سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تحذير من طوفان شعبي يطيح بالمماليك الجدد من الحكم .. ومطالبة أمريكا بتوضيح موقفها من قضية توريث الحكم .. واقتراح بإطلاع مرشحي الرئاسة على الملفات الأمنية والسيادية .. وهجوم على إطلاق الحكومة ليد المدعومين أمريكيا والبطش بالآخرين
واصلت صحف القاهرة اليوم استعراض نتائج زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس الأخيرة لمصر ، وكان واضحا أن هناك اتفاقا على أن لهجة الوزيرة الأمريكية ، التي عرفت بتصريحاتها الحادة وانتقاداتها العنيفة ، كانت هادئة بل وتصالحية مع النظام المصري ، إلا إن هذا الاتفاق لم يخف خلافا كبيرا بين تيارين : الأول يرفض من حيث المبدأ أي تدخل أمريكي في مسألة الإصلاح والديمقراطية ، بينما يتشكك التيار الثاني في جدية الولاياتالمتحدة في دعم برامج الإصلاح ، بل ويرى أن أمريكا لا ترغب ولا تريد حدوث ذلك . هذا التشكيك أيضا ، كان من نصيب ما يسمى بالفكر الجديد في الحزب الوطني ، الذي تمثله لجنة السياسات بالحزب ورئيسها جمال مبارك ، حيث طرحت صحف اليوم تساؤلات عدة حول موقف هذا الفكر من القضايا الخلافية المطروحة على الساحة السياسية ، معتبرة أن هذه المواقف هي المعيار للتفريق بين فكر جديد وحرس قديم ، ودون ذلك فان الأمر لا يعدو سوى صراعا بين الفريقين على كراسي ومغانم الحكم . وننتقل إلى التفاصيل حيث المزيد من الرؤى والتحليلات . نبدأ جولتنا اليوم من صحيفة " الأهرام" الحكومية ، إذ قدم الكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة عددا من ملاحظاته عن زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية لمصر ، قائلا " بكثير من التوتر والقلق ، استقبلت الدوائر المسئولة في مصر زيارة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية. وفيما بين الخوف من مواقف أمريكية حادة قد تنتقص أو تنتقد جدية الإصلاح السياسي وتعتبره تدخلا ، والرجاء في أن تمر هذه الزيارة بسلام دون تعقيدات تنعكس علي العلاقات الحساسة بين البلدين ، حاول الجانبان الإبقاء علي حد معقول من اللباقة الدبلوماسية, خصوصا وأن الزيارة السابقة في مارس الماضي لم تتم في ظروف أزمة اعتقال أيمن نور رئيس حزب الغد آنذاك! . ولم يكن ارتباك الجانب الأمريكي أقل, فقد عمد الذين نظموا برنامج الزيارة, إلي إقصاء الوزيرة الأمريكية من وسائل الإعلام الصريحة والمعادية لأمريكا أحيانا. فاقتصر لقاؤها علي مؤتمر صحفي عقب محادثاتها مع الرئيس مبارك, كان أشبه بلعبة البنج بونج بين رايس وأبو الغيط. هي تقول وهو يقول (..) . وفي المحاضرة التي ألقتها بالجامعة الأمريكية جري اختيار الحضور من جمهور محايد وذلك بعكس المؤتمرات الصحفية واللقاءات العاصفة التي تعرض لها أحمد نظيف رئيس الوزراء في واشنطن, وهوجمت فيه سياسات الإصلاح المصرية, والتعديلات غير الكافية فيما يتعلق بانتخاب الرئيس ". ولاحظ سلامة " أن احتياطات ضبط النفس من الجانبين, لم تمنع وزيرة الخارجية من تبليغ رسالتها عن الديمقراطية والإصلاح في العالم العربي, وبالذات في مصر. ونفت الوزيرة أي نية أمريكية لفرض إصلاح ديمقراطي. ولكنها دعت لتطبيق قيم الديمقراطية بشفافية في مصر طبقا للمعايير العالمية. فالناس لا تريد أن تروعها حملات البوليس ليلا, كما أن من حق المعارضة معاملة متكافئة في وسائل الإعلام. وهذا كلام