبو ذكري يحصد جائزة أفضل منتج درامي لعام 2025 في مهرجان الفضائيات العربية    محافظ الدقهلية: فتح عيادة أطفال ونقل لجنة القلب إلى مركز اللجان الطبية التخصصية بسندوب لخدمة أبناء المحافظة    الصحة تكشف حقيقة تعرض مواطنة للإهمال الطبى بمستشفى أم المصريين (فيديو)    الواسطى وناصر ببنى سويف يستعدان لفصل الشتاء بهذة الإجراءات (تفاصيل)    وفاة وإصابة 13 شخصا في تصادم ميكروباص مع جامبو بالشرقية    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد انتظام العمل بمستشفى العريش    منتخب الشباب يودع كوينتيرو بجولة ترويحية.. ويغادر إلى سانتياجو استعدادًا للمونديال    اليوم العالمي للغة الإشارة.. 4 خطوات أساسية لتعلمها وإتقانها    المستشار محمود فوزي يبحث مع وزير الشباب مبادرات مشتركة تستهدف توعية وتأهيل النشء    محافظ المنوفية يلتقي رئيس الجامعة لبحث أوجه التعاون وتعزيز الشراكة    ليفربول يخطط لمكافأة جرافينبيرج بعقد جديد    رونالدو يحتفل باليوم الوطنى ال95 للمملكة بالزي السعودي.. صور    التعليم العالي: اليوم آخر فرصة للتقديم الإلكتروني لطلاب التكنولوجيا التطبيقية    أبراج تفضل الزواج عن حب ومالهاش في الصالونات.. برج الحمل والأسد الأبرز    محافظ أسوان يتابع حملة رفع أكثر من 400 حالة إشغال بالسوق السياحي القديم    مصر تستضيف ورشة عمل اللجنة الدولية المعنية بتعزيز سياسات حماية المستهلك    «سلم الراية.. في قنبلة موقوتة».. نجم الأهلي السابق يطالب الخطيب بالابتعاد عن النادي    «أسوشيتد برس»: نصائح الدكتور ترامب للنساء الحوامل بشأن باراسيتامول خطيرة وغير مثبتة    عبلة الألفى تطالب بأهمية التوسع فى الولادة الطبيعية بمنظومة رعاية الأم والطفل    التفاصيل الكاملة لألبوم مصطفى قمر الجديد «قمر 25» وموعد طرحه    أجواء خريفية معتدلة صباح غد وشبورة واضطراب بالملاحة والعظمى بالقاهرة 32    بالمستند.. «التعليم» تصدر تعليمات بشأن دراسة مادة اللغة الأجنبية الثانية    وزيرة التنمية المحلية توجه بدعم السياحة البيئية بالمنطقة    خبر في الجول - أوسكار رويز ينوي إضافة عدد من الحكام الشباب في القائمة الدولية    دول غربية تعرض المساعدة في علاج مرضى من غزة في الضفة الغربية    ميدو يهاجم رابطة الأندية بسبب بيراميدز: "قلة احترام وتقدير"    نائب ب«الشيوخ»: قرار الرئيس بالعفو عن عدد من المحكوم عليهم يعكس البُعد الإنساني ويعزز قيم العدالة والتسامح    دعاء استقبال شهر ربيع الآخر 1447.. ردده الآن    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    نسرين عكاشة: موافقتي على جزء سادس من مسلسل "ليالي الحلمية" غلطة وندمانة عليها    محافظ أسيوط يشهد احتفالية تكريم المتفوقين من أبناء دار الصفا لرعاية الأيتام    وزيرة الخارجية البريطانية تشن هجوما جديدا على نتنياهو بسبب أطفال غزة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 23-9-2025 في محافظة الأقصر    كجوك يستعرض جهود تحفيز الاستثمار بالتسهيلات الضريبية والسياسات المالية الداعمة للإنتاج والتصدير    ما حكم صلاة مريض الزهايمر.. «الإفتاء» توضح    أسعار الخضروات بأسواق المنيا اليوم الثلاثاء23 سبتمبر 2025    وزير الخارجية: قلقون لما يتعرض له التراث الفلسطينى من تدمير إسرائيلى    حكم لبس الحظاظة في الإسلام.. دار الإفتاء توضح    قضية المياه تتصدر مباحثات السيسي ورئيس رواندا في القاهرة اليوم    حكم فسخ الخطوبة بسبب ترك الصلاة.. دار الإفتاء توضح    آخر تحديث لسعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الثلاثاء 23 سبتمبر 2025    بعد البيانو.. سميح ساويرس يكشف عن حلمه الجديد: أستعد لإخراج أول أفلامي.. وهذه نصيحي للشباب    الداخلية تكشف ملابسات صورة جرافيتي على مبنى محافظة الدقهلية    إبراهيم المصري: لست ضد كامل أبو علي.. وغير راضٍ عن اسكواد الفريق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما عاد عمرى يسمح
نشر في المصري اليوم يوم 04 - 06 - 2011

أنا فى السبعينيات من عمرى. ومن الممكن القول إنى فى «شباب» الكهولة، إنه إذن التعبير، ذلك أن عمر الإنسان لا يحسب بالسنين، وإنما بقدر رحابة تجربته. ذاكرتى لم تصدأ بعد وقلبى مازال نابضاً بحب الحياة والمرأة وحماسى لم يفتر بعد، وإيمانى بالمستقبل بلا حدود، عشقى للحرف لا يتوقف. أحمل خبرات حياتية فوق ظهرى لأكثر من أربعين عاما. عشت عصر العمالقة صناع وجدان مصر فى الأدب والفن والفكر والغناء، أشجتنى أم كلثوم كما أشجانى السجينى بفنه المنحوت، طربت لعبدالحليم كما أطربنى يوسف إدريس بقصصه، طفت مع السندباد د. حسين فوزى مدن الفكر، كما دوخنى زكى نجيب محمود بفلسفته.
