تدهور التعليم بالعالم العربى أكبر مشكلة تهدد مستقبل النمو الاقتصادى المناهج عقيمة ولا تحفز على الإبداع والتعليم الجامعى خارج نطاق معايير الجودة العرب يتفوقون على الأمريكان للمرة الأولى فى تزوير وشراء الدرجات العلمية المزيفة السعوديون أنفقوا نصف مليار ريال على الشهادات المضروبة أصحاب الشهادات الوهمية وزراء ومهندسون وأطباء جهلاء يعالجون المرضى إنتاجية العامل العربى أقل إنتاجية فى العالم المعاصر بسبب انهيار التنمية البشرية رغم أن بعض الأبحاث والدراسات العلمية أظهرت مدى ذكاء الطفل العربى ورقى عقليته حتى سن السادسة، إلا أنه عند تجاوز هذا السن يبدأ مستوى ذكائه فى الانحدار بسبب عشوائية المناهج وعدم تكييف عقلية الطفل وطريقة تفكيره معها، ويستمر الحال على ما هو عليه فى معظم المراحل التعليمة حتى الجامعةوبرزت بجوار هذا الخلل ظاهرة تزوير وشراء الشهادات العلمية، وهذا بدوره أدى لتراجع الاقتصاد العربى بسبب تراجع المستوى المعرفى الذى يعد من أهم مقومات التنمية الحديثة، وتعد المشاكل التقليدية امتدادًا لحالة الركود التربوى، بعد أن تحول التعليم إلى عمليات حشو للعقول تنتهى بمجرد إفراغ ما تم حفظه ورقة الإجابة، دون ربط هذا التعليم بحاجة المجتمع ومشاكله التى لا يمكن حلها إلا عبر جودة التعليم وتميز البحث العلمى. أولا: المشاكل التقليدية وتعد مصر من أبرز الحالات التى يعانى فيها التعليم من المشاكل التقليدية إذ تميز التعليم ما قبل الجامعى فيها بارتفاع الكثافة بالفصول، حيث تبلغ كثافة الفصل الواحد بالتعليم الأساسى أكثر من 70 طالبا بالثانوى العام يبلغ متوسط كثافة 52 طالبًا، فى حين أن الوضع الأمثل يتطلب ألا تزيد كثافة الفصل عن 25 طالبًا بما لا يتجاوز 30 طالبا، وخطورة هذه الكثافة المرتفعة بالفصول أنها تنسف عملية التواصل الفكرى بين المدرس والطالب لأن زمن الحصة لا يكفى لبناء حوار تربوى، ولذا تقتل العقول جراء عدم التفاعل، أما التعليم الثانوى بالمدارس الخاصة يدار عبر كوادر غير مؤهلة. ويعد التعليم الثانوى العام بمصر قمة الفساد فالطلاب يعتمدون على الدروس الخصوصية فى التحصيل بسبب تراجع دور المدرسة وقيام أولياء الأمور بهذا الدور، ومن ثم تلتهم تكلُفة الدروس الخصوصية ومصروفات المدارس الخاصة والكتب الخارجية والأدوات والمستلزمات المدرسية ما بين 10 و20% من دخل الأسر بما يقدر بنحو ما بين 60 و70 مليار جنيه سنويًا، وحسب التقرير العالمى لرصد التعليم للجميع لعام 2013/2014، قدرت المبالغ التى تنفق سنويًا على الدروس الخصوصية وحدها بنحو 2,4 مليار دولار. ورغم أن التعليم الفنى والصناعى والزراعى والتجارى بمصر يمثل نحو 48% من جملة التعليم إلا أنه يعانى من غياب معايير الجودة، التى تضمن قدرة الشباب على التكيف مع سوق العمل بعد التخرج، والدليل أن نسبة البطالة بين خريجى التعليم الثانوى الصناعى بعام 2014 بلغت 17.2%،وهذا يعكس انفصال التعليم عن الواقع. تخلف بالتعليم الجامعى ويعانى التعليم العالى فى مصر من نفس المشكلات منذ 20 عاما ولم يحدث تغيير حتى الآن، ولم تنجح محاولات إعداد قانون جديد للتعليم العالى بمصر منذ عام 2004 حتى الآن،كما أن منظومة التعليم تدهورت ولا تواكب متطلبات العصر، ويرى البعض أن المشكلة ذاتها تكمن فى عدم ترتيب المناهج الدراسية واختيار الأنسب لكل مرحلة، وأصبحت معايير الجودة مسألة شكلية لا تواكب متطلبات التقدم فى شتى العلوم، وفشلت الكثير من المحافل العربية من توصيل المعلومة بطريقة مبتكرة تعتمد على الفهم ثم الاستنتاج والاستنباط، يرجع تفوق الطلاب فى معظم الحالات على القدرات الشخصية ورعاية الأسر نظرا لتراجع دور الجامعة، وتقريبًا تسير باقى البلدان العربية على نفس المنوال.
