يحتفل العالم يوم الاثنين المقبل باليوم العالمي للشباب 2013 تحت شعار “,”هجرة الشباب: المضي قدمًا نحو التنمية“,”، حيث يهدف الاحتفال إلى رفع درجة الوعي بالفرص والمخاطر المرتبطة بهجرة الشباب، وتقاسم المعارف والمعلومات المستمدة من البحوث والتحليلات التي أجريت مؤخرًا بشأن هذا الموضوع، وإشراك الشباب في المناقشات بشأن تجاربهم في الهجرة . ويشكل الشباب نسبة كبيرة من بين مجموع المهاجرين الدوليين، ففي عام 2010، كان هناك ما يقدر ب 27 مليون مهاجر، وبينما يمكن للهجرة أن تقدم في الغالب فرصًا ثمينة وتساهم في تطوير المجتمعات المحلية والمجتمع ككل، فيمكنها أن تشكل أيضًا مخاطر وتؤدي إلى حالات غير مقبولة مثل العنصرية والاستغلال . وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أقرت في 17 ديسمبر عام 1999 الاحتفال يوم 12 أغسطس باليوم الدولي للشباب عملا بالتوصية التي قدمها المؤتمر العالمي للوزراء المسئولين عن الشباب ( لشبونة 8 - 12 أغسطس 1998). وأشارت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو، في رسالتها بهذه المناسبة أن الشباب يمثل اليوم نحو ثلث عدد المهاجرين على الصعيد الدولي.. وتغير حركات الهجرة عبر الدول خارطة العالم ووجه المجتمعات، فهي تنطوي على إمكانيات هائلة للتقارب بين الشعوب والحوار بين الثقافات وتحقيق التنمية، كما أنها تطرح تحديات جسيمة فيما يتعلق بظواهر الاستبعاد والفقر والاستغلال وكافة أشكال التمييز . وذكرت بوكوفا، أن معرفة الحقائق المعقدة الخاصة بحركات الهجرة على نحو أفضل أمر حيوي لصياغة سياسات عامة أكثر متلاءمة مع هذا الوضع وأكثر فاعلية، وتكتسي البحوث في مجال العلوم الاجتماعية أهمية حاسمة في هذا الصدد. فهي تبين التطورات المذهلة لتدفقات الهجرة خلال العشرين سنة الماضية التي تتميز بأنها أكثر عددًا وأنها تضم مزيدًا من الإناث والشباب . ويصادف هذا اليوم الدولي للشباب المخصص لحركات هجرة الشباب، إطلاق التقرير العالمي عن الشباب حول هذا الموضوع، وهو تقرير يتيح نظرة فريدة إلى تأثير الشباب المهاجرين علي مستقبل الأمم، ولكي نطلق العنان لهذه الطاقة الكامنة في أعماق الشباب، علينا أن نعتبرهم بمثابة شركاء يضطلعون بدور ريادي في صياغة وتنفيذ السياسات الخاصة بهم، وثمة أدوات جديدة من شأنها توسيع نطاق ما لدينا من وسائل للتشاور والمشاركة والحوار: فلنسعى إلى استخدامها . وأشارت بوكوفا، أن المؤتمر الوطني المعني بهجرة الشباب والتنمية الذي عقد في شيناي (الهند) بدعم من اليونسكو يمثل نموذجاً لمحافل تبادل الآراء التي تتيح للشباب والباحثين الفرص لتشاطر خبراتهم ، شأنها شأن المؤتمرات التي عقدت هذا العام في ساموا بشأن عمالة الشباب، وفي روسيا بخصوص الحوار بين الثقافات، وفي قيرغيزستان فيما يتعلق بالشابات المهاجرات. ومن نفس المنطلق، يسرني أن أعلن أن منتدى الشباب الثامن التابع لليونسكو سيعقد في مقر المنظمة في باريس من 29 إلي 31 أكتوبر 2013 . وأكدت بوكوفا، على أن الشباب في جميع أرجاء العالم يحشدون طاقاتهم للدفاع عن حقوقهم، مثال ذلك الفتاة ملاله يوسفزاي التي تناضل من أجل حق الفتيات في التعليم ، وعليه يجب أن نوفر لهم الوسائل الكفيلة بتمكينهم من إسماع صوتهم، إن كثافة حركات الهجرة في عالم يتسم بالعولمة والترابط تستلزم قدرًا أكبر من التعاون والتضامن فيما بين الدول، كما أنها تقتضي داخل كل مجتمع من المجتمعات تعزيز الانتفاع بتعليم جيد والمشاركة الديمقراطية وتنمية مهارات التفاعل بين الثقافات التي تتيح العيش معاً، ولاسيما في المدن حيث يعيش أكثر من نصف