البنك المركزي المصري: ارتفاع طفيف في معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي ليسجل 5.2% في الربع الثالث    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الإماراتي أوضاع السودان في إطار جهود الرباعية الدولية    رسميا.. أبو ظبي تعلن نقل مباريات كأس العرب    مستشفى الناس تحتفل بتدشين أول وأكبر مركز مجاني لزراعة الكبد بالشرق الأوسط وتعلن تحولها لمدينة طبية    الاتحاد الأوروبى: فرض عقوبات على شقيق قائد الدعم السريع على عبد الرحيم دقلو    سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار في بنك الخرطوم المركزي (آخر تحديث)    القبض على صاحب فيديو البلطجة يكشف ملابسات الواقعة في الجيزة    الأعلى للإعلام منع ظهور بسمة وهبة وياسمين الخطيب لمدة ثلاثة أشهر    «سمات روايات الأطفال.. مؤتمر مركز بحوث أدب الطفل تناقش آفاق فهم البنية السردية وصور الفقد والبطل والفتاة في أدب اليافع    عضو الحزب الجمهورى: إسرائيل لا تعترف بأى قرار ولا تحترم أى قرار دولى    تعيين عبد الناصر عبد الحميد عميدًا لكلية التربية بجامعة المنوفية    في اليوم العالمي للطفل، تعلمي طرق دعم ثقة طفلك بنفسه    محافظة الجيزة: غلق كلي بطريق امتداد محور 26 يوليو أمام جامعة النيل غدا الجمعة    رئيس كوريا الجنوبية: أحب الحضارة المصرية وشعبنا يحبكم    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 20نوفمبر 2025 فى المنيا    الشيخ رمضان عبد المعز: العمل الصالح هو قرين الإيمان وبرهان صدقه    جينارو جاتوزو: منتخب إيطاليا لا يزال هشا    وكالة الطاقة الذرية تدعو إلى مزيد من عمليات التفتيش على المواقع النووية الإيرانية    محافظ القليوبية يُهدي ماكينات خياطة ل 15 متدربة من خريجات دورات المهنة    إيقاف بسمة وهبة وياسمين الخطيب.. الأعلى للإعلام يقرر    شركة مياه القليوبية ترفع درجة الاستعداد للمرحلة الثانية من انتخابات النواب    الموسيقار عمر خيرت يتعافى ويغادر المستشفى    ارتفاع أسعار العملات العربية في ختام تعاملات اليوم 20 نوفمبر 2025    وزير الرياضة: نمتلك 55 محترفاً في دوري كرة السلة الأمريكي NBA    «الزراعة»: تحصين 6.5 مليون جرعة ضد الحمى القلاعية والوادي المتصدع    محافظات المرحلة الثانية من انتخابات النواب وعدد المرشحين بها    وزير الصحة يبحث مع سفير المملكة المتحدة تعزيز السياحة العلاجية بمصر    من زيورخ إلى المكسيك.. ملحق مونديال 2026 على الأبواب    الإثنين المقبل.. انطلاق القمة السابعة للاتحاد الأوروبي و الإفريقي في أنجولا    دوري أبطال أفريقيا.. تغيير حكام مباراة الأهلي والجيش الملكي المغربي    دوري أبطال إفريقيا.. توروب والشناوي يحضران المؤتمر الصحفي لمباراة شبيبة القبائل غدا    النائب محمد إبراهيم موسى: تصنيف الإخوان إرهابية وCAIR خطوة حاسمة لمواجهة التطرف    مجلس الوزراء يُوافق على إصدار لائحة تنظيم التصوير الأجنبي داخل مصر    محافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب وعدد المترشحين بها    يوم الطفل العالمى.. كتب عن الطفولة الإيجابية    حل الأحزاب السياسية في مصر.. نظرة تاريخية    محافظ الأقصر يوجه بتحسين الخدمة بوحدة الغسيل الكلوى بمركزى طب أسرة الدير واصفون    أسهم الإسكندرية لتداول