وفد من الكنيسة الكاثوليكية يهنئ محافظ قنا بعيد الأضحى المبارك    «الإحصاء»: 864 مليون دولار قيمة التبادل التجاري بين مصر والأردن خلال 2023    خبير: الطاقة الذكية مستقبل واعد وفرص عمل بالملايين    البنك الدولي: النمو العالمي يحقق استقراراً للمرة الأولى منذ 3 سنوات    خبير: مشاركة السيسي في مؤتمر غزة تؤكد دعم مصر للفلسطينيين    زيلينسكي يتوقع عودة اللاجئين الأوكرانيين لبلادهم بعد انتهاء الحرب    كوبر يستقيل من تدريب سوريا بعد الخسارة بخماسية من اليابان    لامين يامال: أحضرت واجباتي المنزلية معي ولدي دروس عبر الإنترنت    «قلبي معاه».. شوبير يكشف تطورات جديدة في أزمة رمضان صبحي مع المنشطات    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقضية داعش العمرانية للنطق بالحكم    حج 2024| الأزهر للفتوى يوضح أخطاء يقع فيها الحاجّ أثناء أداء المناسك    "التنظيم والإدارة" يتيح الاستعلام عن القبول المبدئي للمتقدمين في 3 مسابقات    بريطانيا: ارتفاع مفاجئ في معدل البطالة يصيب سوق الوظائف بالوهن مجددا    إنييستا: تعاقد برشلونة مع صلاح كان ليكون مميزا    يورو 2024 - الإصابة تحرم ليفاندوفسكي من مواجهة هولندا    «الدفاع الروسية» تكشف أسباب تحطم طائرة "سو-34" خلال طلعة تدريبية    قبل أيام من عيد الأضحى.. تفتيش 81 منشأة غذائية وضبط 22 جهة تعمل بدون ترخيص في الإسكندرية (صور)    عيد الأضحى في المغرب.. عادات وتقاليد    كواليس استعدادات حفل عمرو دياب الأكبر في بيروت هذا الصيف    نشوى عزام ل"البوابة نيوز": المعرض العام 44 حدثا تشكيليا يليق بالفن المصرى    المنتدى الدولي للفن التشكيلي من أجل التنمية ينٌظم معرضا فنيا للأعمال المعاد تدويرها بقصر السلطانة ملك    5 أعمال ثوابها يعادل أجر الحج والعمرة.. تعرف عليها    الأعلى للإعلام يستدعي الممثل القانوني ل أمازون مصر    بدائل الثانوية العامة.. شروط الالتحاق بمدرسة الضبعة النووية بعد الإعدادية (رابط مباشر للتقديم)    «وليال عشر» قصيدة للشاعر صبري الصبري    هيئة الرعاية بالأقصر تكرم 111 فردا من قيادات الصف الثاني بالمنشآت التابعة لها    أهم النصائح والإرشادات للحاج للمحافظة علي صحته خلال تأدية المناسك    قافلة مجمع البحوث الإسلامية بكفر الشيخ لتصحيح المفاهيم الخاطئة    يورو 2024| رومانيا يسعى للذهاب بعيدًا في الظهور الرابع.. إنفوجراف    الأسماك النافقة تغطي سطح بحيرة في المكسيك بسبب الجفاف وموجة الحر    رئيس الضرائب: المصلحة تذلل العقبات أمام المستثمرين السنغافوريين    رئيس هيئة الدواء: حجم النواقص في السوق المصري يصل ل7%    إصابة 12 في حادث إنقلاب سيارة بطريق أسيوط الغربي بالفيوم    أمن قومي وإعلاء قيم حقوق الإنسان.. إشادة برلمانية بإجراءات "الداخلية" لتأمين امتحانات الثانوية العامة    حكومة جديدة..