تنسيق الثانوية العامة 2025.. مؤشرات كليات الطب الجامعات الحكومية جميع المحافظات    ننشر نص كلمة الرئيس السيسى بمناسبة الاحتفال بالذكرى 73 لثورة 23 يوليو المجيدة    رئيس الوزراء يتفقد موقع إنشاء المحطة النووية بالضبعة    ننشر أسعار الذهب اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025.. عيار 21 يسجل 4700 جنيه    انخفاض أسعار البيض اليوم الأربعاء بالأسواق (موقع رسمي)    أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأربعاء    وزير الصناعة والنقل يشارك في الملتقى الاستثماري المصري الكويتي    بكام طن الشعير؟.. أسعار الأرز اليوم الأربعاء 23 -7-2025 في أسواق الشرقية    توصيل خطوط مياه الشرب للتجمعات البدوية المحرومة بسانت كاترين    ارتفاع أسعار النفط مع تقدم المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الأخرى    الأمم المتحدة: مؤسسة غزة الإنسانية «فخ سادي للموت»    البث العبرية: واشنطن تهدد حماس بسحب الضمانات بشأن اتفاق غزة    بزشكيان: إنهاء البرنامج النووي الإيراني وهم.. ومستعدون لضرب عمق الأراضي المحتلة من جديد    مرتضى منصور لحسن شحاتة: للأسف أنا مسافر ومنعزل عن العالم    الناجح يرفع إيده.. الطالبة ياسمين التاسعة على الجمهورية: توقعت حصولي على مجموع كبير    أخبار الطقس في السعودية اليوم الأربعاء 23 يوليو    تشييع جثمان الطفلة السادسة المتوفية لأسرة ديرمواس بالمنيا وسط صدمة الأهالي    شمال سيناء تواصل عروضها التراثية بمهرجان جرش في الأردن    رئيس وزراء اليابان: دراسة تفاصيل الاتفاقية التجارية مع أمريكا بدقة    الوداد يتحرك لضم يحيى عطية الله من سوتشي الروسي    رئيس اتحاد شمال إفريقيا للخماسي يكرم الطالبة وسام بكري الأولى على الجمهورية (دمج) ب 100 ألف جنيه    وزير الخارجية يتوجه إلى النيجر في المحطة الثالثة من جولته بغرب إفريقيا    خريطة حفلات مهرجان العلمين الجديدة بعد الافتتاح بصوت أنغام (مواعيد وأسعار التذاكر)    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    50 ألف جنيه مكافأة من حزب الجبهة الوطنية لأوائل الثانوية العامة    اليوم، الأهلي السعودي في مواجهة نارية أمام كومو الإيطالي، الموعد والقنوات الناقلة    حريق يلتهم محلين تجاريين وشقة في أسيوط    مجلس الأمن يعتمد قرارا لحل النزاعات بالطرق السلمية    رابط نتيجة الثانوية الأزهرية 2025 عبر بوابة الأزهر الشريف فور اعتمادها رسميًا    تنسيق الجامعات .. مؤشرات الكليات والمعاهد التي تقبل من 55% علمي وأدبي (تفاصيل)    عودة القائد.. حارس الصفاقسي يرحب ب معلول (صورة)    حمزة نمرة يطرح اليوم الدفعة الأولى من ألبومه "قرار شخصي"    نقابة الموسيقيين اللبنانية عن تقبيل راغب علامة في حفل العلمين: تعبير عن محبة واحترام    الصفقات الجديدة والراحلين يشعلون غضب يانيك فيريرا في الزمالك.. تقرير يكشف    طريقة عمل الحواوشي بالعيش، أحلى وأوفر من الجاهز    ترامب يتهم باراك أوباما بالخيانة بشأن تدخل روسيا في انتخابات 2016    بانوراما أيامنا الحلوة تجسّد مشاعر الحنين إلى الماضي على المسرح المكشوف بالأوبرا    فيروس شيكونجونيا.. ما هو وباء البعوض الذي حذرت منه منظمة الصحة العالمية ويهدد 5 مليارات شخص؟    "مستقبل وطن" يحشد جماهير مطاي في مؤتمر لدعم مرشحيه بانتخابات الشيوخ 2025    «الأهلي بياخد الدوري كل أثنين وخميس».. نجم الزمالك السابق يتغنى ب مجلس الخطيب    شخص مقرب منك يؤذي نفسه.. برج الجدي اليوم 23 يوليو    محمد التاجي: جدي «عبدالوارث عسر» لم يشجعني على التمثيل    محمد التاجي: فهمي الخولي اكتشف موهبتي.. ومسرح الطليعة كان بوابتي للاحتراف    كتائب القسام: قصفنا موقع قيادة وناقلة جند إسرائيلية بالقذائف والصواريخ    جامعة الإسكندرية تستقبل وفد المركز الإعلامي الأوزبكستاني    تعليم البحيرة تهنئ الطالبة نوران نبيل لحصولها على المركز السادس فى الثانوية العامة    منها السبانخ والكرنب.. أهم الأطعمة المفيدة لصحة القلب    «الإندومي» والمشروبات الغازية.. أطعمة تسبب التوتر والقلق (ابتعد عنها)    بدون أدوية.. 6 طرق طبيعية لتخفيف ألم الدورة الشهرية    وساطات بتركيا تسعى لإطلاق سراحه .. إعلام "المتحدة" يُشيع تسليم محمد عبدالحفيظ    من 4% إلى 70%.. الطالبة ميار حماده تحقق قفزة دراسية لافتة في قنا    موندو ديبورتيفو: الخطيب بحث إمكانية مواجهة برشلونة بافتتاح استاد الأهلي خلال زيارة لابورتا    درس حصوله على الجنسية المصرية.. شوبير يكشف مفاجأة بشأن وسام أبو علي    ما هي كفارة اليمين؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز الوضوء مع ارتداء الخواتم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أدعية لطلاب الثانوية العامة قبل النتيجة من الشيخ أحمد خليل    حملة دعم حفظة القرآن الكريم.. بيت الزكاة والصدقات يصل المنوفية لدعم 5400 طفل من حفظة كتاب الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



2013.. عام رسم الخرائط المحترقة
نشر في الوفد يوم 25 - 12 - 2013

قبل أن يأخذ العام 2013 عصاه الغليظة ويرحل، آثر ألا يذهب بدون أن يترك لنا حريقا يكمل به مشاهد أيامه المشتعلة، ليكرس صورة أراد من حدد خطوطها أن تكون خريطة جديدة لمنطقتنا العربية، وبدلا من أن نستمر فى تجرع كأس " سايكس – بيكو " شديد المرارة، أراد اللاعبون الدوليون أن نشرب كاسا جديدا ، تموت بسمومه دول وتتفتت دول وتنشأ بالنتيجة دويلات لا تقوى على الحياة إلا من خلال إدامة الصراعات والحروب.
أراد اللاعبون الكبار رسم الخرائط الجديدة بملامح مشوهة لمجتمعات انتفضت طلبا للعدالة والحرية، بعد أن ظنوا أن قواعد اللعبة يمكن أن تتيح لهم قدرا من تقرير المصائر، لكنهم لم يدركوا أن هناك من يتربص ويعد العدة لحصد نتائج " الفوضى الخلاقة" ، قفز لاعبون وحصدوا المكاسب دون أن يقتسموا الغنائم مع الشركاء الذين بدأوا اللعبة أولا، وعندما ضاعت القواعد ارتبك اللاعبون واستبدلوا الشراكة بتجاذبات تحولت إلى عداء ، وأطاحت العداوات بمخططات رسم الخرائط الجديدة.
ومع قدوم العام الجديد 2013 صارت الأجواء مهيئة لإشتعال الساحات، فى وقت فقد اللاعبون الدوليون السيطرة على قواعد اللعب، وعندما أرادوا إعادة توزيع الأدوار وضخ عناصر تتيح أمدا محددا للصراع يتيح استمرار مخطط إعادة رسم حدود المناطق، اشتعلت الحرائق لتجعل من السنة الكبيسة بداية لنهايات لم تنتجها عقلية خططت للتقسيم وفق قواعد لعبة الأمم، لكنها فوجئت بقواعد جديدة تقرها إرادة الشعوب .
