"أنا نفسي المدرسين يهتموا بولادي وأوضة صغيرة تسترنا في حياتنا"، هكذا قالت لنا ياسمين، تلك السيدة التي تظهر في الصورة حين سألتها عما تتمنّى. فى بداية الأمر حين أنهينا حديثنا مع مصطفى ولدها "المختل عقليًّا" والذى كان يتمنى أن يعيش إنسانا خرجت لنا من داخل "عشتها" وابتسمت وقالت لن (أديكوا شايفين إحنا عايشين إزاى، أنا ماعنديش مانع أسيب المكان بس حتى يدّونا فلوس نجيب فى مكان غيره". كان من اللافت للنظر أن أرى صورة معلقة على مدخل باب العشة مكتوبا عليها أسماء الله الحسنى وحين سألتها عن تلك الصورة أجابت بكل فرح "دى متعلقة من زمان كنا عاوزين نغيرها ونجيب واحدة جديدة وجزا زاز لكن انت اديك شايف الحال هاتتبهدل وهاتتكسر المنطقة، هنا ماينفعش فيها الكلام ده فسيبناها . كان سقف العشة لا يختلف كثيرا عن باقى أسقف المنطقة حيث كانت كلها من بقايا بيوت الاغنياء وبعض من البقايا التى سقطت عليهم من بقايا ابراج التجاره العالميه التى تخبئ بداخلهلا الكثير من الاوراق التى من الممكن أن تحي تلك الاجساد من جديد وهو ما قالته لنا حين سألتها عن حالهم فى الشتاء " أدينا عايشين...طب هانعمل ايه.. بنستحمل ما لناش مكان نروح فيه غير هنا أديك زى ما انت شايف السقف ما يستحملش حاجة المطره كلها بتدخل علينا والميه بتبهدلنا فى البرد حاولنا نجيب سقف ونعلمه وقع علينا أصل العشه ماستحملتوش، جبنا حجات كده من البواقى الى خدناها من الى بيترمى من الابراج دى وخلاص وسترنا بيها نفسنا". " أنا عندى بنتى وابنى مصطفى ده وزى ما حضرتك شايف "مختل عقليا" بس ليه إخوة أصغر منه بس مش نافع فى المدرسه " هكذا كانت إجابتها حين سألتها عن اولادها وأكملت قائله " غنت عارف يا استاذ المدرسين مش بيهتموا بحد فى المدرسة وأنا وأبوه مش بنعرف نقرا ولا نكتب ونفسي يضربوه ويخلوه يذاكر أصل إحنا حالنا مايشجعش على الدراسة ومش عارفين نذاكر له وهما مش بيشدو عليه نفسي يتعلم ويبقى حاجه كويسه يمكن يقدر يخرجنا من هنا". كانت تتحدث وتقول "أصل أنا مش بعرف أقرا ولا أكتب أنا وأبوه" وكنت انظر انا إلى أسماء الله الحسنى فرغم جهلهم وقسوة الحياة التى أنست الكثيرين "الله" هم لم ينسوه أو يتناسوه بحجة "أصل الدنيا بتلهى". وعن آخر أمنية لها قالت "أنا نفسي فى أوضة بره المكان هنا علشان نعرف نعيشا أن مش عاوزه أكتر من كده، عرضو علينا قبل كده يدونا فى العبور بس هانعيش ازاى هناك واحنا مانعرفش حد فيها ولا نقدر على عيشتها احنا هنا جوه القاهرة، انا ببيع درة وجوزى بيبيع شاي جمبى علشان نعرف نعيش وناكل بالحلال إنما فى العبور هنعمل إيه نفسنا بس مسؤل ياخد باله مننا ويشوف لنا أى حل ونفسي العيال يهتموا بيهم فى المدرسة ويتعلموا كويس واحنا فى الآخر بنقول يا رب أصل مالناش غيره". هكذا كانت ياسمين أم لثلاثة أولاد تعيش هى وزوجها فى "عشة" لم تستطع صفيحها أن تحميهم من سخونة الشمس ولا سقيع الشتاء، طلبت منها أن التقط لها صورة وافقت ولكن بعد تردد وخجل ورفضت أن تنظر فى عدسة الكاميرا ونظرت إلى بعيد والتقط لها صورة مع أولادها وتركتها وذهبت. الصورة القادمة حين أكملت رحلتى وسط عشش "رملة بولاق" رأيت عددا من الأطفال يلتفون حول كتكوت صغير وحين سألتهم عنه قالوا "الكتكوت رجليه مكسورة وإحنا بنعالجه".