بخريطة طريق رئاسية    تطوير وصيانة وإنتاج خرائط.. وزير الري يكشف عن مجهودات توزيع المياه في مصر    نجم الزمالك السابق يفتح النار على حسام حسن.. «إنت جاي تعلمنا الأدب»    تطوير مستشفى مطروح العام بتكلفة مليار جنيه وإنشاء أخرى للصحة النفسية    رئيس جامعة بني سويف يرأس عددا من الاجتماعات    المجلس الوطني الفلسطيني: عمليات القتل والإعدامات بالضفة الغربية امتداد للإبادة الجماعية بغزة    مجد القاسم يطرح ألبوم "بشواتي" في عيد الأضحى    تأجيل محاكمة المتهم بإصابة شاب بشلل نصفى لتجاوزه السرعة ل30 يوليو المقبل    للمرة الأولى بالحج..السعودية تدشّن مركز التحكم والمراقبة لمتابعة حركة مركبات بمكة المكرمة    «الصحة» إدراج 45 مستشفى ضمن البرنامج القومي لمكافحة المقاومة لمضادات الميكروبات    ما هو يوم الحج الأكبر ولماذا سمي بهذا الاسم؟.. الإفتاء تُجيب    رضا البحراوي يُحرر محضرًا ضد شقيق كهرباء بقسم المعادي    إيلون ماسك: سأحظر أجهزة آيفون في شركاتي    محاولات للبحث عن الخلود في "شجرة الحياة" لقومية الأقصر    وزير النقل يوجه تعليمات لطوائف التشغيل بالمنطقة الجنوبية للسكك الحديدية    محمد أبو هاشم: العشر الأوائل من ذى الحجة أقسم الله بها في سورة الفجر (فيديو)    الدولار يقترب من أعلى مستوياته في شهر أمام اليورو    بن غفير: صباح صعب مع الإعلان عن مقتل 4 من أبنائنا برفح    طائرته اختفت كأنها سراب.. من هو نائب رئيس مالاوي؟    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    موعد ومكان تشييع جنازة وعزاء الفنانة مها عطية    سيد معوض يتساءل: ماذا سيفعل حسام حسن ومنتخب مصر في كأس العالم؟    فلسطين.. شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاولة لفهم محنة الحاضر .. كيف تراجع المسلمون حضاريًّا؟
نشر في الشروق الجديد يوم 02 - 05 - 2009

قد يكون من المفيد أن نعود إلى بعض المحطات التاريخية التى شهدت تراجع الحضارة الإسلامية عن مكانتها الرائدة التى شغلتها فى بداياتها.
ودون الإغراق فى المقدمات فلننفذ إلى محطات ثلاث فى تاريخنا كان لكل منها أثرها الممتد حتى يومنا هذا، ثم سأعقبها بمحطات أربع أخرى فى مقال قادم عسى أن يكون التعرف على بعض جوانب الداء مقدمة للتعرف على الدواء.
أولا: تراجع الخلافة وسيادة الملك العضوض، تراجع نموذج عمر وسيادة نموذج معاوية:
لا شك أن منطق تداول الحكم على أساس من الوراثة عكس ما عمل له وعليه السابقون من الخلفاء كان نقطة التراجع الأولى فى دولة الإسلام بحكم أنها نقلت موقع آحاد الناس من فاعلين سياسيين يشاركون فى أمر الحكم عن طريق البيعة من ناحية والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من ناحية إلى أخرى إلى رعايا لهم الأمان ما أمن الحكام مكرهم.
ومن هنا كانت المقولة الشائعة لمعاوية: «لا نحول بين الناس وألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا» وقد سارت منهجا التزمه اللاحقون. وقد انتزعت الدولة الأموية من الفقهاء المسلمين آنذاك السند الشرعى لطاعة ولى الأمر بغض النظر عن مدى شرعية وصوله للسلطة مادام يلتزم شكلا بقواعد الإسلام واحترامه لطقوسه مثل إقامة الصلاة والدعاء للخليفة على المنبر وتطبيق الحدود والتوسع فى جهاد الدفع أى رد أعداء الدولة الإسلامية عنها وجهاد الطلب أى التوسع فى حدود الدولة الإسلامية.
