حريق يلتهم 4 أفدنة قمح في قرية بأسيوط    متحدث الصحة عن تسبب لقاح أسترازينيكا بتجلط الدم: الفائدة تفوق بكثير جدًا الأعراض    بمشاركة 28 شركة.. أول ملتقى توظيفي لخريجي جامعات جنوب الصعيد - صور    برلماني: مطالبة وزير خارجية سريلانكا بدعم مصر لاستقدام الأئمة لبلاده نجاح كبير    التحول الرقمي ب «النقابات المهنية».. خطوات جادة نحو مستقبل أفضل    ضياء رشوان: وكالة بلومبرج أقرّت بوجود خطأ بشأن تقرير عن مصر    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 1 مايو 2024    600 جنيه تراجعًا في سعر طن حديد عز والاستثماري.. سعر المعدن الثقيل والأسمنت اليوم    تراجع أسعار الدواجن 25% والبيض 20%.. اتحاد المنتجين يكشف التفاصيل (فيديو)    خريطة المشروعات والاستثمارات بين مصر وبيلاروسيا (فيديو)    بعد افتتاح الرئيس.. كيف سيحقق مركز البيانات والحوسبة طفرة في مجال التكنولوجيا؟    أسعار النفط تتراجع عند التسوية بعد بيانات التضخم والتصنيع المخيبة للآمال    رئيس خطة النواب: نصف حصيلة الإيرادات السنوية من برنامج الطروحات سيتم توجيهها لخفض الدين    اتصال هام.. الخارجية الأمريكية تكشف هدف زيارة بليكن للمنطقة    عمرو خليل: فلسطين في كل مكان وإسرائيل في قفص الاتهام بالعدل الدولية    لاتفيا تخطط لتزويد أوكرانيا بمدافع مضادة للطائرات والمسيّرات    خبير استراتيجي: نتنياهو مستعد لخسارة أمريكا بشرط ألا تقام دولة فلسطينية    نميرة نجم: أي أمر سيخرج من المحكمة الجنائية الدولية سيشوه صورة إسرائيل    جونسون: الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأمريكية نتاج للفراغ    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا من مخيم الفارعة جنوب طوباس    استطلاع للرأي: 58% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو فورًا.. وتقديم موعد الانتخابات    ريال مدريد وبايرن ميونخ.. صراع مثير ينتهي بالتعادل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    معاقبة أتليتيكو مدريد بعد هتافات عنصرية ضد وليامز    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي اليوم في الدوري والقنوات الناقلة    عمرو أنور: الأهلي محظوظ بوجود الشناوي وشوبير.. ومبارياته المقبلة «صعبة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 1 مايو 2024| إنفوجراف    ملف رياضة مصراوي.. قائمة الأهلي.. نقل مباراة الزمالك.. تفاصيل إصابة الشناوي    كولر ينشر 7 صور له في ملعب الأهلي ويعلق: "التتش الاسطوري"    نقطة واحدة على الصعود.. إيبسويتش تاون يتغلب على كوفنتري سيتي في «تشامبيونشيب»    «ليس فقط شم النسيم».. 13 يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر للموظفين في شهر مايو (تفاصيل)    بيان مهم بشأن الطقس اليوم والأرصاد تُحذر : انخفاض درجات الحرارة ليلا    وصول عدد الباعة على تطبيق التيك توك إلى 15 مليون    إزالة 45 حالة إشغال طريق ب«شبين الكوم» في حملة ليلية مكبرة    كانوا جاهزين للحصاد.. حريق يلتهم 4 أفدنة من القمح أسيوط    دينا الشربيني تكشف عن ارتباطها بشخص خارج الوسط الفني    استعد لإجازة شم النسيم 2024: اكتشف أطباقنا المميزة واستمتع بأجواء الاحتفال    لماذا لا يوجد ذكر لأي نبي في مقابر ومعابد الفراعنة؟ زاهي حواس يكشف السر (فيديو)    «قطعت النفس خالص».. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل أزمتها الصحية الأخيرة (فيديو)    الجزائر والعراق يحصدان جوائز المسابقة العربية بالإسكندرية للفيلم القصير    حدث بالفن| انفصال ندى الكامل عن زوجها ورانيا فريد شوقي تحيي ذكرى وفاة والدتها وعزاء عصام الشماع    مترو بومين يعرب عن سعادته بالتواجد في مصر: "لا أصدق أن هذا يحدث الآن"    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 1-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. تخلص من الملل    هل حرّم النبي لعب الطاولة؟ أزهري يفسر حديث «النرد» الشهير (فيديو)    هل المشي على قشر الثوم يجلب الفقر؟ أمين الفتوى: «هذا الأمر يجب الابتعاد عنه» (فيديو)    ما حكم الكسب من بيع وسائل التدخين؟.. أستاذ أزهرى يجيب    هل يوجد نص قرآني يحرم التدخين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب    «الأعلى للطرق الصوفية»: نحتفظ بحقنا في الرد على كل من أساء إلى السيد البدوي بالقانون    إصابات بالعمى والشلل.. استشاري مناعة يطالب بوقف لقاح أسترازينيكا المضاد ل«كورونا» (فيديو)    طرق للتخلص من الوزن الزائد بدون ممارسة الرياضة.. ابعد عن التوتر    البنك المركزي: تحسن العجز في الأصول الأجنبية بمعدل 17.8 مليار دولار    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    "تحيا مصر" يكشف تفاصيل إطلاق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم قطاع غزة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط.. صور    أفضل أماكن للخروج فى شم النسيم 2024 في الجيزة    اجتماعات مكثفة لوفد شركات السياحة بالسعودية استعدادًا لموسم الحج (تفاصيل)    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    رئيس تجارية الإسماعيلية يستعرض خدمات التأمين الصحي الشامل لاستفادة التجار    الأمين العام المساعد ب"المهندسين": مزاولة المهنة بنقابات "الإسكندرية" و"البحيرة" و"مطروح" لها دور فعّال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. حمدى زقزوق يفتح النار: "الأوقاف" تعانى من خريجى "الأزهر

عندما التقيت به منذ أيام لأول مرة كان الحوار معه متعة عقلية ودينية وعلمية، ومع فيض هذه المتعة نسيت الوقت، فقد بهرنى الرجل بهدوء العالم، وتواضع العارفين، وبالحزم فى أمور الدين، والبراعة فى تبسيط الكثير من القضايا الفقهية والشرعية التى كانت تبدو لى معقدة عصية على الفهم، وصدمنى الرجل بآرائه القاطعة وكلماته الساخنة كطلقات الرصاص.
قال الرجل: النقاب عادة وليس فيه من الإسلام شىء، والسلفيون لا يفهمون المعنى الصحيح للسلفية، وتحدث عن دعمه لقناة إسلامية خاصة لمواجهة فوضى الدعوة والإفتاء فى قنوات تشيع التشتت الدينى فى أذهان الناس، وعن عقوبة السجن لكل من يعتلى المنبر بغير تصريح وقال رأيه بصراحة عن الدعاة الجدد ومن يمارسون الشعوذة الدينية، وعن نشاط بعض الفنانات المعتزلات فى مجال الدعوة.
فى البداية تصورت أنه قد يتهرب أو يرفض الإجابة عن بعض أسئلتى، لكنه لم يفعل، وبعد أكثر من ساعتين من التركيز الذهنى شعرت بأننى أجهدت الرجل وأثقلت عليه فتوقفت، وكان هذا الحوار مع أ.د. محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف.
