تتطور القيم والمفاهيم وتبقى ثقافة الخوف كابوسا على صدر اليوم والغد.. ولاسيما الخوف من المجهول الذى يكاد يكون أخطبوطا تمتد أذرعه الى الوعى واللا وعى لنفرّ عائدين إلى عوالم الخرافة والأساطير والجن والتهيؤات وفكّ طلاسم الغيبيات على أيدى العرافين والفلكيين وأصحاب التنبؤات.. ويظلّ الفارس المنتظر يحتل الخيال ليزداد الخوف كلما طال الانتظار.. فالخوف أصبح جزءا من كينونتنا المحاطة باستبداد النرجسية السلطوية والمزاجية المتقلبة وشهوة الاستعباد المتصاعدة من القاع إلى القمة. وما بين ذلك من النخب المتحكمة فى أهم التفاصيل الحياتية نزولا إلى صغار المسؤولين ومرورا بالإعلام الكارثة، تتشكل سلسلة مترابطة الحلقات تحيط برقبة الأمان.. فينطلق الخوف مقتحما الفرد والمجتمع يساعده ضعف الوازع الإيمانى وتذبذب الخطاب الدينى ومحاولة تزاوجه بالخطاب السياسى مع اختلاف الفتاوى والاجتهادات إضافة الى الفقر والطبقية وفوقية رؤوس الأموال مما يؤدى إلى غياب الأمان السياسى والاجتماعى والاقتصادى وانعدام الثقة بكل ما يستجد من متغيرات.. ولا تختلف عنّا المجتمعات العالمية الأخرى من حيث الخوف من المجهول وإن اختلفت الأسباب.. ليظل الخوف ورقة رابحة بأيدى الأنظمة وفتيلاً تشعله متى تشاء.. فكلما ازدادت حدّته ازداد النظام قوة واستقرارا خاصة ذلك الخوف الناجم عن مخاطر عامة كالأوبئة والكوارث والتهديدات الخارجية والجرائم العشوائية المروّعة على أيدى العصابات أو السفاحين.. والتى تتعمد بعض الأنظمة صناعتها كى تبث الرعب فى قلوب الجماهير وتشغلهم عما ترتكبه من تجاوزات كما هو حاصل فى العراق كمثال حى.. لذلك كان الخوف أحد أسباب شهرة فيلم (2012) الذى يتحدث عن هول يوم القيامة المحدد فى (يوم الجمعة 21/2012) اعتقادا بالأسطورة المتعلقة بتقويم شعب المايا الذى بدأ ب(3014) ق.م الذى ينتهى فى هذا التاريخ ليبدأ تقويم جديد بدورة جديدة.. رافقت ذلك الاعتقاد تنبؤات إنجيلية.. وأخرى تقول إن النهاية ستكون خلال حكم رئيس أسود للعالم.. مع انتشار تقارير ليست ذات ثقة عن اقتراب كوكب (نيبرو) الأكبر حجما من الأرض ليصل ذروة الاقتراب من كوكبنا فى التاريخ المذكور أيضا ليدمر أغلب أوجه الحياة.. ولتشرق الشمس من الغرب وينقلب الكون وظواهره بسبب حدوث خلل فى جاذبية الأرض ومغناطيسيتها بينما لم تؤكد وكالة (ناسا) تلك التقارير فى حين أكدت حدوث عاصفة شمسية ستؤثر على الملاحة والأقمار الصناعية والاتصالات وليست على الحياة.. وهى ظاهرة طبيعية تحدث مرارا لكنها ستكون الأقوى.. أمّا قصة الفيلم فهى مستقاة من قصة الطوفان وسفينة نوح التى تحمل من كل زوجين اثنين من المخلوقات للحفاظ على الجنس.. بينما الفيلم يركّز على اختيار الصفوة التى يمثّلها الرؤساء والملوك وأصحاب المال من حملة (الجرين كارد) الذى يتعدى رصيده الملايين ليكونوا نواة حياة جديدة مميزة.. أما النخب الأخرى من العامة والمثقفين وأصحاب الفكر فإلى الطوفان و(عجبى) على عالم سيضم تلك النخب!! (أعتقد أن الطوفان أرحم!!).. بالطبع كان هناك الكثير من المشاهد الدراماتيكية التى تقشعر لها الأبدان مجسدة الصراع من أجل البقاء خاصة بقاء الأبناء فى مشاهد مفرطة الإنسانية.. إضافة إلى مشاهد الذعر والهلع فى مثل هذا اليوم.. ولم ينس الفيلم التركيز على البطل الأمريكى الخارق.. جوا وبرا وبحرا.. وفى النهاية يظلّ (2012) محض شائعات تعزف على أوتارها مراكز الأبحاث تثير بها الرعب لتمد رؤوس الأموال إليها يد العون طمعا فى إيجاد حلّ للدمار المقبل.. ولا حل إلا عند الخالق الذى يقف العلم حائرا أمام قدرته فهو الذى خلق الكون وهو العالم بنهايته.. تبقى كلها مجرد تنبؤات تحتاج أدلة إثبات علمى أو كما يقول الفيلسوف الأسكتلندى (ديفيد هيوم): «إثبات المعجزة يحتاج لدليل كالمعجزة» ليبقى الأهم من ذلك كله قوله تعالى (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربى) صدق الله العظيم. إليك... جمعتك من نثار الروعة.. ذرة.. ذرة.. تكتمل كائنا أسطورى التفاصيل.. ملّكْتك شاطئ الحب تصول وتجول بصولجان المُلك.. عرشك.. شغاف العمر.. مرآتك روحى المفترشة نهر العشق.. بهاؤك نور المقلتين.. حلّتك غيمات شوق أزلى.. حاشيتك ورود نرجس أسطورى.. فلتتخايل عشقا لذاتك المنعكسة على صفحة الروح لتتوحد بى.. تمتلكنى.. ولتزداد غرورا يا مليكى.. فلولاى لا عرش ولا صولجان ولا جمال نرجسى...