وزارة التعاون الدولى فى أسبوع.. ختام الاجتماعات السنوية للمؤسسات العربية المشتركة.. انعقاد النسخة الأولى من المنتدى السنوى للميثاق العالمى للأمم المتحدة.. و"المشاط" تُشارك فى قمة "رايز أب".. فيديو    بروتوكول تعاون بين جامعتيّ بنها والسادات في البحث العلمي    محافظ المنوفية يلتقى رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الحضرية لتعزيز التعاون    القاهرة الإخبارية ترصد مستجدات الأوضاع أمام معبر رفح    هبوط اضطرارى لطائرة إيرانية فى مطار أردبيل بسبب خلل فنى    الآلاف من طنطا والمحلة وكفر الزيات يتوجهون لاستاد القاهرة لتشجيع الأهلي.. صور    مصرع شخص وإصابة 9 آخرين فى حادث انقلاب سيارة على الصحراوى الغربى بالمنيا    تأجيل محاكمة متهم تسبب في مقتل والدة وشقيق خطيبته السابقة بالعبور    طارق الشناوي يعلن اسم الفيلم الأقرب لجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان    انتعاشة في إيرادات السينما بعد طرح أفلام جديدة.. 2.3 مليون جنيه خلال 24 ساعة    الأعمال المستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة.. الصوم والصلاة    محمد شبانة بعد تداول صورته بدلا من قيادى بالقس.ام: سأقاضى إسرائيل (فيديو)    "اقتصادية الشيوخ" تضع توصية بمقترح النائب حازم الجندي بإنشاء منطقة حرة أفريقية    شريف إكرامي: الشناوى لم يتجاوز فى حق أى طرف حتى يعتذر    83 ناديا ومركز شباب بالقليوبية تذيع مباراة الأهلي والترجي التونسي.. الليلة    سوزوكي بالينو 2021 كسر زيرو بأقل من 800 ألف جنيه    «أشد من كورونا».. «البيطريين» تُحذر من مرض مشترك بين الإنسان والحيوان    بث مباشر.. أسئلة لن يخرج عنها امتحان الجغرافيا للثانوية العامة    ضبط تشكيل عصابي تخصص في الاتجار بالمواد المخدرة فى المنوفية    بسبب وجبة أرز وخضار.. إصابة 3 أطفال بتسمم في بني سويف    جامعة أسيوط تخصص 100 ألف جنيه لكل كلية لجودة العملية التعليمية    انطلاق امتحانات نهاية العام بجامعة طيبة التكنولوجية 2023-2024    مهرجان الكى بوب يختتم أسبوع الثقافة الكورية بالأوبرا.. والسفير يعلن عن أسبوع آخر    منها «الثور» و«الأسد».. 5 أبراج جذابة وتلفت انتباه الآخرين (تعرف عليها)    جامعة عين شمس تستقبل وفدًا من قوانجدونج للدراسات الأجنبية في الصين    ملايين الهنود يدلون بأصواتهم بالجولة قبل الأخيرة من الانتخابات العامة    وزير الأوقاف: تكثيف الأنشطة الدعوية والتعامل بحسم مع مخالفة تعليمات خطبة الجمعة    علاج 1854 مواطنًا بالمجان ضمن قافلة طبية بالشرقية    كيف تعالج الهبوط والدوخة في الحر؟.. نصائح آمنة وفعالة    وفد برلماني بلجنة الصحة بالنواب يزور جنوب سيناء ويتفقد بعض وحدات طب الأسرة    في يومها العالمي- أضرار لا تعرفها لكرة القدم على صحة القلب    بالصور- وزير التعليم العالي يتفقد المدينة الطبية في جامعة كفر الشيخ    حلقة أحمد العوضي في برنامج "واحد من الناس" تتصدر التريند بمصر    باحثة بالمركز المصري للفكر: القاهرة الأكثر اهتماما بالجانب الإنساني في غزة    باحث استراتيجي: حكم محكمة العدل الدولية دليل إدانة لجرائم إسرائيل    أكاديمية الشرطة تنظيم ورشة عمل عن كيفية مواجهة مخططات إسقاط الدول    تنفيذ 4 دورات تدريبية يستفيد منها 122 موظفًا بالمحليات في سقارة    انهيار جزء من الرصيف البحري الأمريكي قبالة السواحل في غزة    مفاجآت جديدة في قضية «سفاح التجمع الخامس»: جثث الضحايا ال3 «مخنوقات» وآثار تعذيب    داعية: الصلاة النارية تزيد البركة والرزق    المفتي: لا يجب إثارة البلبلة في أمورٍ دينيةٍ ثبتت صحتها بالقرآن والسنة والإجماع    شيماء سيف تستفز ياسمين عز في تصريحات عن الرجال.. ماذا قالت؟ (فيديو)    وزير الري: مشروع الممر الملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط يخدم الدول الإفريقية    لأول مرة.. وزير المالية: إطلاق مشروع تطوير وميكنة منظومة الضرائب العقارية    ضبط 14 طن قطن مجهول المصدر في محلجين بدون ترخيص بالقليوبية    "كولر بيحب الجمهور".. مدرب المنتخب السابق يكشف أسلوب لعب الترجي أمام الأهلي    إنبي يكشف حقيقة انتقال أمين أوفا للزمالك    برنامج تدريبى حول إدارة تكنولوجيا المعلومات بمستشفى المقطم    نهائي دوري أبطال إفريقيا.. الملايين تنتظر الأهلي والترجي    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 25 مايو 2024    صباحك أوروبي.. عهد جديد لصلاح.. صفقات "فليك" لبرشلونة.. وغموض موقف مبابي    متصلة: أنا متزوجة وعملت ذنب كبير.. رد مفاجئ من أمين الفتوى    عيد الأضحى 2024 الأحد أم الاثنين؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    مباحثات عسكرية مرتقبة بين الولايات المتحدة والصين على وقع أزمة تايوان    استعلم الآن.. رابط نتيجة الصف الخامس الابتدائي 2024 الترم الثاني بالاسم والرقم القومي    المدارس المصرية اليابانية تعلن بدء التواصل مع أولياء الأمور لتحديد موعد المقابلات الشخصية    "كان يرتعش قبل دخوله المسرح".. محمد الصاوي يكشف شخصية فؤاد المهندس    مواعيد مباريات اليوم السبت والقنوات الناقلة، أبرزها مواجهة الأهلي والترجي في النهائي الإفريقي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نادر فرجانى يكتب: تحييد جيش مصر فى الصراع الصهيونى العربى بيد قادته! (1- 2)
نشر في المشهد يوم 16 - 03 - 2015

يعمل أصحاب المشروع الصهيونى على إقامة بنى مجتمعية تناصر المشروع ولو على حساب قهر الناس وإفقارهم
من قبيل الخطأ الفادح الفصل بين نسق الاقتصاد السياسى الذى قامت الثورة لإسقاطه وذلك القائم الآن
النسق بقى تماما كما كان وإن اكتسى بعض القادة بزة عسكرية ثم اكتست الوجوه لِحىً وأدوا الصلوات فى المساجد فى مواقيتها
ما عُدّ انتصارا أوليا للثورة بتنحية مبارك لم يكن إلا نسق الاقتصاد السياسى الموصوف ينحّى قناعا بلى ليضع قناعا آخر أجدى
القضاء على الجيوش المصرية والعراقية والسورية غاية الحريصين على أمن دولة إسرائيل
بدأت القوة الأكبر فى النظام العالمى فى التحضير لبدائل نظام مبارك قبل قيام الثورة
الاقتصاد السياسى يقوم على الحكم التسلطى الذى يقيّد الحقوق والحريات بالحكم الاستبدادى والبطش البوليسى
لشراء ضمائر الحكام يغدق عليهم أصحاب المشروع بالمعونات والقروض لكى تصبح حبال شنق ذاتى حال حاول التملص من تعهداته
رأس النظام لا يعدو كونه مجرد قناع خارجى لبنى قانونية ومؤسسية اقتصادية وسياسية
هل هناك أى فرق جوهرية بين أداء نظامى مبارك ومرسى والسيسى؟
إن انزلاق الجيش المصرى للتخديم على التحالف الدولى الخاص بالحرب الأمريكية الثانية ضد الإرهاب يقصد به فى التصور الصهيونى للمنطقة، تحييد الجيش المصرى فى الصراع العربى الصهيونى بأيدى قادته أنفسهم، بعد القضاء على الجيش العراقى على أيدى الحكام الأمريكيين بعد الغزو الأمريكى البريطانى مباشرة، وتشتيت وإضعاف الجيش السورى من خلال الاحتراب الأهلى العربى على أرض سوريا الطاهرة. ويتعين التأكيد على أن القضاء على هذه الجيوش الثلاثة كان دوما غاية مُنى الحريصين على أمن الدولة العنصرية الغاصبة إسرائيل.
