فى خطوة مفاجئة أعادت إلى الأذهان فصولًا من التدخلات الغربية المثيرة للجدل فى الشرق الأوسط، كشفت الولاياتالمتحدة، عبر البيت الأبيض، عن خطة سلام جديدة لإنهاء الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، تضمنت أسماء وشخصيات لم تكن فى الحسبان، أبرزها رئيس الوزراء البريطانى الأسبق تونى بلير، والرئيس الأمريكى دونالد ترامب. وبينما تحمل الوثيقة فى ظاهرها وعودًا بإعادة الإعمار والاستقرار، فإن أسماء من أوكلت إليهم هذه المهمة تثير تساؤلات جوهرية تتجاوز تفاصيل المقترح إلى أعماق الذاكرة التاريخية والسياسية للمنطقة. عودة تونى بلير إلى المشهد الفلسطيني، لا سيما فى موقع مركزى ضمن "مجلس السلام" الدولى المقترح لإدارة غزة، تعيد فتح جراح لم تندمل منذ غزو العراق عام 2003، وهى الحرب التى يعتبر بلير أحد أبرز مهندسيها، بناءً على معلومات ثبت لاحقًا زيفها حول أسلحة الدمار الشامل، وبالنسبة لكثير من الفلسطينيين والعرب، فإن اسمه ليس مجرد شخصية دولية أو وسيط دبلوماسي، بل رمز لمرحلة اتسمت بالتدمير والعسكرة وتكريس الهيمنة الغربية فى المنطقة تحت شعارات نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان. تشكيل لجنة فلسطينية مؤقتة الخطة، التى تنص على تشكيل لجنة فلسطينية مؤقتة من التكنوقراط لإدارة شؤون غزة اليومية تحت إشراف دولي، تطرح أكثر من علامة استفهام، ليس فقط حول مصير حركة حماس التى تم استبعادها تمامًا، ولا حول الغموض الذى يحيط بهوية "الفلسطينيين المؤهلين" الذين ستوكل إليهم المهمة، بل حول النوايا السياسية الحقيقية الكامنة وراء استجلاب أسماء كبلير وترامب، فى ظل ما يصفه مراقبون بمحاولة فرض "إعادة هندسة سياسية" للواقع الفلسطينى من خارج المنطقة وبدون تفويض شعبى أو توافق داخلي. ردود الأفعال الغاضبة من داخل الأراضى الفلسطينيةالمحتلة وعلى لسان حقوقيين ومسئولين دوليين لم تتأخر؛ فقد وصفها بعضهم بأنها "تجسيد للاستعمار الجديد"، محذرين من أن إشراك بلير فى صياغة مستقبل غزة، فى أعقاب حرب كارثية أوقعت عشرات الآلاف من الضحايا وشرّدت سكان القطاع بأكمله، يضفى على المبادرة طابعًا استعماريًا أكثر منه إنسانيًا أو تنمويًا. وإذا كان بلير قد أعرب عن دعمه "للخطة الجريئة والذكية" التى اقترحها ترامب، فإن كثيرين يرون فيها عودة لأدوار مشبوهة لطالما حملت شعارات السلام، بينما كانت تُدار فى واقع الأمر بمفاهيم المصالح، وإعادة رسم الخرائط الجيوسياسية بما يخدم قوى الهيمنة التقليدية. مرحلة انتقالية وفى هذا السياق، فإن دعوة بلير للعب دور مركزى فى "مرحلة انتقالية" فى غزة، بعد أن فشلت جهوده السابقة كمبعوث للرباعية الدولية، تثير الريبة أكثر مما تبعث على الطمأنينة. هذه التطورات تأتى فى لحظة مأساوية يعيشها الفلسطينيون، حيث تتواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ قرابة عام، مخلفةً مشاهد جوع ودمار وألم غير مسبوقة، دفعت الأممالمتحدة وخبراء حقوق الإنسان للحديث عن جرائم إبادة جماعية. فهل يمكن لمثل هذه الأسماء المثيرة للجدل أن تُخرج غزة من محنتها؟ أم أن الخطة الجديدة ليست سوى فصل آخر من فصول إدارة الصراع بدل حله؟. وتضمنت خطة السلام التى كشف عنها البيت الأبيض، لإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أدوارا مفاجئة لشخصيتين سياسيتين معروفتين وهما رئيس الوزراء البريطانى السابق تونى بلير والرئيس الأمريكى دونالد ترامب. وفيما يلى تفاصيل هيكل الحكم المؤقت المقترح للقطاع الساحلي: ماذا تقول الخطة بشأن الحكم المؤقت؟ يقول المقترح: "ستحكم غزة لجنة فلسطينية مؤقتة من التكنوقراط غير السياسيين"، على الرغم من أنه لا يذكر بالاسم أى فلسطينى أو مجموعة فلسطينية قد تشارك فى المرحلة الانتقالية. وستشرف على اللجنة هيئة انتقالية دولية جديدة تسمى "مجلس السلام" وسيرأسها ترامب وستضم رؤساء دول وأعضاء آخرين، بمن فيهم بلير. وستتولى اللجنة مسؤولية الإدارة اليومية للخدمات العامة والشؤون البلدية فى غزة، وستتألف من "فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين" لم يتم تحديدهم. ولن يكون لحماس أى دور فى حكم غزة. خطة تثير الدهشة فى الأسابيع الأخيرة، أثارت تقارير تحدثت عن مشاركة بلير فى الخطة دهشة بعض المدافعين عنها بسبب تاريخ الإمبريالية البريطانية فى المنطقة، وخاصة مشاركة بلير فى غزو العراق الذى استند إلى مزاعم بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وثبت زيفها فيما بعد. بدأ الغزو الذى قادته الولاياتالمتحدة على العراق فى عام 2003 وانسحبت القوات فى عام 2011، وقد لاقت الحرب انتقادات واسعة بسبب تأثيرها المزعزع للاستقرار فى المنطقة وخسائرها الفادحة فى الأرواح. وواجه بلير نفسه انتقادات بعدما تبين زيف ادعاءاته بشأن أسلحة الدمار الشامل. الهيئة الحاكمة قال الاقتراح إن الهيئة ستتولى تمويل إعادة تطوير غزة حتى يحين الوقت الذى "تستكمل فيه السلطة الفلسطينية برنامجها الإصلاحي"، دون أن يذكر جدولا زمنيا محددا، وجاء فى الخطة أن بعض المقترحات والأفكار الاستثمارية قد تمت صياغتها من قبل مجموعات دولية، لم يتم تحديدها. وقالت السلطة الفلسطينية وبيان مشترك لعدة دول إسلامية إنها ترحب بجهود ترامب لإنهاء الحرب فى غزة. نشاط لبلير بشأن غزة فى أواخر الشهر الماضي، زار بلير البيت الأبيض للقاء ترامب. وقال معهد تونى بلير للأبحاث إنه "أجرى عددا من الاتصالات مع مجموعات مختلفة بشأن إعادة إعمار غزة بعد الحرب". ردود أفعال قال مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، لصحيفة واشنطن بوست "لقد كنا تحت الاستعمار البريطانى بالفعل. لديه سمعة سلبية هنا، وإذا ذكرت تونى بلير، فإن أول ما يذكره الناس هو حرب العراق." وقالت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان فى الأراضى الفلسطينيةالمحتلة "تونى بلير؟ بالطبع لا. ارفعوا أيديكم عن فلسطين." من جهة أخرى وصف بيان بلير فكرة ترامب بأنها "خطة جريئة وذكية" كما عبر عن دعمه لاقتراح تولى ترامب رئاسة المجلس الذى سيشرف على لجنة الحكم الانتقالى فى غزة. خلفية أثارت صور الفلسطينيين الذين يتضورون جوعا غضبا عالميا ضد العدوان الإسرائيلى على غزة الذى أودى بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين وشرد جميع سكان القطاع، ويقول عدد من خبراء حقوق الإنسان والباحثين وتحقيق الأممالمتحدة إن هذا العدوان يرقى إلى حد الإبادة الجماعية. وتصف إسرائيل أفعالها بأنها دفاع عن النفس بعد هجوم أكتوبر تشرين الأول 2023 الذى شنه مقاتلو حماس على جنوب إسرائيل وأدى إلى مقتل 1200 شخص واقتياد كثر من 250 شخصا آخرين رهائن إلى غزة. وبينما يُطرح مستقبل غزة على طاولة القوى الدولية من جديد، تبدو الخطة الأمريكية الأخيرة، بمشاركة شخصيات مثيرة للجدل مثل تونى بلير ودونالد ترامب، أقرب إلى إعادة إنتاج لمعادلات قديمة فشلت مرارًا فى تحقيق الاستقرار أو تحقيق العدالة للفلسطينيين، فغياب التمثيل الفلسطينى الحقيقي، والإقصاء المتعمد لأطراف فاعلة على الأرض، إلى جانب استدعاء رموز ارتبطت بتاريخ من الحروب والتدخلات العسكرية، يضع علامات استفهام جدية حول جدوى هذه المبادرة، وقدرتها على أن تكون بوابة لسلام حقيقى لا مجرد إدارة مؤقتة للأزمة.