العملة الخضراء الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم في البنوك    بسبب صاروخ حوثي.. سكان تل أبيب يختبئون في الملاجئ وتوقف حركة الطيران وإجلاء رئيس إسرائيل    البيت الأبيض: إسرائيل وافقت على خطة ويتكوف لوقف إطلاق النار    عادل عبدالرحمن ينقذ مودرن سبورت من الهزيمة أمام طلائع الجيش    «العقل لا يستوعب».. أول تعليق من أكرم توفيق بعد رحيله عن الأهلي    «وداع على غير العادة».. بيان مهم بشأن حالة الطقس حتى نهاية مايو (تفاصيل)    من كان ل هولندا.. زياد ظاظا يشعل أولى حفلاته بأوروبا في حضور عربي أوروبي (صور وتفاصيل)    مصطفى كامل يطرح ثاني أغاني ألبومه بعنوان «كتاب مفتوح» (فيديو)    تناولها بانتظام.. 6 فواكه غنية بالألياف وتساعد على فقدان الوزن    6 اختبارات منزلية لاكتشاف العسل المغشوش.. خُذ قطرة على إصبعك وسترى النتيجة    القبض على عامل خردة بتهمة قتل زوجته في الشرقية    البيت الأبيض: إسرائيل وافقت على اقتراح وقف إطلاق النار والمناقشات مستمرة مع حماس    أحمد السعدني عن حصد الأهلي لبطولة الدوري: "ربنا ما يقطعلنا عادة    كلمات تهنئة للحجاج المغادرين لأداء فريضة الحج    عضو ب الحزب الجمهوري: ترامب لا يريد الدخول في صراع مباشر مع إيران حاليًا    مطار سفنكس يستعد لاستقبال الوفود الرسمية المشاركة في افتتاح المتحف المصري الكبير    دعاء تهنئة بعيد الأضحى المبارك 2025.. أفضل الأدعية    والدة غادة عبد الرحيم: يجب على الجميع توفير الحب لأبنائهم    خالد الجندي: لا يصح انتهاء الحياة الزوجية بالفضائح والانهيار    قصور الثقافة تختتم عروض مسرح إقليم شرق الدلتا ب«موسم الدم»    صدمته سيارة.. تشييع وكيل الإدارة العامة للمرور في مسقط رأسه بالمنوفية (صور)    ميلانيا ترامب تنفي شائعة رفض "هارفارد" لبارون: "لم يتقدم أصلاً"    تعليقًا على بناء 20 مستوطنة بالضفة.. بريطانيا: عقبة متعمدة أمام قيام دولة فلسطينية    «تود سوردي» يقود ثورة الذكاء الاصطناعي في الفضاء التجاري    المطارات المصرية.. نموذج عالمي يكتب بأيادٍ وطنية    الإفتاء: توضح شروط صحة الأضحية وحكمها    أجمل ما يقال للحاج عند عودته من مكة بعد أداء المناسك.. عبارات ملهمة    تقارير: مانشستر سيتي يبدأ مفاوضات ضم ريان شرقي    "حقيقة المشروع وسبب العودة".. كامل أبو علي يتراجع عن استقالته من رئاسة المصري    الحكومة: استراتيجية لتوطين صناعة الحرير بمصر من خلال منهجية تطوير التكتلات    إحباط تهريب صفقة مخدرات وأسلحة في نجع حمادي    البورصة: تراجع رصيد شهادات الإيداع للبنك التجاري ومجموعة أي أف جي    مجلس جامعة القاهرة يثمن قرار إعادة مكتب التنسيق المركزي إلى مقره التاريخي    الوزير محمد عبد اللطيف يلتقي عددا من الطلاب المصريين بجامعة كامبريدج.. ويؤكد: نماذج مشرفة للدولة المصرية بالخارج    رواتب مجزية ومزايا.. 600 فرصة عمل بمحطة الضبعة النووية    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات بكلية الهندسة- صور    بين التحضير والتصوير.. 