تعاون بين «التعليم العالي» و«الروس آتوم» الرائدة في التكنولوجيا النووية    شروط القبول ببرنامج نظم المعلومات الأثرية ب«آثار القاهرة»    مسئول أمريكي: بايدن على استعداد لإعادة فتح مخزون النفط حال استمرار ارتفاع أسعار البنزين    "تموين الإسكندرية": غرفة عمليات لمتابعة الأسواق خلال عيد الأضحى    الآن.. سعر الدولار اليوم الإثنين 17 يونيو 2024 مقابل الجنيه في مصر    «النقل»: تشغيل محطة شحن الحاويات بالقطارات في ميناء الإسكندرية قبل نهاية العام    مقتل مسئول ميدانى فى حزب الله جراء استهداف مسيرة إسرائيلية سيارة جنوبي لبنان    «يونيو» أسود على جيش الاحتلال الإسرائيلي.. قتلى بالجملة على جبهتي غزة ولبنان    الإنفاق على الأسلحة النووية يرتفع مع تصاعد التوترات العالمية ليبلغ 91 مليار دولار    نائبة الرئيس الأمريكي: أمتنا محظوظة بكونها موطنًا لملايين المسلمين    أخبار الأهلي: سر تعثر مفاوضات الأهلي مع ثنائي الدوري الروسي    فى ثاني أيام العيد.. إقبال كثيف على مراكز شباب بالمنيا    إقبال كثيف على مراكز شباب المنيا في ثاني أيام عيد الأضحى    بوليفيا يتحدى تاريخه المتواضع في كوبا أمريكا    عاجل.. مفاجأة في تشكيل الزمالك المتوقع أمام المصري    نابولي يصدر بيانا شديد اللهجة بشأن رحيل نجمه    قطار المشاعر يواصل نقل الحجاج لإكمال المناسك في أيام التشريق    التحقيق مع حلاق لاتهامه بالتحرش بطفلة داخل عقار في الوراق    فسحة للقناطر بالأتوبيس النهرى والسعر على أد الإيد.. فيديو    ضبط صاحب مخزن بحوزته أقراص مخدرة وسبائك ذهبية بالقليوبية    تخطى حاجز ال18 مليون جنيه.. "ولاد رزق" يحقق أعلى إيراد يومي في تاريخ السينما المصرية    «بطل مسلسل إسرائيلي».. من هو الممثل المصري مايكل إسكندر؟    غدا.. عزاء الموزع الموسيقي عمرو عبدالعزيز في مسجد النزهة بمدينة نصر    أدعية أيام التشريق.. «الإفتاء» تحدد عددا من الصيغ المستحبة    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    عميد طب القاهرة ومدير مستشفى الطوارئ يتفقدان مستشفيات قصر العينى    ب 400 جنيه إسترليني.. علماء يطورون سماعة رأس لعلاج أعراض متلازمة «صدمة الحب»    «لست محايدًا».. حسام فياض يكشف صعوبات مسرحية النقطة العميا    كيف تتجنب المشكلات العائلية خلال أيام العيد؟.. خبير التنمية البشرية يجيب    الغردقة تتألق صيفًا بنسب إشغال قياسية وإجراءات سلامة مشددة على الشواطئ    مسؤولون بغزة: قوات الاحتلال قتلت أكثر من 16 ألف طفل خلال الحرب على القطاع    اعرف آخر وقت لتقديم الأضحية ودعاء النبي وقت الذبح    روسيا: لن نسمح بإعادة آلية فرض قيود على كوريا الشمالية في مجلس الأمن    وزيرة الهجرة تطلق «بودكاست» لتعريف المصريين بالخارج تاريخ حضارتهم    نصيحة في كبسولة.. الخطوات اللازمة لتجنب الإصابة بأمراض القلب    محافظ المنوفية: إطلاق مبادرة "الأب القدوة" ترسيخا لدور الأب    وزير الإسكان: جهاز تعمير وسط وشمال الصعيد يتولى تنفيذ 1384 مشروعا    مصرع وإصابة 4 في حادث أسفل محور عدلي منصور ببني سويف    7 معلومات عن الطيار حسن عدس المتوفى بعد الهبوط في جدة.. «مكملش 40 سنة وغير متزوج»    وفاة خامس حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    