قال لي عبدالرؤوف: إننا يا أستاذ في حاجة إلي سيارة لأنه ليس من اللائق أن تسير علي قدميك ثم نحاول آخر الليل أن نبحث لك عن سيارة أو عربة تركبها فلا نجد. قلت: إني أبحث عن سيارة منذ زمن وقد عرض علي أحد العملاء سيارته ونظرا لأن جزءا من آلاتها يحتاج إلي الإصلاح فيجب أن ننتظر يوما أو بعض يوم. لقد كانت لي سيارة ولكني بعتها قبل المعركة ببضع سنين، ولو كنت يوم البيع أعلم أنني سأدخل المعركة الانتخابية بعد بضع سنين لأبقيتها عندي، ولكنه الغيب لا يدريه أحد من البشر، ولو كانت اسرار الغيب مكشوفة للناس وكانت حوادث المستقبل معلومة لكانت الحياة مريرة شاقة علي النفوس. ولو أن المرشح الذي فشل كان يعلم بالنتيجة لأحجم عن الدخول في المعركة ولم تذهب أمواله أدراج الرياح ولم يشق هذا الشقاء المقيم وفي الوقت نفسه يفقد البؤساء والعاطلون والمنافقون هذا الرزق الذي تفتحت عنه أبواب السماء. ولو أن المرشح الذي فاز كان يعلم أنه فائز لما تقدم ضده أحد من المرشحين ولنال الدائرة بالتزكية، فلم تكن ثمة معركة ولم تك ثمة جولات انتخابية ولا خطب ولا سرادقات ولا إعلانات ولا الهاتفون ولا النصابون ولما وضعنا آخر الأمر هذا الكتاب. إن بقاء الإنسانية وأبدية الوجود هما في هذا الغيب المجهول. لو كان الإنسان علي علم بساعة انتقاله إلي دار الفناء لقعد به العلم عن السعي والعمل، ولأثقل كاهله هم مقيم وخيال مزعج دائم ولانقطعت بينه وبين الحياة الصلات التي تربطه بها فلم يكن ثمة نضال ولا كفاح. صحيح أن كل إنسان يعلم بأن حياته محدودة الزمن ولكن مقومات الوجود أن يعيش المرء في خيال الخلود وأن يجهل الزمن الموعود. وأخيرا وصلت السيارة يقودها سائق قصير القامة استخدمته طول الفترة التي استغرقتها المعركة وقد استغرقته المعركة وانتقلت إليه عدوي الحماسة وكان شبيها بالمتفرج علي فريقين من لاعبي كرة القدم فهو ينتقل مع الكرة حيثما اتجهت، فهو حينا مع حارس المرمي، وهو حينا مع الظهير، وهو مرة في الوسط وأخري قد انطلق من السياج. ولم أجد هذا السائق إلا نائما دائما أمام عجلة القيادة ويغلب علي الظن أنه كان يسهر طوال الليل مع رفقائه يتحدث إليهم عن المعركة ويروي لهم اقاصيصها. بائعة الفجل وأصبحت سيارتي معروفة لأهالي المنطقة ولأطفال الدائرة ولهذه المرأة «وسيلة» بائعة الفجل التي كانت تقلد الهاتفين فتصيح : يحيا مرشح الدائرة، ويحيا الأستاذ فلان. ثم توجه الخطاب إلي وتقول: تعال يا بيه خد لك حزمة فجل. كانت «وسيلة» تفترش الأرض علي رصيف الشارع بجوار دكان المعلم «عبداللطيف الجزار» وتضع أمامها جفنتها المليئة بالفجل، وقفصها المليء بالبيض وحلتها المليئة بقطع من الجبن، وكانت كثيرة المزاح تتبادل الدعابات والفكاهات مع جميع الجيران ويحلو لها معاكسة صبي الحلاق ذلك الولد المدعو «كمال» الذي كان يصفف شعره ويضمخه بالروائح والأدهان والزيوت ويقف بباب الدكان يغازل الفتيات. وكانت إذا رأت بائع الفول قد نشر أمامه جريدة يقرأ فيها قالت: - إيه الأخبار النهاردة يا سي حامد؟ وإذا مرت بالطريق فتاة قد شدت حول جسمها ملاءة وارسمت في أعين المارين تقاطيع قوامها ولفت حول رأسها منديلا مزركشا صاحت وسيلة وألقت تعليقاتها ذات اليمين والشمال: - يا واد يا كمال ساوي نفسك . راحت عليك يا معلم «عبداللطيف».. أو تقول مغازلة : هز ديلك. كانت «وسيلة» قد اتخذت من الشارع الذي تجلس علي رصيفه قاعة استقبال وكانت تتحدث إلي جميع الجيران ويتحدث إليها جميع الجيران ولم تكن المسافات التي تفصلها عنهم تمنعها من تبادل الأحاديث فقد عودها نداؤها علي الفجل