رئيس وزراء منذ 1995، فاز حزبه مجددا فى انتخابات 2010 التى كانت أقرب للنزاهة بوصف أغلب المراقبين، فبقى فى منصبه، وهو الآن بصدد تنفيذ مشروعه الانتخابى. دولته تحتل المركز الثالث بين الدول الأكثر نمواً اقتصادياً لعام 2011، بعد قطر وغانا اللتين تحتلان المركزين الأول والثانى. هو رئيس الوزراء الإثيوبى «ميليس زيناوى» الذى وضع الشأن الاقتصادى فى بلاده فى محور الارتكاز لفوز حزبه بالانتخابات الماضية. أشير إلى بعض التفاصيل هذه لأنه ربما يجدر بنا الآن فى مصر، التعمق فى معرفة جميع دول حوض النيل، من حيث سياساتها وكذلك سياسييها: دوافعهم، برامجهم، طموحاتهم وخططهم لتنمية بلادهم من منطلق وطنيتهم وانتمائهم وكذلك من دافع سعيهم للبقاء فى العمل السياسى الذى يبدو الآن وبشكل متزايد فى كل أنحاء أفريقيا من تونس لجنوب أفريقيا ومن غانا لمصر لإثيوبيا أنه قد صار مرتبطا وبشكل وثيق بحقوق المواطن وبقدرة السياسيين على خلق خطاب وطنى يضع مصلحة بلادهم فى المقدمة. الخطاب الوطنى الذى يستخدمه الإثيوبيون الآن بخصوص نهر النيل يستند إلى شىء من الآتى: إثيوبيا المُسْتَعْمَرة المُسْتَضْعَفة أثناء الاحتلال البريطانى أُوقع بها فى معاهدة قديمة عتيقة بدائية ترجع لعام 1929 قسّمت دول حوض النيل ما بين «دول منبع» و«دول مصب»، مفضلة ومميزة لمصر والسودان كدولتى مصب تابعتين لنفوذ بريطانيا العظمى. فيتساءل المواطن الإثيوبى: «ألم يحن الوقت لمراجعة هذه المعاهدة التى أعطت لمصر (نصيب الأسد) من نهر النيل فى حين نرى نحن الإثيوبيون البالغ عددنا 88 مليون مواطن أن 85٪ من النهر يعبر ويسرى أمام أعيننا ولا نستطيع الاستفادة منه فى مشاريع تنمية زراعية أو بناء بنية تحتية لتوليد الكهرباء؟»، بل يضغط هذا الإثيوبى على حكومته التى وعدت بالتنمية الزراعية والاقتصادية وبناء إثيوبيا حديثة متقدمة. بالنسبة لنا كمصريين، يجب أن نكون غاية فى الحكمة فى التعاطى مع «مطالب» مَن يرى نفسه مستضعفا تاريخيا. فالمستضعف فى يوم ما يقوى، داعما نفسه بمستضعفين آخرين، كى يستعيد «مكانه تحت الشمس» بعزة وكرامة. ففى السنوات الأخيرة، النظام السابق فى مصر تجاهل «مطالب» دول المنبع تماما كما تجاهل مطالب كثيرة للمصريين أنفسهم، مما جعل إثيوبيا وحزبها الحاكم المنتخب تقول إن بريطانيا العظمى، التى كتبت معاهدة «تفضل مصر والسودان تفضيلا» لم تعد عظمى! وأنه قد حان الوقت لإثيوبيا كدولة مستقلة ذات سيادة ومن خلال تحالفها مع جيرانها فى أوغندا وكينيا وبوروندى أن «تتمرد» على وضع الاستضعاف هذا من خلال تمردها على معاهدة نهر النيل البريطانية وكتابة معاهدة جديدة تضع مصالح دول حوض النيل جميعها فى الحسبان وتكون أكثر عدالة ومساواة. السؤال المهم لنا فى مصر بعد الثورة: كيف ننظر «لمطالب» إثيوبيا ودول المنبع المتكتّلة؟ ألا نجد عدالة فى مطلب إعادة صياغة العلاقة بيننا كدول حوض النيل وكوحدة واحدة لا تفصل بين «منبع» و«مصب» فى لغة تفريقية تقسيمية بدت غير متساوية، بل ظالمة لأطراف لحساب أطراف أخرى؟ وألم نجد فى تاريخ الاستعمار فى أفريقيا ما هو بمثابة «قنابل موقوتة» تعتمد أساساً على التفريق والتصنيف وتفضيل «أقلية» ودعمها وتقويتها على «أغلبية» تُهمش وتُستبعد؟ أولا نستحضر تاريخ بلجيكا التى ميزت الأقلية «التوتسى» على حساب الأغلبية «الهوتو» كل سنوات الاحتلال إلى أن وصلنا إلى لحظة الانفجار والإبادة الجماعية التى قام بها «الهوتو»، بعد سنوات من استضعافهم تاريخياً، فقاموا بأبشع صور الانتقام ضد من «فُضِّلوا» و«مُيزوا» عليهم يوما ما؟ أظن أن معظم المصريين يؤمنون بمبادئ العدل والمساواة. أوليس تجاهل هذين الأمرين فى السودان، التى تمركزت حول الخرطوم، هو ما جعل «حركة» تقوم باسميهما فى الغرب الدارفورى، متحدية تهميش الحكومة السودانية، وكذلك قامت فى الجنوب قوى مماثلة احتجت لدرجة الانفصال؟ إذن من مصلحتنا فى مصر أن نستوعب مطالب الآخرين ولا ندع مجالاً للحديث عن الخيار العسكرى، خصوصا فى ظل ظرف مصر الراهن الذى تبنى فيه ذاتها على أسس جديدة. علما بأن مصر، حتى دون المساس بحصتها الحالية لن تستطيع أن تعتمد على النيل وحده لسد حاجات مواطنيها بحلول عام 2017. إذن فى كل الأحوال علينا الترشيد والبحث عن مصادر بديلة، من تحلية ماء البحر أو الآبار أو حلول تقنية أخرى. فليكن خيارنا الذى نقتنع به تبعا لمصالحنا الوطنية هو الخيار التنموى الاستثمارى المصرى فى دول حوض النيل. وذلك حتى يمكن حل أى أزمة مستقبلية فى الحوار، والسفر، والزيارة، والاطلاع، والتقرب بل «وحب» الدول الأفريقية الأخرى ومعرفة أنها دول تستحق الاحترام والتقدير فى محاولتها للسعى لتلبية حاجات مواطنيها ومراعاة مصالحهم. وهذا قطعا ليس على حسابنا فى مصر، ولكن من خلال نظرة شاملة تضع مصالح المصرى والإثيوبى والإريترى والأوغندى والرواندى، والكينى، والسودانى الشمالى والجنوبى، والكونغولى والتنزانى والبوروندى على قدم المساواة. فقد كتبت فى هذا الشأن فى ديسمبر الماضى قبل كل الأحداث فى مصر. الآن أكرر أن «حب الأفريقى» يجب أن يكون قضية أمن قومى، وبعداً استراتيجياً فى سياسة مصر الخارجية لحماية مصالحها. * زميل مركز دراسات الشرق الأوسط - جامعة واشنطن بسياتل [email protected]