الحاويات تواصل الصعود وتقفز 7% بعد صفقة موانئ أبوظبي    إيقاف إبراهيم صلاح 8 مباريات    حكم صلاة الجنازة والقيام بالدفن فى أوقات الكراهة.. دار الإفتاء توضح    رئيس أزهر سوهاج يتفقد فعاليات التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    التضامن: نخطط لتحويل العاصمة الجديدة إلى مدينة صديقة للأطفال    إيمان كريم: المجلس يضع حقوق الطفل ذوي الإعاقة في قلب برامجه وخطط عمله    الغرفة التجارية بالقاهرة تنعى والدة وزير التموين    الهلال الأحمر المصري يطلق «زاد العزة» ال77 محمّلة بأكثر من 11 ألف طن مساعدات    تأثير الطقس البارد على الصحة النفسية وكيفية التكيف مع الشتاء    جثة طائرة من السماء.. مصرع شاب عثروا عليه ملقى بشوارع الحلمية    تموين القليوبية: جنح ضد سوبر ماركت ومخالفي الأسعار    السبت المقبل.. «التضامن» تعلن أسعار برامج حج الجمعيات الأهلية    جنايات سوهاج تقضى بإعدام قاتل شقيقه بمركز البلينا بسبب خلافات بينهما    الرقابة المالية تصدر ضوابط عمل لجنة حماية المتعاملين وتسوية المنازعات في مجال التأمين    مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى: سنفرض عقوبات على عدد من الجهات السودانية    طقس الإسكندرية اليوم: ارتفاع تدريجي فى درجات الحرارة.. والعظمى 27 درجة مئوية    وزارة «التضامن» تقر قيد جمعيتين في محافظة الغربية    د. شريف حلمى رئيس هيئة المحطات النووية فى حوار ل«روزاليوسف»: الضبعة توفر 7 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا والمحطة تنتقل إلى أهم مرحلة فى تاريخها    مواجهات قوية في دوري المحترفين المصري اليوم الخميس    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



2013 .. عام رسم الخرائط المحترقة للمنطقة العربية
نشر في البوابة يوم 25 - 12 - 2013

قبل أن يأخذ العام 2013 عصاه الغليظة ويرحل ، آثر ألا يذهب بدون أن يترك لنا حريقا يكمل به مشاهد أيامه المشتعلة ، ليكرس صورة أراد من حدد خطوطها أن تكون خريطة جديدة لمنطقتنا العربية ، وبدلا من أن نستمر فى تجرع كأس " سايكس – بيكو " شديد المرارة ، أراد اللاعبون الدوليون أن نشرب كاسا جديدا ، تموت بسمومه دول وتتفتت دول وتنشأ بالنتيجة دويلات لا تقوى على الحياة إلا من خلال إدامة الصراعات والحروب .
أراد اللاعبون الكبار رسم الخرائط الجديدة بملامح مشوهة لمجتمعات انتفضت طلبا للعدالة والحرية ، بعد أن ظنوا أن قواعد اللعبة يمكن أن تتيح لهم قدرا من تقرير المصائر، لكنهم لم يدركوا أن هناك من يتربص ويعد العدة لحصد نتائج " الفوضى الخلاقة" ، قفز لاعبون وحصدوا المكاسب دون أن يقتسموا الغنائم مع الشركاء الذين بدأوا اللعبة أولا، وعندما ضاعت القواعد ارتبك اللاعبون واستبدلوا الشراكة بتجاذبات تحولت إلى عداء ، وأطاحت العداوات بمخططات رسم الخرائط الجديدة.
ومع قدوم العام الجديد 2013 صارت الأجواء مهيئة لإشتعال الساحات ، فى وقت فقد اللاعبون الدوليون السيطرة على قواعد اللعب ، وعندما أرادوا إعادة توزيع الأدوار وضخ عناصر تتيح أمدا محددا للصراع يتيح إستمرار مخطط إعادة رسم حدود المناطق ، إشتعلت الحرائق لتجعل من السنة الكبيسة بداية لنهايات لم تنتجها عقلية خططت للتقسيم وفق قواعد لعبة الأمم ، لكنها فوجئت بقواعد جديدة تقرها إرادة الشعوب .