الإنفاق على التعليم
ودليل تراجع أهمية التعليم فى نظر الحكومات العربية أن نسبة الإنفاق عليه لا تتجاوز نحو 4,5 % من الدخل القومى، وهو رقم هزيل وأقل مما تنفقه الدول الفقيرة التى تمول مؤسساتها التعليمة بنحو 4,7 % من دخلها، بينما إسرائيل تنفق على التعليم نحو 13,2% من دخلها القومى. وبالنظر إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية كدولة متقدمة نجد أنها أنفقت نحو 13% من دخلها على التعليم وبما يوازى نحو 2101 مليار دولار وهذا المبلغ يساوى 78% من الناتج الإجمالى لكل الدول العربية مجتمعة عام 2013م، وهذه النفقات السخية تفسر سبب تفوقها وتخلف العرب، لأن العوائد الاقتصادية الهائلة لآلاف المليارات التى تنفق على التعليم والبحث العلمى، تعود على الاقتصاد أضعافًا مضاعفة، وهذه الثقافات الإيجابية غائبة عن العالم العربى وهذا هو سبب التخلف. ثانيا الشهادات المزورة علاوة على ما سبق انتشرت ظاهرة جديدة بعالمنا العربى تمثلت فى شراء الدرجات والشهادات العلمية من معاهد وجامعات غير معترف بها أو تزويرها محليًا، وهذه الظاهرة دليل على أن المسألة ليست فردية سواء فى الممارسة أو المسئولية، فجريمة اللهث وراء الألقاب المزورة مثل لقب دكتور أو مهندس وغيرها، يعد تهديدًا يعرقل نجاح فكرة التنمية البشرية ويؤثر بالسلب على حجم اقتصاديات المعرفة، فممارسة بعض الأعمال بشهادات مزورة يهدر مبدأ تكافؤ الفرص ويؤسس للفوضى والعشوائية، وحال تمكن هؤلاء اللصوص من اقتحام سوق العمل بجهلهم دون خلفية علمية يصبحون معاول هدم. حجم الكارثة بالعالم العربى ويرى البعض أن ظاهرة شراء الدرجات بدأت تأخذ اتجاه تصاعدى منذ عام 1991 بعد سقوط الاتحاد السوفيتى انطلاقًا من بلدان أوروبا الشرقية، وتحديدا رومانيا وبلغاريا وأوكرانيا ثم تحول العرب فيما بعد لشراء الشهادات المزورة من باقى بلدان العالم بأوروبا الغربية ودول آسيا، لتنتشر الظاهرة كما تنتشر النار فى الهشيم، ويوجد أكثر من 200 مكتب لشركات وسيطة تبيع الشهادات الأكاديمية محليًا،وقد تم رصد ما يقارب من 1400 جامعة وهمية فى ولايتين أمريكتين فقط، اعتبرتها وزارة التعليم العالى الأمريكى من الجامعات التى لا يمكن الوثوق بها، وبدول الخليج وحدها منذ عام 2011 حتى 2015 م قام أكثر من 200 ألف شخص بشراء الشهادات الجامعية المزورة عن طريق الإنترنت من شركة(AXACT ) الباكستانية، التى تملك فرعا فى الإمارات. دول الخليج العربى أينما وجدت الثروة نشطت هذه التجارة، ففى السعوديةجمعت مكاتب الجامعات الخارجية غير المعترف بها من وزارة التعليم العالى نحو نصف مليار ريال سعودى من 13 ألف مواطن ومقيم، حصلوا منها على شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه وذلك منذ عام 2007 وحتى 2015 م. وتصل أسعار الشهادات الجامعات غير المرخصة إلى ثلاثين ألفا للبكالوريوس، و45 ألفا للماجستير وستين ألفا إلى تسعين ألف ريالللدكتوراه،وفيما يبدو أن الظاهرة بلغت حد المرض النفسى حين ينفق مواطن سعودى نحو 400 ألف دولار للحصول على درجات علمية مزيفة. وفى دولة الإمارات يتم دفع مبالغ تتراوح ما