يرى البعض أن الفكر الدينى قد أصابه قدر من التخلف عن مواكبة العصر فمال بعض الدعاة إلى التشدد.. فما رأيك فى هذا القول؟
- المهمة الأساسية لوزارة الأوقاف هى نشر الفكر الوسطى المعتدل المعروف عن الإسلام الصحيح الذى لا يعرف التطرف، وكل تعاليم الإسلام لا تعرف التشدد، ورسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تشددوا فيشدد عليكم" وجاء فى القرآن: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، والتشدد ليس إلا جهلا بأصول الدين ساد فى فترات التراجع الحضارى التى أصابت الأمة الإسلامية واستمرت حتى يومنا هذا، ولذلك أصدرنا كتيبا عن تجديد الفكر الدينى يوضح أسباب تخلف الفكر الدينى فى الفترات السابقة وحتى الآن.
هل يعنى انتشار الفكر الدينى المتشدد تراجع دور وزارة الأوقاف؟
- نحن لا نقول إن كل شىء تمام فى وزارة الأوقاف، فنحن نبذل جهدا ونعمل ونكافح ونحاول، ولا ندعى أننا وصلنا إلى حد الكمال، المشكلة هى أن عندنا 104 آلاف مسجد وزاوية حتى الآن، ولا يوجد عندنا فى الوزارة سوى 50 ألف إمام، لذلك نستعين ببعض العلماء أو الأئمة المتقاعدين لسد هذا العجز وأداء خطبة الجمعة فقط فى المساجد، وأنا منذ عام 1998 لا أقوم بتعيين أئمة فى وزارة الأوقاف إلا عن طريق المسابقات الدقيقة التى نجريها كل عام، وللأسف لا ينجح فيها سوى 10٪ من المتقدمين نتيجة ضعف مستوى خريجى الأزهر.
لماذا لم تفرز المؤسسة الدينية الرسمية دعاة لهم شعبيتهم الكبيرة.. وتركت بذلك جزءا كبيرا من الساحة ليحتلها نوعان من الدعاة، الأول نسميه الدعاة الإعلاميين مثل عمرو خالد ومعز مسعود وخالد الجندى.. وغيرهم، والثانى دعاة السلفية أمثال محمد حسان وحسين يعقوب ومحمد وجدى غنيم وغيرهم؟
- أحب أن أوضح أن بعض الأسماء التى ذكرتها هم فى الأصل من أبناء المؤسسة الدينية الرسمية مثل الشيخ خالد الجندى فهو فى الأصل إمام فى وزارة الأوقاف، وهو أزهرى ملتزم، ويدعو إلى الوسطية والاعتدال لأنه من أبناء وزارة الأوقاف.
هل معنى ذلك أن الدعاة الإعلاميين هم امتداد لدعاة المؤسسة الدينية الرسمية؟
- لا، ليس كلهم لأن عمرو خالد مثلا لم يدرس فى الأزهر، وله طريقته الخاصة فى الدعوة، وهنا تلاحظ أن هؤلاء الدعاة الجدد كل منهم له مجال معين ولا يستطيع أن يذهب إلى مجال آخر.
كيف ذلك؟
- يعنى مثلا عمرو خالد يتكلم فى الأمور التى يسمونها "الرقائق" مثل الأخلاقيات والأمور التى ترقق قلوب الناس، ولا شىء أكثر من هذا، وهو نفسه يعترف بذلك، لذلك هو يبتعد عن الإفتاء وتفسير القرآن والتبحر فى علوم الحديث والسنة والفقه لأنها ليست من مجالات تخصصه، وهو يركز على الأشياء التى تصنع التواصل بينه وبين الجمهور مثل العلاقات الإنسانية والقيم، وهى أمور طيبة، وفى المقابل أصبح لدينا فى الأوقاف جيل عظيم من شيوخ الدعاة وجيل جديد من شباب الدعاة الذين يتولون الإمامة فى المساجد الكبرى مثل السيدة زينب والسيدة نفيسة والحسين رضى الله عنهم جميعا، والتليفزيون ووسائل الإعلام الأخرى تستعين بهؤلاء الشباب من الأئمة الذين أثبتوا كفاءتهم.