(1) المشروع الصهيونى فى المنطقة العربية محور أساس لتاريخ مصر المعاصر
للدقة المقصود هنا المشروع الغربى-الصهيونى، والذى تحول فى عصر القطب الواحد فى المعترك الدولى إلى المشروع الأمريكى- الصهيونى فى المنطقة العربية. والمشروع فى جوهره استعمارى إمبراطورى ويهدف إلى ضمان مصالح الدول الغربية المتنفذة فى الساحة الدولية وعلى رأسها سيطرة الرأسمالية العالمية بقيادة الشركات الغربية العملاقة متعدية الجنسيات، وضمان تدفق النفط والغاز من منطقة الشرق الأوسط لتموين النشاط الاقتصادى فى الغرب. ولضمان هذه الأهداف عمد المشروع المذكور إلى تعويق وحدة العرب بزرع كيان استيطانى وعنصرى دخيل فى قلبها لكى يستبعد احتمال أى مقاومة للمشروع تتأتى من الوحدة العربية، وأتبع ذلك الاستزراع الدخيل بالحفاظ على أمن واستمرار هذا الكيان المُمزِّق لوحدة الأمة بعد قيامه، خدمة للغرضين السابقين من ناحية، ولحل عقدة الذنب الغربية تجاه اليهود من ناحية أخرى. ويتضح تدريجيا، على الرغم من مقاومة المشروع لجلاء الحقيقة، أن عقدة الذنب هذه كانت مفتعلة، حيث تتوافر قرائن قوية على تعاون الحركة الصهيونية مع النازية الإجرامية للقيام بمحرقة اليهود فى أوروبا تعزيزا لابتزاز ضمير الغرب لإقامة الوطن البديل فى فلسطين.
كذلك عمد أصحاب المشروع إلى دعم الحكم التسلطى فى المنطقة العربية، فهم يعلمون يقينا أنهم لا يملكون تعاطف شعوب المنطقة، بل إن مشروعهم يتناقض مع طموحات الشعوب المشروعة فى الحرية والعزة والكرامة، وسبيلها جميعا التكامل العربى الفعال، وأرقى صوره التوحد فى ظل الحكم الديمقراطى السليم، قطريا وقوميا. ومن هنا كان دأبهم اصطناع طغاة يغتصبون إرادة الشعوب ويطوعون الدول المقتطعة من الوطن العربى الكبير التى يحكمون لخدمة مصالح المشروع ويعوقون حلم الوحدة.
ومعروف أن الجانب الاستعمارى والتمكين للرأسمالية الغربية فى المشروع فيما يتصل بمصر والمنطقة عموما قديم، على الأقل منذ نهايات القرن الثامن عشر. فقط كانت القيادة للقوتين الأكبر حينئذ: فرنسا وإنجلترا. وبمرور الزمن وتغير حظوظ القوى الكبرى فى الغرب، تبوأت الولايات المتحدة هذه المكانة، وتأكدت لها بعد انهيار الاتحاد السوفييتى، وإن لم تصل إلى الاستعمار المباشر إلا فى حالة العراق فى الفترة 2003-2011. مع الملاحظة بأن اللجوء إلى الاستعمار المباشر لم تصبح له الأهمية نفسها بعد زرع الكيان الدخيل والعدوانى فى المنطقة العربية المسمى إسرائيل وصعود أشكال الاستعمار الجديدة، الاقتصادى والثقافى.
وعلى خلاف ما يعتقد البعض، فلم يبدأ التخطيط لإقامة إسرائيل بوعد بلفور المشئوم فى 1917 بل بدأ قبل ذلك بأكثر من نصف قرن.
فمنذ منتصف القرن التاسع عشر، أعلنت القوة الاستعمارية الكبرى وقتها، بريطانيا، عن رغبتها فى زرع دولة يهودية فى وسط الأمة العربية تعويقا لتوحدها. تحديدا، فى العام 1840 أرسل وزير خارجية بريطانيا "بالمرستون" إلى سفيره لدى السلطنة العثمانية الفيسكونت "بونسونبى" مؤكدا سياسة بريطانيا فى تشجيع استيطان اليهود فى فلسطين، "حيث إن إقامة كيان قومى لهم فيها "سيؤدى إلى إيقاف أى محاولات شريرة فى المستقبل من قبل محمد على أو أى من خلفائه لإقامة كيان موحد بين مصر وسورية الطبيعية". لاحظ أن هذا التوجيه أرسل فى العام نفسه الذى قضت فيه إنجلترا وفرنسا على القوة العسكرية لمحمد على بتحطيم الأسطول المصرى فى موقعة نافارين، وبعدها وقعت معه معاهدة لندن التى فرضت عليه الانسحاب إلى حدود مصر، والسودان وقتها، مقابل أن يكون حكمها وراثيا فى نسله.