بين 50000و100000 درهم إماراتى لكل شهادة ومعظم العملاء يتعاملون مع شركة "AXACT" الباكستانية لبيع الشهادات. والطلابالكويتيون يشترون شهادة الدكتوراه من الجامعة الأمركية بأثينا بمبلغ أربعين ألف يورو، ولذا أصدرت وزارة التعليم العالى فى الكويت قرارا إداريا فى 30/8/ 2009 بإيقاف التحاق وتسجيل الطلبة الكويتيين بالمراحل الجامعية والدراسات العليا بهذه الجامعة، عندما اكتشف أن أغلب المنتسبين للجامعة من موظفى الدولة الذين لا يتمتعون بإجازة دراسية، ما يضع الجامعة أمام تحدى إثبات حضورهم بشكل منتظم. ازدهار التزوير المحلى تزوير الشهادات أو شراؤها ظاهرة من الظواهر العالمية التى ربما تفوق فيها المزور العربى على نظرائه بسائر البلدان، ففى الولاياتالمتحدة، لم تتجاوز حالات التزوير التى ضبطت "سوى 350 موظفا حكوميا"، وهو رقم ضئيل إذا ما قورن بحجم ثراء المجتمعات العربية فى تزوير الدرجات العلمية. وعربيًا تنبهت المملكة المغربية للظاهرة فى نوفمبر 2009 عندما ضبطت أفرادا تورطوا فى جلب شهادات بكالوريا مزورة من موريتانيا،بأسعار تتراوح ما بين 800 إلى 1000 دولار.وبالجزائر قامت محكمة وهران فى 11/2/ 2013، بالنظر فى قضية تزوير شهادات البكالوريا، حيث استمعت المحكمة إلى 70 متهما من أصل 200، من بينهم أساتذة وإداريون بكليتى الطب والحقوق وجامعيون حازوا على شهادات عليا دون حصولهم على شهادة البكالوريا. وباليمن فى سبتمبر 2013 تم القبض على خمسة أفراد أحدهم من جنسية عربية كانوا يشكلون أخطر عصابة لتزوير الشهادات الجامعية ووثائق السفر ومختلف بطاقات الهوية وغيرها، وتم العثور فى منزل كان يستخدمه المتهمون على مئات الآلاف من الشهادات الجامعية المزورة. وأحالت النيابة العامة بدولة الإمارات فى أبو ظبى 40 قضية بتهمة تزوير شهادات دراسية فى عام 2014، بتهمة تزوير محررات رسمية. وفى بداية عام 2015 تبلورت الصورة بوضوح، إذ تحظى مافيا تزوير الشهادات فى لبنان بغطاءَين أمنى وسياسى، لتزييف شهادات كالإعلام والحقوق وإدارة الأعمال وعلوم الصحة والنفس والعلوم الدينية، بأسعار تبدأ من 4 آلاف دولار للشهادات المتوسطة، وتنتهى بسعر 90 ألف دولار للدكتوراه،وفى سوريا رغم الحرب الأهلية الطاحنة إلا أن المزورين استطاعوا الحصول على الأختام النظامية من جامعة حلب ودمشق، وتباع الشهادة بنحو 1500 دولار تقريبًا،وبتونس تم ضبط آلاف من الشهادات فى الباكالوريا وشهادات التكوين المهنى والتعليم العالى وفى سلطنة عمان تم العثور على 1224 شهادة مزورة، ومعظم الشهادات الوهمية صادرة عن مؤسسات فى الأردن ومصر والعراق واليمن وتنزانيا والهند وباكستان والمملكة المتحدةوالولاياتالمتحدةالأمريكية. زوير الشهادات بوادى النيل وطبقًا لنظرية الريادة، من الصعب أن يكون المزورون المصريون بعيدًا عن المشهد، فقد تتبعت جهات رقابية تحقيقات موسعة عن وكلاء يبيعون الماجستير والدكتوراه فى الخليج ب12 ألف دولار،كما أنه ضبطت فى حالات محدودة شهادات للثانوية العامة المزوّرة تباع مقابل 10 آلاف دولار، وتتعدد طرق التزوير بمصر بداية من سرقة رسائل علمية بالكامل أو