لماذا لم تتحدث عن دعاة السلفية؟
- لأن هناك الكثيرين ممن يدعون السلفية، وهم ليسوا كذلك، والشيخ الغزالى رحمة الله عليه كان يقول المعنى الحقيقى للسلفية هو الاعتماد على ما جاء فى القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ويدعو إلى العقلانية، والسلفية ليست هى هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم سلفيين، وهم متشددون فى الغالب ولا يفهمون المعنى الصحيح للسلفية، وهؤلاء الناس يهتمون بالشكل أكثر من أى شىء آخر مادامت اللحية طويلة والجلباب قصيرا والسروال طويلا، وغيرها من المظاهر يبقى سلفيا وفى هذا جهل بحقيقة السلفية التى تدعو إلى الاعتدال وإعمال العقل والابتعاد عن التشدد.
هو ليه أى شخص ممكن يعتلى المنبر ويتحدث فى الدين من خلال وسائل الإعلام ويمارس الدعوة والإفتاء وقد لا يكون مؤهلا لذلك.. هى فوضى ولا إيه؟.. وكيف يكون العمل فى هذا المجال بلا ضوابط؟
- لا.. هى مهنة لها ضوابط، وأنا مسئول عن عمل الدعاة داخل المساجد فقط، والأساس الذى وضعته لدعاة وزارة الأوقاف هو المنهج القرآنى وهو "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن"، وخروج أى إمام عن القواعد المتفق عليها لابد أن أوقفه عند حده، ومافيش حاجة اسمها واحد يصعد المنبر ويتصرف كما يحلو له.
كيف تحكم هذه المسألة؟
- لدينا القانون 238 لسنة 1996 الذى يمنع أى واحد أن يدخل الجامع ويلقى خطبة الجمعة أو يلقى درسا إلا إذا كان حاصلا على تصريح رسمى من وزارة الأوقاف، ويتضمن هذا القانون عقوبة على المخالفين تتراوح ما بين الغرامة المالية وقد تصل إلى السجن، ومن ناحية أخرى بنحاول سد العجز فى إعداد الدعاة بصفة مؤقتة بالاعتماد على المتقاعدين من علماء الأزهر وأئمة الأوقاف القادرين على العمل، واتفقت مع فضيلة الإمام الأكبر على أن يعطينا ألفى واعظ من إدارة الوعظ والإرشاد فى الأزهر وكلهم يلقى خطبة الجمعة فقط، المشكلة أننى عندى كل سنة ثلاثة آلاف درجة إمام فى وزارة الأوقاف يتم التعيين عليها كل سنة بعد اجتياز المتقدمين لها المسابقات التى نجريها، والعام الماضى أجرينا مسابقتين ولم ينجح فيها سوى 2800 فقط، ولم نكمل العدد المطلوب نتيجة ضعف مستوى خريجى جامعة الأزهر.
كررت الحديث عن مشكلة ضعف مستوى خريجى الأزهر هل معنى ذلك أن الأزهر تراجع دوره؟
- لا أبدا، تراجع مستوى خريجى التعليم الجامعى فى مصر أصبح ظاهرة يجب علاجها، وجامعة الأزهر مثلها فى ذلك مثل باقى الجامعات، وإدارة جامعة الأزهر لديها مشاكل منها مثلا أن عدد الطلبة الذين يدرسون بها يزيد على نصف مليون طالب وطالبة أغلبهم يعتمدون على المذكرات والملخصات وغيرها من القشور ولا يجتهدون فى طلب العلم كما كان الطلبة يفعلون فى الماضى.
هناك الكثيرات من السيدات اللاتى يمارسن الدعوة الإسلامية يتهمن الرجال من الدعاة بمحاربتهن!