والبيض والجبن علي الصياح وعلي ارتفاع الصوت. وهي ترتدي الملابس السوداء دائما لأن هذا اللون يتفق مع وقار جلستها بين الرجال من الباعة ثم إنه يتفق أيضا مع سنها فقد أشرفت علي الأربعين. كنت أمر علي «وسيلة» في بعض الأحيان لأن مجلسها لا يبعد عن دكان المعلم «زكي» إلا أمتارا قلائل وكنت كلما زرت نصيري هذا التفت إليها أحييها. كان السائق يقبل مع الصباح كل يوم وكانت تركب ابنتي الصغيرة معي لنذهب بها إلي مدرستها، فقد التحقت منذ ثلاثة شهور بروضة الأطفال الأميرية وقد سرها أن تصل إلي المدرسة في سيارة، وكانت تقول عنها لأترابها الصغار أن والدها اشتراها لها خاصة. وكنا إذا سرنا في شوارع المدينة والرمل تتجه إلينا أنظار ركاب السيارات الأخري والسائرين علي الأقدام ذلك لأنهم كانوا يقرءون الإعلان المكتوب علي قطعة من القماش ربطناها في الجانب الخلفي من السيارة. وكان الناس يتطلعون إلي هذا المرشح الذي يضع إعلانا علي ظهره - أعني علي ظهر السيارة - التي أركبها. ولم يخجلني هذا اللون من الإعلان إذ كنت أراه وسيلة من وسائل الدعاية، ولكن الأمر الذي كان يخجلني حقيقة وقوف السيارة فجأة في الطريق فيحاول السائق أن يصلحها أو أن يستعين علي دفعها ببعض الصغار ليحملوها علي السير حيث تكون قد ركبت رأسها وأصرت علي الوقوف. كان يدور في خلدي حينذاك أن سيارة المرشح يجب ألا تقف وأن وقوفها دليل علي سوء طالع صاحبها، وسمعت أحد المارة يقول موجها خطابه للسيارة: - أمال رايحة تعملي إيه يوم الانتخاب؟ وقد مررنا يوما علي محطة الشاطبي وكانت الساعة قد أشرقت علي منتصف الليل وكان الجو باردا والسحاب يظلل وجه القمر وإذا بالسيارة قد أمسك بعنانها إبليس اللعين فوقفت. قلت: ماذا جري يا أسطي محمد؟ قال: مافيش حاجة يا بيه دي بس ماسورة البنزين انسدت. قلت: وما العمل؟ قال: حالا تمشي . بس عاوزة زقة. قلت: يا سيدي ما كانت ماشية!! لم يكن في إمكاني مطلقا أن أنزل من السيارة فقد كنت مغلقا جميع نوافذها خيفة الهواء البارد، وكنت أتصبب عرقا بعد جولة استغرقت أربع ساعات خطبت أثناءها عدة مرات. لو أني فتحت باب السيارة فسأصاب بالبرد حتما وألزم المنزل عدة أيام فتقف رحي المعركة من جانب واحد، أو قد تصاب حنجرتي بالبرد وخشونة في الصوت فلا أقدر علي الخطابة أو الكلام وأنا رجل صناعته الخطابة والكلام فإن فقدت مقومات الصنعة فقدت الصناعة. يا لهذه السيارة اللعينة إنها كثيرا ما تقف، إن الإطارات كانت بالية وكنا نسير وقد أمسكنا قلوبنا بأيدينا. اعتادت الإطارات أن تنفجر فيقف السائق في الحال لأن قدما من أقدام السيارة قد تهشمت، وهل نخطئ إن وصفنا إحدي العجلات الأربع بأنها قدم؟ إن الإنسان قد صنع السيارة شبيهة به تماما، فالعجلات الأربع مثل اليدين والرجلين، والكربوراتور يمثل القلب، والبساتم تمثل الرئتين إذ تقوم بعملية الاحتراق، والعادم يمثل الأمعاء الغليظة، والسيارة تشرب ماء كلما أصابها العطش، وتأكل بنزينا حتي يكون في مقدورها أن تعمل وتحتاج عضلاتها إلي الزيت حتي لا تصدأ وتخرج منها فضلات الاحتراق دخانا .. وإذا اختل صمام من الصمامات أو أي جزء من الأجزاء مهما صغر شأنه فإن السيارة واقفة لا تسير. قلت: يا أسطي «محمد» مالك واقف هكذا لا تبدي حراكا؟! يا أخي اتحرك. قال: أعمل إيه . أنا نفخت في ماسورة الكربوراتور، ولكن السيارة عاوزة زقة. قلت: أبحث لك عن أحد الأولاد يدفعها معك. قال: وفين نلاقي الأولاد.. دي الدنيا ليل وبرد ومافيش حد ماشي؟؟ قلت: يا أخي نادي العسكري اللي واقف هناك داخل المحطة. قال: يا بيه مافيش حد. قلت: روح يا راجل وشوف. فإني أري خيالاً يتحرك. ومضي السائق الكسول وأتي بعد قليل مستصحباً ثلاثة من الغلمان الصغار وهو يقول بأنه وجدهم في داخل محطة الترام وكانوا نائمين، وقد اتكأ بعضهم علي بعض واحتمي كل واحد منهم بالآخرين من البرد القارس، ولم يكن يحمي أجسادهم الضعيفة غير خرق بالية مهلهلة. هؤلاء الغلمان هم من أولاد الشارع الكثيرين الذين لا يجدون لهم مأوي وقد أنشأ الأغنياء لهم مؤسسة اطلقوا عليها اسم الطفولة المشردة ذلك لأن منظر هؤلاء الأطفال في ملابسهم وخرقهم وقذراتهم وأمراضهم مما تقتحمه العين وتمجه النفس ويستدر العطف فراحوا يجمعون التبرعات من الناس لإنشاء الملاجئ لهؤلاء المشردين .. ولكن في غير جدوي إذ الأمر فوضي لا نظام له ولا رابط. انتقلت إلي مكان عجلة القيادة ومضي السائق ومساعدوه من الغلمان يدفعون السيارة دفعا وئيدا وكانت تضغط قدمي علي مفتاح البنزين ويدي ممسكة بمحرك السرعة ولكنها كانت عنيدة أجهدتني وأجهدت السائق وأجهدت الغلمان، وأخيرا وبعد ساعة من زمان وأخيرا وعلي غير انتظار انتفضت السيارة ومضي البنزين يدوي محترقا وقد تحول إلي دخان، وأعطيت الغلمان نقودا وكان هذا رزقا لهم لم يقدروه عندما تقدم بهم الليل وقبعوا في مكانهم من المحطة انتظارا لإقبال الصباح. القبض علي أنصاري دق جرس التليفون في صباح اليوم التالي في مكتبي كان المتحدث عامل «عبدالرؤوف» فقلت له ما الخبر؟ قال: قبض البوليس علي «عبدالرؤوف» في الساعة الثالثة صباحا وهو موجود الآن في القسم. قلت: لماذا. قال: لا أعلم. وهم يقولون علشان اليفط قلت: أنا حاضر حالا. وقمت في الحال أتهيأ للنزول ولكن دق التليفون ثانيا وكان المتحدث في هذه المرة المعلم «زكي» قال: - شايف يا أستاذ البوليس قبض علي «دعبس» والإنجليزي . قلت غاضبا : لماذا. قال : إن منافسنا يدعي بأننا سرقنا إعلاناته القماش. قلت: وأنا أتميز من الغيظ أنا حاضر حالا. إن هذا المنافس يصادر حريتي مصادرة عنيفة وهو الذي تكاد تقوم بيني وبينه المعركة الانتخابية إذ لم نكن نشعر بباقي المرشحين. كان يبذل المال في سخاء في كل مكان، وكان يشتري أنصاري فيخرجون علي وينضمون إليه وكان يذهب إليهم في منازلهم ويقابلهم فردا فردا ويتفق مع كل منهم علي انفراد، وكان يؤثر عليهم بواسطة أصدقائهم. وكان يشتري أصحاب المقاهي فكان يبذل لهم العطاء. وكان يشتري فتوات الدائرة جميعا لأنهم أعوانه المخلصون. وكان يضع إعلانات كثيرة جدا من القماش في كل مكان من الشوارع علي مداخلها وفي وسطها. وكان يسير في مواكبه الليلية حتي مطلع الفجر بينما كانت مواكبي تنتهي من جولاتها عند الساعة العاشرة ليلا في أكثر الأحيان فكان ينتهز هذه الفرصة فيستأجر رجالي وصبياني من الهاتفين المأجورين فيسيرون في موكبه ولم يكن يحتاج الأمر منهم غير تغيير الأسماء في عبارات الهتافات. خطب.. ونقود كنت أرد علي هذه الأموال التي يصرفها بالخطب ألقيها علي الناخبين في الطرق والمقاهي والمنشورات أوزعها في الطرقات، فيزعم أنصاري أن هذه المنشورات وتلك الخطب كانت ذات أثر بعيد في الناخبين فكانوا يصيحون في مواكبهم هاتفين بأن نقود المنافس قد ضاعت عليه فيزيد هذا الهتاف منافسي تماديا في البذل والعطاء. ثم هو قد رأي أخيرا أن يستعمل القوة فكان يرصد حركاتي ويبلغ إلي علمه المقهي الذي أجلس فيه والشارع الذي سأطوف به فيجلس في المقهي نفسه ويسير في الشارع نفسه، ولكني أخطب وهو لا يخطب، إذن فليستبدل النقود بالخطب. ومنذ يومين جلست في أحد مقاهي الصعايدة وسبقني «ناصر أفندي» إلي خطاب الحاضرين كالمعتاد ثم وقفت بعد ذلك ألقي