قيام باحثين بإعداد رسائل نيابة عن الدارسين العرب مقابل 25 ألف جنيه بالنسبة للماجستير، 50 ألف جنيه لرسالة الدكتوراه، وتم اكتشاف أكثر من 20 كيانا وهميا بمصر لمنح شهادات غير معترف بها خلال عام 2015، وتم عمل 27 ضبطية قضائية ضد هذه الكيانات فى خلال 7 أشهر فقط، بتهمة النصب باسم وزارة التعليم العالى. الجهلاء يعالجون ويبنون مساكن العرب ومن المفارقات أن الجهلاء يعالجون العرب ففى المغرب فى سبتمبر 2014 ألقت الشرطة القضائية بمدينة بنى ملال القبض على طبيبة مختصة فى طب النساء والتوليد تمارس مهامها بشهادة مزورة من إحدى بلدان أوروبا الشرقية. المزورون يحتلون المناصب بالعراق وفى سابقة خطيرة تمكن المزورون من النفاذ إلى الوزارات والمناصب العليا لإدارة وقيادة بعض المواقع المهمة، حيث تمكنت هيئة النزاهة فى البرلمان والمفتشون فى الوزارات واللجان المختصة من كشف عشرات الآلاف من الشهادات المزورة، بالمؤسسة العراقية،ومنهم مديرون ووكلاء وزراء وأعضاء هيئات مستقلة وعاملون فى سفارات عراقية بالخارج، والكارثة أن مجلس الوزراء العراقى أصدر فى 10/12/2010 قرارا يقضى بتشكيل لجنة تعد لقانون بشأن العفو عن الموظفين الذين تورطوا فى تقديم شهادات ووثائق مزورة رغم أنالمادة 289 نصت على أن يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز 15 سنة كل من ارتكب تزويرا فى محرر رسمى. و فى موريتانيا فى ديسمبر 2013 توقفت اللجنة الحكومية المكلفة بالتدقيق فى صحة شهادات الموظفين الرسميين بعد اكتشافها تزوير مئات الشهادات لعدد من الشخصيات، التى تدير الدولة بعضهم وزراء، وأساتذة جامعيين، وذلك تلافيا لخروج عدد كبير من الشخصيات الكبيرة التى تواجدت فى مناصب عليا بشهادات علمية مزورة. وفى الجزائر تم كشف حالات تزوير جماعى فى الشهادات الجامعية للعشرات من العاملين على مستوى المديريات الحكومية وبفحص الشهادات خلال 10 سنوات ماضية تبين وجود 100 شهادة مزورة فى عدة تخصصات، وتمكن بها المزورون من الحصول على مناصب عمل كمديرى مصالح، مع الاستفادة من أجور شهرية تتراوح بين 40 ألفا و100 ألف دينار جزائرى لفترة تفوق 10 سنوات، دون أن يفطن لهم أحد. الآثار الاقتصادية السلبية لتجارة للشهادات العلمية المزورة
من المبشر أن الحكومات العربية قد استفاقت مؤخرًا نحو التصدى لهذه الظاهرة إلا أن تجارة وبيع الدرجات العلمية بالتلاحم مع عدم تدهور التعليم وضعف مستوى التدريب المهنى وتدنى متوسط دخل الفرد، وانتشار الأمراض كل ذلك يهدد فكرة التنمية البشرية بالعالم العربى، إذ يطلع بعض المزورون بمهام إدارة بعض المرافق العربية المهمة، وبعض الوزارات فى العراقوموريتانيا، هذا يجهض مخططات التنمية الاقتصادية بالعالم العربى، ويفسر سبب تراجع إنتاجية العامل العربى التى تمثل نحو 60% من حجم إنتاجية العامل بالدول المتقدمة. ( أهم المصادر والمراجع – 1- الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ،المجلة النصف سنوية ،العدد رقم 89 ،2014م. 2- جامعة الدول العربية ، التقرير العربى الموحد ،2014م. 3- بعض المواقع الإلكترونية العربية والمصرية)