- باختصار تجربتى أننى عينت منذ خمس سنوات خمسين مرشدة دينية، وكنت ناوى أعين كل سنة خمسين مرشدة دينية، والمرشدة الدينية تساوى الإمام، لكنها لا تصعد إلى المنبر، وقمت بعمل مسابقة بين المتقدمات من خريجى كليات البنات الإسلامية، وبعد سنة اكتشفت أن أربعا منهن تنقبن، وهن يعرفن أن النقاب ليس فيه من الإسلام شىء، طيب ليه، فقمت بنقل المنقبات إلى عمل إدارى والباقيات مستمرات فى عملهن حتى الآن، ولم أكرر التجربة بعد ذلك، باختصار نحن لا نحارب أحدا، ولذلك إذا وجدت أى سيدة فى نفسها القدرة والرغبة للعمل فى مجال الدعوة تتقدم للقطاع الدينى عندنا ليعمل لها اختبار وإذا اجتازته نعطيها تصريحا بالعمل.
ما رأيك فى فنانات اعتزلن ويمارسن العمل فى مجال الدعوة الإسلامية هل يحصلن على تصريح بالعمل من وزارة الأوقاف؟
- هذه النوعية من الداعيات يلقين دروسهن فى المنازل، وهنا لا سلطان لنا عليهن، أما إذا حاولن العمل فى المساجد فلابد من الاختبار والتصريح وإلا تعرضن لعقوبات، وظاهرة عمل الفنانات المعتزلات فى مجال الدعوة ظاهرة قد تكون لها إيجابيات وقد تكون لها سلبيات، ونحن لا نحاربهن ولا نقف فى طريقهن، وكون فيه سيدات يهتممن بالمسألة الدينية ويحاولن أن يتزودن بالعلم والمعرفة أهلا وسهلا، لكن ليس معنى ذلك أنهن يتصدرن لإلقاء الدروس والإفتاء، دى مسألة تانية خالص!
المجتمع المصرى شهد ميلا شديدا للتدين خلال العقود الأخيرة.. كيف حدث هذا؟
- منذ عام 1967 بدأ التحول التدريجى نحو التدين، وبدأ الحجاب ينتشر تدريجيا، وأصبح اليوم هو القاعدة، والمؤسف هنا أن النقاب بدأ ينتشر اليوم بطريقة لم تعرفها مصر من قبل، لذلك أصدرنا كتيبا بعنوان "النقاب عادة وليس عبادة".
البعض يرى أن تدين المصريين شكلى بمعنى أنهم أكثر حرصا على مظاهر الدين وأقل تدينا وأن الدين لم يؤثر فى سلوكهم.. وسيادتك سميت هذه الظاهرة ب "التدين المنقوص".
- تلك الظاهرة تثير الحيرة بالفعل، ففى صحيح الدين كل العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج وشهادة؛ كلها تهدف إلى تشكيل شخصية الإنسان المسلم حتى يشع الخير فى المجتمع الذى يعيش فيه، وإذا لم تتحول العبادات لدى الأفراد المتدينين إلى سلوك فلا خير فيها على الإطلاق، وهذه الظاهرة قد ترجع إلى الظروف الضاغطة فى حياة الناس.
البعض يرى أن العمل فى مجال الدعوة الإسلامية تحول إلى عمل مربح واستثمار لمشاعر الناس الدينية سواء كان ذلك بإطلاق قنوات فضائية دينية أو إلقاء دروس أو طبع شرائط أو نشر كتب.. ما رأيك فى هذا الاستثمار؟
- هذا الأمر غير وارد فى وزارة الأوقاف على الإطلاق، ولكنها ظاهرة يمارسها الدعاة الجدد من خلال الفضائيات، وبعضهم أصبح من أصحاب الملايين، الغريب أن البعض سألنى لماذا تقف وزارة الأوقاف ضد الداعية فلان؟ قلت: احنا لسنا ضده على الإطلاق، هو سافر للخارج لأنه وجد إغراءات كبيرة والدفع بالدولار فسافر.