3 مسلسلات جديدة في طريقها للعرض    إنريكي في باريس.. سر 15 ألف يورو غيرت وجه سان جيرمان    يوم توظيفي لذوي همم للعمل بإحدى شركات صناعة الأغذية بالإسكندرية    دموع معلول وأكرم واحتفال الدون وهدية القدوة.. لحظات مؤثرة في تتويج الأهلي بالدوري.. فيديو    انهيار نهر جليدى فى سويسرا يدمر قرية جبلية ويثير مخاوف من تداعيات التغير المناخى    الإسماعيلى ينتظر استلام القرض لتسديد الغرامات الدولية وفتح القيد    الكرملين: أوكرانيا لم توافق بعد على عقد مفاوضات الاثنين المقبل    لندن تضغط على واشنطن لتسريع تنفيذ اتفاق تجارى بشأن السيارات والصلب    بالصور- وقفة احتجاجية لمحامين البحيرة اعتراضًا على زيادة الرسوم القضائية    "قالوله يا كافر".. تفاصيل الهجوم على أحمد سعد قبل إزالة التاتو    وزير الزراعة يشهد تخرج متدربين صوماليين ضمن برنامج إدارة التربة    محافظ المنوفية يشهد استلام 2 طن لحوم كدفعة جديدة من صكوك الإطعام    «أوقاف الإسكندرية»: تجهيز 610 ساحات لأداء صلاة عيد الأضحى 2025    حملات تفتيشية على محلات اللحوم والأسواق بمركز أخميم فى سوهاج    صور.. رئيس الوزراء يتفقد المقر الجديد لجهاز حماية المستهلك    نائب رئيس الوزراء: قصر العينى أقدم مدرسة طبية بالشرق الأوسط ونفخر بالانتماء له    مصنع حفاضات أطفال يسرق كهرباء ب 19 مليون جنيه في أكتوبر -تفاصيل    الإحصاء: انخفاض نسبة المدخنين إلى 14.2% خلال 2023 - 2024    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    وكيل وزارة الصحة بالإسماعيلية تتفقد انتظام سير العمل بوحدة طوسون    ماريسكا: عانينا أمام بيتيس بسبب احتفالنا المبالغ فيه أمام نوتينجهام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعادة تشكيل ملامح الشرق الأوسط 2015
بعد فتح صندوق باندورا..نهاية حدود الدولة القومية
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 12 - 2014

من كان ينظر للسنوات الثلاث الماضية على أنها فارقة فى تاريخ منطقة الشرق الأوسط ويعتبر أنها الأسوأ والأكثر اضطرابا ربما يفاجأ مع حلول عام 2015 والسنوات التالية له أنه كان مبالغا ومندفعا فى تقييمه حيث من المتوقع أن تتبدل ملامح خريطة المنطقة للأبد .
فاستمرار تفجر الأوضاع داخل سوريا والعراق واليمن وتواصل حالة عدم الاستقرار التالية لثورات الربيع العربى فى منطقة الشرق الأوسط وانبثاق المزيد من التنظيمات الارهابية باجنداتها المتطرفة دفع الكثير من المراقبين والمحللين للتساؤل ما اذا كانت جغرافيا المنطقة على وشك التغيير بصورة نهائية وما مدى تأثير الخريطة الجديدة المنبثقة عنها فى اعادة تشكيل التحالفات الدولية والعلاقات الاقتصادية و التجارية على مستوى العالم.
ويرى بعضهم أن أولى خطوات تنفيذ مخططات تقسيم كل من العراق وسوريا إلى دويلات على أساس طائفى:سنة وشيعة وأكراد،قد تبدأ خلال عامين على الأكثر باعلان دولة كردية فى شمال العراق ليتوالى انفراط حبات العقد.وفى حين يبرر بعض المغرضين التقسيم بأنها الوسيلة الأمثل لانهاء الصراعات الطائفية والمذهبية والحيلولة دون وقوع فتن مستقبلية وتحقيق الديمقراطية لدرجة أن يذهب تقرير لمؤسسة أمريكا الجديدة للقول بأن «العالم العربى لن يستعيد أمجاده إلا بعد أن يعاد رسم خريطته لتشبه مجموعة من «واحات قومية ذات حكم ذاتى» تربط بينها طرق حريرية للتجارة»،ويرى آخرون أن التقسيم ستكون له آثار وخيمة على العالم بأسره، ومن شأنه أن يؤدى إلى اتساع رقعة الصراعات وفتح أبواب جديدة للإرهاب.
