هل يكفى أن تنظم أى حكومة انتخابات حرة، يشرف عليها القضاء، لتقول هى بعد ذلك، إنها قد أتاحت الديمقراطية للناس بأمانة؟! للأسف، الإجابة سوف تكون بالنفى، على عكس ما قد نتصور!.. كيف؟! بقاء أسبوع فى ألمانيا، لفت نظرى إلى أن الحكومة الألمانية، كانت قد نظمت انتخابات حرة تماماً عام 1933، وكانت نتيجتها أن الشعب، بكامل وعيه، اختار هتلر حاكماً عليه، وظل يحكمه إلى عام 1945. ولكن.. ليست هذه هى المشكلة، وإنما كانت المعضلة الحقيقية أن الألمان عام 2009، وما قبله طبعاً، يشعرون بالندم فى غالبيتهم الكاسحة، على أنهم قد اختاروا يوماً رجلاً مثل «هتلر»! لماذا؟!.. لأن هذا الرجل الذى جاء فى انتخابات حرة دمر بلده، والبلاد المجاورة، وكاد يدمر العالم من حوله، قبل أن ينتحر! ووصل الألمان بعدها إلى قناعة راسخة، لاتزال تلازمهم إلى اليوم، وهى قناعة تقول اختصاراً بأنه لا يكفى مطلقاً أن تكون هناك انتخابات حرة، ولا يكفى أبداً أن يكون القضاء مشرفاً على كل تفصيلة فيها، ولا يكفى تماماً أن تكون إرادة الناخبين فى صناديق الاقتراع هى التى جرى إعلانها على الملأ، فكل ذلك فى حد ذاته، هائل ومطلوب، ولكن الأهم منه كله أن يكون الشعب نفسه قادراً على أن يختار، ويميز بين المخادع من المرشحين، وبين الصادق من الملايين! ولأن الملايين لن تولد من بطون أمهاتها واعية بما يجب أن تكون عليه، حين تجد نفسها أمام صندوق الانتخاب، فإن الحكومات الألمانية ابتداء من عام 1945 إلى الآن، وإلى ما شاء الله تعالى فيما بعد، قررت أن تتيح لكل ألمانى ما يجعله على أعلى درجة من الوعى والإدراك، ثم يكون له بعد ذلك أن يختار من بين الذين يشعر، من خلال وعيه وإدراكه، أنهم صادقون معه وليسوا متلاعبين بعواطفه، ثم، وهو الأهم، بمستقبله! وكان بث الوعى بين الناس، يتم ولايزال عبر طريقين لا ثالث لهما: أولهما هو التعليم المتاح لكل مواطن مجاناً، على أرقى ما يجب أن يكون عليه أى تعليم، من الحضانة إلى ما قبل الجامعة.. وأما الطريق الثانى، فهو أن كل حزب من الأحزاب قد أنشأ مؤسسة قريبة منه، وظيفتها الوحيدة توعية الناس طول الوقت، وكانت مؤسسة «فريدريش إيبرت» على سبيل المثال هى الأقرب إلى الحزب الاشتراكى الديمقراطى الذى يحكم حالياً مع الحزب المسيحى الديمقراطى، بقيادة أنجيلا ميركل، مستشارة ألمانيا، أما الطريف حقاً، فهو أن عملية التوعية هذه لها اسم واحد عند الألمان، هو «ذيل الفأر».. فالفأر هو الشعب، وذيله هو الخيط الذى يجب أن يكون ممتداً فى كل لحظة بينه وبين مؤسسات التوعية من هذا النوع، بحيث ترشده دوماً، إلى الصواب، فلا يتورط، ثم يظل يدفع ثمن تورطه مدى حياته! والسؤال هو: كم مرة تورط فيها المصريون.. ثم السؤال الأهم: كيف يمكن ألا يتورطوا من جديد؟!