وعلى الرغم من أن هذا التحول الخطير فى شكل نظام الدولة وأسس شرعية القائمين عليها فإن أخطر ما فيه أنه كان مقدمة لتحول فى علاقة الدولة بالمجتمع، فبدلا من منطق أن الحاكم خادم للمجتمع المسلم وموظف عام يقوم على شئونه باختيار المجتمع ورضاه، تحول المجتمع إلى تابع للدولة توجهه وتفرض عليه شروطها.
فمن عمر الذى كان يقول: « إنما أرسل لكم الولاة خادمين ومعلمين» إلى معاوية الذى قال: «إن لم يكن هذا (أى ابنه يزيد) فهذا (أى السيف)».
مات عمر، ويجلس على عروش الحكم تلاميذ معاوية، رضى الله عنهما.
ثانيا: تراجع العالم الناقد لصالح عالم التقية، تراجع منطق ابن حنبل وتقدم منطق ابن معين:
لقد كانت فتنة خلق القرآن الكريم أكثر كثيرا من مجرد اختلاف فلسفى بشأن هل القرآن الكريم مخلوق كرد فعل لحوادث الدنيا، وبالتالى كان من الممكن نظريا أن تتغير بعض آياته لو تصرف أبولهب على عكس ما تصرف مثلا أم أنه قديم قدم الدهر وكأن الله خلقه أصلا قبل خلق البشر ثم سير الأمور كى تستقيم مع القرآن الكريم.
أقول هذا النقاش الفلسفى نفسه كان يمكن أن يمر مرور الكرام كما مر غيره لكنه تحول إلى علامة فاصلة فى تاريخ المسلمين من زاويتين على الأقل: فهو أولا قد رسخ نمط السلطة القاهرة فى مواجهة عالم الدين المعارض. فكان تعذيب ابن حنبل على يد ثلاثة من خلفاء العباسيين درسا وعاه معظم علماء الدين فى عصر الفتنة وممن أتوا بعدها.
وصار فى الإسلام نمطان: نمط شجاعة ابن حنبل المعذب بسبب صلابته فى الدفاع عما رآه الحق، وتقية يحيى بن معين الذى قال إن القرآن مخلوق حتى يريح نفسه من العذاب مستندا إلى الآية الكريمة {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}.
ويبدو أن الكثير من علماء الدين قد أخذوا عن ابن معين منطقه ونسوا الرسالة الأولى لكل نبى وهو أن يجاهد بالكلمة مهما كلفه الأمر، لأنه قائد رأى عام فى مجتمعه وقدوة لمن يسيرون خلفه.
وهذا هو ما فعله موسى النبى مع فرعون المستبد، بل فعله كل نبى مع كل جبار، بل هو ما فعله فلاسفة عصر النهضة فى أوروبا مع حكامهم المستبدين، وكان بعض هؤلاء الفلاسفة ملحدين، وهو ما حاوله حديثا نساك وعباد بورما حينما سار منهم عشرة آلاف حفاة فى الشوارع يقودون المجتمع وينشدون كلمة واحدة يكررونها بوعى وإصرار: «الديمقراطية... الديمقراطية».
أما فى حياتنا الإسلامية المعاصرة، فتكون كلمة الحق عالية ضد صغائر المواطن متى أخطأ ولا تتخطاه إلى كبائر الحكام متى وقعوا فى الخطيئة. مات فى الكثير من علمائنا ابن حنبل.. ويحيا بيننا يحيى بن معين.
ثالثا تراجع العقل وازدهار النقل، تراجع منهج ابن رشد وازدهار منهج الغزالى:
وقد كان لمحنة خلق القرآن مع غيرها من التفاعلات الأخرى أثر آخر امتد طويلا حتى يومنا هذا. هذا الأثر نلمحه فى غلبة النص دون اجتهاد فى فهمه وتطبيقه على بعض مذاهبنا الفقهية، والتى جعلت الكثرة الغالبة تخشى الذهاب بعيدا عن الاجتهادات الفقهية التى خلفها الأقدمون.