يسهل على أى متابع ومهتم لما يدور حوله, أن يدرك بمنتهى الوضوح, انه لم يتبق على إعلان دويلات جديدة خارجة من رحم دولنا العربية سوى ربما بضعة اشهر, لم يعد الطرح ما إذا كانت خريطة الشرق الأوسط ستتغير بعد ما سمى ثورات الربيع العربي, ولكن السؤال المنطقى هو متى سيعلن رسميا عن تفكك حدود الدول القومية العربية التى أنشئت فى المنطقة منذ ما يقرب من قرن مضى؟
ما نشهده فى سوريا والعراق وليبيا واليمن يضع أمام أعيننا الحقيقة عارية بلا أى رتوش, لقد نجحت مخططات التقسيم بالفعل, واستخدم بفاعلية شيطانية غضب الشوارع العربية لخلق ثورات لم تنجح فى تحقيق أى شيء سوى فتح صندوق باندورا, ذلك الصندوق اللعين فى الأساطير الإغريقية الذى يحوى كل شرور البشرية.
من ثار من اجل الحرية والديمقراطية انتهى به المطاف إما قتيلا فى أحد توابيت الهجرة العائمة إلى أوروبا فى موجات الهجرة غير الشرعية، أو قتيلا فى شوارع مدن بلاده بنيران طرف من القوى العديدة المتحاربة, هؤلاء الذين تدفقوا نحو الشوارع العربية بحثا عن العدالة الاجتماعية انتهى بهم الأمر إلى التورط فى أبشع مجازر قتل جماعى فى التاريخ الحديث, حيث يمكن لمرتزقة الميليشيات المتناحرة قتل أى إنسان لمجرد تصور أن ما يحمله فى رأسه قد لا يعجبه.
ببساطة, كما يوضح سكوت أندرسون المراسل الحربى المخضرم فى منطقة الشرق الأوسط، نشهد الآن مرحلة وضع حدود جديدة للمنطقة التى لم تعد تلبى احتياجات ومصالح الغرب, الواقع أن كل ما نشهده فى الشرق الأوسط مؤخرا يبدو بوضوح عودة إلى وضع المنطقة قبل الحرب العالمية الأولى, عندما اجتمعت قوى الغرب الامبريالية على المنطقة العتيدة والعصية لخلق كيانات جديدة ووضع حدود للمناطق التى كانت تحت الحكم العثمانى, وقتها وضعت خطوطا تعمدت خلق كيانات مختلفة عرقيا وثقافيا ودينيا فى الشرق الأوسط على نحو منهجي, وفقا لخريطة سايكس بيكو 1916 ووفقا أيضا لما اعتبر جزءا من برنامج سرى للمخابرات الغربية يمكن استغلاله وقت الحاجة بدقة بالغة.
أندرسون الذى صدر له مؤخرا كتاب «لورانس العرب فى الجزيرة العربية» يرسم الكثير من خطوط التشابه بين ما حدث منذ قرن مضى وما يحدث الآن من تقسيم جديد للمنطقة, ارتكازا على كيانات عرقية وطائفية, وهو ما يعتبره "بلقنة" المنطقة العربية, إشارة إلى المصطلح الذى يعبر عن تفتيت منطقة إلى دويلات اثنيه غالبا تكون متعادية, وقد حدث هذا بالفعل فى ليبيا, التى تعتبر الآن مقسمة إلى ثلاث ولايات حاكمة بأمر الواقع, مع وجود نحو 140 قبيلة وعشيرة متورطة فى الصراع داخل الحدود الليبية, دون وجود قوة مركزية قادرة على توحيد تلك الكيانات المتناحرة.
هندسة حروب أهلية داخل الدول المستقلة كان هو أفضل وسيلة لتقسيم تلك الدول إلى عدة أقاليم أو دويلات, وهو ما يدافع عنه الآن العديد من المنظرين الأمريكيين والغربيين الذين يحصرون الحل بمنتهى الفجاجة فى خلق دويلات مستقلة داخل الدول المنهارة لسهولة التعامل معها, فعلى سبيل المثال يدافع سيث كابلان، المحاضر بكلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكينز خلال ندوة عقدت منذ اشهر قليلة بعنوان الدول الهشة, عن ضرورة خلق كيانات مستقلة لها توافق حول الهوية الوطنية من اجل القضاء على موجات العنف داخل الدول العربية "المنكوبة".