صحيح.. ولكن رايس لم تجد إجابة مقنعة عندما سئلت عن تدنيس المصحف ، ولا عن الأساليب الوحشية والتعذيب وسوء معاملة سجناء جوانتانامو التي تخالف القوانين الدولية, وتتناقض في الوقت نفسه مع دعاوى الحرية والديمقراطية التي تحمل أمريكا لواءها. واكتفت بالقول بأن أمريكا دافعت عن المسلمين في البلقان وأفغانستان والكويت والعراق وان حوادث تدنيس المصحف فردية! . أكبر الظن أن رجال حكومتنا في شرم الشيخ سوف يتنفسون الصعداء بعد أن رحلت. وإن بقيت مسألة مراقبة الانتخابات شوكة في الجنب.. جنب أي من الطرفين؟ هذا ما ستكشفه الأيام! " . ونبقى أيضا في "الأهرام " ، ففي مقابل ملاحظات سلامة ، فان أحمد البري ركز على اللقاء الذي عقدته رايس مع عدد من ذوي الميول الليبرالية ، سواء من رجال الحكم أو المعارضين ، معتبرا انه " في كل لقاء يجد هؤلاء الفرصة متاحة أمامهم للحصول علي المساعدات الأمريكية باسم التطوير والإصلاح ودعم الجهود التي تقوم بها مراكزهم في خدمة المجتمع وتطويره ، ونحن نتساءل: هل هذه هي الطريقة التي يمكن أن تتحقق بها الحرية التي تنادي بها الولاياتالمتحدة؟.. وهل هذه هي الوسيلة التي نحافظ بها علي خصوصياتنا وثقافتنا ومصالحنا؟ . إن أوجه التعاون المشترك كثيرة وموجودة بين الحكومات والهيئات المعترف بها في الجانبين ، ويتعين علي من يتلقى هذه الأموال أن يقدم كشف حساب بها إلي الرأي العام, وأن يشرح للجميع أهدافه ومقاصده, وعلي الشعب أن يحاسب هؤلاء فمن حق كل إنسان أن يعرف من يتحدث باسمه, ومن حق الحكومة أن نساندها مادامت ماضية في طريق الإصلاح وفقا لخطة واضحة للجميع لا لبس فيها ولا غموض ". ورأى البري أن " اتصال جهات أجنبية بأفراد داخل المجتمع ليس من الحرية والديمقراطية في شيء, بل هو تدخل مقصود لأهداف معينة, ومهما قيل عن النيات الحسنة والأهداف السامية التي تسعي إليها هذه الدولة أو تلك, فإنها أقوال لا تلبث أن تتحول إلي أفعال عكسية نراها في صور شتي كما هو حادث الآن في أكثر من دولة بالمنطقة, فانتبهوا أيها السادة! " . هذا التشكيك في نوايا أمريكا تجاه الإصلاح ، كان واضحا بشكل أكبر في مقال محمد سيد أحمد ، الذي فضل عرض شكوكه على هيئة أسئلة موجهة إلي كوندوليزا رايس ، منها " هل من الممكن ، بالضغط من الخارج تحقيق إصلاح ديموقراطي؟. بعبارة أخري: هل الضغط والديموقراطية كلمتان من الممكن اعتبارهما منسجمتين؟ . كيف يفسر أن هناك في الشارع جوا معاديا للولايات المتحدة رغم أن واشنطن ترفع راية الدفاع عن الديموقراطية؟.. ما تفسير أن تكون الديمقراطية موضع استهجان؟ ذلك انه إذا استثنينا من يصفون أنفسهم برجال الأعمال وأقطاب البزنيس في مصر, فإن سلوك أمريكا موضع نقد شديد من قبل شرائح واسعة من الشعب المصري (..) ثم ما الرأي في تولي مراقبين من الخارج الإشراف علي عمليات الاقتراع, وهل يشكل هذا الإشراف تدخلا في شئون البلاد الداخلية؟ أو مسألة ينبغي النظر إليها كعملية مستحبة تخدم قضية الديموقراطية؟.. ما الرأي في تولي قضاة عمليات الإشراف؟.. بل وما الرأي في انفرادهم بهذه المهمة, بعيدا من أية جهة إدارية؟..ثم هل من الديموقراطية في شيء أن يحدد سقف للتمويل فيما يتعلق بالمرشح المستقل, بينما يملك مرشح الحزب الحاكم إمكانيات لا تخضع لضوابط معروفة؟ ". واعتبر سيد أحمد " أن هناك أيضا ما يظل يكتنفه الغموض.. ليس واضحا مثلا موقف الادارة الأمريكية حيال ما وصف بتوريث السلطة.. إن هذه قضية لا يمكن التهوين من شأنها في ظل الأهمية القصوى التي تمنحها إدارة بوش لقضية الديموقراطية.. صحيح أن بوش الابن قد انتخب رئيسا في وقت لاحق علي أبيه, ولكن حكم كلينتون بين الأب والابن لمدة8 سنوات ودورتين رئاسيتين.. وبمقتضي آلية لا علاقة لها بتوريث السلطة علي وجه الإطلاق.. ومع ذلك. فلا يمكن القول إن إدارة بوش أظهرت حسما في موقفها من قضية توريث السلطة في مصر. (..) بل أذهب إلي أبعد وأقول أن كوندليزا رايس وهي تزعم زراعة الديموقراطية في مصر, لا تشجع انتشارها مستقبلا.. بل العكس هو الأصح " . ونبقى كذلك في صحيفة " الأهرام " ، لكن ننتقل للتيار الرافض للتدخل الأمريكي في قضية الإصلاح بشكل مبدئي ، حيث تساءلت سكينة فؤاد بغضب " هل في زمن تملك فيه الإدارة الأمريكية أن ترسل لجانها ومسئوليها لفحص أحوالنا, ومناقشة ما نعرف وما لا نعرف من أخص أمورنا السياسية والسيادية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية ، وأن تختار وتحاور وتسمع إلي من تسميهم النخب ، يصادر حق هذه المناقشة والمشاركة عن عموم المصريين وكل من ليست لديهم حظوة ولا استقواء أمريكي... كيف توجه الاتهامات بعدم الشرعية لمن يمارس هذا الحق الأصيل من حقوق المواطنة؟! كيف توفرها الإدارة الأمريكية ولا توفرها حقوق المواطنة؟! لماذا الإصرار علي توفير جميع عوامل انفجار وطني؟! . في شأن الكائن المستقصي أو المواطن الذي يستحضر النظام صورته عندما تستحكم الأزمات حوله ، في لعبة الديمقراطية والادعاء انه فاعل وليس مفعولا به في كل الأحوال.. لفتني ما أعلنه النائب د. زكريا عزمي في مجلس الشعب من أن المصريين لم يشعروا بجدوى المشاركة المصرية الأوروبية حتى الآن... وهو تساؤل غريب, فما الذي شعر المصريون بآثاره في اغلب المشروعات التي أنفقت عليها المليارات أو أضعف الإيمان, ماذا يعرفون من حقائق هذه المشروعات وعائدها في حياتهم.. ماذا يعرفون عن حقيقة توشكي وما يحدث فيها الآن ". واستمرت فؤاد في التساؤل " أين المصريون من كوب ماء آمن قبل أن نتساءل أين هم من جدوى المشاركة الأوروبية, وماذا يعرفون عن كل هذا البلاء وكيف يقاومون؟! عندما أثار نواب مجلس الشعب مشكلة مياه الشرب من قبل, دفعت الحكومة بأنها مساومات انتخابية, فما الذي يساوم عليه أساتذة الجامعات.. أو أن أي محاولة لكشف الكوارث التي يعيش تحتها المصريون الآن أصبحت مدانة ومتهمة, وهل يحاسب فقط المواطنون والجماعات علي رفع أصوات مطالبة بالتغيير, أما مرتكبو مثل هذه الجرائم القومية فيزدادون قوة وتبجحا وتمكينا.. أين اللجان المستقلة للأمن الحيوي التي لا يرأسها من يجب أن تراقبهم لتفصل بحقائق علمية لصالح المواطنين وتنهي أكاذيب أصحاب المصالح والمتاجرين بالأمن الحيوي لهذا الشعب من مسئولين وغير مسئولين, وكيف تصمت جماعات حقوق الإنسان وحماية البيئة وحماية المستهلك المعطل قانونها حتى الآن من الدفع بهذه الكوارث ، التي حملتها تقارير علمية في بلاغات إلي النائب العام ، أو أننا يجب أن نتطلع ونرجو توصية أمريكية لن تحدث علي الإطلاق لاستنقاذ الأمن الحيوي والصحي لهذا الشعب المثقل بالأمراض ، التي كانت السياسات الأمريكية مخطط ومنفذ أساسي له ". نتحول إلى صحيفة "المصري اليوم" المستقلة ، حيث علق أسامة غريب على التصريح الذي أدلى به أحد أعضاء لجنة السياسات في الحزب الوطني، يشكو