لكن لكل شىء أصلا.. ما الأصل فى الدعوة الإسلامية وعلاقته بما يحدث بالفعل؟
- العمل فى مجال الدعوة الإنسان لا يؤجر عليه، لأن الدعوة عمل لوجه الله وليس لأى شىء آخر، والإمام عندنا فى الأوقاف يأخذ أجرا فقط حتى يعيش ويتفرغ للدعوة، لكن أن تتحول الدعوة إلى تجارة واستثمار.. فلا.
هل ده يبقى حرام؟
- طبعا حرام، لأن تحقيق الثراء الفاحش من العمل فى مجال الدعوة واستغلال مشاعر الناس هنا لا تصبح الدعوة لوجه الله.
فى إطار السعى لاستثمار مشاعر الناس الدينية ما رأيك فى جماعات تسعى لتأسيس أحزاب سياسية على أساس دينى؟
- أولا الإسلام لا يوجد فيه شىء اسمه دولة دينية على الإطلاق، وسعى بعض الجماعات لتأسيس أحزاب دينية أمر فيه مخالفة للدستور، ومخالفة لصحيح الدين الإسلامى، لأن فى الأمر استغلالا لمشاعر الناس الدينية وهدف هذا الحزب الدينى هو الوصول للحكم، والمفروض أن من يدعون إلى الله عليهم أن يبتعدوا عن الأطماع الدنيوية.
ما حدود العلاقة بين الدين والسياسة فى الخطاب الدينى فى مجال الدعوة؟
- على الإمام أن يتعرض لقضايا المجتمع السلوكية أو المجتمعية والأحوال العامة، لكن السياسة بمعناها الدقيق ليست داخلة فى مجال الدعوة فى وزارة الأوقاف.. ليه.. لأن على الإمام الذى يعظ الناس أن يكون بلا انتماء سياسى لأنه إذا كان وفديا مثلا سينفض من حوله باقى أصحاب الانتماءات المختلفة، لذلك يجب أن يكون بلا انتماء سياسى حتى يكون له القبول لدى الجميع، ولو أدخل الإمام السياسة فى عمله فى مجال الدعوة سيغرق الناس فى نزاعات وخلافات فكرية وحزبية ويبعدهم عن ذكر الله والعبادات داخل المساجد، لذلك دائما ما أحذر الأئمة من استغلال المنابر لمساندة أى حزب سياسى حتى لو كان الحزب الوطنى، وأن تكون الدعوة فى المساجد لله وليس لأى حزب سياسى، صحيح أنا عضو فى حكومة الحزب الوطنى وبعض الأئمة قد تكون لهم انتماءات حزبية ونحن كدعاة نمارس مشاركتنا السياسية خارج المساجد.
خارج المؤسسة الدينية الرسمية المعتدلة تكونت جماعات سلفية وجهادية ووهابية وإخوانية.. وظهرت بوادر المد الشيعى.. هل يعنى هذا تراجع دور المؤسسة الرسمية التى تمثل الوسطية فى الإسلام؟!
- بصفة عامة الأزهر لا يخرج أحدا متطرفا أو متشددا لأن التعليم فى الأزهر يقوم على إعمال العقل والتسامح، حيث تدرس المذاهب الأربعة المالكية والشافعية والحنبلية والحنفية بلا تعصب، بل إن الشيخ شلتوت رحمه الله عندما كان شيخا للأزهر أدخل المذهب الجعفرى الخاص بالشيعة الإمامية فى كلية الشريعة، وقال: دى آراء فقهية ندرسها ولا بأس من هذا، لذلك فى تقديرى أن التشدد جاء من خارج الأزهر ولأسباب أخرى لا علاقة لها بصحيح الدين.
هل تشرفون على نشاط الجمعيات الدينية؟
- نحن نشرف على جميع مساجد مصر بما فيها مساجد الجمعيات الدينية مثل الجمعية الشرعية وأنصار السنة المحمدية والعشيرة المحمدية.