سكان العالم، إن في مكافحة الفقر والتصدي للمخاطر الناجمة عن الاحترار العالمي وتطلع الشباب إلي حياة كريمة واحترام حقوقهم ما يدفع بالملايين من هؤلاء إلي بناء مستقبل أفضل لهم يتجاوز الحدود . ودعت بوكوفا، في هذا اليوم الدولي جميع شركاء اليونسكو وكل الدول الأعضاء إلى توحيد الجهود من أجل أن تتحول هذه الطاقة العظيمة إلى قوة فعالة وأن تكون سبباً من أسباب النجاح في حفز السلام واحترام حقوق الإنسان وتحقيق التنمية . وتعرف الهجرة في علم السكان (الديموجرافيا) بأنها الانتقال - فرديا كان أم جماعيا- من موقع إلى آخر بحثًا عن وضع أفضل اجتماعيًا أم اقتصاديًا أم دينيًا أم سياسيًا، أما في علم الاجتماع فتدل علي تبدل الحالة الاجتماعية كتغيير الحرفة أو الطبقة الاجتماعية وغيرها . وتعد الهجرة غير الشرعية أو غير النظامية ظاهرة عالمية موجودة في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أو في الدول النامية بآسيا كدول الخليج ودول المشرق العربي، وفي أمريكا اللاتينية، حيث أصبحت بعض الدول كالأرجنتين وفنزويلا والمكسيك تشكل قبلة لمهاجرين قادمين من دول مجاورة، وفي إفريقيا حيث الحدود الموروثة عن الاستعمار لا تشكل بالنسبة للقبائل المجاورة حواجز عازلة وخاصة في بعض الدول مثل ساحل العاج وإفريقيا الجنوبية ونيجيريا، ويصعب تحديد حجم الهجرة غير المنظمة نظرًا لطبيعتها، ولكون وضع المهاجر السري يشمل أصنافا متباينة من المهاجرين فمنهم الأشخاص الذين يدخلون بطريقة غير قانونية دول الاستقبال ولا يسوون وضعهم القانوني ؛ وهناك الأشخاص الذين يدخلون دول الاستقبال بطريقة قانونية ويمكثون هناك بعد انقضاء مدة الإقامة القانونية ؛ وهناك الأشخاص الذين يشتغلون بطريقة غير قانونية خلال إقامة مسموح بها . وتتضارب التقديرات بشأن الهجرة غير المنظمة، فمنظمة العمل الدولية تقدر حجم الهجرة السرية ما بين 10- 15% من عدد المهاجرين في العالم البالغ حسب التقديرات الأخيرة للأمم المتحدة حوالي 180 مليون شخص، وحسب منظمة الهجرة الدولية فإن حجم الهجرة غير القانونية في دول الاتحاد الأوروبي يصل لنحو 1.5 مليون شخص. وتقدر الأممالمتحدة أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى دول العالم المتقدم خلال السنوات العشر الأخيرة بنحو 155 مليون شخص . وتوقعت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير أصدرته مؤخراً ازدياد الهجرة غير المنظمة جراء الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم الآن والتي لا يمكن تقدير حجم هذه الزيادة نظراً لطبيعتها ، لكنها أكدت أن نحو 15% من المهاجرين في العالم غير نظامين، ويعتقد العديد من المراقبين للهجرة الدولية أن أعداد المهاجرين غير النظاميين في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يصل إلي 20 مليون عامل، ومعظم هؤلاء العمال دخلوا إلي تلك الدول في 10 سنوات الأخيرة مشيرين إلي أن العمال غير الموثقين أو الذين لا يعملون في إطار منظم عادة ما يعملون في ظروف عمل أكثر سوءا من غيرهم من العمال وهناك عدد كبير من أصحاب الأعمال يفضلون تشغيل هذا النوع من العمال من أجل التربح من المنافسة غير العادلة. وفي أسوأ الظروف فإن العمال المهاجرين غير النظاميين يعملون بشكل أشبه بالعمل العبودي وهم نادرًا ما يلجأون للقضاء خشية التعرض للطرد أو الإبعاد، وفي العديد من الدول لا يملكون حق الطعن علي القرارات الإدارية التي تؤثر عليهم . ويشير تقرير عن المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر إلى زيادة عدد ضحايا الهجرة غير المنظمة من