كما وعدتكم فى العدد الماضى سأحكى لكم تفاصيل زيارتى إلى الجزائر، ولكن فقط أحب أن أوضح أنها جاءت بناء على دعوة كريمة من الصحافة الجزائرية ممثلة فى جريدة «الشروق» لتكريمى كأفضل إعلامى عربى، وتقديراً لعطاء سنوات طويلة فى المجالين الرياضى والإعلامى، والحقيقة أننى لم أتأخر أبداً عن تلبية الدعوة لعدة أسباب، أولها محاولة اكتشاف سر هذا الاحتقان الغريب فى العلاقة الرياضية بين مصر والجزائر، ولماذا تتحول مباراة فى كرة القدم بين الدولتين إلى ما يشبه المعركة الحربية من تصريحات وصراخ وتهديدات، ثانيها الوقوف على الشارع الجزائرى. وهل هو بالفعل يكره مصر إلى هذه الدرجة التى نتصورها من خلال ما نقرؤه فى بعض وسائل الإعلام، وثالث معرفة المصريين بالجزائر وهل هناك بالفعل مصريون يعيشون بالجزائر، وما ظروفهم وأحوالهم، لذلك لم أتردد فى حزم حقائبى مع فريق عمل قناة «الحياة» واتجهنا مباشرة إلى الجزائر فى رحلة استغرقت 24 ساعة فقط لا غير، ورغم قصر المدة فإنها كانت كافية وبشدة، للإجابة عن تساؤلاتى وتساؤلات الشارع المصرى أجمع. والحقيقة أن كل الإجابات جاءت بمفاجآت من العيار الثقيل، فلأول وهلة ومن خلال حرارة الاستقبال بالمطار والشارع تشعر أنك لم تغادر القاهرة، أيضاً لم أتوقع أن يكون الإخوة فى الجزائر عاشقين لجمال عبدالناصر إلى هذه الدرجة، فهو مازال يمثل لهم رمزاً للقومية العربية ويعتبرونه الأب الروحى لهم لدرجة أن معظم الجزائريين أطلقوا اسمى جمال وناصر على أبنائهم فى فترة توهج الثورة المصرية، وأيضاً الشئ اللافت للنظر هذا العشق اللا محدود للدراما المصرية واللهجة العامية المصرية وعشقهم الكبير لعادل إمام، رمز الكوميديا العربية من وجهة نظرهم، ومفجر الابتسامات فى أوقات الحزن أو الألم عند جميع العرب، ناهيك عن باقى النجوم المصريين، ثم وهذا هو الأغرب هذا الغرام غير العادى لاثنين من المصريين الكرويين أولهما أبوتريكة، فإياك أن تخطئ فى أبوتريكة أمام أى جزائرى لأنه نجم النجوم الأول هناك، وقد أفاضوا فى إيضاح مشاعر الحزن التى اعتصرت قلوبهم عندما خسر فى التصويت الأخير لقب «أفضل لاعب» أفريقى، بل إننى اطلعت على بعض من أرشيف الصحافة الجزائرية التى اتهمت الاتحاد الأفريقى وشركات الدعاية بالتحيز لأديبايور وإعطائه جائزة لا يستحقها، لذلك كان قرارهم الفورى بتكريم رائع لأبوتريكة فى الجزائر، ويومها حظى النجم المصرى الكبير باستقبال أسطورى، مازالوا يفخرون به فى الجزائر لأنهم يعتبرونه رمزاً للكرة العربية والأفريقية، أما النجم الثانى فهو حسن شحاتة، وعلى حد قولهم، فإن شحاتة هو الذى استطاع إعادة الهيبة والاحترام للمدرب الوطنى، كما أنه رسم البسمة من جديد على وجوه العرب جميعاً بمن فيهم الجزائريون بعد الفوز ببطولتى أفريقيا عامى 2006 و2008، لذلك فهم يحملون له كل معانى التقدير. وقد وصف لى أحد المصريين المقيمين منذ زمن بعيد فى الجزائر المظاهرات التى خرجت فى بعض الأحياء هناك بعد فوز مصر ببطولة الأمم الأفريقية فى غانا، لدرجة أنه قال لى إنه ظن أن هذه المظاهرات بالقاهرة، وليست بالجزائر الشقيقة. والحقيقة أن ما كتبه عن النبذ أولا يغنى تماماً عن الإجابة عن باقى الأسئلة، فقد تأكدت وبنفسى من صدق مشاعر الإخوة الجزائريين تجاه مصر بصرف النظر عن التنافس المشروع بين البلدين لنيل شرف الوصول لكأس العالم فهو حق مشروع لكلا الفريقين، وعلينا كفريق أن نكافح ونجاهد بكل الطرق المشروعة للوصول لهدفنا الأكبر وهو التأهل لكأس العالم وعلينا أن نحشد كل قوتنا الكروية وكل روحنا الحماسية من أجل تحقيق الأمل والعودة لكأس العالم بعد غياب عشرين عاماً كاملة، وعلينا أيضاً أن نركز فى مباراتنا بدرجة 100٪، ولا ندع أبداً الفرصة تفوتنا، وأن نلعب مع الفريق الجزائرى فى الملعب بنفس طريقته، وألا نسمح له بأن يخرجنا عن تركيزنا وإصرارنا. فالمهم أن نستمر بعدد 11 لاعباً فى الملعب، والمهم أيضاً أن نستثمر كل لحظة داخل أرض الملعب لإحراز هدف أو تهديد مرمى الفريق الجزائرى، وعلينا أيضاً أن نجعلهم يصفقون لنا بعد المباراة، ويصرحون بأن منتخب مصر هو الأحق بالصعود لكأس