فترتب على ذلك نوع من المبالغة فى تقدير النص والخوف من العقل المفضى إلى الفتنة بما أخذنا بعيدا عن التوازن المنطقى.. فتأخرنا فى كثير من ابتكاراتنا بل وفى قبول الكثير من المبتكرات التى جاءت إلينا من الأمم الأخرى.
وبما أن العقل البشرى قد أفضى للتفكير فى هذه القضايا من قبيل القرآن قديم أم مخلوق فضلا عن ترجمة عشرات الكتابات من الفلسفة اليونانية القديمة وما ترتب على ذلك من طرح أسئلة لم يكن من السهل التفكير فيها من قبل العقل المسلم آنذاك فقد ساوى بعض الفقهاء بين الفلسفة والزندقة وكان الحل ذا شقين: الأول مزيد من التمسك بالأقوال المنسوبة للرسول (ص) والصحابة العظام والتابعين، ثم من ناحية أخرى ما عرف بغلق باب الاجتهاد.
فعلى مستوى التمسك بالنصوص المنسوبة للرسول (ص) وصحابته تبين لنا لاحقا أن الأغلبية الساحقة من هذا الأقوال ليست بأحاديث تنسب للرسول الكريم. فمثلا يروى أن الحسن البصرى قد حفظ 600 ألف حديث، كما قيل إن الإمام أحمد كان يحفظ ألف ألف (أى مليون) حديث ولكنه وضع فى مسنده أربعين ألفا فقط، تكرر منها عشرة آلاف حديث فى حين أننا نعرف الآن أن عدد الأحاديث التى يصح نسبتها للرسول (ص) وفقا للمحدث المعاصر الشهير ناصر الدين الألبانى لا تزيد على ثمانية آلاف.
أى إن العقل المسلم كان يسير لمدة طويلة من الزمن ومعه آلاف الأحاديث ظانا أنها تنسب للرسول الكريم، ثم تبين لنا أنها ليست كذلك؛ فتخيل معى أنك تسير فى الشارع وعلى ظهرك مئات الكتب التى لا ينفعك منها إلا كتاب أو كتابان وأنت تظن خطأ أنها كلها مفيدة. وقد كان لهذا الكم المهول من الأحاديث المكذوبة دورها فى تشويش العقل المسلم.
وعلى هذا النهج كان الخلاف الشهير بين أبى حامد الغزالى الموصوف ب«حجة الإسلام» وهو بالفعل عالم كبير، وبين واحد من رواد الفلسفة الغربية المسلم ابن رشد، الذى وجدت اسمه فى العديد من الكتابات الغربية الكلاسيكية باعتباره من دعاة العقل والتنوير، وسببا من أسباب ازدهار الحضارة الغربية لمنهجه فى الاستدلال القائم على احترام العقل دون التصادم مع النقل. وقد كان وجود ابن رشد، حتى وإن كان تأثيره ضعيفا، مهما لتحريك المياه الراكدة.
ولكن لما مات جسدا، وأمتناه فكرا، فقد ضاع التوازن بين العقل والنقل. وغلب منطق أبى حامد الغزالى الذى ضمن فى كتبه آلاف الأحاديث التى عرفنا لاحقا أنها ضعيفة أو لا أصل لها. وساد عند كثيرين أن العقل «هوى» وأن النص مهما ضعف سنده، أفضل مما ينتجه العقل البشرى.
وأصبح ابن رشد ومدرسته بمثابة الشياطين والمارقين من الدين، وهو الموقف الذى ساد لدى شرائح المجتمع غير المثقفة حتى يومنا هذا. فيهتم العامة بحواديت وحكايات الدعاة عن الماضى التى لا نعرف مدى صحتها أكثر من اهتمامهم بأى حديث دينى أو فلسفى أو علمى جاد عن قضية من قضايا مجتمعنا المعاصر، فأصبحنا أمام ظاهرة المسلم الفخور بإسلامه الجاهل به وبواقعه.
وللحديث بقية إن شاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.