وعندما احترقت الخرائط التى لم يكتمل رسمها، امتنع من حدد الخطوط عن إصلاح ما أفسدته إرادة الشعوب، أراد أن ينتقم ممن تجاوزوا الحدود وأعلنوا تحدى رغبته فى تفتيت بلادهم بالتقسيم أو إفسادها بتغيير صبغتها، فإحترقت المنطقة العربية لتصبح بقعة حمراء في كوكب الأرض وبقعة سوداء في جبين التاريخ والإنسانية ، وبدلا من أن تصبح ثورات الشعوب ضد الطغيان والديكتاتورية نموذجا يحتذى ويدرس ، باتت المنطقة نموذجا لأرض محروقة نظرا لما تفرزه من قتل وتدمير وخراب وفتن وقلاقل وتوترات .
صار عام 2013 عنوانا للحرائق بدلا من أن يكون بداية لإكتمال الخرائط الجديدة للمنطقة كما أراد مصمموا خطط التقسيم ، أشعلت الحرائق أسئلة لا توجد لها إجابات واضحة حتى الآن وربما لن يتمكن العام المرتقب 2014 أن يجيب عليها، فأي ثمن سيدفعه هذا الطرف أو ذاك من أجل الوصول الى الحل المنشود ؟ وهل سيكون حلا مؤقتا او دائما ؟ وهل اصبحنا في مرحلة حرائق أراد من أشعلها أن تكون عقابا جماعيا لمن رفض حدود خرائطه المقترحة ؟ أم اننا نحتاج الى مزيد من الدماء والدمار والخراب من أجل إطفائها ؟ ومن هم الكاسبون والخاسرون في هذه المعمعة ؟ أين يقف العرب من تحديد اولوياتهم في هذه المرحلة ؟؟ وهل عندنا من يعمل على إطفاء الحرائق أم أن من يريد أن يشعلها يملك المزيد من الأدوات لإدامتها ؟!.
لم يكن العام 2013 إلا حصادا لعواصف ضربت منطقتنا العربية منذ العام 2003 ، عندما بدأ تنفيذ مشروع تغيير الخرائط مع غزو القوات الأمريكية للعراق ، الذى أدى إلى إنهيار نظام الحكم المركزي وفرض جيوب عرقية أشعلت حرائق لا تنتهى بل يشتد لهيبها ، وتلا ذلك الإنسحاب من قطاع غزة الذى فرض حالة غير مسبوقة فى التاريخ أسست لنظامين حاكمين دون وجود دولة معترف بها بالأساس ، حيث تم تكريس سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وإقامة دولة الأمر الواقع تديرها "الحكومة المقالة" ، مع إستمرار السلطة الفلسطينية المعترف بها رسميا فى حكم مناطق الضفة الغربية .
فيما رسم الإستفتاء على تقسيم السودان مشهدا جديدا أنتج إسما لدولة وليدة، وهو ما رفع من سقف التفاؤل لدى الحالمين بتقسيم المنطقة وإنهاء عهد " سايكس بيكو" ليبدأ عهد " الشرق الأوسط الكبير" ، إلا أن الثمن كان باهظا بعد حرب طويلة وقاسية كرست عداوات وثارات مع الدولة الأم ، لن تنتهى حتى بعد نشوء الدولة الجديدة .
وبعد التجارب الثلاث التى هيأت الساحة العربية لخطط إعادة رسم الخرائط ، جاءت ثورات "الربيع العربي" الحالمة بمستقبل واعد لمنطقة عانت الويلات من أنظمة مارست كل أشكال القهر والإستبداد ضد شعوبها ، لتوفر أرضية مناسبة لتسريع وتيرة رسم الحدود الجديدة إستغلالا للفوضى التى أنتجتها تلك الثورات ، والتى أسهمت فى ركوب تيارات الإسلام السياسى موجتها لتحتل واجهة المشهد .