العالم، وأن ما قدمه خلال المباراة أثبت ذلك، وعلينا فى النهاية أن نقدم صورة حضارية جميلة للتشجيع والمؤازرة والمساندة كما عودتنا الجماهير المصرية دائماً، وعليها أن تعرف أن المباراة فى الملعب بين 22 لاعباً، وأن دور المشجعين فقط لا غير يتوقف على بث الحماس والروح والمؤازرة منذ الدقيقة الأولى وحتى اللحظة الأخيرة، لأنه طالما ظل هناك وقت استمر الأمل فى إحراز الأهداف، وعلينا فى النهاية أن نتذكر أنها مباراة فى كرة القدم يربح فيها فريق، نتمنى أن يكون مصر ويخسر فريق آخر، ولكن فى النهاية ستنتهى ال90 دقيقة، وسنخرج جميعاً إخوة وأحباباً من هذا اللقاء أياً كانت نتيجته. ■ ■ عفواً عزيزى القارئ سأحكى لك تجربة شخصية أرجو أن يتسع صدرك لها حتى النهاية، فعلى مدى عمرى الذى يقترب الآن من خمسين عاماً لم أعرف أبداً طريقاً إلى وكيل نيابة طوال حياتى، فعلى الرغم من جرأتى وقوتى فى الحق، وهو ما عُرف دائماً، عنى فإن خصومتى دائماً وأبداً كانت شريفة ولا نقطة عودة دائماً ولكن ما حدث معى فى الأيام الماضية غيّر تماما من مفهومى وقناعاتى. فالحياة ليست بالدرجة التى كنت أتخيلها، والخصوم ليسوا جميعاً شرفاء، فالبعض قد سخره الله لإلحاق الأذى بالناس وتشوبه سمعتهم وتجريح شرفهم، ويبدو أنها عادة أو غريزة منذ الصغر، وهى بالتأكيد تعتمد على البيت والتربية والأصول والجذور، وكلها أمور كنا نسمع عنها ولا نلتفت إليها، أما الآن وبعد أن أصبحت زبوناً دائما لدى وكلاء النيابة فقد عرفت وتعلمت الكثير، لعل أهمها أننى أصبحت على علم تام بقانون العقوبات وتعلمت أيضاً كيف يتلاعب البعض بمواد القانون. وعرفت أيضاً لماذا يخاف البعض من أصحاب الصوت العالى والمهرجين، أحياناً خوفاً على مناصبهم وأحياناً أخرى للبعد عن وجع الدماغ، أو بمعنى أوحد عملاً بالمثل البلدى «الباب اللى ييجى منه الريح سده واستريح»، أو «ابعد عن الشر وغنى له»، وهى أمثلة غبية لابد أن تنتهى من الشارع المصرى وتحل محلها كلمات أخرى مثل التصدى للمواقف الصعبة أو الوقوف أمام طوفان سوء الأخلاق، أو كن قوياً فى مواجهة الأفاقين ستكسب فى النهاية احترام نفسك واحترام الجميع، لذلك أشعر بسعادة بالغة وأنا أكتسب خبرات جديدة ستضيف لى الكثير فى المستقبل، إن أراد الله لنا مزيداً من العمر، وأسعد جداً عندما أتذكر الحكمة الجميلة التى تقول «يضحك كثيراً من يضحك أخيراً». ■ ■ سؤال: هل نستطيع الفوز على الجزائر بفارق ثلاثة أهداف؟ إجابة ممكن ولكن.. ماذا نعنى بكلمة ولكن أقول: أعنى الكثير ففى عالم كرة القدم تحقيق الفوز أصلاً ليس بالأمر الهين أو السهل، والمتابع لتصفيات أو نهائيات أى بطولة سيتأكد من صدق كلامى، فالمفاجآت كثيرة ومثيرة، وعندك مثلاً أخيراً مباراة «سيسكا موسكو» مع مانشستر يونايتد، فى إنجلترا حيث فاز الإنجليز فى روسيا بسهولة، وعندما عادوا إلى بلادهم ظلوا متأخرين بفارق هدفين حتى استطاعوا فى الثوانى الأخيرة إدراك التعادل بصعوبة بالغة، وغيرها الكثير من الأمثلة لعل أهمها مثلاً مباراة نهائى كأس العالم للشباب بين غانا والبرازيل التى لعب فيها الفريق الغانى بعد 30 دقيقة فقط بعشرة لاعبين، وظل طوال المباراة والوقت الإضافى صامداً حتى فاز فى النهاية بركلات الترجيح، لذلك أقول إن الفوز لا يأتى بسهولة، فما بالك أنك تحتاج للفوز بثلاثة أهداف للصعود أو هدفين للعب مباراة فاصلة؟! إذن ما الشروط لتحقيق الفوز؟ أقول بخبرة سنوات طويلة إن أول هذه الشروط هو الصبر والصبر الشديد لأنها مباراة النفس الطويل، ثانياً التمسك بكل فرصة تتاح لنا خلال اللقاء، لأن هذه المباراة ستكون بخيلة جداً جداً فى الفرص، لذلك علينا أن نكون أكثر بخلاً فى التعامل مع الفرص التى ستتاح لنا، أيضاً كيفية استغلال الكرات الثابتة لأنها سلاح فعال ومفتاح مهم للفوز فى مثل هذه اللقاءات، كذلك الهدوء القاتل فى التعامل مع المواقف الصعبة أثناء اللقاء مع البداية الشرسة جداً عقب صفارة البداية، وإعطاء الانطباع للمنافس بأننا سنفوز لا محالة، أخيراً وليس آخراً عدم التفكير فى الهدف الثانى قبل الهدف الأول، وتلك أهم نقطة ولنا معها عودة بإذن الله.