يومى الثانى بدون إنجازفى متاهة المرورلإستخراج ترخيص السيارة، قلبى يزداد ثقلاً كلما إقتربت لكننى ألهى نفسى باستدعاء صورة أم وائل السيدة التى "تركن " العربات الملاكى والنقل فى شارع المرور الخلفى وتساعد أيضاً فى ورق الرٌخص مقابل "حسنتها". رأيتها متوسطة القامة والبنية، يصعب تحديد سنها بسبب لفحة الشمس التى تركت وجهها محمرا وغامقا وجلدها جافا، لكن عينيها السوداويتين الضاحكتين وأسنانها البيضاء رغم بقايا الجيروسط فمها الصغيرالمستدير جعلانى أظن أنها فى أوائل الثلاثينيات. أضاء وجهها الباسم يومى، وحتى حين تعقد الأمروتعطلت الأوراق مرة أخرى عند الموظفة المختمرة الكئيبة وخرجت فى حالة هيسيترية بحثاً عن حمام وكلما خطوت للخارج خفت أكثر ألا أجد واحداً، أخذتنى من يدى لحمام متواضع له باب لا يٌغلق بالكامل وظلت واقفة تحرسه حتى انتهيت.قلت لها " تعالى نشرب حاجة ونستريح شوية من خنقة المكتب .هومافيش غير القهوة اللى كلها دبان دى؟" لم ترد. لكنها نظرت إلىّ فى إستمتاع غير مندهش، كمن يرى مثل هذه "الأشكال" كل يوم. سحبت كرسى أمامى وطلبتٌ أنا شاى فتلة ومية معدنية بينما قالت هى فى بساطة " أنا لسه شاربة ساقع" " وائل عنده قد إيه؟" " حلو أربع سنين، معايا كمان سما سبعة، سما حتبقى دكتورة، ووائل مهندس أو محامى أو حتى ظابط تتهز له شنبات، مش حاخيبهم خيبتى " " أبوهم فين؟" " قٌطع! مشيته، كان زى قِلته، حيجيب العيال لورا. لما جيت أقدم لسما ف المدرسة قالى لى بلا مدرسة بلا هوسة. حداد نصاب، ياخد عرابين من ده وده ويلبس ده فى ده والناس تصوت ويشرب زفت بيهم" " إتطلقتى؟" " ليه؟ مش عاوزة رجالة أصلا. أنا وعيالى ملوك زماننا، النهارده رٌزقت ومعانا فلوس بنجيب أكل، مافيش بافتح الكيس الأسود بتاع الفضة، نعدها، ونجيب عيش وجبنة. ننام لابسين، قالعين، براحتنا. نرقص، نلعب، على كيفنا.اجيب لعيالى جوزأم يكتم نفسهم والبت لا تعرف تلبس شورت ولا فالينة؟ ده لو بيجيب للعيل كل يوم لحمة وسمك وفراخ مش عاوزاه!" " حتقدرى ع الشغل فى الشارع ؟" " لازم أبقى ولية بميت راجل، لو السواقين حسوا إنى ست حياكلونى. بس اما أروح لعيالى بالبس جيبة، منطلون، اللى على مزاجى." تلمح كتاباً اجنبياً فى يدى فتلمع عيناها وتزداد إبتسامتها وتسأل بلا تردد: "أبلة تعرفى الأكاديمية بتاعة الإنجليزى اللى هناك عند الجامع الكبير دى بكام؟عايزة أعلم العيال لو سعرها حنين يعنى.أهم حاجة العيل يبقى متأسس فى الأنجليزى. وانا ممكن أأكلهم بطاطس طول الشهر." نظرت طويلا لها وهى تتحدث بحماسة عن المستقبل والإنجليزى وكلما تخيَلت وائل مهندسا أو حتى ضابطا تكتسب قوة إضافية ونشاطا ينتقل لى دون أن ادرى. " عندك كام سنة ؟" " 21 سنة" "نعم! إتجوزتى إمتى؟" " ولا أعرف، أبويا سننى.العيال أهم حاجة دلوقت. لما يتعلموا مش حيقفوا ف الشارع زيى" ينادى عليها سائق نقل، تحييه بالإسم وتهرول له ضاحكة " قلت لك حتيجى تانى، مالكوش غيرى ف الشارع ده!"