وعندما إحترقت الخرائط التى لم يكتمل رسمها ، إمتنع من حدد الخطوط عن إصلاح ما أفسدته إرادة الشعوب ، أراد أن ينتقم ممن تجاوزوا الحدود وأعلنوا تحدى رغبته فى تفتيت بلادهم بالتقسيم أو إفسادها بتغيير صبغتها ، فإحترقت المنطقة العربية لتصبح بقعة حمراء في كوكب الأرض وبقعة سوداء في جبين التاريخ والإنسانية ، وبدلا من أن تصبح ثورات الشعوب ضد الطغيان والديكتاتورية نموذجا يحتذى ويدرس ، باتت المنطقة نموذجا لأرض محروقة نظرا لما تفرزه من قتل وتدمير وخراب وفتن وقلاقل وتوترات .
صار عام 2013 عنوانا للحرائق بدلا من أن يكون بداية لإكتمال الخرائط الجديدة للمنطقة كما أراد مصمموا خطط التقسيم ، أشعلت الحرائق أسئلة لا توجد لها إجابات واضحة حتى الآن وربما لن يتمكن العام المرتقب 2014 أن يجيب عليها، فأي ثمن سيدفعه هذا الطرف أو ذاك من أجل الوصول الى الحل المنشود ؟ وهل سيكون حلا مؤقتا او دائما ؟ وهل اصبحنا في مرحلة حرائق أراد من أشعلها أن تكون عقابا جماعيا لمن رفض حدود خرائطه المقترحة ؟ أم اننا نحتاج الى مزيد من الدماء والدمار والخراب من أجل إطفائها ؟ ومن هم الكاسبون والخاسرون في هذه المعمعة ؟ أين يقف العرب من تحديد اولوياتهم في هذه المرحلة ؟؟ وهل عندنا من يعمل على إطفاء الحرائق أم أن من يريد أن يشعلها يملك المزيد من الأدوات لإدامتها ؟!.
لم يكن العام 2013 إلا حصادا لعواصف ضربت منطقتنا العربية منذ العام 2003 ، عندما بدأ تنفيذ مشروع تغيير الخرائط مع غزو القوات الأمريكية للعراق ، الذى أدى إلى إنهيار نظام الحكم المركزي وفرض جيوب عرقية أشعلت حرائق لا تنتهى بل يشتد لهيبها ، وتلا ذلك الإنسحاب من قطاع غزة الذى فرض حالة غير مسبوقة فى التاريخ أسست لنظامين حاكمين دون وجود دولة معترف بها بالأساس ، حيث تم تكريس سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وإقامة دولة الأمر الواقع تديرها "الحكومة المقالة" ، مع إستمرار السلطة الفلسطينية المعترف بها رسميا فى حكم مناطق الضفة الغربية .
فيما رسم الإستفتاء على تقسيم السودان مشهدا جديدا أنتج إسما لدولة وليدة، وهو ما رفع من سقف التفاؤل لدى الحالمين بتقسيم المنطقة وإنهاء عهد " سايكس بيكو" ليبدأ عهد " الشرق الأوسط الكبير" ، إلا أن الثمن كان باهظا بعد حرب طويلة وقاسية كرست عداوات وثارات مع الدولة الأم ، لن تنتهى حتى بعد نشوء الدولة الجديدة .
وبعد التجارب الثلاث التى هيأت الساحة العربية لخطط إعادة رسم الخرائط ، جاءت ثورات "الربيع العربي" الحالمة بمستقبل واعد لمنطقة عانت الويلات من أنظمة مارست كل أشكال القهر والإستبداد ضد شعوبها ، لتوفر أرضية مناسبة لتسريع وتيرة رسم الحدود الجديدة إستغلالا للفوضى التى أنتجتها تلك الثورات ، والتى أسهمت فى ركوب تيارات الإسلام السياسى موجتها لتحتل واجهة المشهد .
وبدلا من أن يهدأ الوضع زاد إشتعالا ، بعد أن أفاق " الثوار " على فاجعة سرقة ثوراتهم ومحاولة إسباغ طبيعة مغايرة عليها ،ففى تونس قاد حزب النهضة دفة الحكم ضمن " ترويكا حاكمة" لم تصمد طويلا أمام الإحتجاجات التى يقودها اليسار متحالفا مع بعض الليبراليين ، وفى ليبيا تمكنت التيارات المنتمية للإسلام السياسى وعلى رأسها " الإخوان" من إفساد المشهد بالعنف تارة وبالقوانين التى أطاحت بالليبراليين تارة أخرى ، خاصة بعد تمكن التيارات الليبرالية من الحصول على نصيب الأسد فى الإنتخابات التى تشكل على أساسها المجلس الوطنى " البرلمان" .