وبدلا من أن يهدأ الوضع زاد إشتعالا ، بعد أن أفاق " الثوار " على فاجعة سرقة ثوراتهم ومحاولة إسباغ طبيعة مغايرة عليها ،ففى تونس قاد حزب النهضة دفة الحكم ضمن " ترويكا حاكمة" لم تصمد طويلا أمام الإحتجاجات التى يقودها اليسار متحالفا مع بعض الليبراليين ، وفى ليبيا تمكنت التيارات المنتمية للإسلام السياسى وعلى رأسها " الإخوان" من إفساد المشهد بالعنف تارة وبالقوانين التى أطاحت بالليبراليين تارة أخرى ، خاصة بعد تمكن التيارات الليبرالية من الحصول على نصيب الأسد فى الإنتخابات التى تشكل على أساسها المجلس الوطنى " البرلمان" .
أما فى سوريا فقد تحول المشهد إلى ماراثون للقتل والتخريب والدمار ، وتحولت دفة الإتهامات لتبتعد عن الجانى الحقيقى وتطال من قاموا بالثورة ضد النظام ، والسبب فى ذلك دخول التيارات المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة على خط القتال ضد النظام ، وتدافع القوى الدولية والإقليمية نحو صراع على حماية الطرفين المتحاربين ، فضاعت القضية تحت وطأة تقسيم كعكة المصالح ورسم مناطق النفوذ ، وأفلت الزمام ولم يعد بالإمكان فرض أى حلول تفضى إلى إنهاء المأساة ، بعد أن فشل من أشعل الحريق فى إكتشاف الطريق إلى إطفائه .
ولم يذهب اليمن بعيدا عن هذا المصير بعد أن إشتعلت فيه الحرائق من كل جانب، فالقاعدة أقامت إماراتها فى مناطق لا تقوى يد السلطة على الوصول إليها رغم إستمرار العمليات العسكرية ، والحوثيون بدعم من إيران باتوا خنجرا فى الخاصرة ، وأهل الجنوب وجدوا الوقت مناسبا لإقامة دولة حضرموت الكبرى ، والحوار الوطنى الذى يراد منه إيجاد حلول لا يقوى على الإستمرار بعد أن بات ساحة لإستعراض القوة من جانب الشركاء.
أما الحال في مصر فقد إتفق فى البدايات مع تونس تحديدا ، إلا أنه أخذ مسارا مختلفا أربك مشعلى الحرائق رغم إستمرار محاولاتهم ، فقد أدت حيادية الجيش التونسي وعدم رغبة جنرالاته في استثمار انحيازهم الى الشعب في معركة اسقاط بن علي، إلى أن يطمئن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي الى زهد المؤسسة العسكرية في السياسة، فأمعن في أخونة الدولة وانخرط في اتفاقات وتفاهمات وصفقات كانت واشنطن فى القلب منها ،فيما رسم موقف المؤسسة العسكرية فى مصر مشهدا جديدا أطاح بمخططات شبيهة أرادها إخوان مصر أن تكون نسخا لما يفعله إخوان تونس .
وإذا كان إخوان تونس بقيادة راشد الغنوشي قد نجحوا في تجاوز الاستعصاء السياسي الذي كرسته جريمة اغتيال قائدى المعارضة اليسارية شكرى بلعيد ومحمد البراهمي، إلا أن خارطة تونس ما زالت تشتعل خاصة بعد بروز وقائع تدلل على تورط الجماعة فى أعمال عنف وإرهاب لا يمكن أن تمر مرور الكرام بعد تسريب فيديو يستأذن الغنوشي قادة أشد الحركات تطرفا وهى أنصار الشريعة - في جلسة سرية - أن يمهلوه، حتى يتخلص من التيارات العلمانية والقومية والليبرالية على حد سواء وليكونوا عندئذٍ شركاء له في إقامة "دولة الخلافة".
فيما فشل إخوان مصر في تمرير المخطط ، وترجموا الفشل إلى حرائق في الشوارع والجامعات والمساجد، لأن فشلهم يعنى ببساطة فشل إقرار الخريطة المرسومة لتقسيم المنطقة وليس مصر وحدها ، تلك الخريطة التي لا يتم فيها وضع إسرائيل كعدو عند من نظر لشعار "الإسلام هو الحل" ، وأن فلسطين وقف اسلامي ، وان اليهود لن يفرحوا بالفوز بها.
