سكة اللى راح مارجعش!!

كتبتك على سماء العمر منذ كنت طفلة تتهجى حروف القدر... يسرى بها الخيال على نسمات ليالى بغداد الصيفية المسكونة بالحكايات والأساطير.. المنطلقة جذلى على إيقاع صوت جدتى الشجىّ.. (وكان ياما كان.. فى قديم الزمان.. ابنة حطّاب صاحبة حسن وجمال وابن سلطان فارس يملك المال والإنسان) لأصيحَ منتفضةً أن لا سلطان إلا الله.. ولا فارس إلا أنت..
 يا من رسمتك بشارة فرح على جبين القمر بألوان طفولة تتكوّر دَلالاً ونزقاً فى أحضان أمومتها.. تداعب ضفيرتيها الفضيتين المخضبتين بحنّاء الشيخوخة وعنبر ومسك الحنان.. يا من وشمتك رمزا على إهاب مشاعرى.. ووسماً على أبجديات ماهيّتى.. رفيق مسيرةٍ تكبر.. وتكبر مع العمر لتغدو أنت وليد مخاض المستحيل المنبثق من رحم الشعب المقهور.. تترعرعُ فى حِجر الأباء.. فارسا صهوته كبرياء وصولجانه حقّ... لونه صبغة قمحٍ وأنفاسه عبق ولاء.. عيناه وطنى ومقبرتى.. قلبه موتى وميلادى.. درعه روحى المتخايلة على إيقاع نبضه الجسور.. وحلّته نسيج حضارة مخملىّ..
 يا أقصوصة الأمس واليوم والغد.. يا أسطورة شجاعة تحملنى... تعبر بى العصور.. تفتح بوابات التاريخ... تقتحم بسيف الحقيقة بوّابة المجهول الموصَدَة على (سكّة اللى راح مارجِعْشِ) المرصوفة بأسرار دينٍ وسياسة.. تفكّ طلاسم مزاد ومخطط عالمى.. تفتح صناديق غموض ومؤامرة.. تفضح خزىّ رجولة تترنح من نشوة خوف.. وتفتح ملفّات موروثات مازالت تتأرجح بين متغير ومستقر.. حصيلة نتاج معرفى وإبداعى خرج من إطار ذاتٍ إلى ذوات..
ليكون بداية فكٍر فلسفىّ وتزاوج (ميتافيزيقىّ) إنسانىّ ومجتمع.. تنقلها الأفكار جيلا بعد جيل.. منها مابقيت ثابتة على سلبيتها دون حراك أو تغيير إيجابىّ.. ومنها معتقدات راسخة فى فكر العامة ترتبط بمجهولٍ ومصير.. وممارسات تخلف مذهبىّ وفلسفىّ.. بين مُرِيدى (طريقة) تبدأ بإدخال سيفٍ فى البطن وإخراجه من الظهر.. وتنتهى بإطلاق رصاصِ حقيقىّ على الجسد دون أثر أو إصابة.. يتمايلون على صوت دفوف وابتهال...
وهناك من جانب آخر دمٍ وطقوس (تطبير) ضرب الرأس بالسيف.. وجلد ظهورٍ وصدور بسلاسل.. فى عاشوراء.. وفى أماكن أخرى (دقة زار) وموجات بخور غارقة فى بحر نفاق.. والأنظمة تصفّق علناً.. وتدعم جهراٌ ذلك التخلف.. ممعنة فى تغييب المجتمع فى موروثات وعقائد لزرع الخوف وقتل الإرادة والطموح.. كى يصبح المواطن ريشة تتلاعب بها ريح القلق من رفّة عين.. ونوبة ضحك يخاف عاقبتها.. وعطسة واحدة تنهى عن الخروج.. بينما العطستين بشارة خير...
 والكثير من موروثات تخلف تشترك فيها المجتمعات العربية.. هذا غير موروثٍ ظالِمٍ مازال متبّعا فى بعض الدول تحت مسمى (الزواج رأس برأس) أىّ زواج الأخ من أخت زوج شقيقته ومايتمخض عنه من مشاكل اجتماعية.. فما أن تغضب الشقيقة من زوجها حتى تُرسل الأخرى الى بيت أسرتها.. ليكون طلاق مقابل طلاق... ولا ننكر تشاؤم الكثير من مدلولات الحيوانات والحشرات...
 أماّ الأخطر من كلّ ذلك تأليه الحاكم وتنزيهه عن الخطايا.. يليه الارتباط السياسى والقبلى والمذهبى وتعطيل الفكر وعدم الأخذ بأسباب التطور.. وتحرير الفكر وتغيير الواقع إلى ما يتناسب معه من متغيرات فى ظل أنظمة (ديمقراطية) وبذل الجهد وتوظيف عناصر مميزة لرفع الوعى الاجتماعى وتفعيل (ديناميكية) التغيير بدأً من القاعدة وصعودا إلى الفكر.. ليتّم التمازج بين الموروثات والعولمة.. وليكون الناتج أفكاراً وقيَماجديدة دون التنكر إلى الماضى وما فيه من مفاهيم ومبادئ تربوية وأخلاقية ومكانة تاريخية مزدهرة.. والانطلاق إلى الغدبالأمل والعزيمة واليقظة من التخدير والتغييب.. أستحلفك..
ثمّ أستحلفك أن تتجسد بشراً.. فقد فاض بى صبر الانتظار.. أستحلفك أن تتجسد حقيقة تضىء عتمة الحاضر.. تُخرج خفافيش الظلم من أوكارها الملوّثة بالعهر وأبخرة العطن... أستحلفك أن تتجسد نخوة أمل توقض غفات الكهف من غيبوبة اليأس... أستحلفك أن تتجسد فارسا لا تغريه عروشٌ ولا مسمّيات... فارسا.. لا إله.. أو نصف إلّه... أستحلفك أن تتجسد لى وتجيبنى حين أناديك.
آخر الكلام:
يقول أفلاطون: (نحن مجانين إذا لم نفكر.. ومتعصبون إذا لم نستطع أن نفكر.. وعبيد إن لم نجرؤ على التفكير)