هناك مخاوف أثارها الاستفتاء بشأن حظر بناء المآذن في سويسرا، وهي لا تقتصر علي هذه النقطة رغم سلبيتها في حد ذاتها ، ولكن تتجاوزها إلي القلق بشأن المناخ العام من غياب التسامح وعدم قبول الآخر والذي يعيد الجميع إلي أجواء صراع الحضارات . ولكننا لابد أيضا أن نحترم رأي الناخب السويسري لأنه يعيش في بلد ديمقراطي والنتيجة النهائية كانت تصويت غالبية الناخبين السويسريين لصالح ما يسمي المبادرة الشعبية لحظر بناء مآذن جديدة في بلادهم. والغريب ان الرأي العام العربي في جزء كبير منه فهم نتيجة الاستفتاء علي انها حظر بناء المساجد وليس المآذن، في حين ان بناء المساجد مستمر و مليارديرات العرب مدعوون الي ضخ أموالهم لبناء المساجد هناك لو كانت لديهم الرغبة والارادة ..ويبدو ان أطرافا في العالم العربي والغربي علي حد السواء لهم مصالح في تزييف المعلومة بذلك الشكل المغلوط. فبعض المسلمين في أوروبا هم عبء علي الإسلام ويقدمون صورة سيئة لسلوك المسلم ، وخلال زياراتي الي أوروبا استمعت إلي انتقادات من مسلمين أنفسهم تجاه سلوكيات بعض مواطنيهم تضر بالاسلام وبالصورة المفترضة له،وتتلقاها الدعاية العنصرية فتبرزها وتصنع منها صورة نمطية مزيفة .وليس صعبا ملاحظة ذلك خلال أي زيارة في العواصمالغربية بالعين المجردة. ويمكن تأمل الأسباب التي دفعت بالشعب السويسري للتصويت ضد بناء المآذن ، حيث ظهرت بعض المخاوف نتيجة الهجرة الواسعة إلي سويسرا من قبل المسلمين وغيرهم . فالمسلمون ارتفع عددهم من 50 ألفا إلي 400 ألف مسلم خلال السنوات الماضية.ومع اعتراف السويسريين خاصة الرسميين بأن 99% من المسلمين لم يصدر عنهم أية مشكلات، وانهم مواطنون "صالحون" إلا أنه في كل المجتمعات يوجد حالات فردية قد تسبب بعض المشكلات. وفي هذا الإطار نشير إلي أن عددا من المسلمين هناك طالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في سويسرا وهذا أمر غير مقبول ، وسرعان ما أشاع العديد من المخاوف ولم يفهم هؤلاء قيمة مهمة في تلك المجتمعات وهي أننا عندما نكون في أي بلد غربي نعيش فيه فلابد أن ننصاع لقوانينه، وفي سويسرا بالمثل يجب الانصياع للقوانين المحلية التي تحكم كل ولاية . ولعل الشيء العملي الآن هو ضرورة التحرك بهدوء وحكمة لمنع المزيد من التدهور وقد طرح الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي اقتراحا ايجابيا وعمليا وهو بحث امكانيات نقض الاستفتاء بتنظيم استفتاء آخر .ويقول مراقبون ان الأمر يتطلب جمع مائة ألف توقيع من مواطني سويسرا لتنظيم استفتاء جديد .والنقطة الملحة اذن حاليا هي ضرورة اتخاذ خطوات قانونية في هذا الشأن. كما ان العديد من قيادات الجاليات العربية والاسلامية من مواطني سويسرا المتضررين من هذا الحظر يبحثون خطوات أخري مثل اللجوء إلي المحكمة الفيدرالية السويسرية ، وأيضا محكمة حقوق الإنسان الأوروبية . ولابد من الانتباه هنا الي نقطة مهمة في هذه القضية ربما تغيب علي الرأي العام العربي والاسلامي وهي ان مجلس الوزراء السويسري وغالبية أعضاء مجلس الشعب السويسري كانوا رافضين لتلك المبادرة الشعبية ، إلا أن التصويت عليها من قبل الناخبين السويسريين يلزم المجلس الاتحادي السويسري بتنفيذ هذا القرار كما أعلن المجلس الاتحادي من ناحية أخري التزام الحكومة السويسرية بنهج الحوار في التعامل مع المخاوف الناتجة عن الاستفتاء ، وأيضا المخاوف العربية والاسلامية التي كشفت نتيجة الاستفتاء عن وجودها. ومن الايجابي ان نستمع في هذا التوقيت الحساس لسفير سويسرا في مصر يقول إن حكومة بلاده تتفهم بعض الانتقادات التي صدرت من العديد من الجهات لاسيما المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ، مؤكدا في هذا الصدد ان حكومته كانت ضد قرار حظر بناء المآذن قبل الاستفتاء ، وأنها كانت تدرك أنه قد يكون مخالفا للمعايير الأوروبية لحقوق الإنسان. مشيرا الي أن هناك مسارات قانونية يمكن لمعارضي القرار أن يسلكوها. وأقر السفير السويسري بأن هذا الاستفتاء سوف يؤثر علي العلاقات بين بلاده والدول الإسلامية وأنه لا يعد أمرا جيدا لهذه العلاقة ، إلا أنه أكد حرص بلاده علي وجود علاقات جيدة مع الدول الإسلامية وقال: لهذا نعمل علي إيجاد نموذج معتدل للتعاون ومعالجة المشكلة".وشدد السفير السويسري علي ضرورة تعزيز حوار الحضارات ، والنزول به إلي القواعد الشعبية ورجل الشارع العادي بدلا من اقتصارها علي المستويات العليا القيادية ، موضحا أن العديد من المواطنين العاديين من الجانبين لا يعرفون شيئا عن الطرف الآخر ،ولم ينكر ان هذا التوتر الحاصل في العلاقات دفع بعض الناس الي المطالبة بمقاطعة المنتجات السويسرية ،وعبر عن أمله في تجنب ذلك.