أدرك الشعب المصري - بحسه الأصيل - أن ثمة من سرق الثورة ، وان ما يجري على يد الإخوان ليس سوى إعادة إنتاج لدولة الاستبداد والقمع والفساد ، ولكن برداء إسلامي يتخفى خلف واجهة ليبرالية ليس لها جذور راسخة ، ولم تكن ممارسات الإخوان التي ترسخت بوجودهم في سدة الحكم سوى الدليل الأبرز على النهج الذي أسست له هذه الجماعة للتمكن من الحكم وبدء عملية الأخونة والتحالف مع قوى وحركات الاسلام السياسي فى تونس وليبيا وسوريا .
وبعد أن تجاوز التحالف بين الإخوان حدود الدول - فى خطوات محسوبة - لدق أساسات الخرائط المرسومة ،صوّب إخوان مصر وتونس انظارهما إلى سوريا بتحالف معلن ووثيق مع السلطان العثماني الجديد رجب طيب أردوغان، الذي استُقبِل في تونس والقاهرة استقبال الفاتحين كزعيم متوج لدولة الخلافة التي يستعدون لإقامتها ، تلك الخلافة التى لن يجد من يريد أن يجلس على عرشها إلا أنقاض دول كان مقررا أن تشكلها خرائط الشرق الأوسط الكبير .
ولعل من المفيد هنا أن نتتبع فكر الإستعمار الجديد الذى أطلق الجيل الرابع من الحروب بهدف إعادة رسم خرائط المنطقة ، ففى كتابه " كيف ندير العالم" الصادر قبل أحداث تونس ومصر يتنبأ باراج خانا الباحث بمؤسسة أمريكا الجديدة ، بوصول عدد الدول المستقلة إلى 300 دولة خلال العقود القادمة بدلاً من 200 عبر "الإنشطار".
ورأى "خانا" أن الدول تمر بمرحلة أطلق عليها "أزمة ما بعد الإستعمار " ، فالعديد من الدول ولدت من مستعمرات سابقة وشهدت إنفجارا سكانيا وبنى تحتية متداعية بفضل الفساد والصراعات العرقية ، وهو ما يفسر التقلبات الفجائية بالبلاد العربية مما يجعل القوى العظمى مطالبة بتلافى أخطاء تقسيم الحدود القديمة ، وذلك برسم حدود جديدة بموافقة الأمم المتحدة وتشييد بنية تحتية تؤمن أسسا اقتصادية سليمة .
ولا تذهب خريطة الشرق الأوسط الجديد التى جرى تسريبها ونشرتها ال" نيويورك تايمز" بعيدا ، فهي تؤشر إلى تقسيم خمس دول ل14 دويلة وهي سوريا والعراق وليبيا والسعودية واليمن، حيث تتحول ليبيا إلى ثلاث مقاطعات بسبب النزاعات القبلية والإقليمية "طرابلس وبرقة وفزان " ، فيما تنقسم السعودية إلى خمس دويلات ، دويلة للوهابيين في منتصف المملكة ودويلة الدمام في الشرق وآخرى في الغرب تضم جدة ومكة ورابعة في الجنوب وخامسة بشمال المملكة أيضاً.
وفيما يخص اليمن فإنه سوف يتم تجديد ملف تقسيمها إلى دولتي الشمال والجنوب ، ليكون جنوب اليمن جزءً من السعودية ،أما سوريا فقد تم تقسيمها وفقاً للخريطة إلى دولة للعلويين الذين سيطروا على الدولة لعقود طويلة وآخرى للسنة وثالثة للأكراد تنضم مع دولة أكراد العراق ،ويتم تقسيم العراق إلى دولة للشيعة في الجنوب وثانية للسنة تنضم لسنة سوريا والثالثة دولة للأكراد تنضم لأكراد سوريا أيضاً.
فشلت تلك المخططات وتحطمت على صخرة اليقظة المصرية ، ولعل هناك من لا يدرك أن الحراك الشعبى المصري الذي دعمته المؤسسة العسكرية ومنحته المؤسسة الدينية غطاءه الشرعى فى 30 يونيو 2013 ، هو من أفسد تلك المخططات وأوقف نزيف الحدود التى كانت تستعد للرحيل ، فكان البديل أمام من خطط لتمزيق المنطقة هو تهيئة المناخ لأن تتحول حدود الخرائط إلى حرائق ، فجرى تحويل الحماسة إلى صراع دموي حتى الموت ، فأصبحت الكراهية عادة متأصلة فى صراع عبثى بين الرفاق بدلا من أن يكون صراعا مع أعداء غرباء .
