كمعظم جاراتها توشك سويسرا أن تتجمد تحت وطأة الصقيع، الذى يضرب حالياً عموم أوروبا.. لكن ذلك على ما يبدو لم يؤثر فى عزيمة رجال شداد، يستعدون لشد الرحال إلى الأراضى السويسرية!.. هم أعضاء فى لجان الشؤون الدينية والعلاقات الخارجية وحقوق الإنسان بمجلس الشعب.. تجاهلوا أنباء العواصف الثلجية، وحيّدوا انتماءاتهم السياسية واجتمعوا على قلب رجل واحد، وطنيين (نسبة إلى الحزب الوطنى) ومستقلين وإخوان، لمواجهة الحزب السويسرى الذى نجح فى تنظيم استفتاء حظر بناء المآذن!.. أُشفِق على نوابنا، فقد جربتُ الصقيع الروسى سنوات طويلة، لكنى أشفق أكثر على كل ناخب ساهم فى ترسيم هؤلاء كممثلين عن الشعب!.. أمعنت النظر فى صور اجتماعهم، وتأملت تصريحاتهم النارية، فلم أملك سوى أن أردد: عليه العوض!.. لم أتصور أن مجلس الشعب رايق إلى هذه الدرجة، ولم أتخيل أن رجلاً مستنيراً كالدكتور مصطفى الفقى يدعو فى هذا الاجتماع الثورى إلى التصعيد مع سويسرا (لأن هناك مخططا منظما فى أوروبا ضد الإسلام)!.. قالها الدكتور الذى يتباهى به الحزبُ الوطنى، فترجمها حسين إبراهيم، المتحدث باسم كتلة الإخوان المسلمين، على النحو التالى:(إحنا ملطشة ومطلوب ألا نكون ملطشة)!.. أما النائب المستقل، طلعت السادات، فاقترح أن يسحب رجال الأعمال أرصدتهم من البنوك السويسرية!.. قرأت التصريحات مرة ثانية لأتأكد أنها لا تتضمن تأييدا لاقتراح ملك ملوك أفريقيا، العقيد معمر القذافى، الذى دعا إلى تفكيك سويسرا وتقسيم مقاطعاتها، وحمدت الله أن نوابنا لم يصلوا بعد إلى ذلك المستوى الراقى من الفكر الجيوبوليتيكى! غير أن هؤلاء وجدوا الوقت الكافى ليواصلوا اللت والعجن فى قضية قُتلت نقاشاً وجدلاً، الأمر الذى يطرح سؤالاً مهماً: هل تعامل النواب بالقدر نفسه من الحماس والثورية مع كوارث عديدة وقعت لناخبيهم، مثل تصادم القطارات وانهيار صخور المقطم على البشر وغرق العبارات وغيرها من مصائب لا يتسع المجال لحصرها؟!.. هل زاروا العياط بعد كارثة القطارين الأخيرة؟!.. أشك فى ذلك! قبل ثلاثة أسابيع كنت أحد ضيوف الزميل، تامر أمين، فى حلقة (البيت بيتك) التى ناقشت قضية حظر بناء المآذن فى سويسرا، أشرت، حينها، إلى أهمية مناشدةٍ وجهها زعماء الجالية المسلمة السويسرية إلى مسلمى العالم، بعدم التدخل فى القضية، باعتبارها شأنا داخلياً!.. يدرك المسلمون السويسريون أن نظامهم الديمقراطى سيضمن حقوقهم عاجلاً أم آجلاً!.. فى الحلقة نفسها كشف أستاذنا، عاصم حنفى، الذى عاش فترة طويلة فى سويسرا أن شرارة الأزمة أشعلتها رغبةُ رجل أعمال خليجى فى التفاخر ببناء مئذنة أطول من جميع بنايات العاصمة جنيف، وحينما أبلغته السلطات بأن ذلك يخالف الشكل المعمارى للمدينة، هدد باللجوء إلى القضاء.. هنا وجد حزب الشعب اليمينى المغمور فرصة لجنى نقاط سياسية عن طريق رفع شعار: انتبهوا.. المسلمون قادمون! أغلب الظن أن ذلك كله ليس خافياً على نوابنا الساعين إلى مواصلة المعركة ومواجهة الحزب السويسرى على أرضه!.. طبعاً لن تكون هناك مواجهة ولا يحزنون.. نوابنا يضحكون على ذقوننا، ويغتنمون الفرصة لركوب موجة دغدغة المشاعر، فالانتخابات اقتربت واللعب على الحبال متاح لمن يستطيع إلى ذلك سبيلاً!.. هم موقنون أن رحلتهم خاسرة كرحلة سمير زاهر إلى سويسرا أيضاً التى قدم فيها شكوى للفيفا بعد مباراة أم درمان ودغدغ مشاعر الناس بحديث عن إمكانية إعادة المباراة!.. على أى حال، أسجل بالأصالة عن نفسى - كدافع للضرائب - اعتراضى على مشاركتى القسرية فى تمويل رحلة النواب، التى هى مجرد «شو إعلامى» وفرصة لشراء الشيكولاتة والساعات السويسرية للحبايب! [email protected]