بدء دراسة كبيرة حول التغذية النباتية في البلدان الناطقة بالألمانية    إعلام فلسطينى: قصف إسرائيلى يستهدف المناطق الجنوبية لمدينة غزة    جندي إسرائيلي يتخلص من حياته بعد عودته من الحرب في غزة    حسم موقف سيرجو روبيرتو من الرحيل عن برشلونة    مصرع طفل صعقا بالكهرباء خلال شرب المياه من كولدير في الفيوم    أسعار الخضراوات اليوم 17 يونية في سوق العبور    «المالية»: تخفيف الأعباء الضريبية عن محدودي ومتوسطي الدخل    محافظ أسوان يتفقد المطعم السياحي متعدد الأغراض بعد التطوير    مدير مجازر الإسكندرية: استقبلنا 995 ذبيحة في أول أيام عيد الأضحى.. والذبح مجانًا    إسرائيل تبحث اتخاذ خطوات عقابية ضد السلطة الفلسطينية بينها الاستيطان    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيراد يومي في تاريخ السينما المصرية    مواعيد مباريات اليوم الاثنين 17 - 6 - 2024 والقنوات الناقلة    الدولار يسجل 47.75.. أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه اليوم    حكم الشرع في زيارة المقابر يوم العيد.. دار الإفتاء تجيب    مصطفى بكري يكشف سبب تشكيل مصطفى مدبولي للحكومة الجديدة    «زي النهارده».. وفاة إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوى 17 يونيو 1998    المحامين تزف بشرى سارة لأعضائها بمناسبة عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخصومة السياسية وحدودها
نشر في المصري اليوم يوم 26 - 10 - 2019

الخصومة والمعارضة السياسية يجب ألا تنعكس على الأدب والعلم والفن. هكذا كان رأى «العميد» البصير «طه حسين»، الذى تحل غداً ذكرى رحيله (28 أكتوبر 1973). ولطالما عانى «طه حسين» نفسه من آثار تلك الخصومات السياسية، وانعكاسها على مساره الوظيفى الحكومى. وعندما رحل عن دنيانا الفنان «مختار» (فى عام 1934)- مبدع تمثال «نهضة مصر»، الذى هو رمز من رموز النهضة المصرية فى مطلع القرن العشرين- كتب «طه» تحت عنوان: «المصرى الغريب فى مصر»، مستنكرًا الجحود الذى لقيه هذا الفنان الراحل «مختار» من حكومة البلاد بسبب «الخصومة السياسية»، ومن أبناء وطنه عقوقًا. ونقتطف من مقال «العميد»:
«.. كان مختار هذه المرآة الصافية المجلوة التى تنعكس فيها حياة مصر على اختلاف أزمنتها وما يحيط بها من الظروف، فكان من هذه الناحية أشد أبناء مصر اتصالًا بها وقربًا منها وتمثيلًا لها. ولكنه على ذلك كان غريبًا فى مصر أثناء هذه الأسابيع التى خُتمت مساء الثلاثاء..». «.. ويمضى مختار إلى مستقره الأخير، ومن حوله قل فى إحصائهم ما شئت فلن تستطيع أن تبلغ بهم نصف المائة..». «.. وما أكثر ما تنتهى قصص الناس فى كل يوم.. ولكن مختار كان غريبًا حقًا فى آخر حياته، وكان غريبًا حقًا فى أول موته، وأى عجب فى هذا؟ لقد آثر حياة الغربة منذ أعوام، فكان لا يزور وطنه إلا لمامًا، ولقد تعوَّد الجفوة من مواطنيه. وأكبر الظن أن ذلك كان يؤذيه.. ولو أنه رأى بعد أن مات كيف ودّعه مواطنوه لما أثر فيه ذلك أكثر مما أثرت فيه جفوة مواطنيه قبل أن يموت». «.. إنما نحن الذين ينبغى لهم أن يألموا أشد الألم، وأن يحزنوا أشد الحزن.. فقد كنا ومازلنا نتحدث بأن مختارًا هو الذى رد إلى مصر بعض حظها من المجد الفنى، وكنا ومازلنا نتحدث بأن مختارًا قد مكّن مصر من