أعرف أن البشر كافة يعتقدون بأن علاقتهم مع أبائهم علاقة خاصة و أن أبائهم بالضرورة شخصيات خاصة أما أبى أو أبويا كما أحب أن أسميه عندما أتحدث عنه فسوف أتركه لكم لكي تتعرفوا عليه. هو أسمر اللون بملامح مصريه شديدة الصرامة و بعينين تنطق حبا, مؤخرا فقط تعلمت قراءه عينه, أراه يضحك و لكن مؤخرا فقط عرفت نظرة فرح ممزوجة بحب و بكلمة هؤلاء أولادي وذلك منذ أخذت أرقب نظراته لسيف (أخي الصغير). ينخدع الكثيرين في صرامة الوجه الأسمر لأنهم لا يرونه حين إعتاد أن "يطقطق أصابع قدمي " و لم يروه و هو يلفني بذراعه وسط الشارع و لم يروه و هو يطلب منى أن أحضر مشط "و العب في شعره شوية " و لا أخفى عليكم هذا هو وقتي المفضل لطلب أي شيء أريده. يعتقد بعض أصدقائي الذين يعرفونني أن أبى من أنصار حرية المرأة و لكن لا تنخدعوا هو يفعل ما يفعل بدافع الحب. يأخذني معه إلى القهوة لأنه يعرف أنني أعشق جلسة المقاهي. يتركني أختار قمصانه و كرافتاته و يستشيرني في الجديد منها لأنه يعلم إننى أحب الملابس الرجالي. أبويا لازال يفعل ما كان يفعله دوما, قد يأتي ليأخذني من الشغل, أبى يأخذنا إلى وسط البلد " نجيب حاجات للبنات و سيف, كل سنة و أنت طيب" هكذا يقولها لذلك الرجل الذي هاتفه. أبويا يأخذني إلى المكس في إسكندرية الساعة السابعة صباحا لنشتري سمك من حلقة السمك. أبى يأخذني إلي صلاة الفجر في الحسين ثم "أرز باللبن عند واحد هوا عارفه كويس". لازال يأخذنا لإفطار رمضان فى الحسين , و لزيزو نتانه الخاص به وحده و سندوتشات الكبده على طاولة مكسورة لكي تأكل عليها يجب أن تتوخى الحذر دائما. أبويا يرفض في كل مره أن يعطيني نقود و لكن و" أنا نازلة يدينى أد اللى طلبته مرتين" . أبى لا يحرمني أبدا مما أريد حتى و إن كان سيجارة بنكهة الشوكولاته. أبى يضحك على نكاتي و يشتري لي البلح العجوة " الصرفية كما يسميه" لأنه يعلم أننى أهواه. أبى لا يسافر السويس إلا و يشترى لى الكابوريا التى أعشقها و الجندوفلى للولو " لا أتذكر أبدا أنه ناداها بإسمها الأصلى" أبى هوا الذي يقشر لنا البرتقال. نلتف جميعا على سريره شتاءا و يقشر لنا البرتقال من الأصغر للأكبر و حتى يصل لأمي. أبى يستيقظ قبلنا يوم الجمعة و يحضر إفطارا شهيا, أبى دائما ما يحضر السمك بنفسه , و يشوى لنا من حين لأخر و يعذب الجيران أجمعين . أبى يحدثني عن سيارته و يتصور في كل مره أنى أفهم ماذا يقول . أبى يتجاذب أطراف الحديث مع أصدقائي , ويعرف عنهم الكثير بالفعل, ينخدعوا في صرامة وجهة كعادة الجميع و لكن بعد ذلك يعرفوا كل محاسنه إلى أن يروه و هو يضحك معي في الشارع فينسى مجددا أننى لست الفتاة ذات الضفائر " و يدينى بالقفا " و هو يمد زراعية ليحضنني. أبى هو الوحيد الذي يغني معى أغنية فيلم الكيت كات " يلا بينا تعالو ... نسيب اليوم فى حاله ... و كل واحد مننا يركب حصان خياله ... درجن درجن درجن ". أبى لا يتذكر سني و وضعي كفتاة شابة, فقد يرسلني أشتري له قطع غيار أو يقول لي "روحى مع عمك" و عمى هذا شاب في العشرينات .أبى قد " يقفشنى عند إيناس و ميعمليش حاجة" . أبى يتحمل نوبات غضبى. ويعرف أنها لا تتكرر كثيرا و هي عادة مسببه. "أبوكوا ده مدلعكم أوي يا ولاد سامية" أسمعها كثيرا من أقارب أمي و هم لا يعلمون حقيقة الدلع و هم لا يستيقظون على فطاره يوم الجمعة و لا يرجعون من البحر ليجدوه قد اعد الغداء, و لا يروه و هوا يرفض أن يذهب إلى كارفور ثم يعود كل مرة محمل بعلب الكاتشب و الميونيز و المكرونه على إختلاف أنواعها . أبويا هو أبا بالجملة فلا ينسى عمرو (خالي) عندما يجهز طعاما نادرا أو عندما ننوى السفر, أما بعد أن سافر فلا ينسى حنان (خالتي) , أبى علمني كيف الجمع, معنى العزوة, أبى ليس خاليا من العيوب و لكنه يعرف كيف يداوي عيوبا و جراحا ظن البعض أنها أعمق ... أعمق من ذلك. أبى علمني البلطجة و أن لا أخشى احد. "أبويا هوا سترى و غطايا " و عندما أرى أصدقائي الذين فقدوا أبائهم أخاف... و أتذكر فيروز حين تغنى شو بخاف. شو بخاف انت وهون فجأة تقوم بتصوّر صورة وحدة مش حلوة سودة وحدة والليل الصوت بيودي ولو مش مفهوم يا ريت بيتك كان منو بعيد والباب تحت البيت مش حديد بلحظة بلاقيك وبطلع تاحاكيك حبيبي تا اقدر نام هذا أبى لذلك لا تستغرب إذا سألتك : هل تقشر البرتقال جيدا ؟!!!