البلدان العربية خلال السنوات 10 الأخيرة بنسبة 300%، مما يمثل استنزافًا مستمرًا للموارد البشرية لدول الجنوب . وكشف التقرير السنوي لمنظمة العمل الدولية لعام 2012، حول البطالة بين الشباب في العالم عن وجود 75 مليون شاب عاطل في العالم تتراوح اعمارهم بين 15 و 24 عامًا متوقعا عدم انفراج الازمة قبل عام 2016 . وذكر التقرير أن نسبة البطالة بين شباب العالم ستصل الي 12.7 % خلال هذا العام أي ذات النسبة التي كانت عليها معدلات البطالة في ذروة اللأزمة الاقتصادية والمالية العالمية عام 2009 وأعلى بشكل طفيف من النسبة التي كانت مسجلة في العام الماضي والتي بلغت 12.6%. وحذر من ارتفاع نسبة البطالة إلى 13.6% إذا ما تمت إضافة نسبة المحبطين بسبب غياب فرص العمل فيتخلون عن البحث عن العمل أو يؤجلونه متوقعا ان تتفاقم معدلات البطالة بتأخير عدد من الشباب الانتهاء من التعليم بسبب ضيق آفق الحصول علي فرص عمل . وفي هذا السياق، قال المدير التنفيذي لقسم الاستخدام في منظمة العمل الدولية خوسيه مانويل ساسلازار كزيريناخ في التقرير ذاته أن امكانية التصدي لأزمة بطالة الشباب تأتي فقط عند استحداث فرص العمل وتكون أولوية في وضع السياسات وخيارات استثمار القطاع الخاص . وأضاف أن هذا يشمل إجراءات كتقديم محفزات ضريبية أو محفزات أخرى للشركات التي توظف الشباب وبذل جهود لمعالجة عدم التطابق بين مهارات الشباب ووضع برامج ريادة الأعمال التي تدمج التدريب على المهارات والتوجيه والنفاذ الي رؤوس الأموال وتحسين الحماية الاجتماعية للشباب . ويوضح التقرير إنه وعلي الرغم من تعافي بعض المناطق من الأزمة الاقتصادية أو علي الأقل التخفيف من آثارها ، الا أن كلها تواجه تحديات كبيرة متمثلة بتحدي عمل الشباب . وذكر التقرير ان نسبة البطالة قد ارتفعت في شمال أفريقيا بخمس نسب مئوية “,”بسبب الربيع العربي“,” فبقي 9ر27% من الشباب بلا عمل في عام 2011 وفي الشرق الأوسط بلغ هذا المعدل 5ر26 % ،مضيفا أن اثر الازمة الاقتصادية الكبير علي معدلات البطالة لدي النساء مقارنة بالرجال بصفة خاصة في شمال أفريقيا وعلي الشباب في الدول النامية. ويعاني الكثير من الشباب من تأثير ما وصفه التقرير بدوامة انخفاض معدلات الانتاج والعمل بصفة مؤقتة أو الأنواع الأخري من العمل التي لاتمهد الطريق إلي وظائف أفضل . وفي حين يميل الشباب في الدول المتقدمة بشكل متزايد الي العمل المؤقت والعمل بعض الوقت يعمل الكثيرون في الدول النامية في العمل غير المدفوع لدعم الشركات العائلية غير المنظمة اقتصاديا أو في المزارع ، في الوقت ذاته أصبح الشباب غير المتعلم وغير العامل يشكل مصدر قلق لاسيما في البلدان النامية اذ غالبا ما تشكل هذا الفئة علي الأقل 10 % من الشباب والتي شهدت ارتفاعا كبيرا سريع في العديد من الدول المتقدمة . أن هجرة الشباب تؤدي إلي توسيع الهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة، لأن هجرة أصحاب الكفاءات إلي الدول المتقدمة تعطي هذه الدول فوائد كبيرة ذات مردود اقتصادي مباشر بينما تشكل بالمقابل خسارة كبيرة جدا للبلدان التي نزح منها أولئك العلماء، وخاصة لأن التكنولوجيات والاختراعات المتطورة التي أبدعها أو أسهم في إبداعها أولئك العلماء المهاجرون تعتبر ملكا خالصا للدول الجاذبة. وتعتبر منظمة اليونسكو أن هجرة الشباب هي نوع شاذ من أنواع التبادل العلمي بين الدول يتسم بالتدفق في اتجاه واحد ( ناحية الدول المتقدمة) أو ما يعرف بالنقل العكسي للتكنولوجيا، لأن هجرة الشباب هي فعلا نقل مباشر لأحد أهم عناصر الإنتاج ، وهو العنصر البشري .