ثم فى 1917، أصدر اللورد "بلفور"، وزير خارجية بريطانيا إعلانه المشؤوم واعدا اليهود "وطنا قوميا" فى فلسطين، باسم حكومته التى لم يكن لها أن تمنح "الشعب اليهودي" ما لم تملك عليه سلطانا، بل كان ملكا خالصا لأصحابه العرب.
.......
وهكذا، يحفظ التاريخ أن الغرب قد تكاتف لكسر شوكة مصر محمد على فى 1840، بقيادة إنجلترا وفرنسا وقتها، حيث شكّل تكوين مصر الكبرى شاملة بلاد الشام كلها (وكانت تضم، حسب التقسيمات الحالية، سوريا ولبنان وفلسطين) والسودان، تهديدا قويا لغايات المشروع الصهيونى.
وكذلك فعلوا مع مشروع عبد الناصر فى هزيمة 1967، أيضا بقيادة إنجلترا وفرنسا متحالفتين مع الدولة الغاصبة والعدوانية الوليدة إسرائيل، وبحثٍ موثّق من قيادة الرجعية العربية فى السعودية، وهذا تطور مهم يجب الالتفات إليه، حيث بدأ المشروع يعتمد على وجود طابور خامس فى المنطقة العربية يخدم أغراضه، ويقوى صلاته معه. وستزداد أهمية هذا الطابور الخامس فى أوقات صعود المد التحررى فى المنطقة والذى قد يتهدد نجاح المشروع.
وهذه مسألة جوهرية فأصحاب المشروع على يقين، صحيح وأكدته الخبرات التاريخية، أن صعود أنظمة حكم ممثلة للشعوب العربية ومعبرة عن طموحات هذه الشعوب ستكون بالقطع معادية للمشروع الصهيونى وأهدافه وعلى الأغلب وحدوية. ومن هذا تبلور تفضيلهم لوجود أنظمة الحكم التسلطى الفاسدة والمغالية فى القُطرية فى المنطقة مادامت تخدم مشروعهم.
---------
وللتوضيح القاطع، لا يدور على الإطلاق بذهن الكاتب أن المشروع الصهيونى هذا كان وراء انطلاق المد التحررى العربى المعاصر فى نهايات 2010 وأن الإنتفاضات الشعبية التى شكلته كانت مؤامرة خارجية فى سياق هذا المشروع. ولكن لأهمية هذا المشروع لأصحابه، وبسبب القيمة الاستراتيجية للمنطقة العربية فى سياقه، ولمصر تحديدا فى القلب منها على وجه الخصوص، فعندما اندلعت الثورات الشعبية العظيمة فى تونس ومصر وما تبعهما من بلدان عربية أخرى، كان طبيعيا أن تهرع القوى صاحبة هذا المشروع لمحاولة التأثير على مجريات الأمور ضمانا لسلامة مشروعها بغرض منع قيام الحكم الديمقراطى السليم فى هذه البلدان العربية، خصوصا مصر بما يشكل تهديدا بالغا للمشروع ولأغراضه.
وبالإضافة، فقد بدأت القوة الأكبر فى النظام العالمى بين أصحاب المشروع فى التحضير لبدائل لنظام محمد حسنى مبارك قبل قيام الثورة عندما تأكد لها، فى إطار استشرافها السياسى المستقبلى، ضعف فائدته للمشروع وربما قرب زواله. فالمعلوم الآن أن اتصالات الإدارة الأمريكية بفصائل تيار الإسلام السياسى قد بدأت منذ العام 2003 بوساطة مصرى من خارج التيار معروف بقربه من دوائر تلك الإدارة، وبدأت هذه الاتصالات على أرض مصر على الرغم من أن التيار بمجمله كان يعد محظورا من قبل نظام الحكم فى مصر وقتها، الذى كان بدوره يُعد حليفا أساسا للولايات المتحدة وخادما للمشروع فى المنطقة.