فيه من حرب يشنها الحرس القديم بالحزب ضد الفكر الجديد الذي يمثله جمال مبارك ولجنته ، قائلا " منذ قرأت هذا التصريح وحتى الآن مازلت أضحك بشدة كلما تذكرت الحرقة التي تحدث بها السيد العضو عن الأفكار الطموحة والرؤيا الشاملة المتكاملة التي تمتلكها اللجنة الموعودة لتحديث مصر والخروج بها من أزمتها ولكن "يا عيني" فان الحرس القديم يصارعهم فيصرعهم لأنه الأشد قوة والأكثر سيطرة على مؤسسات الدولة الحيوية . وددت أن أسال الأستاذ صاحب الفكر الجديد عن موقف فكر سيادته من استباحة أعراض الناس في الشارع ونهش لحمهم .. فإذا كان يوافق على ما حدث أو ينفي حدوثه فما الفرق بينه وبين الحرس القديم ؟ (..) أم ترى أن الفكر الجديد هو المؤلف والمخرج والمنتج لسيناريو نهش الأعراض ؟ هلا اسمعنا الأستاذ صوته ؟ " . ومضى غريب في تساؤلاته " وليت صاحب الفكر الجديد يخبرنا عن موقفه من مطالب القضاة لاستقلال القضاء ومنع التزوير حيث لم نسمع أن للجنة السياسات موقفا من هذا الأمر يخالف موقف أصحاب الفكر القديم البالي . ويا حبذا لو يفتينا عن رأي فكر سيادته في قانون انتخاب رئيس الجمهورية ؟ وهل لأصحابه رأي يناقض أهل الفكر العتيق ؟ إن التعليمات المباشرة لرئيس الجمهورية هي التي أضافت البنود الخاصة بشروط التجنيد والجنسية والذمة المالية . هل لأصحاب الفكر "المفتكس" موقف من قانون الطوارئ يختلف عن موقف أصحاب الفكر العجوز أم أنهم جميعا يباركون الطوارئ إلى الأبد ؟ . وهل يؤمنون في لجنة السياسات بتداول السلطة عبر صناديق الانتخابات أم تراهم يؤمنون بحتمية وجود السلطة في أيديهم وحدهم لتطبيق فكرهم الجديد نوفي ؟ . وأضاف غريب " يا سادة .. يا إخواننا .. يا مصريون .. ليس في الأمر حرس جديد ولا قديم .. إنما صراع على الكراسي وعلى المناصب .. صراع على الغنائم للاستئثار بالسلطة والثروة .. هو صراع نحن الخاسرون فيه أيا كانت نتيجته . يا سادة .. إن الفكر الجديد الذي نتمناه هو الفكر المعبر عن أمانينا وأحلامنا البسيطة . إن المعيار الوحيد لجدة الفكر وطزاجته وصلاحيته هو أن يجد حلولا لمشاكلنا المتمثلة في الاستبداد والفساد والديكتاتورية .. فهل لدى فكر سيادة الأستاذ مثل هذه الحلول ؟ " . هذه المشاكل ، المتمثلة في الاستبداد والفساد والديكتاتورية ، دفعت عباس الطرابيلي رئيس تحرير صحيفة " الوفد " المعارضة ، للتحذير من طوفان شعبي يقتلع جذور الفساد والاستبداد ، قائلا " ها نحن في بدايات قرن جديد.. فهل يمكن أن يحسم شعبنا الأمر وأن يتحرك ويرغم السلطان على تغليب روح المصلحة العليا فوق أي مصلحة.. شخصية، أو عائلية، أو جماعية.. هل يمكن أن تأخذ البلاد بكل شعبها الأمر بيدها وأن تزيح كل الطامعين، المماليك الجدد.. وهذه العصابات الجديدة التي طفحت على الجسد المصري، تماماً مثلما تطفح الأمراض الجلدية التي تحيا بالقذارة مثل الطاعون.. والجدري.. والأمراض الجديدة التي تأكل الجسد فلا تتركه إلا على باب القبر مثل مرض العصر المسمى بالسرطان. مصر الآن يا سادة حبلى بالثورة. الجسد يغلى.. ولم يعد باقياً إلا أن ينفجر القدر بما فيه ليدمر كل من حوله.. ولكن من المؤكد أن هؤلاء المنتفعين سيكونون أسبق الفارين، وما أشبه هؤلاء الفارين بالفئران التي تكون أسبق الهاربين من السفينة عندما تشرف على الغرق". ورأى الطرابيلي أن " مصر الآن.. هي هذا البركان الكامن. ويبدو أن أصوات غليان