أن تُعرب عن نفسها وعما تجد من الألم والأمل بلسان جديد لم تكن تستطيع أن تصطنعه من قبل، وهو لسان الفن. وكنا ومازلنا نتحدث بأن مختارًا قد أنطق مصر بهذه اللغة التى يفهمها الناس جميعًا وهى لغة الجمال، لغة الفن، بعد أن كانت لا تنطق إلا بهذه اللغة التى لا يفهمها إلا جيل بعينه من الناس، وهى لغة الكلام. وكنا ومازلنا نتحدث بأن مختارًا قد جدد فى مصر سُنّة كانت قد رست ومضت عليها قرون وقرون. وهى سُنّة الفن، وكنا ومازلنا نتحدث بأن مختارًا قد لفت الأوروبيين إلى مصر، أقام لهم الدليل على أن مطالبتها بالاستقلال لم تكن عبثًا ولا لغوًا، وإنما كانت نتيجة لحياة جديدة، ونشاط جديد، وقد لفت مختار الأوروبيين إلى ذلك فى أشد الأوقات ملاءمة، فى وقت الثورة السياسية.. كان أسبق المصريين إلى إعجاب أوروبا.. ألم تتحدث صحف الفن عن مختار قبل أن تتحدث صحف الأدب عن كُتابنا وشعرائنا؟ ألم تستقر أثمار مختار فى متاحف باريس قبل أن تستقر آثار كُتّابنا وشعرائنا فى مكاتبها؟ كنا نتحدث بهذا كله، وكنا ومازلنا نتحدث بأن مختارًا قد رد إلى المصريين شيئًا غير قليل من الثقة بأنفسهم، والأمل فى مستقبلهم والاطمئنان إلى قدرتهم على الحياة الممتازة الراقية. كنا ومازلنا نتحدث بهذا وبأكثر من هذا، ومع ذلك فقد قضى مختار آخر حياته شريدًا أو كالشريد. وقد قضى مختار آخر أيامه فى مصر منسيًا..». «وعبرت جنازة مختار مدينة القاهرة تجهلها الحكومة المصرية أو تكاد تجهلها، لم يمشِ فى جنازة مختار ولم يقم على قبر مختار وزير العلوم والفنون. ولم يُلْقِ أحد على قبر مختار كلمة الوداع، وإنما كان الصمت يشيعه..». «ولو قد كان مختار فرنسيًا أو إنجليزيًا أو إيطاليًا وأدى لبلده مثل ما أدى لمصر لقامت الدولة له بشىء آخر غير الإهمال والإعراض.. ولكن مختارًا نشأ فى مصر، وعمل فى مصر، ومات فى مصر..». ويستطرد «العميد» ساخرًا: «ولا ننسى أن رئيس الوزراء قد تفضل فندب مَن مثّله فى جنازة مختار. وهذا، ويا لسخرية الأقدار، كثير جدًا ينبغى أن يُشكر لرئيس الوزراء، فقد ينبغى ألا ننسى أن مختارًا لم يكن من أنصار السياسة الرسمية، ولا من الذين يستمتعون بعطفها وحبها ورضاها، فكثير أن يتفضل رئيس الوزراء فيندب مَن يمثله فى جنازة هذا المعارض وإن كان صاحب فن، وإن كان قد أنفق حياته كلها لمصر لا لحزب من الأحزاب ولا لجماعة من الجماعات. لا أكذب المصريين أن لنا فى مثل هذه الأحداث والخطوب مواقف لا تشرفنا ولا تلائم ما نحب لأنفسنا من الكرامة، ولا تشجع العاملين على أن يعملوا. ومَن الذى نسى موت الشاعرين العظيمين حافظ وشوقى وموقف السياسة منهما. ذهب المعارضون بحافظ، واستأثر المؤيدون بشوقى، ثم ذهب المعارضون بمختار منذ أيام، وضُحى بالأدب والفن فى سبيل الأهواء والشهوات، وظهر المصريون فى مظهر العقوق الذى لا يليق بالشعب الكريم. لا أكذب المصريين أنهم فى حاجة إلى أن يرفعوا أنفسهم أمام أنفسهم وأمام غيرهم عن هذه المنزلة المهينة، إنهم فى حاجة إلى أن يرفعوا الأدب والعلم والفن عن أعراض الحياة، وأغراض الخصومة السياسية، لأن فى الحياة أشياء أرقى وأطهر وأكرم من السياسة وخصوماتها، والأدب والعلم والفن أول هذه الأشياء».
* هكذا تكلم المستنير المنير.. «طه حسين».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.