بالغ الكثيرون فى مغزى فوز أوباما ذى الأصول الأفريقية بالرئاسة فى أمريكا واعتبروه تحولا راديكاليا فيما يخص قضايا الأقليات هناك. والحقيقة أن تلك رؤية بالغة التبسيط ومقطوعة الصلة بواقع المجتمع الأمريكى. وقد حمل الأسبوع الماضى إحدى لمحات ذلك الواقع. فقد قامت الدنيا ولم تقعد بعد أن أدلى أوباما بتصريح بشأن ما جرى لأستاذ جامعة هارفارد هنرى جيتس. وجيتس ذو الأصول الأفريقية واحد من أهم 20 شخصية سوداء فى أمريكا، حيث كان الرجل فى رحلة للصين عاد منها فى ساعة متأخرة. وحين وصل لبيته فوجئ بعطل فى البوابة الأمامية للمنزل فاستخدم الباب الخلفى. وما إن صار بالداخل حتى قام بمساعدة سائقه فى دفع البوابة الأمامية لفتحها. وما هى إلا دقائق حتى كان البوليس يدق الباب. فقد تبين أن جارة لجيتس شاهدت ما حدث فتصورت أن «رجلين لهما بشرة سوداء» اقتحما المنزل فأبلغت الشرطة. لكن الشرطة لم تصدق جيتس حين أكد أنه صاحب المنزل. ورغم أن الرجل أبرز تحقيقا للشخصية يثبت أقواله فإن الأمر انتهى بالقبض عليه بتهمة «السلوك المخل بالنظام العام»، لأنه انفعل أثناء الحديث العبثى الذى دار بينه وبين الضابط! ورغم التغطية الإعلامية الواسعة، فإن الواقعة عادية للغاية يحدث مثلها المئات يوميا للسود. كل ما فى الأمر أنها حدثت هذه المرة لجامعى مرموق. فاشتباه الأمن فى السود على أساس واحد هو لون بشرتهم ثم إساءة معاملتهم هو القاعدة لا الاستثناء. وتشير الإحصاءات الحكومية إلى أن السود هم الأكثر عرضة للتوقيف والتفتيش بما لا يقارن بالبيض. وقد سئل أوباما عن الواقعة فقال إن جيتس صديقه ومن ثم فهو ليس محايدا. ثم بعد أن أكد أنه لا يعرف يقينا ما إذا كان للون بشرة الرجل علاقة بما حدث له، قال إن الشرطة تصرفت «بغباء»، وأضاف أنه بغض النظر عن الحدث فإن الكل يعرف أن السود يتم توقيفهم بنسبة عالية للغاية. ورغم أن أوباما لم يقل إلا رأيه، أى لم يستخدم سلطاته كرئيس للدفع نحو تشريع يمنع وقوع تلك الحوادث مثلا، فإن الدنيا قامت ولم تقعد واتهم الرئيس بأنه «تخطى الحدود المعقولة»، ووصف آخرون كلماته «بالمثيرة للخجل». بل إن صحيفة رصينة مثل النيويورك تايمز اعتبرت ما قاله أوباما «إقحاما غير معتاد لمنصب الرئاسة فى نزاع حول مسألة محلية»! بينما اعتبرت الواشنطن بوست أن ما قاله انطوى على «درجة عالية من الشخصنة غير المعتادة من الرؤساء»، بل خرجت اتحادات رجال الشرطة تتهم الرئيس بأنه ليس نصيرا لرجال الأمن! وفى البداية أصر المتحدث باسم البيت الأبيض على أن الرئيس «ليس نادما على ما قال»، ولكنه أوضح أن أوباما «لم يصف رجل الشرطة بالغباء وإنما وصف تصرفه، وكان يقصد أن الموقف خرج فى لحظة ما عن سيطرة الشرطة»! لكن ما قاله المتحدث الرسمى لم يكن كافيا. وفى أقل من 48 ساعة اضطر أوباما للتدخل بنفسه فأدلى بتصريح قال فيه إنه كان عليه أن «ينتقى الكلمات بشكل أفضل» ثم اتصل بنفسه هاتفيا بالشرطى الذى ألقى القبض على جيتس!! والقصة تحمل دلالات بالغة الأهمية وتشير بوضوح إلى أن وصول أوباما للرئاسة ليس هو القضية. بل إن المثير للتأمل فعلا هو أن أحد الملفات المهمة التى لم تشهد أى إنجاز منذ تولى «أول رئيس أسود» للرئاسة هو ملف الحقوق المدنية، الأمر الذى صار البعض يخشى معه من أن تتحول رئاسة أوباما فى النهاية لانتكاسة لحقوق السود لا العكس!