على نقيض الأفكار التقليدية والتصورات النمطية السلبية التي تسود الرأي العام العالمي على نطاق واسع حول ظاهرة الهجرة والمهاجرين، سواءً ما يخض أعداد المهاجرين الفعلية إلى دولة ما أو ما يتعلق بمقولة إن المهاجرين يسرقون الوظائف من السكان المحليين وإنهم من أسباب ارتفاع معدلات الجريمة وإثقال كاهل الخدمات العامة في البلدان المضيفة، تؤكد العديد من الدراسات الحديثة الصادرة عن أكاديميين وباحثين وجامعات مرموقة أن هذه الأفكار والتصورات لا تعكس الحقائق الفعلية الخاصة بشأن الهجرة الدولية والمهاجرين يوجه عام. ووفقًا لتحليل نشرته شبكة الأنباء والتحليلات الإنسانية التابعة لمكتب الأمم المتحجدة لتنسيق الشئون الإنسانية، فإن هذه الدراسات تدحض العديد من الأفكار المغلوطة الأكثر شيوعًا، لتقدم بعض الأدلة على ما يمكن اعتباره أساطير خاصة بالهجرة والمهاجرين. ويتعلق أول هذه المغالطات الشائعة بمقولة إن أغلبية المهاجرين يقدمون من دول الجنوب الأكثر فقرًا إلى دول الشمال الأكثر ثراءً، والحقيقة أن نسبة تقل عن نصف المهاجرين في جميع أنحاء العالم (تبلغ 40%) يتحركون من الدول النامية في الجنوب إلى الدول المتقدمة في الشمال، وذلك وفقًا لدراسة استطلاعية أجرتها مؤسسة جالوب الأمريكية المتخصصة في استطلاعات الرأي العام، والتي نشرتها منظمة الهجرة الدولية في تقريرها السنوي حول الهجرة الدولية لعام 2013، كما تشير الدراسة إلى أن ثلث المهاجرين يتحركون من الدول النامية وإليها (هجرات من الجنوب إلى الجنوب)، وأن 22% من المهاجرين يتحركون من الدول المتقدمة وإليها (هجرات من الشمال إلى الشمال)، ويبقى عدد صغير يتزايد بمرور الوقت، ويبلغ 5% تمثل نسبة من يهاجرون من الشمال إلى الجنوب. وتتمثل المغالطة الثانية في مقولة إن أعداد المهاجرين تتزايد باستمرار، وهو ما لا يبدو صحيحًا، فقد ارتفع عدد المهاجرين في العام الجاري إلى 232 مليون فرد، فيما كان يبلغ 154 مليونًا في عام 1990 و175 مليونًا في عام 2000، لكن تلك الزيادة ناتجة بالأساس عن النمو السكاني العالمي، حيث بقيت نسبة المهاجرين كنسبة إلى إجمالي عدد سكان العالم ثابتة إلى حد كبير خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وتتراوح ما بين 2.5% إلى 3%. وتؤكد العديد من الدراسات أن الناس في الدول التي تستقبل المهاجرين يبالغون باستمرار في تقدير حجم السكان المهاجرين إليها، الأمر الذي ساهم في نشر فكرة خاطئة عن أن هناك الكثير من المهاجرين في هذه الدول، وهو ما لا تثبته الأرقام بشكل مطلق كما سبق. أما المغالطة الثالثة فتدور حول فكرة أن التعامل مع الفقر والعمل على معالجة مشكلات التنمية في البلدان الأكثر تصديرًا للمهاجرين يحدان من الهجرة إلى الدول الأكثر ثراءً، إذ يشير الواقع إلى عكس ذلك تمامًا، حيث تؤدي التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان الفقيرة إلى المزيد من الهجرة وليس الحد منها على الأقل في المدر القصير والمدى المتوسط؛ فبينما يتم تصوير المهاجرين على أنهم فقراء ويائسون أو مشردون، لكن الواقع يؤكد أن هجراتهم تتكلف قدرًا كبيرًا من الموارد للسفر لمسافات طويلة، حيث يقول هاين دو هاس، المدير المشارك في معهد الهجرة الدولية بجامعة أوكسفورد، "يجب النظر إلى الجانب الآخر الأهم حول الفرص المتاحة في أماكن أخرى، والتي باتت ترتبط بمستويات معينة من التعليم والوصول إلى وسائل الإعلام الحديثة، ما يعني ارتباط الهجرة بالتنمية التي أضحت تقدم قسمًا كبيرًا من السكان الطموحين والذين لديهم موارد معقولة إلى الهجرة للخارج". وتشكل مقولة إن تقييد الحدود وضبطها بصرامة يحد من الهجرة غير النظامية المغالطة الرابعة، حيث يعد المهاجرون غير الشرعيين وطالبو اللجوء هم الأكثر عرضة لدخول الدول بصور غير نظامية حيث لا يجدون لدائل شرعية وقانونية، مما يعني اعتمادهم على المهربين وتعريض أنفسهم لمخاطر جمة قد تصل إلى درجة الموت كما حدث مؤخرًا في مأساة موت 350 