أما فى سوريا فقد تحول المشهد إلى ماراثون للقتل والتخريب والدمار ، وتحولت دفة الإتهامات لتبتعد عن الجانى الحقيقى وتطال من قاموا بالثورة ضد النظام ، والسبب فى ذلك دخول التيارات المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة على خط القتال ضد النظام ، وتدافع القوى الدولية والإقليمية نحو صراع على حماية الطرفين المتحاربين ، فضاعت القضية تحت وطأة تقسيم كعكة المصالح ورسم مناطق النفوذ ، وأفلت الزمام ولم يعد بالإمكان فرض أى حلول تفضى إلى إنهاء المأساة ، بعد أن فشل من أشعل الحريق فى إكتشاف الطريق إلى إطفائه .
ولم يذهب اليمن بعيدا عن هذا المصير بعد أن إشتعلت فيه الحرائق من كل جانب، فالقاعدة أقامت إماراتها فى مناطق لا تقوى يد السلطة على الوصول إليها رغم إستمرار العمليات العسكرية ، والحوثيون بدعم من إيران باتوا خنجرا فى الخاصرة ، وأهل الجنوب وجدوا الوقت مناسبا لإقامة دولة حضرموت الكبرى ، والحوار الوطنى الذى يراد منه إيجاد حلول لا يقوى على الإستمرار بعد أن بات ساحة لإستعراض القوة من جانب الشركاء.
أما الحال في مصر فقد إتفق فى البدايات مع تونس تحديدا ً، إلا أنه أخذ مسارا مختلفا أربك مشعلى الحرائق رغم إستمرار محاولاتهم ، فقد أدت حيادية الجيش التونسي وعدم رغبة جنرالاته في استثمار انحيازهم الى الشعب في معركة اسقاط بن علي، إلى أن يطمئن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي الى زهد المؤسسة العسكرية في السياسة، فأمعن في أخونة الدولة وانخرط في اتفاقات وتفاهمات وصفقات كانت واشنطن فى القلب منها ،فيما رسم موقف المؤسسة العسكرية فى مصر مشهدا جديدا أطاح بمخططات شبيهة أرادها إخوان مصر أن تكون نسخا لما يفعله إخوان تونس .
وإذا كان إخوان تونس بقيادة راشد الغنوشي قد نجحوا في تجاوز الاستعصاء السياسي الذي كرسته جريمة اغتيال قائدى المعارضة اليسارية شكرى بلعيد ومحمد البراهمي، إلا أن خارطة تونس ما زالت تشتعل خاصة بعد بروز وقائع تدلل على تورط الجماعة فى أعمال عنف وإرهاب لا يمكن أن تمر مرور الكرام بعد تسريب فيديو يستأذن الغنوشي قادة أشد الحركات تطرفا وهى أنصار الشريعة - في جلسة سرية - أن يمهلوه، حتى يتخلص من التيارات العلمانية والقومية والليبرالية على حد سواء وليكونوا عندئذٍ شركاء له في إقامة "دولة الخلافة".
فيما فشل إخوان مصر في تمرير المخطط ، وترجموا الفشل إلى حرائق في الشوارع والجامعات والمساجد، لأن فشلهم يعنى ببساطة فشل إقرار الخريطة المرسومة لتقسيم المنطقة وليس مصر وحدها ، تلك الخريطة التي لا يتم فيها وضع إسرائيل كعدو عند من نظر لشعار "الإسلام هو الحل" ، وأن فلسطين وقف اسلامي ، وان اليهود لن يفرحوا بالفوز بها.