أحببت جمال عبدالناصر الرمز وكرهت نظامه المستبد. عشقت مغامرات السادات السياسية وكرهت أبواب الانفتاح سداح مداح، أحببت مبارك السنوات الأولى وكرهت تسلط بيته عليه وتغييب مستشاريه له. انحنيت احتراما لفؤاد محيى الدين رئيس الوزراء وقدرت عاطف صدقى وصدمنى أحمد نظيف ورجال أعماله السودة، عظمت سيرة طلعت حرب لأنه بنى اقتصاد مصر وترك بصمة وأسقطت من حسابى من لعب باقتصاد مصر وترك جرحا كله صديد. أشفقت على جيش مصر النكسة الذى لم تختبر صلابته وعاد حافياً ذليلاً. وصفقت للسادات ككل المصريين عندما كسبنا حربا بالتدريب والدهاء والمراوغة، أخرجتنا من عتمة الانكسار. احترمت الشيخين الجليلين الباقورى والغزالى، وتأذيت من الأسلمة السياسية واللحى المريبة. أحمل فى قلبى احتراما لحكمة البابا شنودة وروحانية البابا كيرلس، وعلم متى المسكين.
تعلمت من سلامة موسى كيف أقرأ، ومن أحمد بهاء الدين كيف أفكر ومن فتحى غانم كيف أصوغ عبارتى، ومن إحسان عبدالقدوس كيف أصون قلبى. أعطيت كل شبابى لمهنة الصحافة وحين سرت يافعا كتبت المقال وجلست يوما على نفس ذات المقعد الذى جلس عليه أحمد بهاء الدين رئيسا لتحرير «صباح الخير». حملت لواء الصحافة التليفزيونية وقدمت آلاف الحلقات وكسبت مصداقية شارع، رأى مصريا أسمر لا يتمتع بأى وسامة وفى يده ميكروفون وخلفه عدسة.
صرت أحاور الكبار والوزراء والعلماء والمفكرين ورجال الجيش، كانت أسئلتى المدببة هى «رأس الحربة» فى أحداث المحروسة. نجوت بنفسى من الأحزاب «لعبة الصراعات والوقيعة»، ربما خسرت فى نظر البعض ولكنى كسبت نفسى: فأنا لا أحلم بالمناصب أو المقاعد، ومهنيتى تتلخص فى كلمتين: قلم وعدسة، وقد شبعت حضوراً يرعاه الله، ما عاد عمرى يسمح بالصمت: فالفساد الذى استشرى سرطانيا فى جسد وطن كان لابد له من «ثورة» تزيل العفونة وقد كان الحل فى يناير 2011.
وما أرهق الناس هو ذلك «التشوه» الأخلاقى الذى مارسه البعض بالكلام المرسل وجر رجلين شرفاء بلا مستندات دامغة باترة وهى بلاغات للتشفى ونشوة الانتقام. وقد استنفد هذا العبث الوقت والجهد، مما يوصف بهدر طاقة المصريين لكنها حالة كبت وحرمان طويل من الاحتجاج.