وبعد اندلاع الثورة الشعبية العظيمة فى مصر فى يناير 2011 كان من الضرورى أن تتواتر الاتصالات وليس فقط بمن تولوا السلطة. وفى هذا يكمن تفسير أن زيارات كبار المسئولين الأمريكيين، خاصة من المخابرات الأمريكية، المدنية والحربية، المتواترة لم تنقطع منذ قبل قيام الثورة فى يناير 2011 وتكثفت بعدها. كما يشير سعى كبار المسئولين الأمريكيين الذين زاروا مصر بعد الثورة إلى لقاء قوى خارج السلطة الحاكمة، إلى عودة الإدارة الأمريكية لاستكشاف البدائل لمستقبل سلطة حكم تغشاه مخاطر. وقد قوى هذا الاتجاه فى 2013، كما ظهر فى زيارة وزير الخارجية الجديد حينئذ "كيري"، دليلا على استشعار الإدارة الأمريكية فشل سلطة الإسلام السياسى فى الحكم ما يدعو لوصل الجسور الأمريكية مع قوى أخرى بديلة إمكانا على الساحة السياسية فى مصر.
(2) تأمين المشروع الصهيونى مُؤهِّل لحكم مصر
ذكرت أن أصحاب المشروع الصهيونى يعلمون يقينا أنهم لا يملكون إرادة شعوب المنطقة، بل إن مشروعهم يتناقض مع طموحات الشعوب المشروعة فى الحرية والعزة والكرامة. كما أن الطغاة الأفراد قد لا يوثق جانبهم. ولذلك، بحكمة ودهاء، يعمل أصحاب المشروع الصهيونى على إقامة بنى مجتمعية تتسم بالقدرة على الدوام النسبى تناصر المشروع ولو على حساب قهر الناس وإفقارهم. بل ربما يكون نشر القهر والفقر مفيدا من حيث يضعفان الطاقة الثورية للشعوب، ولو مؤقتا. ولكن فاتهم أن مثل هذه البُنى تحمل بذور انفجارها فى أحشائها، فتراكم المزيج السام من الفقر والقهر يفضى لا محالة إلى مخزون غضب وسخط يتحول بمرور الزمن إلى انفجار تمردى على بنى التسلط والقمع، كما حدث فى عموم المنطقة العربية فى نهايات العقد الأول من القرن الحالى.
وقد كانت أداة المشروع الغربي-الصهيونى فى المنطقة العربية، وفى مصر خصوصا، هى إقامة نسق اقتصاد سياسى تابع للمشروع وخاضع له، ويتوقف استمراره ونماؤه على خدمة المشروع والعمل على نيل غاياته.
ويتكون نسق الاقتصاد السياسى هذا من شق سياسى يقوم على الحكم التسلطى الذى يقيّد حقوق وحريات المواطنين بالحكم الاستبدادى والبطش البوليسى إن اقتضى الأمر، ويستطيع من ثم فرض سياسات لا يرضى بها الشعب لمناصرة المشروع الصهيونى. ولشراء ضمائر الحكام يغدق عليهم أصحاب المشروع بالمعونات والقروض التى تمكن أصحاب المشروع من التحكم فى أدوات الحكم وفى الاقتصاد، ولكى تصبح هذه المعونات والقروض حبال شنق ذاتى إن حاول الحكم التابع التملص من تعهداته لأصحاب المشروع.
ويكتمل النسق بنظام للاقتصاد الرأسمالى غير المنتج، التجارى فى الأساس، والتابع لمراكز النشاط الاقتصادى فى الغرب والمرحِّب بسيطرتها عليه، ولا مانع من أن يكون احتكاريا فاسدا، وهو مالا يستقيم وكفاءة الرأسمالية ولا تسمح به الدول الغربية الرأسمالية فى عقر دارها أبدا. ومن مقومات نجاح نسق الاقتصاد السياسى هذا خلق شريحة أصحاب أموال (كومبرادور) تابعة لمراكز الاقتصاد الرأسمالى فى الغرب يتوقف ثراؤها وقدرها على رضى هذه المراكز عنها، وقد حدث هذا فى مصر بأموال المعونة الأمريكية المحسوبة على الشعب الطيب. فقد أغدقت منذ سبعينيات القرن الماضى على رجال الأعمال قروضا ميسرة شريطة استيراد سلع من الشركات الأمريكية لبيعها فى مصر، وهكذا خلقت الإدارة الأمريكية شريحة من المليونيرات المرتبطين الاقتصاد الغربى عضويا والذين تداخلوا مع عصبة الحكم وتمكنوا من الأسوق المصرية فى الوقت نفسه.