أوراق قضية تنظيم الجهاد كانت تشير إلى أن أغلب اجتماعاتهم كانت تتم فى المساجد؟
- هذا صحيح لأنه فى تلك الأيام لم تكن هذه المساجد تحت إشراف وزارة الأوقاف، وعندما توليت مسئولية وزارة الأوقاف وجدت أننا لا نشرف إلا على 20٪ من المساجد فى مصر، والباقى لا نعرف عنها شيئا، فتقدمت بمقترح يتيح للوزارة أن تضم ستة آلاف مسجد كل عام بدءا من عام ،1996 وتمت الموافقة عليه، بعدها بعامين تقدمت بمقترح آخر بأن وزارة الأوقاف تضم إليها ثلاثة آلاف زاوية كل عام، وتمت الموافقة على ذلك، قبلها كانت المساجد "سداح مداح" ومباحة لأى شخص ليفعل فيها ما يريد، وانتهت هذه الفوضى، ومؤخرا استصدرت قانونا جديدا بمنع التظاهر فى المساجد، وصدر قانون بذلك، لأن القرآن الكريم يقول "إن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا".
رغم كل هذا مازالت هناك فوضى عارمة فى الدعوة الدينية خاصة فى مجالات الكاسيت والإنتاج الفنى والقنوات الفضائية؟
- كل هذه المجالات ليست تحت سيطرتنا وليس لنا سلطان عليها، وأغلب هذه الفضائيات ليست مصرية وتتبع جهات أخرى فى عالمنا العربى، وفيها يقولون كلاما غاية فى الغرابة ويضيعون أوقات الناس ويشغلونهم بشكليات ليس لها أى قيمة فى الدين، وتركوا القضايا الأساسية، وبعض هذه الفضائيات شغلت الناس بتوافه الأمور وفتاوى غرف النوم، وهى أمور لا تليق بأى حال من الأحوال، وسمعت أن بعض هذه القنوات التى تبث إرسالها من مصر ليس للمسئولين المصريين الحق فى التدخل فى مضمون ما يقال فى هذه الفضائيات.
لكن ما يقال فى هذه الفضائيات يلقى عبئا على وزارة الأوقاف لأنها فضائيات تحدث بلبلة وتشويشا فى عقول الناس، كيف تواجهون ذلك؟
- الشيخ خالد الجندى عمل قناة فضائية دينية لمواجهة الفضائيات التى تحدثت عنها، وبدأت إرسالها فى أول رمضان، وهدفها نشر الاعتدال والوسطية حتى تعيد الأمور إلى نصابها وتهتم بالقضايا المصيرية وليس بالشكليات، ونحن ندعمها معنويا ونمدها بالخبرات والأئمة.
الإسلام كدين أبسط كثيرا من التعقيد السائد وهو يدعو إلى التسامح.. من أين جاء التطرف؟
- التطرف يأتى من الجهل، والجهل يؤدى إلى كوارث، والتعليم الجيد ينير العقول ويوسع أفق الناس فتحل المشاكل.
هذا الكلام يستدعى حكاية المراجعات التى قامت بها الجماعة الإسلامية وبعدها قالوا إننا كنا على خطأ، هل كان لكم دور فى هذا؟
- قامت محاولات جادة منذ الظهور الأول لهذه الجماعات، وكانت هناك حوارات معهم شارك فيها الشيخ الغزالى والشيخ الشعراوى، فى البداية كان هناك رفض ونفور، ثم بدأت الاستجابة للحوار فى السجون بعدها، وبدأت قيادات تلك الجماعات فى مراجعة أفكارهم واكتشفوا أنهم كانوا على خطأ ورجعوا إلى الحق وساعدهم الأئمة.هذا هو صحيح الإسلام الذى يدعو إلى إعمال العقل والتفكير وتصحيح الأخطاء.
