كيف يمكن علاج المريض إذا لم يعترف بداية بعلته وسقمه؟.. ومن هذا المنطلق سنتطرق سريعاً إلى مسألة إعمال العقل، هذا الكنز الغالى الذى تراجع دوره كثيراً، وأدى هذا التراجع إلى هذه السلبية الفكرية والفوضى العقلية المحيطة بنا، ولأهمية العقل والتفكير تكرر ذكر كلمة العقل ومشتقاته فى القرآن الكريم 49 مرة، لأن العقل جزء من الشرع، فكما أنه لا عقل كاملاً بلا شرع، فكذلك لا شرع كاملاً بلا عقل، مما دفع الإمام ابن تيمية لعمل عشرة مجلدات كاملة تحمل عنوان «درء تعارض العقل والنقل»، لتوضيح إلى أى مدى لا تتعارض الأدلة المنقولة مع العقل، مع ترجيح كفة العقل فليس كل منقول صحيحاً ما عدا الصريح منه، «جوهر العقيدة وأصول الشريعة».. فلماذا تم طمس ومحو هذا الشىء العظيم من حياتنا؟ وأصبح كل الأمور مسلماً بها وكل المشاكل ليست لها حلول.. فإذا كان هذا الحال بالنسبة للدين، فمن الأولى استخدام العقل فى الدنيا ولا داعى للاستهانة بالعقول وقدرتها على تغيير الأوضاع إلى الأفضل ولدينا الكثير منها، ولكن هناك من كره انبعاث هذه العقول فأقعدها وثبطها عن أداء رسالتها وحول أفكارها إلى أفكار سلبية هدامة بطريقة أو بأخرى، وانتشار العنف داخل المجتمع خير دليل.. ولعل العامل الرئيسى الذى ساهم فى تفاقم المشكلة هو قمع الحرية عامة، وحرية القول والتعبير خاصة.. قيل للفيلسوف الألمانى كانط كيف تكون الحضارة ممكنة؟ قال: إذا كان الفكر ممكناً قيل له: وكيف يكون الفكر ممكناً؟ قال: إذا كان العقل ممكنا. قيل له وكيف يكون العقل ممكناً؟ قال: إذا كانت الحرية ممكنة. فمع عدم إمكانية الحرية المطلقة تكونت سلبيات الفكر السائد الآن، وأصبح فكراً نقلياً وليس عقلياً فكراً استرجاعياً لا استطلاعياً، فكر انفعال لا أفعال! فأصبح من الضروريات والحاجات الملحة إعادة النظر فى طرق إعمال العقل والتحول من التلقين إلى التكوين، ومن التقليدية إلى الابتكارية ليتقدم المجتمع نحو الأفضل. حمدى أحمد الهوارى [email protected]