البركان تحت السطح لم تصل بعد إلى المنتفعين بالنظام الناهبين لثروات البلاد.. والذين ما جاءت قوانين "من أين لك هذا؟" إلا لهم، قبل غيرهم.. والخوف كله أن ينفجر البركان، وإذا انفجر فلن يبقى على شيء وسوف يحرق ما حوله، ويغرق الكل بالنار والدمار.. ويدفنهم تحت الرماد.. وهو الطوفان الذي لن يتركنا لنبنى السفينة لنركبها ونأخذ فيها الصالحين فقط فلم تعد هناك منجاة ". واستعرض الطرابيلي خبرات التاريخ ، قائلا " حقيقة في فترات الضعف كانت هتافاتهم: إيش تأخذ من تفليسى يابرديسى.. ولكن سرعان ما تطورت هذه الهتافات إلى: هذا أو.. الثورة.. وخضع النظام وقتها لإرادة الأمة.. عندما تيقن النظام أن الشعب عرف طريقه الحقيقي والصحيح.. للتغيير.. هل تتكرر الصورة.. ما دام النظام مصراً على أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان. (..) وزمان كان الحاكم يبتعد عن عاصمته.. فوجدنا الخليفة العباسي يهجر عاصمته التي كانت مدينة المدائن: بغداد.. ليبنى مدينة له وعاصمة يحتمي بها هي سامراء، التي حاول الخليفة أن يعطيها اسماً براقاً هو: سر من رأى أو سر وابتهج من رآها.. وهى التي تغيرت بالزمن إلى سامراء.. ولكن سامراء عاصمته الجديدة لم تحم الخليفة طويلاً.. ولم تطل الدول التي بنى حكامها عواصم جديدة لملكهم (..) . إن تحت ثرى مصر نيراناً كاظمة مكظومة تتلظى.. والشعب يراقب. ويجمع ويطرح ويحسب. ولكنه لن يسامح أبداً. وهو يعرف اللصوص كبارهم قبل صغارهم. ويكاد الشعب يعرف بالتفصيل كل ما نهبوه.. أو حولوه.. وقد كان معظمهم من المعدمين.. فهل يكون مصيرهم مثل مصير المماليك القدامى بعد أن انحدرت قوتهم وتحولت من قوة لحماية البلاد إلى قوة تنهب وتسرق.. وعليكم أن تدرسوا تاريخ مصر. وأن تفكوا أسرار صمت هذا الشعب.. ثم كيف تصبح ثورته عندما يفيض به الكيل.. ونقول إن الوقت لم ينته. والفرصة مازالت سانحة.. وعليهم أن يقرأوا وأنصحهم بقراءة سلسلة كتب وأفكار فيلسوف الديمقراطية المصرية خالد محمد خالد.. قبل أن نقول لهم كلهم: هذا أو.. الطوفان!! " . وفي مقابل هذه المعادلة التي لا تتضمن سوى خيارين : الاصلاح أو الطوفان ، فان محمد أبو الحديد تجاوز في صحيفة " الجمهورية" الحكومية تلك المعادلة ، وقفز للحديث عن ترتيبات الانتخابات الرئاسية المقبلة ، لافتا إلى أنه " ليس لدينا كمصريين خبرة سابقة بانتخابات حقيقية لرئاسة الجمهورية. يتنافس فيها مرشحون مختلفون. يطوفون محافظات مصر. يقدمون للناخبين برامجهم. ويدخلون في مواجهات ومناظرات علنية لعرض أفكارهم ومواقفهم تجاه كل قضايا الوطن والمواطن في الداخل والخارج. حتى يختار الناخبون من بينهم من يرونه أصلح لتولي هذا المنصب الرفيع. تجربتنا الوحيدة. للأسف. عبر نصف قرن من الزمان. تنحصر في إعطاء أصواتنا لمرشح وحيد في استفتاء معروفة نتيجته قبل أن يبدأ. ولذلك فكثيرا ما كان المسئولون عن إدارة الاستفتاء يحسبون أصواتنا من تلقاء أنفسهم لصالح هذا المرشح الأوحد. دون أن نذهب أصلا إلي صناديق الاستفتاء . (..) إن مسألة إجراء انتخابات رئاسية حقيقية.. ديمقراطية. ونزيهة. أكبر وأعقد كثيرا من مجرد إقرار مجموعة من القوانين اللازمة لها.. أي أنها لا تتحقق بمجرد إيجاد "بنية تشريعية" لكنها تحتاج إلي "بنية سياسية وإدارية" تضمن حسن تنفيذ هذه القوانين. وتنظم كل التفاصيل المرتبطة بها. وأوضح أبو الحديد أننا " لم نحسم بعد