واستندت " مخازن الأفكار" الغربية في إشعال الحرائق على ما قاله عالم الاجتماع "ايريك هوفر" عن خطر المتطرفين على تطور الحركة الجماهيرية، فمثل هؤلاء لا يمكنهم الهدوء عندما يتم النصر ويبدأ النظام الجديد في التبلور، فيصبح المتطرفون عامل توتر وإرباك على الساحة الجديدة، يسعون إلى تحطيم الحركة بدفعها نحو أهداف يستحيل تحقيقها، وهو ما يجرى تنفيذه بكل دقة حيث يتم دفع المتطرفين إلى إثارة العواطف العنيفة للبحث عن أسرار جديدة لابد أن تكشف، وأبواب سرية لابد أن تفتح ، مما يدفع باتجاه الشقاق والخلاف ومن ثم استمرار الحرائق.
وليس ثمة وقود أفضل لإستمرار الإشتعال سوى الفقر والعوز والجوع ، وهى أمور جرى تكريسها من خلال العمل على استمرار نزيف الخسائر في اقتصادات الدول التي دخلت في دوامة الثورات وأرادت أن تحصل على حقوقها بكرامة، وانقلبت على مخططات التقسيم فأفسدت مشاريع المتربصين بالمنطقة .
ووفقا لدراسة منشورة حول خسائر "الربيع العربي" ، فان دول الشرق الأوسط سوف تتكبد حوالى 800 مليار دولار من الناتج الإجمالي الاقتصادي بحلول نهاية العام القادم ، خاصة وأن تلك الدول تواجه صعوبة في استعادة الاستقرار، حيث سيكون الناتج المحلي الإجمالي للدول السبع الأكثر تأثرا - مصر وتونس وليبيا وسوريا والأردن ولبنان والبحرين - أقل بنسبة 35%، عما كان سيسجله لو لم تحدث تلك الانتفاضات خلال عام 2011.
وأوضحت الدراسة إن التدهور الشديد في الميزانية وتراجع فاعلية الحكومة والأمن وسيادة القانون ، سوف يضغط بشدة على جهود صانعي السياسات حتى فيما يتعلق بإعادة التوظيف إلى مستويات ما قبل الثورات ، بالإضافة إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أربعة % هذا العام، ليرتفع قليلا إلى 2ر4 % العام المقبل مقارنة مع 5ر4 % في العام الماضي، و9ر4 % خلال عام 2011. ، فيما ضربت حرائق السياسة صناعات السياحة والطيران والسفر.
ومن هذا المنطلق فإن منطقة الشرق الأوسط سوف تظل على صفيح ساخن، ضمن تقلبات استثنائية فرضتها حالة الإرتباك التى أنتجها فشل مخطط التقسيم والإتجاه إلى البديل الأقسى وهو إشعال الحرائق ، فهناك دول تحت الحريق مثل سوريا والعراق واليمن والصومال، ودول تغلي مثل لبنان والسودان ومصر وتونس وليبيا، ودول تترقب بحذر مثل الجزائر والبحرين والأردن ، فيما تلعب القوى الإقليمية أدوارا تلامس سقف الممارسات السلبية خاصة إيران وتركيا .
ويبدو أن " عام رسم الخرائط المحترقة" سوف يرحل تاركا الشرق الأوسط مادة ساخنة تحتل واجهة الشاشات وتصبغ صفحات الصحف بألوان الدم ورائحة البارود ، فيما تفتح أحداثه باب المنافسة واسعا أمام وسائل الإعلام الجديد من صحف إليكترونية ومواقع إخبارية وشبكات تواصل اجتماعي - تويتر وفيسبوك ويوتيوب ومنتديات ومدوّنات- لتواصل اللهاث وراء الجديد والأكثر سخونة ، حتى تأتى اللحظة التى تتوافر فيها معطيات جديدة ، تنزع فتيل تلك الحرائق وتثبت خطوط الخرائط ، أو تعيد رسمها وفقا لإرادات توحد الشعوب وليس تنفيذا لمخططات التفتيت .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.