شاعت بعد الثورة ظاهرة الميليشيات الإلكترونية التي تستأجر فيها قوي سياسية بعينها أفرادا للترويج لسياستها عبر شبكة( الإنترنت) ولإزعاج معارضيها. ولا ريب ان آخرين يتطوعون بالقيام بالمهمة ذاتها عن اقتناع وإن شابه تحيز مفضوح. وقد اعتاد قارئ أن يكتب تعليقات مسيئة علي مقالاتي ب الأهرام. لن أذكر اسمه, فليس الأمر شخصيا. فقط اكتفي بأنه يعرف نفسه كأستاذ في جامعة أمريكية وكأنه يعلن عن مكانة توجب الالتفات لما يقول, وقد علق علي مقالي بعنوان سنة ابتلاء قد تحمل خيرا. وهذا هو نص التعليق: الدكتور فرجاني أصابه ما أصاب محللي هذا الزمن البئيس الذي يريد أن يطفئ فرحه مصر بثورة يناير ويثنيها عن نهج الشوري- الديمقراطيه تحت عباءة الإسلام- وصارت مقالاته هباء منثورا لا جدوي فيها ولا منفعة.. وهو يمعن في نهج التخريف بلا مرجعية ولا أساس.. ومع ذلك نريد للرجل أن يوثق كلامه, علي خفته وذهاب محتواه.. وكل ما أريد منه أن يعرف لنا معني تيار اليمين المتأسلم!! وقد بحثت عن المعلق علي شبكة( الإنترنت) فوجدت أنه يقضي جل وقته علي ما يبدو في التعليق علي موضوعات الصحف في شتي المجالات ومختلف الموضوعات. ولعمري لا أعرف متي يمارس السيد ممتهن التعليق عمله التدريسي أو البحثي إن كان حقا أستاذا جامعيا. وأنا إذ ارتفع عن الإساءات التي لا يليق أن تصدر عن أستاذ جامعي ولا عن أي إنسان مهذب, وأعد التعقيب عليها تدنيا لا اقبله لنفسي, أري أنه من حق القارئ أن أعرف المصطلح الذي استعمله إن لم يكن شائعا, رغم أنه بادي الوضوح لمن يعرف اللغة العربية, وفي التنزيل الحكيم أن لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم( المائدة,101). ولكن ها أنذا أعرف المصطلح لمنفعة القارئ وغيره. فلا بأس من كلمة عن مصطلح اليمين المتأسلم. لقد كنت في وقت مضي أستشعر قدرا من الحرج من وصف الإخوان المسلمين وباقي التيارات السلفية, وكلهم للدقة سلفيون, بصفة المتأسلم كما دأب علي ذلك ببعد نظر ثاقب د. رفعت السعيد وكنت لا أوافقه. وقد زاد من حرجي في استخدام ذلك المصطلح قبل الثورة الشعبية العظيمة أنني كنت اعتبر التيار بأكمله مضطهدا من قبل حكم تسلطي فاسد ورجال التيار ضحايا لجلادي هذا النظام, ومن ثم كان واجبي يقضي بالدفاع عن حقوقهم الإنسانية. وقد تطور هذا الشعور عبر الحوار, إلي مودة شخصية ربطتني ببعض قيادات التيار التي كنت أعدها مستنيرة وواعدة بمستقبل وطني في ظل مجتمع الحرية والعدل. ولذلك كنت افضل تسميتهم بتيار الإسلام السياسي. وقد كتبت وتحدثت في أكثر من منصة إعلامية مصرية وعربية محتفيا بانتصارات الإسلام السياسي في الانتخابات النيابية في كل من مصر وغزة. ولكن خبرة وثوبهم علي الثورة الشعبية في مصر واتخاذها مطية لاقتناص السلطة متوسلين الكذب والخداع, ثم تحولهم لجلادين أشد عتوا من جلاديهم السابقين, والتفوق عليهم في التنكيل بالمعارضين, إن يكن فقط لتوظيفهم جماعات الدهماء من أنصارهم بالإضافة إلي قوي الأمن الرسمي, في ظل وزير داخلية أعاد عهد الطاغية حبيب العادلي, ونائب عام باطل تعيينه بحكم قضائي عينوه لملاحقة معارضيهم من معسكر الثورة, بينما أبدوا التسامح والرغبة في التصالح مع جلاديهم السابقين لقاء فتات مما نهبوا من دم الشعب وعرقه. وللعار سقط في ظل حكمهم الذي ادعي حماية الثورة شهداء ومصابون من شباب مصر الأطهار, بينما تقاعسوا عن الثأر لشهداء الثورة ومصابيها في المراحل السابقة لحكمهم وفي وأثناء حكمهم أنفسهم. كل هذه الأسباب دعتني لتغيير موقفي وتسميتهم بما هو أصح ويصفهم بدقة أي أنهم تيار سياسي يميني يتمسح خداعا بالإسلام العظيم لغواية بسطاء العامة ولاستجلاب تأييدهم. خاصة وقد وتكشف لي عن أن نظام حكمهم الذي ادعوا أنه يطبق شرع الله ويسير علي نهج خاتم المرسلين, لم يكن, في الجوهر, إلا استمرارا حرفيا لنسق الحكم المستبد الفاسد, والظالم حتما, الذي قامت الثورة الشعبية العظيمة لإسقاطه ولم تفلح بعد, بسبب استمرار الحكم التسلطي بعد الثورة. فقط تغيرت شخوص عصبة حكم الاستبداد والفساد الظلمة, واكتست وجوههم لحي أحيانا, وأدوا الصلوات في المساجد في مواقيتها, وبدأوا الخطاب بالبسملة وبالتحية للنبي وآله واصحابه, ولو أعقبوها بكذب بواح أو خداع أشر في أغلب الأحيان. وفي كل هذا ما ينفي عنهم التمسك بشرع الله, ويصمهم بارتكاب معاص جسيمة في صحيح الإسلام. لكل هذه الأسباب أصبحت أضن عليهم بصفة الإسلامي, فليس الإسلام لهم إلا مطية لإخفاء طبيعتهم كتيار سياسي يميني انتهازي يتمسح بالإسلام العظيم اجتلابا لمنافع سياسية عن طريق الغواية والترهيب الدينيين لبسطاء العامة من دون أن يستحق الصفة. وهو تيار سياسي يميني بمعني رجعي يتبني منظومة استغلالية للاقتصاد السياسي لا تتورع عن ممارسة الاحتكار, ونتيجته الحتمية شلل الاقتصاد المنتج وإفقار عامة الناس, ما دامت تخدم مصالح عصبة الحكم, وهذا هو المعني الاجتماعي للرجعية. والرجعية في الثقافة تعني تقويض التاريخ الإبداعي والابتكاري لأجيال ممتدة من المصريين لمصلحة تأويل متعسف ومعسر للإسلام الحنيف يقوم علي التمسك بالعفة الشكلية والمظهرية ولا يستوحي المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية السمحاء, وكلها حرية وعدل ورحمة ومحبة. أما الرجعية في السياسة, في النهاية, فتعني توسل الاستبداد للاحتفاظ بسلطة الحكم ولو بخنق الحريات. أما في السياسية الخارجية فتعني الرجعية الاصطفاف مع القوي المعادية لحرية الوطن في المنطقة وفي العالم, باختصار تعني مناصرة المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة العربية ومواليه من أنظمة الحكم العربية الرجعية. لمزيد من مقالات د . نادر فرجانى