سمير درويش: كيف تكون مصر بلا أدب وبها محفوظ وصنع الله وأصلان والغيطاني ؟! صلاح اللقاني: من ترسلهم دكاكين الثقافة المصرية لتمثيلنا في الخارج يجعلنا نبكي دمًا علاء الديب: الروائي الجزائري تجاهل دور المثقفين المصريين في التنوير السيد الخميسي: أنكر جميل مصر على الشمال الإفريقي الناقد حسين حمودة: الأدب المصري تجربة إنسانية كبرى لا يختلف عليه المنصفون الناقد هيثم الحاج: العلاقة الإيجابية بين مصر والجزائر لن تتأثر بآراء فردية أعادت تصريحات الروائي الجزائري رشيد بوجدرة، بعدم وجود أدب مصري، إلى الأذهان، أجواء الأزمة المصرية الجزائرية على إثر مباراة كرة القدم الشهيرة التي أقيمت في السودان منذ سنوات، وترتب عليها أزمة كبيرة بين البلدين. فضمن فعاليات المؤتمر الدولي للأدب وكتاب الشباب الذي يقام بالجزائر (11: 20 يونيو الحالي)، وضمن ندوة لتكريم جابرييل جارثيا ماركيز التي شارك فيها الروائيان الجزائريان اللذان يكتبان بالفرنسية: رشيد بو جدرة وأمين الزاوي، قال بو جدرة (متهكمًا) إنه لا يوجد أدب في مصر، وذلك ضمن حديثه عن غياب حركة نقدية عربية تواكب ما يكتب، وإن الموجودين ليسوا سوى صحفيين يتحدثون عن أي شيء (الأدب والسينما والمسرح والفن التشكيلي) دون تخصص. وعندما طالبه الشاعر المصري سمير درويش - في أولى المداخلات- أن يشرح ما قال بشكل موسع، مستنكرًا ما قاله عن الأدب المصري، وما قاله عن ماركيز أيضًا، قال إنه لا توجد رواية في مصر، فالروايات التي يكتبها المصريون محلية لا علاقة لها بالرواية المغاربية أو العالمية، وإنه لا يوجد بها شعر كذلك، فالشعر موجود في بلاد الشام، مشيرا إلى أن المصريين شطار في القصة القصيرة فقط! "البوابة نيوز" استطلعت آراء الكتاب والمثقفين المصريين فيما قاله بوجدرة حيث قاموا بتفنيد كلامه فيما طالبوا بعدم الوقوع في فخ التصعيد غير المبرر مع دولة شقيقة كالجزائر، مؤكدين أن رأي بوجدرة رأي شخصي لا يعبر عن أحد سواه مما يجب وضعه في موضعه الصحيح . أحكام عبثية ولا يقينية وقال الشاعر المصري سمير درويش إنه لا يجب تصوير الأمر بأنه حرب بين الكتاب المصريين والجزائريين، فكلنا ننتمي لثقافة واحدة نصب فيها جميعًا إبداعاتنا، وليس لومًا للرجل، فله رأيه في النهاية، ولكن ما يلفت النظر هنا أنه يتحدث دون ذكر أدلة ولا أسباب، كأن تقول: محمد ليس نبيًا، وتصمت. وأضاف درويش: في ظني أن هذه الأحكام الكبيرة القاطعة، فضلًا عن عبثيتها ولا يقينيتها، فإنها لا تقال في معرض الكلام هكذا. ثم هو يقول إن مصر ليس بها رواية وفيها نجيب محفوظ وصنع الله إبراهيم وإبراهيم أصلان وجمال الغيطاني وإبراهيم عبد المجيد وعشرات الأسماء الأخرى من أجيال متعاقبة، وفيها روايتان ضمن أفضل مائة رواية في التاريخ الإنساني كله رغم حداثة عهدها. ويقول إنه ليس بمصر شعراء في حين أن المصريين هم من أحيوا الشعر بعد موته: البارودي وشوقي وحافظ، وفيها أفضل من كتب قصيدة التفعيلة بشهادة الشعراء والنقاد، صلاح عبد الصبور، وهناك أمل دنقل وحلمي سالم، وعشرات الشعراء من أجيال