خطابي وإذا بي أسمع في خارج المقهي ضجيجا وصياحا ودخل «عبدالرؤوف» لاهثا وهو يقول إن عصبة للمنافس مقبلة نحونا وقد ظهرت عليهم بوادر الشر. فقال صاحب المقهي الصعيدي: لا تخشي شيئا يا بيه، مافيش حد يقدر ييجي هنا، حد يتجاسر. فخرجت من المقهي بعد أن ختمت خطابي ختاما سريعا وإذا بالطريق قد أزدحم بأنصاري وأنصار منافسي وكان كل منهم يهتف هتافاته الخاصة به، فانطلقت إلي سيارتي أريد أن أركبها وكان واقفا ببابها «شلبي أفندي» وهو من أنصاري الجدد ومن سكان هذه الجهة بالذات وكان متحمسا حماسة بالغة لخدمتي بينما كان شقيقه الأكبر «دوريش» كبير الفتوات قد انضم إلي منافسي. ولم أكد أضع قدمي علي سلم السيارة حتي انطلق الفتوة الكبير إلي مكان أخيه وبصق في وجهه وهو يصيح : أنت واقف هنا ليه؟ فأجاب شلبي المسكين وهو يمسح وجهه: كده كويس. لقد أهين شلبي من أجلي فساءني هذا الفعل إساءة حادة ولكني لم أكن أملك أن أفعل شيئا، هو نزاع بين أخوين، ولكني فهمت أن «درويش» رجل ذو بأس وبطش وأن «شلبي» ضعيف قصير الحيلة ولقد تبين لي ضعفه يوم افتتاح دار انتخابية ثالثة في هذه الجهة. حضر إلي يوما يقول إنه وجد مدرسة يديرها رجل يدعي الشيخ فضل وأنه اتفق معه علي الأجر كما اتفق مع فراش علي تقديم أربعة وعشرين كرسيا وأنه استأجر ثريات كهربائية وأعلاما وأنه دفع اتاوة لبعض الأقوياء لحماية اللافتة القماش وأنه استعان بآخرين في هذه الأعمال فأكبرت منه هذه الخدمات ودفعت له عشرين جنيها لحساب المصاريف ثم حددت يوم الافتتاح لزيارة الدار، فإذا بها عبارة عن غرفة ضيقة وإذا بي لا أجد أحدا من الناخبين مع أنه أفهمني أنه قد أعد للأمر عدته.. وإذا بأطفال الحي الصغار يسرقون الثريات التي ترصع تاجاً موضوعا علي باب الدار. وإذا بالدار ذاتها في حارة مسدودة لا تتصل بغيرها من الحواري. أبهظني «شلبي» بالمصاريف لأنه كان يجهل العملية الانتخابية جهلا تاما ولكنه ظل يواليني بحضوره في مكتبي حتي ضقت به ذرعا ورأيت أخيرا أن أغلق هذه الدار الانتخابية وأن أتخذ من القسم الخلفي لدكان المعلم «زكي» دارا وقد سر من هذا التغيير سرورا كبيرا إذ إنه رأي الفرصة سانحة لأن ينظف دكانه ويطليه بالجير بعد أن نقل العنز وبرسيمها ووضع مكانها مكتبا غطاه بعلم مصري أخضر اللون. إلا أنه رغم عجز «شلبي» فقد ساءني أن يبصق أخوه في وجهه من أجلي فأصرت علي السير في موكبي بعد أن كنت قد أزمعت الرحيل إلا أننا ما أن سرنا خطوات في الشارع وما أن بلغنا مكانا منه قد هدمته الغارات الجوية وخلفت منازله علي الجانبين انقاضا حتي تساقطت فرق رؤوسنا الأحجار يلقيها أتباع «درويش» من الصبيان الصغار فبادر انصاري إلي الهرب وراحوا يركضون وهم يتصايحون: - استني يا ولد ما تخافشي أنت وهو. وانقطع إلقاء الطوب وعاد أتباعي من ركضهم وهم يلهثون وقالوا: دول حبة عيال صغار. نصيحة المعلم زكي ولم يقف عدوان منافسي عند هذا الحد فقد بلغ إلي علمه أن المعلم «زكي» زميله في المدرسة سيجعل من دكانه دارا انتخابية وأنه قد تأهب ليوم الافتتاح فعمل علي نضالنا. وفي الحق أن المعلم «زكي» كان رجلا يحسن الدعاية ويعرف كيف يستعين بالفتوات وقد أغضبه كل الغضب إلقاء الطوب علينا فجاءني في اليوم التالي يقول: - أنا غير موافق يا أستاذ علي خطتك التي تسير عليها لأنك بهذه الطريقة ستفقد أنصارك ومريديك. قلت: إن جماعة الفتوات ليسوا من أصحاب الأصوات في الغالب وأن العقلاء لا يقرون هذه الأعمال علي الإطلاق، أما الناخبون فلا أظنهم يتأثرون من أعمال الفتوة. قال المعلم زكي: لكن يا أستاذ فيه مسألة مهمة فاتتك. قلت : ما هي؟ قال: أيوه عجبتني. بأه الأفندية المحترمين لا تعجبهم الأعمال دي أنا معاك ولكن كثرة الشوشرة والاعتداء والضرب والهرجلة وكل يوم والتاني دوشة تجعل الناس المحترمين يقولوا احنا مالنا ومال الهوسة دي فلا ييجوا معاك ولا مع أحد من المرشحين ، بينما لو تركتهم لرأيهم لانضموا إليك، فلماذا تخسرهم؟ قلت: واخسرهم ليه؟ قال: لأنهم خايفين من الفتوات فيقولوا في أنفسهم مالناش دعوة بأحد، هل هذا يرضيك؟ قلت: لا. وما العمل؟ قال: لازم نقابلهم بسلاحهم. قلت : إزاي؟ قال: أنا عندي طريقتين: الأولي أن نستميل أعوان الخصم وجميعهم أصحابي، فمثلا الواد «مكنه» و«دنجل» و«رزه» و«أبو لبادة» و«النجرو» دول كلهم إذا كلمتهم ينضموا إلينا. قلت: وما الذي يمنعك؟ قال: لأنك مش عاوز فتوات وكمان دول لازمهم فلوس. تعرف يا أستاذ لو دول جم معانا فاعرف تمام أنك من هنا ورايح تقدر تمر في كل وقت يعجبك ومافيش حد يقف قدامك. والأفندية المحترمين اللي يخافوا من دول ويحبوك أول مايشوفوا دول معانا خلاص يظهروا رأيهم، لكن دلوقت خايفين ما يقدروش يقولوا بم أحسن يتبهدلوا. قلت: وما خطتك الثانية؟ قال: هي أن ما كنش دول رايحين يوافقوا وييجوا معانا أنا أجيب لهم ولد اسمه «بدر» مايخافشي من الجن، هو نفسه جن مصور ومعاه شلة زي الأبالسة بتوع جهنم. و«بدر» ده حياته في إيدي شوف بقه حياته لما تبقي في إيدي، يعمل إيه، مش يوافقني علي كل اللي أطلبه منه؟ قلت: إزاي؟! قال: قلت لي إزاي، أصل صدر عليه حكم بغلق القهوة بتاعته والحكم ده أنا بس اللي أقدر أوقفه ولا يتنفذ شيء أبدا، الورق بتاع الحكم في جيبي. قلت: شيء غريب! قال: بس ما تسألشي يا أستاذي وخللي المسألة سر بيننا. ورأي المعلم «زكي» أن يؤكد لي صدق قوله فحملني علي أن أصحبه لمقابلة الولد المدعو «مكنه» أولاً فذهبنا إليه في المقهي الذي اعتاد الجلوس فيه فلم نجده وانتظرناه حتي حضر، وكان يرتدي بيجاما ذات خطوط زرقاء وينتعل قبقابا من الخشب وقد لف رأسه بضمادات من الشاش الأبيض والقطن، فلما سألته عما به ؟ قال بأن المسألة بسيطة إذ أنه تشاجر أمس مع فتوة آخر وتضاربا بالسكاكين، فأصيب هو بستة قطوع في جلدة الرأس، وأما غريمه فقد أصيب بضربة في رقبته وقطع كبير في أنفه وأنه الآن طريح في المستشفي. وكان «مكنه» يقص قصته في شيء من الزهو الاطناب، وكان يجلس معنا رجل أصم أبكم أصغي إلي الحديث اصغاء تاما ووعاه جميعه وكان يشير إشارات يفهم منها أنه يريد أن يقول إن «مكنه» ولد صبوه صحيح. وحينما كنت أتحدث كان يمصمص بشفتيه ويشير بأصبعه إشارات يفهم منها أنه يقول إن كلامي كالسكر، وقد علمت أن هذا الأصم الأبكم فتوة أيضا، ولكنه قد شاخ وكبر ويقولون عنه بأنه حينما كان شابا لم يكن أحد يجسر علي الوقوف أمامه. وكان جميع المحيطين بي يرتدون البيجامات حتي صاحب المقهي نفسه ولم أفهم لذلك سببا إلا أن يكون هؤلاء قد فهموا أن في لبس البيجامات دليلا علي التقدم. وعجبت من نفسي كيف ألزمتني الانتخابات أن أنزل إلي هذا الحضيض، وبلغ مني الاشمئزاز مبلغه، وأنفت البقاء في المقهي طويلا فلمت نفسي وانتفضت واقفا وقررت الرحيل، فانتحي بي المعلم «زكي» جانبا وقال: - هل تحب أن تزور الولد بدر؟ قلت: لا في فرصة أخري، واني الآن مضطر للذهاب لأن الساعة قد بلغت الثانية بعد الظهر وقد مضي ميعاد الغذاء. ثم أني نفحته مالاً ليستأجر به هؤلاء الفتوات جميعا فقال: - سوف تري الجو بعد ذلك وستشاهده بنفسك عندما نقيم حفلة الافتتاح في دكاني. حفل الافتتاح وفي الحق أن المعلم «زكي» قد أجهد نفسه في إقامة حفلة الافتتاح فقد استأجر مكبرا للصوت وأقام الرايات والأعلام وأضاء ثريات كهربائية تتدلي من حبال تمتد في عرض الشارع وفرش الأرض بالرمل وجلست أمام المحل فرقة موسيقية كانت تعزف انغاما موسيقية شتي، وقد أثارت هذه المظاهر جميعها حب الاستطلاع في الجماهير فازدحم بهم الشارع والأزقة التي تفرع منه، ولما أن أقبلت في سيارتي صدحت الموسيقي بالسلام الملكي فوقف الجميع إجلالاً ودوي المكان بالتصفيق الحاد والهتاف، ودخلت في دكان المعلم «زكي» وأنا أخشي أن أجد العنز قابعة في مكانها تقضم البرسيم، ولكني وجدت أنوارا تسطع ووجوها مستبشرة قابلني أصحابها بالهتاف وسلمت باليد علي القريبين مني ثم جلست أمام المكتب الذي يعلوه العلم المصري الأخضر. وضع الميكروفون أمام مقريء جلس مضموم الساقين علي الكرسي حتي إذا أتم تلاوة بعض آيات من القرآن الكريم تقدم أحد الأفندية إلي مكبر الصوت وألقي خطبته ارتجالا وزعم في خطابه أنه يعرفي منذ الطفولة وأنه كان زميلا لي منذ أيام الدراسة الابتدائية، فهو إذا تحدث عني فإنما يتحدث حديث العليم، وكنت أثناء خطابه أتفرس في وجهه علي أكتشف في سحنته أحد الأطفال من أترابي القدماء، ولكن لم يسفر التطلع إليه إلا عن يقين بأنه كاذب فيما قال، وبخاصة وقد كان يكبرني بعشر سنوات تقريبا، وبينما كان منهمكا في خطابه مال «ناصر أفندي» علي أذني وقال اني علمت أن هذا الخطيب كان يخطب أمس في حفل أقامه أحد المنافسين، وأطال المتكلم ما شاء له النفاق وأخيرا ختم خطابه. ومن عجب أنه لم يلبث لا قليلا ولا كثيرا بل بادر إلي الانصراف! وقام بعده رجل من العمال ألقي زجلا، وكان الرجل محبوبا من سكان الحي فإن الحاضرين كانوا يطلبون منه أن يتكلم فوقف أمام الميكروفون يلقي والناس من حوله يضحكون قبل أن يلفظ بكلمة واحدة. وتقدم ناصر أفندي وألقي خطابا قيما قال في أوله أن اسم مرشحكم من الأسماء الكريمة، أن اسمه أيها السادة حنفي محمود جمعة، فهو حنفي المذهب ، محمود الخصال، جمعه أعني أن أيامه كلها من أيام الأعياد وسيكون يوم نجاحه يوم عيد حافل انشاء الله، ثم أنه أطال وأطال، وكان حسن الالقاء واضح العبارة. وقمت بعد ذلك ألقي كلمتي بعد أن قدمني ناصر أفندي إلي السامعين كان الصمت عميقا وكان للصوت صدي له ترجيع وترديد اشجاني فدفعني الشجو إلي ابانة مخارج الألفاظ والضغط علي مقاطع الكلم. وضاق حانوت المعلم «زكي» بالسامعين الذين تكأكأوا وتكونوا وتزاحموا بالمناكب. ومضت فترة من زمان وكان ناصر أفندي يتولي التصفيق حيث يحلو له التصفيق ويهتف بالهتافات التي يؤلفها حسب ما يتراءي له. وبعد قليل لمحت تزاحما وسمعت ضجيجا وقيل بأن رجال البوليس قد أقبلوا وبأن نقاشا حاميا يدور بين رئيسهم وبين أنصاري، فوقفت عن الخطابة وتساءلت عن الخبر فعلمت أن رئيس القوة قد أبلغ تليفونيا من أحد أنصار منافسي بأن مرشحا يخطب وأن خطابه يذاع بواسطة مكبر للصوت موضوع في الشارع العام وأن الناس قد ازدحموا فيه ازدحاما كبيرا وسد خناق الأزقة والدروب ووقفت حركة المرور، وهذا عمل مخالف للأمر الذي أصدرته الحكومة بمنع وضع مكبرات الأصوات أو إذاعة الخطب بواسطتها. ضقت ذرعا برجل البوليس وبرمت بالتبليغ الذي أرسل إليه وعجبت لهذه القوة الكثيرة الأفراد التي أقبلت لرفع الميكروفون قسرا ان لم يتيسر التفاهم بالحسني وكان ثمة نقاش عنيف بيني وبين رئيس القوة ولم ينفع معه أي لين وأخيرا قبلت رفع البوق من مكانه ووضعه بداخل المحل ومضت فترة انقطع فيها الخطاب وتحول شعور الجمهور من رغبة في الاستماع إلي تطلع لمعرفة نتيجة هذا الحوار الحامي بين مرشح ثائر غاضب وبين أداة