ما عاد عمرى يسمح بالكلمات الملونة المرشوش عليها مسحوق الحذر: فالقاضى الذى سيصدر حكما مستوحى من الأوراق التى أمامه ومن ضميره، لن يتأثر بالجماهير المليونية وإلا صرنا أمام مقصلة ليست «صناعة مصرية» خصوصاً لثورة قامت لتحقق «عدالة»، فليس من العدل أو العدالة أن تصدر أحكام، عينها على المليونيات. وعندى ثقة أن التاريخ سيصف يوما قضاء مصر فى مثل هذه الأزمنة ب«أيقونة» الضمائر الحية.
ما عاد عمرى يسمح بعدم مواجهة شباب الثورة بتصور خاطئ يخاصمه الصواب أننا أجيال توقفت عن الصراخ فى وجه الحكام، فصراخنا واحتجاجاتنا كانت «المادة الخام» لجنين ثورة فى رحم المستقبل. نحن نحمل خبرة أكثر منكم، خبرة لم تكن لها آليات تكنولوجية، كتلك التى تربت فى أذهانكم فى السنين الأخيرة..
نحن عشنا عصوراً مختلفة واتمرمطنا وتعبنا وأرهقتنا الأيام. لم تكن الرحلة وردية ولا نزهة على شط النيل بل كانت كفاحا مضنيا بلا مليونيات ولا فيس بوك. ما عاد عمرى يسمح بالنفاق الرخيص لثورة شباب لديه الحس للتمييز بين ثبات الموقف وأرجوحة المواقف.
بين الكبرياء الشامخة والبندول المهزوز. بين احترام الذات وتنطيط الأقزام فوق الأكتاف. بين من يواجهكم بالأخطاء، وطابور المداحين والكورس الذين يزينون لكم الأخطاء. بين من يسدون لكم النصح كبشر ومن يعاملونكم كملائكة لا يخطئون. والثورة تصل إلى حالة السمو حين تتسم بالإنصاف.
ما عاد عمرى يسمح بأدب القرود، فأنا لا أعرف مع من أتكلم. ولو عرفت لاسترحت، والله لقلت: إنها آفة فى منهج الثوار وهى «الاتفاق على لا أحد» وصارت كلمة «ارحل» فى فم الأطفال وفى فم «البلطجية» وفى فم «العراة من الموهبة» وفى فم «أصحاب الصوت العالى» وفى فم «أى حد» يريد أن يزحزح أحدا من مكانه، فصارت قيمة الديمقراطية مجرد سراب ولغو و«سبوبة» على الشاشات.
الحساب ضرورة لمن سرق مالا أو أرضا أو منصبا أو وطنا. ما عاد عمرى يسمح بالصمت، فالتاريخ بعد قرن من الزمن سيصف ثورة يناير 2011 بالإعصار العظيم، ولكنه لن يسكت على «محو» تاريخ، حفر بنفسه وبأظافره فى وجدان المصريين، سيقول التاريخ لقد حاسبوا الفساد وأدانوه ولكنهم بالحكايات المخترعة والمتفبركة عذبوا جيلا من الأولاد والأحفاد، وهذا هو الجانب النفسى السيئ لثورة تحترم سلامة النفس والبدن أو هكذا أتصور.
ما عاد عمرى يسمح بحجب رأيى. يا ثوار يناير، هناك من تربص بكم و«نشل» الوهج والضياء، فتنبهوا للعباءات الملونة والجلابيب واحترموا قناعات الناس لنعيش مولد ديمقراطية. فأنتم لستم مصر بامتداد أفقها ال85 مليونا. فهذا الشعب «البائد» بفلوله «!» منهم ضابط الجيش وضابط الشرطة والقاضى ورجل النيابة وأستاذ الجامعة والمثقف ورجل الأعمال والعالم والفنان والمدرس والخبير والرياضى والمتطوعة والمربية وشباب فى أعماركم فى بلاد الله يضخون الأموال فى عروق مصر، هذا الشعب البائد فيه كفاءات مصر الصفوة والصحوة، وبدونها لا كيان للبلد.
إن أعضاء الحزب النازى فى ألمانيا قرابة تسعة ملايين ونصف المليون نازى، ولم يحدث أن سمعنا أن ألمانيا أطلقت عليه «عهدا بائداً» بعد سقوط الطاغية هتلر. تلك هى روح الديمقراطية فى أوج تحضرها. مفهوم؟
إن جموع الشعب البائد وافقتم أو أبيتم هى التى اشتركت فى الاستفتاء على الثورة، وهذا الشعب «البائد» هو الذى سيخرج منه، وافقتم أو رفضتم مجلسا شعب وشورى ومحافظون ورؤساء محليات وجامعات. هذا الشعب «البائد» هو الذى سيختار رئيس الجمهورية القادم. فيا ثوار يناير 2011 يا إخوتى، أنتم لستم بقضاة فوق منصات افتراضية!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.