تالية لهم منجزهم الحقيقي، الأمر ليس عرقيا ولا قبائليا، هو فني، يخص حساسية قول أشياء من هذا القبيل. وتابع درويش: إن ما قاله ليس اختراعًا، فكثيرون غيره يقولونه في بعض الدول العربية في محاولة لإظهار أن الأدب ليس في مصر فقط كما كان قديمًا، ونحن في مصر نعلم أن الأدب ليس في مصر فقط، ونحن ونقرأ الطاهر وطار ومحمد بنيس ومحمد شكري ومحمود درويش وسميح القاسم وهدى بركات وبول شاؤول وحيدر حيدر وحنا مينة ومريد البرغوثي وكاتب ياسين ومالك حداد ومحمد ديب وواسيني الأعرج وأنسي الحاج وأدونيس وعشرات غيرهم. أزمة "دكاكين الثقافة" المصرية كما قال الشاعر صلاح اللقاني: إن أخطر ما يمكن أن نرد به على قول الروائي الجزائري رشيد بو جدرة، هو تبني موقف "شوفيني" متعصب من الموضوع مثلما تصرفنا في موضوع مباراة الكرة المشئوم الذي استنفر أحط ما فينا وفيهم. وأضاف اللقانى: "يبقى الرد بسؤال، ماذا قرأ بوجدرة من أدب مصري ليكون حكمه عليه هو ما سمعه الشاعر سمير درويش، وما معنى أدب عالمي وشعر عالمي ورواية عالمية ؟ لماذا لا يتحدث عن أدب إنساني يجد فيه الشخص عذابه ومعاناته أينما يكون مهما كان موضوع الكتابة مغرقا في محليته ؟ هكذا كان هوميروس وفيرجيل وسيرفانتس وشكسبير وبودلير ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وإدوار الخراط وطارق إمام وصلاح عبد الصبور ومحمد عفيفي مطر وجمال القصاص ومحمود دياب وغيرهم. وتابع اللقاني "أما سؤال الأسئلة فهو عمن يمثلون الأدب المصري والثقافة المصرية في المحافل الدولية؟، إن مراجعة للأسماء التي يرسلها اتحاد كتاب مصر المأسوف على وجوده لتمثيلنا في الخارج، ومن ترسلهم لجنة الشعر وغيرها من دكاكين الثقافة المصرية الفاسدة لتمثيل الشعر المصري عالميا تجعلنا نبكي دما. دور المثقفين المصريين في محاولات التنوير بينما قال الكاتب الكبير علاء الديب : إن تصريحات بوجدرة، تعد نوع من أنواع الأحكام العامة التي لا يصح أن تصدر عن مثقف، فهو يتجاهل دور مصر والمثقفين المصريين ودور القاهرة وكل محاولات التنوير التي قامت بها العاصمة المصرية في العالم العربي. وتابع "الديب": أعتقد أن المدرسين المصريين في المدارس الجزائرية حملوا معنى الحضارة المصرية داخل القومية العربية، مؤكدا أن الكُتاب والأدباء المصريين لم يعانوا يوما من ازدواجية اللغة ولم نعانِ منها مثلما يحدث مع الكتاب الجزائريين الذين يكتبون بالفرنسية. نكران للجميل من جانبه هاجم الروائي السيد الخميسي تصريحات بوجدرة ووصفها بأنها نكران لجميل مصر على كل الشمال الإفريقي. وأضاف الخميسي: "أنا لا أمن عليك وإنما فقط أذكرك بجميل اعترف به قادة الثورة الجزائرية، ومن ينسى البطل هواري بومدين وموقفه عندما زود مصر عبد الناصر بعد 67 بكل الطائرات التي تملكها الجزائر ووقف بشجاعة في وجه التهديد الأمريكي، ليست القصة القصيرة فقط كما تزعم، صحيح عندنا إدريس والمخزنجي وغيرهما من النابغين وعندنا أيضا المويلحي واضع بذرة الرواية العربية الحديثة ولن أقول لك نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم والمازني وعائشة التيمورية وروائيين محدثين وشعراء كبار مثل صلاح عبد الصبور وحجازي ومحمد عفيفي مطر". تجربة إنسانية وإبداعية كبرى من جانبه، قال الناقد الكبير الدكتور حسين حمودة: إن علينا أولا، أن نبذل جهدا كبيرا في تصديق أن رشيد بوجدرة قال "هذا الكلام" الذي قاله عن الأدب المصري، وعلينا ثانيا، أن نبذل جهدا كبيرا كي نأخذ هذا الكلام بجدّية، ثم علينا ثالثا، أن نفكر كيف يمكن أن نفسر "هذا الكلام"، وهل نردّ عليه أم لا؟، ربما تكون الثقافة المصرية قد تراجعت في العقود الأخيرة، وربما يكون النقد المصري قد انحسر دوره خلال هذه العقود، ولكن المؤكد أن الأدب المصري، الروائي والقصصي بوجه خاص، ظل يمثل- طيلة قرن كامل من الزمن- تجربة إبداعية عربية وإنسانية كبرى، وهذه حقيقة يصعب الاختلاف عليها بين المنصفين أو العقلاء". وأضاف حمودة: "أن كلام بوجدرة يحيّرنا في أي سياق يمكن أن ندرجه؟، لا مجال هنا للتعصب الإقليمي الذي يمكن تفهّمه في دائرة كرة القدم وليس في عالم الأدب، ولا مجال هنا ل"الغيرة" الإبداعية الفردية التي يجب ألا تذهب إلى هذا الحدّ من الإنكار والتجاهل لتجارب المبدعين الآخرين، ولا مجال هنا لردّ الفعل لتكريس دور مصر، الأخ الأكبر أو الأخت الكبرى، بين البلدان العربية، على مستويات أخرى خارج تجربة الأدب، ثم لا مجال هنا للبحث العبثي عن حضور زائف عن طريق تصريحات جهيرة وطنّانة وصادمة هي، البداية والنهاية، نوع من الضجيج الأجوف، لماذا علينا أن نبذل كل هذا الجهد في تصديق "هذا الكلام" عن الأدب المصري ثم في الردّ عليه؟، ثم لماذا يجب علينا أن نقع في كل هذه الحيرة من أجل تفسيره؟. وأضاف: "أعتقد أنه من الأجدى لنا ألا ننقاد إلى الخوض في هذه الأرض الضحلة، والقفز فوق هذا النوع من الفخاخ، وأن نوفر على أنفسنا هذا الجهد وهذه الحيرة كي نقوم بأشياء أكثر جدية وأكثر جدوى؛ منها أن نستمتع بالأدب، وأن نفيد منه، أيّا كان موطنه- مصريا أو جزائريا أو عربيا أو إنسانيا- وأن ننأى بأنفسنا عن ألاعيب الغيرة الشخصية، وعن غوايات الإنكار، وعن حيل البحث عن حضور زائف، وعن كل آفات التعصب". العلاقات بين الشعبين لن تتأثر وأخيرا قال الناقد الدكتور هيثم الحاج علي: "هذا الكلام لا يرد عليه، ولا أريد أن أقول أن الجزائر أدبها مهدد بين الأدب العربي والأدب الفرنسي، ولا يجوز لشخص موتور، لمجرد أزمة "ماتش كورة" مررناه، أن يحكم على مصر بأنها ليس بها أدب". وأضاف علي:"أظن أن هذا الرجل يتحدث عن نفسه، فالكثير من أصدقائنا الجزائريين من كتاب وروائيين على رأسهم "واسيني الأعرج"، يعترفون بأدب مصر، كما أن هذا الرجل يعبر عن تيار قليل جدًا يحاول أن يجد له جذور ثقافية فرنسية". وتابع: "هناك الكثير من الجزائريين الممسكين على الهوية العربية، يعترفون بدور مصر، ولا أريد أن أقول بأن لديهم ولاء لمصر، ولكن أقول بأن لديهم الكثير من الاحترام لمصر وآدابها وفنونها وثقافتها، وهذه الآراء الشخصية لا يمكنها أن تأثر على العلاقة الإيجابية بين الشعبين والثقافتين المصرية والجزائرية".