الجدل الدائر حول علاقة "الخارج" بهذه الانتخابات. هل نقبل بوجود مراقبين دوليين للانتخابات أم مجرد ملاحظين.. وهل نقبلهم من منظمات دولية فقط. أم من دول محددة. وكيف سننظم لهم نطاق وظيفتهم وحدود عملهم بما يتفق مع مهمتهم ولا يتجاوز حدود سيادتنا الوطنية. نحن لم نفكر في عملية "تأهيل" المرشحين لخوض الانتخابات. وهي قضية بالغة الأهمية. ومتعددة الجوانب. فيها التأهيل "الذاتي" الذي يقوم به المرشح لنفسه.. وفيها التأهيل "الحزبي" الذي يتولاه الحزب لمرشحه. أو الجهة التي تقف وراء المرشح إن كان مستقلا.. وفيها "دور لأجهزة الدولة" نفسها. إن كل مرشح في انتخابات الرئاسة. استوفي كل شروط الترشيح التي قررها القانون. سيصبح من وجهة نظر هذا القانون. ولو من الناحية النظرية رئيسا محتملا للجمهورية. وهذا يفرض أن تكون لديه أو يتم تمكينه من القدر من المعلومات والبيانات التي تتيح له الإلمام بكل قضايا الوطن وأبعادها الداخلية والخارجية وهو يخوض حملته الانتخابية. حتى لا يخطئ في حق شخص أو دولة أجنبية. أو يتجاوز خطا أحمر من خطوط الأمن القومي. أو يتسبب بتصريحاته وخطبه ودعاياته في أي أزمة داخلية أو خارجية. وكما قلت. فإن عملية التأهيل هذه متعددة الجوانب والأطراف. ويقع جزء منها علي عاتق أجهزة الدولة. في أمريكا مثلا. تقليد عريق في انتخابات الرئاسة. وهو أن تقدم قيادة وكالة المخابرات المركزية "سي آي إيه" لكل مرشح للرئاسة. سواء من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي. أو كان مستقلا. تقريرا كاملا عن قضايا الأمن القومي الأمريكي وسياسة أمريكا الخارجية وعلاقاتها الدولية. ويقوم كل مرشح بالإطلاع علي هذا التقرير. وإطلاع المرشح معه لمنصب نائب الرئيس عليه. يحدث هذا كما قلت لأن كل مرشح هو رئيس محتمل للجمهورية. ومن حقه أن يحاط علما بالخطوط العريضة علي الأقل لسياسة بلده وعلاقاته ومواقفه. لمصلحته كمرشح. ولمصلحة وطنه حتى تسير العملية الانتخابية بلا أزمات. أو تجاوز من هنا وهناك". هذه الفوضى الرهيبة ، كانت أيضا موضع اهتمام السيد يسين في صحيفة الأهرام ، حيث شبه " انتقال النظام السياسي المصري من السلطوية إلي الليبرالية والديمقراطية بأنه أشبه بالسير في طريق مزروع بالألغام! وهذه الألغام نبت طبيعي للسلطوية باعتبارها نظاما سياسيا يقوم أساسا علي نفي التعددية الحزبية, وتجميد المجتمع المدني, وعدم السماح لأي مؤسسة أن تشارك بآرائها في التخطيط السياسي أو التنفيذ العملي. وأخطر ما في النظام السلطوي أنه عادة ما يركز علي عدد محدود من الشخصيات السياسية يدير بهم العملية السياسية بطريقته مع تركيز شديد علي رأس الدولة باعتباره هو بمفرده رأس الحكمة ومصدر الإلهام, وفي هذا السياق ووفق خطة مدروسة يتم القضاء أولا بأول علي المواهب الفكرية المبدعة, وعلي الشخصيات العامة الواعدة, حتى لا يبقي علي المسرح سوي الشخوص السياسية السلطوية التي لا ولاء لها إلا لرأس الدولة, وبغض النظر عن كفاءتها المهنية, أو نزاهتها الأخلاقية, أو التزامها بالمصلحة العامة. وإذا أضفت إلي ذلك طبقة عريضة من أصحاب المصالح الذين أصبحوا مثلا ضمن عضوياتها مع القيادات السياسية السلطوية, نجد أنفسنا إزاء بنية بالغة الجمود, تحتاج إلي منهج مدروس لتفكيكها واستراتيجيات محكمة للعبور الآمن من السلطوية بكل سلبياتها وويلاتها إلي آفاق الليبرالية والديمقراطية الفسيحة " .