كنت قد قررت عدم المساس بنزاهة الانتخابات ولا الكتابة فيها، لكن هناك أشياء أسالت لعاب القلم للكتابة فاعذرونى.. فلم ينفض السامر بعد.. ولم تفك أحبال الشوادر بعد، ولم يغمض لكل باحث عن رزق من المولد جفن.. الكل وجد فيها رزقاً، وباق من الزمن ثلاثة أيام.. خطاطو اليفط وبائعو الأقمشة وأصحاب الهراوات لزوم الخناقات، أما عن عملية الصناديق الخشبية الجديدة التى حلت محل الصناديق البلاستيك التى كانت تظهر من جميع جوانبها أوراق الناخبين، فقد اختفت سواء تحولت إلى (كهنة) أو تم تحويرها لمصنوعات أخرى أو تم تصديرها لبلاد ديمقراطية أخرى. سؤال ألحّ علىّ وأنا قابعة أمام التليفزيون: ترى مَنْ مِنَ السعداء فى الحزب الوطنى الذى رسا عليه عطاء صناعة هذه الآلاف المؤلفة من الصناديق التى امتزج فيها البلاستيك بالخشب المدهون؟ وأهنئ الذى رسا عليه (عطا) الصناديق ورزقه الله من وسع من الانتخابات. ولعل الأصوات ارتفع ثمنها، لأن الإعادة مسألة حياة أو موت وحصانة وأراض وقرارات علاج وبدلات سفر، وقد وصلت أسعار الأصوات فى إحدى اللجان إلى خمسمائة جنيه!! ذلك حسب أقوال شهود عدل لا تهتز شهادتهم. وأنا لا أتهم المرشحين -حاشا لله- برشوة الناخبين، ولكن المهتم الوحيد الذى رفع سعر الأصوات.. فصوتت مصر جوعا فأراد المرشحون أن يسدوا رمق الجائعين فرفعوا الأسعار من أجل الغلابة وهو عمل سياسى بلا جدال ودخلت فيه رحمة الله، تعالى، بالمواطنين الجوعى والذين سوف يجوعون أكثر، لأن الأسعار فى ارتفاع (أسعار كل شىء) حتى يعوض المرشحون ما أنفقوه فى الانتخابات. وبينما نرى الأصوات تشترى، نرى فى ناحية أخرى لجاناً ترفض الناخبين لعدم وجود أوراق كذا أو كذا. وإليكم حكاية انتخابية يدخل فيها عدم معرفة القائمين على اللجان بأى تعليمات تريح المواطنين وتجعل أصواتهم تصل لأصحاب الحق فى الكراسى. وقد أسعدنى جداً فى تصريحات السيد المستشار سيد عبدالعزيز، رئيس اللجنة العليا للانتخابات، التى بثها التليفزيون أكثر من مرة وتسهيلا على الناخبين، بأنه يمكن اعتبار الرقم القومى وثيقة للإدلاء بالأصوات.. وفرحت برجل يجهز على البيروقراطية من أجل إراحة الناس ومن أجل حثهم على حمل مسؤولية المشاركة السياسية. لكن يبدو أن التصريحات وصلت لنا ولم تصل إلى بعض اللجان!! فقد ذهبت الأستاذة الدكتورة حنان الباز -أنا عمتها- وابنتها ياسمين على زهدى، للإدلاء بصوتيهما فى لجنة مدرسة على الجارم بالروضة فحولوهما إلى لجنة أخرى فرعية، هى لجنة المعهد الفنى التجارى بالروضة، وهناك اكتملت المهزلة فقد سألوهما عن بطاقتيهما الانتخابيتين فقالتا «ليستا معنا ولكن معنا الرقم القومى، ورئيس اللجنة العليا للانتخابات أقر بصلاحية الرقم القومى للإدلاء بالأصوات حدث ذلك بعد أن كان الظلام قد عم المكان فرحمة بهما طلبوا منهما رؤية الكشوف على ضوء موبايلاتهما الشخصية!! أما عن الأمن فحدّث ولا حرج، فقد طلب البطاقة الشخصية قبل الدخول، وحينما سألته: لماذا هذا الإجراء؟ قال «لنتأكد من شخصيتك قبل الدخول» فقالت لماذا! قال لها «دواعى أمن»!! ورفضوا طبعا أن تدلى بصوتها، لأن الرقم القومى لا يصلح، أما ابنتها ياسمين على زهدى، وهى خريجة اقتصاد وعلوم سياسية وتعمل ولديها بطاقة انتخابات، وكانت مصممة جدا على استعمال حقها السياسى، فقد سألوها عن تاريخ بطاقة الانتخابات فقالت منذ شهرين وأنا مقدمة عليها من يناير فرفضوا أيضا أن تدلى بصوتها!! لأن البطاقة حديثة.. شىء غير مفهوم طبعا!! لقد كتبت لكم بالتفصيل الممل حتى يصل الكلام.. ولو أنهم لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يفعلون.. ولكن تعودت على الكتابة من منبرى بما ينفع الناس!! ما رأيكم؟! هذه عينة من إحدى اللجان فى وسط القاهرة وليست بعيدة عن القاهرة الكبرى ولا فى الأرياف!! وحمدت الله وشكرته، لأن المرض منعنى من الخروج للقيام بواجبى الوطنى وللعلم أنا لم أشارك فى أى انتخابات من قبل، ولكن التسخيف والمناخ العام جعلانى أكثر إحساساً بأننى سوف أتواجد برأى فى النتيجة النهائية ولو أنهم كانوا «بيوجدونى» رغما عنى داخل ال99.9٪ أنا وكل الذين شاركوا بالاستشعار عن بعد. وللأسف الشديد وللأسى العميق، تضايقت جدا من الجزيرة مباشر ومن ال عربى.. من الفضائح التى نقلوها للعالم من داخل اللجان.. اللى بيجرى خلف السيد جمال مبارك بمنديل معطر ليمسح يده من تلوث بيئة الانتخابات واللى ماسك سيارة الرئيس -اثنان كل واحد من ناحية- والسيارة تجرى وتكاد تقصف رقبة كل منهما والرئيس لا يعلم بهذا الهوان، ولا أدرى من صاحب هذه الفكرة المهينة، فكرة ملامسة سيارة السيد الرئيس والجرى بسرعتها فوق السجاجيد حتى تخرج من مكان آمن.. وفى الجزيرة مباشر 12.30 منتصف ليل الاثنين فيلم يصور تسويد البطاقات ووضعها فى الصناديق!! بلا جدال لا يحدث فى كل العالم بل مصر تختص بذلك ولمصر الريادة طبعا.. ولكن لنا الريادة بلا جدال فى التنكيل بالناخبين وتعذيبهم وفى الجرى لملامسة خلف عربة الرئيس وتسويد البطاقات نيابة عن الجمهور وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا.. المتنبى يعيش معنا كل لحظة بهذا البيت العبقرى. قبل الطبع بلا تزوير وبكل الحب نجح ولدى محمود عثمان -ابن المعلم عثمان أحمد عثمان- فى الإسماعيلية، لم أسعد بالكرسى، ولكنى سعدت بما يفعله فى الإسماعيلية وما سوف يحققه بعد ذلك، خصوصا فصول المعوقين فى المدارس ومركز اكتشاف العباقرة الأطفال ومركز اكتشاف الإعاقة المبكر وكلها أحلام كتبناها على الورق أثناء عضويته معنا وشرف العمل مع المعوقين فى الأوليمبياد المصرى الخاص. ونحن ننتظر التوفيق من أجل صغار مصر.