ويقترح كابلان- وهو بالمناسبة صاحب كتاب شهير بعنوان "الدول الهشة" قدم فيه تصوره عن خلق الدويلات الطائفية عام 2008- أن حل التقسيم هو الحل الأمثل فى ليبيا وسوريا واليمن والعراق, لتجنب سنوات من العنف وعدم الاستقرار, وهو يستثنى من حل التقسيم مصر التى يعتقد أن جذورها التاريخية العميقة وعدم وجود انقسامات طائفية بها سيحميها من مخاطر التقسيم, ويجعلها متماسكة, وكذلك جزئيا المغرب وتونس ودول الخليج باستثناء البحرين.
قدم مشروع الشرق الأوسط الجديد علنا من قبل واشنطن وتل أبيب ولندن عام 2006 والذى يهدف إلى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وفقا للاحتياجات والأهداف الجيواستراتيجية الجديدة, وقد رسمت تغيرات التقسيم على الخريطة الجديدة لتبدأ من شواطئ البحر الأبيض المتوسط من لبنان سوريا إلى الأناضول (آسيا الصغرى), والسعودية والخليج العربى والهضبة الإيرانية, وهى الخطة التى نجحت من قبل مع دول البلقان, حيث نجح الغرب فى تأجيج الصراعات العرقية ودمر يوغوسلافيا وقسمها إلى سبع كيانات منفصلة.
وقد أكد العديد من المراقبين المحايدين أن الولايات المتحدة عملت منذ فترة طويلة على تقسيم كل من العراق وسوريا إلى ثلاث أقاليم منفصلة: خلافة سنية , وجمهورية للعرب الشيعية, وجمهورية كردستان, وهو ما عبر عنه الأكاديمى الكندى البارز ميشيل شوسودوفسكي, مؤسس مركز أبحاث العولمة, فى دراسته القيمة "هندسة التدمير والتقسيم السياسى فى العراق: نحو إنشاء خلافة إسلامية برعاية الولايات المتحدة" وقد نشر فى شهر يونيو الماضي, وهو يصف كيف تدعم الولايات المتحدة طرفى الصراع العرقى والطائفى فى العراق وفق إستراتيجية نفذتها مرارا فى العديد من البلدان مثل اليمن وليبيا ونيجيريا والصومال ومالى وباكستان, فقد دعمت المخابرات الغربية حركات التمرد السنية وأيضا عناصر القاعدة التى أفرزت داعش.
وفقا لشوسودوفسكى فقد وضعت وزارة الدفاع الأمريكية خريطة العراق الجديد المقسم منذ أكثر من عشرة أعوام, كجزء من عملية أوسع نطاقا لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط, وهو ما أكده لنا السفير سيد أبو زيد سفيرنا السابق فى العراق, الذى يؤكد أن الأمريكيين وضعوا بذور تقسيم العراق منذ التسعينيات, وكانوا على اتصال وثيق بالأكراد ووقعوا معهم وثيقة دولة فيدرالية مستقلة فى واشنطن, لكنها لم ترى النور وقتها بسبب اعتراض تركيا.
أما بالنسبة إلى سوريا فيرى دانيال واجنر، الرئيس التنفيذى لمؤسسة حلول المخاطر الدولية, انه مع التفكك البطىء للدولة السورية فنحن نتحدث عن شهور لن يكون فيها الحل سوى اختفاء لما كان يعرف بسوريا المستقلة عام 1946, وتواجد ثلاثة كيانات مستقلة ولكنها تظل متصارعة, فى الشمال والجنوب الأغلبية السنية التى ستكون جوهر التقسيم الجغرافى للبلاد, ثم منطقة أقليات من العلويين والمسيحيين والدروز والشيعة من المركز إلى الشمال الغربي, ثم الأراضى التى تقطنها أغلبية كردية فى شمال شرق البلاد والمتاخمة لكردستان العراق, ثم يصبح التفاوض بعد ذلك على اتحاد هذه الكيانات الثلاث فى فيدرالية وهو أمر مستبعد نظرا لطبيعة تكوين كل منطقة عرقية وطبيعة الصراعات الأهلية الدائرة بوحشية حتى اليوم والتى لن تجعل بالإمكان نسيان الماضى الأليم.
فهل يكون هذا هو شرقنا الأوسط الجديد ويشهد عام 2015 بداية تكوين ملامحه الرئيسية؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.