أدرك الشعب المصري - بحسه الأصيل - أن ثمة من سرق الثورة ، وان ما يجري على يد الإخوان ليس سوى إعادة إنتاج لدولة الاستبداد والقمع والفساد ، ولكن برداء إسلامي يتخفى خلف واجهة ليبرالية ليس لها جذور راسخة ، ولم تكن ممارسات الإخوان التي ترسخت بوجودهم في سدة الحكم سوى الدليل الأبرز على النهج الذي أسست له هذه الجماعة للتمكن من الحكم وبدء عملية الأخونة والتحالف مع قوى وحركات الاسلام السياسي فى تونس وليبيا وسوريا .
وبعد أن تجاوز التحالف بين الإخوان حدود الدول - فى خطوات محسوبة - لدق أساسات الخرائط المرسومة ،صوّب إخوان مصر وتونس انظارهما إلى سوريا بتحالف معلن ووثيق مع السلطان العثماني الجديد رجب طيب أردوغان، الذي استُقبِل في تونس والقاهرة استقبال الفاتحين كزعيم متوج لدولة الخلافة التي يستعدون لإقامتها ، تلك الخلافة التى لن يجد من يريد أن يجلس على عرشها إلا أنقاض دول كان مقررا أن تشكلها خرائط الشرق الأوسط الكبير .
ولعل من المفيد هنا أن نتتبع فكر الإستعمار الجديد الذى أطلق الجيل الرابع من الحروب بهدف إعادة رسم خرائط المنطقة ، ففى كتابه " كيف ندير العالم" الصادر قبل أحداث تونس ومصر يتنبأ باراج خانا الباحث بمؤسسة أمريكا الجديدة ، بوصول عدد الدول المستقلة إلى 300 دولة خلال العقود القادمة بدلاً من 200 عبر "الإنشطار".
ورأى "خانا" أن الدول تمر بمرحلة أطلق عليها "أزمة ما بعد الإستعمار " ، فالعديد من الدول ولدت من مستعمرات سابقة وشهدت إنفجارا سكانيا وبنى تحتية متداعية بفضل الفساد والصراعات العرقية ، وهو ما يفسر التقلبات الفجائية بالبلاد العربية مما يجعل القوى العظمى مطالبة بتلافى أخطاء تقسيم الحدود القديمة ، وذلك برسم حدود جديدة بموافقة الأمم المتحدة وتشييد بنية تحتية تؤمن أسسا اقتصادية سليمة .
ولا تذهب خريطة الشرق الأوسط الجديد التى جرى تسريبها ونشرتها ال" نيويورك تايمز" بعيدا ، فهي تؤشر إلى تقسيم خمس دول ل14 دويلة وهي سوريا والعراق وليبيا والسعودية واليمن، حيث تتحول ليبيا إلى ثلاث مقاطعات بسبب النزاعات القبلية والإقليمية "طرابلس وبرقة وفزان " ، فيما تنقسم السعودية إلى خمس دويلات ، دويلة للوهابيين في منتصف المملكة ودويلة الدمام في الشرق وآخرى في الغرب تضم جدة ومكة ورابعة في الجنوب وخامسة بشمال المملكة أيضاً.
وفيما يخص اليمن فإنه سوف يتم تجديد ملف تقسيمها إلى دولتي الشمال والجنوب ، ليكون جنوب اليمن جزءً من السعودية ،أما سوريا فقد تم تقسيمها وفقاً للخريطة إلى دولة للعلويين الذين سيطروا على الدولة لعقود طويلة وآخرى للسنة وثالثة للأكراد تنضم مع دولة أكراد العراق ،ويتم تقسيم العراق إلى دولة للشيعة في الجنوب وثانية للسنة تنضم لسنة سوريا والثالثة دولة للأكراد تنضم لأكراد سوريا أيضاً.
فشلت تلك المخططات وتحطمت على صخرة اليقظة المصرية ، ولعل هناك من لا يدرك أن الحراك الشعبى المصري الذي دعمته المؤسسة العسكرية ومنحته المؤسسة الدينية غطاءه الشرعى فى 30 يونيو 2013 ، هو من أفسد تلك المخططات وأوقف نزيف الحدود التى كانت تستعد للرحيل ، فكان البديل أمام من خطط لتمزيق المنطقة هو تهيئة المناخ لأن تتحول حدود الخرائط إلى حرائق ، فجرى تحويل الحماسة إلى صراع دموي حتى الموت ، فأصبحت الكراهية عادة متأصلة فى صراع عبثى بين الرفاق بدلا من أن يكون صراعا مع أعداء غرباء .