فردًا من الذين حاولوا دخول أوروبا إثر غرق سفينة قبالة سواحل لامبيدوزا، وهو ما يؤدي لارتفاع المطالب باتخاذ تدابير للتحكم التي غالبًا ما تقود إلى عكس المستهدف وهو تحجيم موجات الهجرة، إذ أظهرت الدراسات أن تشديد الرقابة الحدودية تؤدي لتقليل الهجرة على المستوى القصير دون التحكم في ضبط دائرة حركة الهجرة، بل أشارت هذه الدراسات إلى أنه لدى وصول المهاجرين إلى دول مضيفة يتم التجاوز عن ترحيلهم نظرًا للحسابات الاقتصادية المرتبطة بإعادتهم إلى مواطنهم الأصلية. المغالطة الخامسة تتعلق بمقولة تشير إلى أن المهاجرين يأخذون الوظائف التي كانت سوف تذهب إلى السكان المحليين، فتأثير الهجرة على أسواق العمل معقدة ومتنوعة، اعتمادًا على التوقيت والمكان، ففي الدول المتقدمة، وخصوصًا وقت فترات النمو الاقتصادي، فإنه غالبًا ما يكون العمال المهاجرون لديعم مهارات قليلة ويتقاضون أقل الأجور في وظائف لا يرغب بالعمل فيها السكان المحليون. وعلى الرغم من أن التنافس على الوظائف يصبح أشد ضراوةً خلال فترات الانكماش الاقتصادي، فإن الهجرة ذاتها يمكن أن تخلق وظائف تؤدي لتحفيز النشاط الاقتصادي لأن الشركات التي يديرها المهاجرون غالبًا ما يعمل بها السكان المحليون، ولذا فثمة علاقة طردية قوية بين معدلات الهجرة ومعدلات النمو الاقتصادي، أي حينما يكون النمو وفرص العمل قليلة فلا تسأل عن المهاجرين ولكن عن أسباب أخرى أكثر موضوعية. وتعتبر مقولة إن المهاجرين يشكلون عبئًا على الخدمات الاجتماعية والموارد العامة مغالطة سادسة، ففي كثير من البلدان المتقدمة لا يستطيع المهاجرون، لاسيما المهاجرين غير النظاميين، الحثول على الخدمات الاجتماعية مثل الرعاية الصحية والإسكان. وحيثما يمكنهم الوصول إلى نظام الرفاه الاجتماعي، فإنه أقل فرصًا مقارنة بالسكان المحليين، ويعود ذلك جزئيًا إلى أن النسبة الأكبر من المهاجرين من الشباب البالغين الذين لديهم احتياجات صحية وتعليمية أقل. وقد أوضحت دراسة أعدتها جامة كوليدج في لندن مؤخرًا أن المهاجرين حديثًا إلى المملكة المتحدة يحظون بفرص تقل بنسبة 45% في الحصول على المزايا الاجتماعية والإعفاءات الضريبية مقارنةً بالمواطنين، بل ووجدت الدراسة أن المهاجرين ساهموا بشكل ملحوظ في دفع الضرائب بأكثر مما حصلوا عليه من منافع اجتماعية. المغالطة السابعة تتمثل في تصور أن الأشخاص الذين يدخلون الدولة بصورة غير نظامية هم بالضرورة مهاجرون "غير شرعيين"، إذ على الرغم من أن عبور الحدود دون وثائق يشكل تعديًا على قوانين الهجرة، إلا أن ذلك لا يجعل الشخص بالضرورة مهاجر "غير شرعي"، خصوصًا إذا ما كان طالبًا للجوء؛ إذ تعترف اتفاقية الأممالمتحدة للاجئين بحق الأفراد الذين يفرون بسبب الاضطهاد في دخول الدول الأخرى لأغراض طلب اللجوء بغض الطرف عن ما إذا كانوا يمتلكون وثائق سفر صالحة أم لا، وحتى بالنسبة لغير الطالبين للجوء، فإن انتهاك قوانين الهجرة يدخل ضمن الجرائم المدنية وليس الجنائية. وفي الواقع فإن الناس الذين يفرون من الاضطهاد والصراعات في أفغانستان والصومال وسوريا وغيرها غالبًا ما يجبرون على عبور الحدود دون وثائق، وحتى إذا ما كانوا يفرون مع المهربين مقل المهاجرين لأسباب افتصادية، فإنه بعد تقديمهم طلب الحصول على اللجوء فإنهم يخضعون لقوانين اللجوء وليس إلى قوانين الهجرة. وعلاوة على ذلك فإن تصور أن معظم المهاجرين غير شرعيين هو غير صحيح، فعلى الرغم من أنه من الصعوبة بمكان حساب أعداد الماهجرين غير النظاميين، لكنهم يمثلون جزءًا من مجموع المهاجرين الدوليين. ففي الولاياتالمتحدة على سبيل المثال يشكل المهاجرون الذين لا يحملون وثائق نسبة 25% من إجمالي مجموع المهاجرين. وفي أوروبا تنخفض النسبة عن ذلك، حيث يشكل هؤلاء ما بين 7% إلى 12% في عام 2008. ولذا فقد توقفت وسائل الإعلام منذ العام الماضي عن استخدام مصطلح المهاجرين غير الشرعيين Illegal واستعاضت عن ذلك بمصطلح المهاجرون غير النظاميين Irregular.