تشوهت صورة المسلم الملتزم فى الأذهان فصارت تختصر فى السروال والجلباب والسواك والنقاب والثعبان الأقرع وعذاب القبر.. وأصبح فى الغرب إرهابيا.. فما رأيك؟
- كل هذه الشكليات ليست لها أهمية تذكر فى صحيح الدين لذلك نحاربها فى وزارة الأوقاف استنادا إلى قول سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأشكالكم، لكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، والمشكلة هنا أن المسلمين أنفسهم هم من يقدمون للعالم الصورة السيئة عن الإسلام، يعنى سيدة منقبة تتجول فى شوارع لندن أو باريس وتقول للعالم أن النقاب هو الإسلام، مع أن صحيح الدين الإسلامى لا يعرف النقاب، فمثل هذه السيدة تعطى صورة سيئة عن الإسلام، فى حين أن الإسلام كدين هو علم وحضارة وسلوك وأخلاق وغيرها من المعانى التى تدفع الناس إلى التقدم فى المجتمعات الإسلامية التى يجب أن تتقدم علميا فى كل المجالات، والتقدم متاح للناس جميعا بغض النظر عن دينهم سواء كان الإسلام أو المسيحية أو اليهودية.
تعددت الآراء الدينية والفتاوى مما أربك الناس فى الكثير من القضايا؟
- هذا حدث نتيجة كثرة الفضائيات وانتشار وسائل الإعلام وتعددها، لكن هناك علماء مستنيرين لهم آراء فقهية فى مختلف القضايا ويمكن الأخذ بها، فمثلا فى قضية فوائد البنوك لفضيلة الشيخ سيد طنطاوى كتاب قيم، وكان للشيخ شلتوت السبق فى هذا المجال عندما تناول قضية فوائد دفاتر البريد عام 1955 وقال وقتها أنها مسألة لن نجد لها حلا عند السابقين واجتهد على أساس أن أى أمر يحقق المنفعة للمجتمع فهو يتوافق مع صحيح الدين، لأن شرع الله لا يتعارض مع مصلحة المجتمع بأى حال من الأحوال.
كيف انحدر التجديد فى الفكر الدينى من مستوى التجديد أيام الشيخ شلتوت إلى مستوى فتاوى إرضاع الكبير لحل مشكلة الخلوة فى المكاتب وفتوى قالت إن تزغيط البط حلال؟!
- إنها بالفعل فتاوى مضحكة، وأنا مستغرب كيف يبيح من يصدرونها هذه الفتاوى لأنفسهم أن يقولوا بمثل هذه الأمور، وهل يقبل صاحب فتوى إرضاع الكبير أن تفعل إحدى قريباته ذلك؟! والمشكلة هنا أن البعض يرجع إلى كتب التراث ويأخذ منها بلا تفكير، فى حين أنه يجب أن نعمل العقل ولا نأخذ بكل ما هو موجود فى كتب التراث، لأن بعضها مدسوس أو غير صحيح، أو كان مناسبا لعصره ولا يتناسب مع عصرنا الحالى، وأصحاب الفتاوى المضحكة لا يعملون العقل فيما يقولون.
لعباس محمود العقاد كتاب بعنوان "التفكير فريضة إسلامية" اعتمد فيه على ما جاء فى القرآن الكريم.. لماذا يصر البعض إلى قيادة الناس فى اتجاهات التخلف باسم الدين؟
- نحن فى حاجة إلى صحوة عقلية جديدة سبق أن نادى بها الشيخ محمد عبده منذ زمن طويل، وأرجع تخلف المسلمين فى زمنه إلى التقليد الأعمى، كما أرجعه إلى مصادر التثقيف السيئة مثل الشعوذة التى تحدثت عنها، وبعد مرور أكثر من مائة عام مازال التقليد الأعمى موجودا، ومازال التثقيف السيئ موجودا ولمواجهة هذه الأزمة لابد من التخطيط لحملة فكرية ضخمة للتنبيه إلى أهمية التعليم الجيد وضرورة إحداث صحوة عقلية جديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.