وقد استندت " مخازن الأفكار" الغربية في إشعال الحرائق على ما قاله عالم الاجتماع "ايريك هوفر" عن خطر المتطرفين على تطور الحركة الجماهيرية، فمثل هؤلاء لا يمكنهم الهدوء عندما يتم النصر ويبدأ النظام الجديد في التبلور، فيصبح المتطرفون عامل توتر وإرباك على الساحة الجديدة، يسعون إلى تحطيم الحركة بدفعها نحو أهداف يستحيل تحقيقها، وهو ما يجرى تنفيذه بكل دقة حيث يتم دفع المتطرفين إلى إثارة العواطف العنيفة للبحث عن أسرار جديدة لابد أن تكشف، وأبواب سرية لابد أن تفتح ، مما يدفع باتجاه الشقاق والخلاف ومن ثم استمرار الحرائق.
وليس ثمة وقود أفضل لإستمرار الإشتعال سوى الفقر والعوز والجوع ، وهى أمور جرى تكريسها من خلال العمل على استمرار نزيف الخسائر في اقتصادات الدول التي دخلت في دوامة الثورات وأرادت أن تحصل على حقوقها بكرامة، وانقلبت على مخططات التقسيم فأفسدت مشاريع المتربصين بالمنطقة .
ووفقا لدراسة منشورة حول خسائر "الربيع العربي" ، فان دول الشرق الأوسط سوف تتكبد حوالى 800 مليار دولار من الناتج الإجمالي الاقتصادي بحلول نهاية العام القادم ، خاصة وأن تلك الدول تواجه صعوبة في استعادة الاستقرار، حيث سيكون الناتج المحلي الإجمالي للدول السبع الأكثر تأثرا - مصر وتونس وليبيا وسوريا والأردن ولبنان والبحرين - أقل بنسبة 35%، عما كان سيسجله لو لم تحدث تلك الانتفاضات خلال عام 2011.
وأوضحت الدراسة إن التدهور الشديد في الميزانية وتراجع فاعلية الحكومة والأمن وسيادة القانون ، سوف يضغط بشدة على جهود صانعي السياسات حتى فيما يتعلق بإعادة التوظيف إلى مستويات ما قبل الثورات ، بالإضافة إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أربعة % هذا العام، ليرتفع قليلا إلى 2ر4 % العام المقبل مقارنة مع 5ر4 % في العام الماضي، و9ر4 % خلال عام 2011. ، فيما ضربت حرائق السياسة صناعات السياحة والطيران والسفر.
ومن هذا المنطلق فإن منطقة الشرق الأوسط سوف تظل على صفيح ساخن، ضمن تقلبات استثنائية فرضتها حالة الإرتباك التى أنتجها فشل مخطط التقسيم والإتجاه إلى البديل الأقسى وهو إشعال الحرائق ، فهناك دول تحت الحريق مثل سوريا والعراق واليمن والصومال، ودول تغلي مثل لبنان والسودان ومصر وتونس وليبيا، ودول تترقب بحذر مثل الجزائر والبحرين والأردن ، فيما تلعب القوى الإقليمية أدوارا تلامس سقف الممارسات السلبية خاصة إيران وتركيا .
ويبدو أن " عام رسم الخرائط المحترقة" سوف يرحل تاركا الشرق الأوسط مادة ساخنة تحتل واجهة الشاشات وتصبغ صفحات الصحف بألوان الدم ورائحة البارود ، فيما تفتح أحداثه باب المنافسة واسعا أمام وسائل الإعلام الجديد من صحف إليكترونية ومواقع إخبارية وشبكات تواصل اجتماعي - تويتر وفيسبوك ويوتيوب ومنتديات ومدوّنات- لتواصل اللهاث وراء الجديد والأكثر سخونة ، حتى تأتى اللحظة التى تتوافر فيها معطيات جديدة ، تنزع فتيل تلك الحرائق وتثبت خطوط الخرائط ، أو تعيد رسمها وفقا لإرادات توحد الشعوب وليس تنفيذا لمخططات التفتيت .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.