من أدوات التنفيذ، وكان أحد أنصار منافسي يقف علي افريز الشارع وهو ينفخ في النار ليزيدها اشتعالا فيقول - حاجة تكسف- ووضعنا البوق داخل المحل واتجهت فوهته إلي الشارع وعدت إلي مكاني من المكتب ورحت أجمع شتات فكري واسترسل فيما كنت فيه من حديث ولكن الأزمة النفسية لم تكن قد هدأت، وعاد بعد قليل رئيس القوة يقول بأن الصوت مازال مسموعا في الشارع إلي مسافات بعيدة فأنكرت منه هذا القول، فطلب مني أن أصاحبه حتي أري صدق ما قاله فثرت عليه وثار معي أعواني وهم يقولون بأن مرشحا عقد بالأمس حفلة وأقام سرادقا ووضع بوقا وألقيت في السرادق خطابات ولم يعكر صفوه أحد من رجال البوليس، فقال رئيس القوة بأنه لم يكن يعلم ذلك ولو أن أحدا أخبره لحضر ورفع البوق في الحال اتباعا للأوامر. وقلت: إنه من المخجل حقا أن تصادر حريتنا نتيجة وشاية واش. وأسر إلي ناصر أفندي أنه قد بلغه أن رئيس القوة كان علي وشك السماح بوضع البوق في داخل الدكان لولا أن الخصوم قد أوعزوا إليه بأن الصوت مازال يدوي في الشارع. كنت عنيفا مع رئيس القوة ساخطا علي منافسي ساخطا علي أنصار منافسي غاضبا علي أنصاري غاضبا علي نفسي. وانفض السامر وتحول الحفل إلي موكب يسير في الشارع يصخب بالهتافات وقد أحاط بنا رجال البوليس سائرين في موكبنا فكانت مظاهرة ظريفة. حرب تمزيق اللافتات كنت ثائر النفس عندما دق جرس التليفون وأخطرني المتكلم بالقبض علي اتباعي ولم تهدأ ثورتي أثناء ركوبي سيارتي أخذا سمتي إلي القسم ان المنافس لم يكن يهدأ له بال حتي يقضي علي كل حركة من حركاتي. كان سير السيارة بطيئا في ذلك الشارع المؤدي إلي القسم فهو مزدحم دائما بالسابلة ويقف علي جانبيه الكثير من الباعة وأمامهم عرباتهم، وقد كدسوا فوقها بضائعهم التي يتبارون في المناداة عليها بأصوات رنانة فيها قوة وعنف ومدي، وكان بائعو حلوي الأطفال أكثر الباعة رواجا يحيط بهم رجال المستقبل ونساؤه وهم يمدون أيديهم للبائع بالملاليم. كان السائق يضرب البوق ولا ينفض المارة من طريقه إلا بعد لأي وكسل وكنت لا أدري كيف ينتظر أن نفتح لنا بين السائرين فرجة ننساب منها وذكرت أن سائقي العربات يشقون من هذا الشارع أكثر مما يشقي به سائق السيارة فقد ركبت مرة عربة يقودها سائق شاب وكان يصيح بالمارة صياحا دائما متواصلا. إذا رأي رجلا قال يمينك ياأفندي وإذا مر بأجنبي قال «ورده» ثم تتابع التنبيهات أنت يا بت ياللي شايله الغلق أوعي ياراجل يا عجوز ياواد ياللي شايل الطاولة يا بتاع الطاولة اسمع يابهايم. ياست يا هانم من فضلك يمينك يا شيخه نبحتي صوتي. دخلت القسم ثائرا غاضبا عنيفا فرأيت دعبس والإنجليزي كلاهما واقف بجوار الآخر فسألت حكمدار النقطة عن سبب القبض علي هذين الاثنين فقال بأنهما شوهدا ليلا وهما يسرقان لافتات من القماش لأحد المرشحين. قلت: هذا كثير هذه محاباه أنكم تصادرون اجتماعاتي ويمزق أنصار منافسي إعلاناتي ويرجموننا بالحجارة أثناء جولاتي ويرقبون كل حركة من حركاتي ويحصون علي أنفاسي ويجدون منكم مساعدة وتأييدا واليوم تقبضون علي أنصاري. فقال رجل السلطة: لا ياأستاذ أهدأ قليلا . أنصارك معترفون . قلت: كيف؟ قال: تفضل واقرأ المحضر. ثم ناولني محضر التحقيق وأرسلت بصري إلي الإنجليزي كأني أسائله عن حقيقة ما أفضي به رجل البوليس، فإذا به ينأي بنظره عني إلي الأرض في اطراقه الطفل المذنب فغاظني منه هذا الفعل وأكد صدق مقال المحقق. ومضيت أتلو المحضر فإذا بي أري الإنجليزي قد اعترف علي زميله دعبس بأنه هو الذي ألقي علي إعلان المنافس خيطا ينتهي بقطعة من الطوب ثم جذب الخيط فسقط الإعلان فاختطفه ثم ولي هاربا. وإذا ووجه دعبس بأقوال الإنجليزي فيأخذه الحنق ويزعم هو الآخر أن الإنجليزي هو الذي اختطف الإعلان ومزقه. فنظرت إلي الاثنين نظرة حادة يمليها غيظ عنيف كنت أحاول اخفاءه وهو لا يرضي إلا أن ينفجر في صوت صاخب قاس قلت: هل أنتم رجال .. أنتم أطفال. قال الإنجليزي: دعبس هو السبب. قال دعبس . بل أنت السبب ألم تكن بالأمس ثملا ورحت تملؤ الدنيا صراخا وشتائم ثم مزقت الإعلان واستدعاك أنصار المنافس لأجل أن يشتروك بالمال ودفعوا لك خمسين قرشا لتتهمني كذبا مع أنك أنت وحدك الذي مزقت الإعلان وهربت به. قال الإنجليزي منكرا: أنا ؟! قال دعبس. هل تنكر أنك أخذت خمسين قرشا. قلت وأنا مازلت في حالة غضب شديد . كفي كفي ثم سألت رجل البوليس عن الوقت الذي سيحيل فيه المتهمين إلي مأمور القسم لينظر في أمرهم فقال انه سيرسلهما في الحال. وبينما أنا في ذلك وإذا بعبد الرؤوف قد أقبل من القسم الذي كان معتقلا فيه وعلمت منه أنهم أخلوا سبيله بعد أن تبين لهم أن اللافتة التي نسب إليه تمزيقها مازالت في مكانها لم تمس ولكن حز في نفسي أن أجد نصيرا من أنصاري المخلصين يزج في السجن في فصل الشتاء البارد وينقل من منزله بعد أن يكون قد مضي من الليل أكثره وأن يقوده في الطريق رجل من رجال البوليس. وخرجنا من نقطة البوليس وأخذنا سبيلنا إلي القسم الرئيسي وصحبني «عبدالرؤوف» والمعلم «زكي» فسألتهما أن يفسرا لي ما لم أفهمه من هذه الحوادث؟ قال عبدالرؤوف: الحقيقة يا أستاذ أننا وجدنا خصومنا قد انتزعوا إعلانين من إعلاناتنا، احدهما كان في الشارع أمام مقهي الحاج «سرور». قلت مستغربا: كيف يؤخذ هذا الإعلان مع أن عبدالجليل وزميليه تعهدا بالمحافظة عليه، وقد دفعنا لهم أجرا كبيرا لهذه المحافظة كما دفعنا لصاحب المقهي أجره لوضع ثريا كهربائية تحت الإعلان تظل منيرة طول الليل. قال عبدالرؤوف: صحيح أنك دفعت خمسة جنيهات ل«عبد الجليل» ولكنك لم تستمر في الدفع وقد نصحتك بألا تغفل عنهم ولكن اكتفيت بالقدر الذي منحته علي أن تدفع لهم باقي الاتفاق يوم الانتخاب فما كان منهم إلا أن رفعوا إعلانك ووضعوا مكانه إعلان الخصم بعد أن ساوموه. قلت حانقا: شيء جميل، والإعلان الثاني؟ قال: أما الإعلان الثاني فهو الذي كان موضوعا أمام دكان المعلم «زكي». قلت موجها خطابي إلي المعلم «زكي»: - يا أخي أنت قلت بأن إنسانا لن يقدر أن يمس هذا الإعلان واعتبرت أن يدا تمتد إليه تكون كأنها امتدت إلي منزلك تماما وأنك تعتبر في ذلك انتهاكا لحرمتك! قال: عندك حق يا أستاذ. ولكن هذا الفعل لم يرتكب إلا ليلا وفي الساعة المتأخرة منه، هل تعرف ماذا فعلنا؟ قلت: ماذا فعلت؟ قال: لقد مزق الخصم إعلانين فمزقنا له اثني عشر إعلانا وتعال معي اطلعك علي الأمكنة التي خلت من الإعلانات: فقلت فيما بيني وبين نفسي: وهل أنا علي علم بإعلانات الخصم أم أني كنت أحصيها احصاء؟ ثم ماذا يهمني من هذه الألاعيب التي يرتكبها هؤلاء الأعوان السخفاء والذين وجدوا في المعركة الانتخابية نوعا من التسلية والترفيه والهزء والسخرية؟ ولعل هؤلاء الأنصار أو أولئك كانوا قد عقدوا فيما بينهم حلفا علي الهزء بالمرشحين جميعا. وقابلت مأمور القسم فإذا به يطلعني علي بلاغ قدمه أحد المنافسين ضد أنصاري يتهمهم بسرقة إعلاناته فكان يقتضيني هذا البلاغ أن أحضر تحقيقه وأن أدافع عن هؤلاء الأنصار، وقد استغرق التحقيق يوما كاملا، فاشتدت ثورتي علي الأعوان الذين أضاعوا يوما كاملا كنا في حاجة إليه. وتراضينا وأخذوا «علي» وعلي المنافس عهداً بألا يسيء أنصار أحدنا إلي الآخر.