ولكن يشيع هذا النظام البطالة والفقر بين المواطنين، ما يجعلهم فى نظر الحكام أسلس قيادا للحكم التسلطى وأسياده أصحاب المشروع بمزيج الفقر والقهر الذى يتوسلون به لإخماد حيويته السياسية، وكبت فرص الانقضاض على الحكم التسلطى والمشروع الصهيونى سويا.
ويهذا يلقى نسق الاقتصاد السياسى هذا معارضة تتصاعد مع تراكم المظالم التى ينتجها بلا هوادة. ومن ثم، يُعنى أصحاب المشروع بتكوين قاعدة صلبة من التأييد له فى المنطقة العربية، خاصة فى مواجهة تمرد بعض بلدان المنطقة على المشروع وأغراضه، والمعاونة على تطويع تلك المتمردة إن تطلب الأمر. وقد تبلورت قاعدة الطابور الخامس للمشروع الصهيونى هذه فى عصر المد التحررى العربى من حكام بلدان مجلس التعاون الخليجى بقيادة السعودية وإن لعبت قطر فى مرحلة ما دور صانع الألعاب المتقدم الذى شط عن الدور ووجب تقليم أظافره. والغرض هو تطويع ثورات المد التحررى العربى الشعبية وضمان ألا تهدد أغراض المشروع الصهيونى، وعلى الأرجح من خلال تعميم نمط الحكم التسلطى المتسربل شكلا بقشور الإسلام ولكن الخادم فى النهاية للمشروع الصهيونى، مثل ذلك القائم فعلا فى تلك البلدان العربية الخليجية.
-----------
والآن لنُسقط هذا التحليل على حالة مصر منذ اندلاع الثورة الشعبية العظيمة فى يناير 2011، ولكن بإيجاز حتى لا يطول المقال كثيرا.
فى المنطق السابق عرضه لا يمثل رأس النظام مكونا جوهريا من بنيته، فلا يعدو كونه مجرد قناع خارجى لبنى قانونية ومؤسسية، اقتصادية وسياسية. ولذلك فإن ما عُدّ انتصارا أوليا للثورة بتنحية محمد حسنى مبارك، ولا أقول تنّحيه المسرحى، لم يكن إلا نسق الاقتصاد السياسى الموصوف ينحّى قناعا قد بلى واستهلك وربما أصبح مضرا للنسق ولأغراضه فى خدمة المشروع، ليضع قناعا آخر أجدى ولو لفترة، أو بعد فترة، واستعمال أقوى أدوات النظام القادرة على القهر العنيف، أى القوات المسلحة والشرطة والقضاء المتواطئ للحكم بقوانين جائرة، للحفاظ على النظام إلى حين وضع قناع جديد.
والواقع أنه من قبيل الخطأ الفادح أن يفصل أحد بين نسق الاقتصاد السياسى الذى قامت الثورة لإسقاطه وذلك القائم الآن. النسق بقى تماما كما كان، بل وتغوّل، وإن اكتسى بعض القادة بزة عسكرية فى مرحلة ثم اكتست الوجوه لِحىً وأدوا الصلوات فى المساجد فى مواقيتها، وهذا هو مدى التزامهم بالإسلام، فقط ظاهريا، تماما كالأدوية شديدة المرارة المغطاة بطبقة رقيقة من السكر الحلو. والآن عادت البزة المدنية المُغلفِّة للحكم العسكرى مرة أخرى.
وعلى من لا يصدق هذا التوصيف أن يسأل نفسه إن كانت هناك أى فرق جوهرية بين أداء نظامى محمد حسنى مبارك ومحمد مرسى، وعبد الفتاح السيسى. ويقينا لا أعتبر التمسح الشكلى والزائف بالإسلام العظيم فرقا جوهريا. أو إن كان هناك فى الجوهر فارق بين حكم محمد مرسى وعبد الفتاح السيسى، بإستثناء التشدد فى قهر الإخوان ومناصريهم، مع باقى القوى المعارضة جميعا والمغالاة فى إفقار عامة الشعب لصالح الإثراء الفاحش لأصحاب الأموال والإغداق على أعمدة الحكم فى الجيش والشرطة والقضاء المتواطئ.
..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.