سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الشيخ حافظ سلامة يتحدث ل"البوابة نيوز" في ذكرى ملحمة السويس: واجهنا 600 آلية بأسلحة قليلة كانت مع الجنود الجرحى.. شارون طالب بتسليم المدينة فرديت "الأرض عطشى لدمائكم"
كان الهدوء يخيم على مدينة السويس صباح يوم 25 أكتوبر، دماء الشهداء لم تجف بعد، القوات الإسرائيلية بقيادة آريل شارون طالبت بتسليم السويس، ورفع الراية البيضاء، فكان رد الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية على قدر القوة: " إننا كشعب السويس نرفض التسليم ونقول لكم، إن استطعتم أن تدخلوا المدينة مرة ثانية فأهلا وسهلا بكم، فإن أرض السويس الطاهرة عطشى وفى حاجة إلى أن تروى من دمائكم القذرة مرة ثانية". رجل تجاوز ال90 عاما، كرس حياته كلها للجهاد، أينما وجدت الحروب والمعارك تجده، في فلسطين.. في أفغانستان، واشترك في الدفاع المدنى في الحرب العالمية الثانية، في الأربعينيات، وفى قوافل لدعم ليبيا بعد الثورة، وأخرى لنصرة سوريا، وأولا وأخيرا قائدا للمقاومة في السويس، ورمزا للنضال في مصر. إنه الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الذي فتح مكنون أسراره في حواره مع "البوابة نيوز" بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر والعيد القومي لمحافظة السويس الذي يوافق 24 من أكتوبر ذكرى انتصار المقاومة على العدو الصهيوني ومنعه من دخول المدينة في واقعة "الثغرة" إبان حرب أكتوبر المجيدة. كيف كان الوضع في السويس قبل يوم 24 أكتوبر؟ كانت السويس هادئة وتترقب البيانات العسكرية التي تصدر عن القوات المسحلة، وكان دور أعضاء المقاومة الشعبية والأهالي حين ذاك استقبال الجرحى والشهداء الذين يهلون علينا من سيناء، وفجأة في مغرب يوم 23 أكتوبر، وجدنا هناك زعزعه في النفوس، بعد ورود معلومات مؤكده، لتحركات القوات الاسرائلية من الثغره، ووصولها إلى مشارف مدينة السويس. وكان يوم 23 أكتوبر موافق ليوم 28 رمضان، واتذكر أن جاءنى الشيخ عبد الله رضا الواعظ التابع للأزهر والمستشار الدينى للمستشار العسكري للعميد عادل إسلام، قادما من شركة السويس للبترول بطريق ناصر، وأخبرنى أن القوات الإسرائيلية وصلت إلى مشارف السويس، وانه والعمال بالشركة كانوا يجهزون للافطار، واذ بهم يسمعون صوت جنازير الدبابات والمصفحات، فتركوا كل شئ وجاؤا مهورلين إلى المدينة. وتبين عقب ذلك أن القوات الإسرائيلية دخلت إلى طريق ناصر عبر بوابة 109، حيث عبرت من سيناء إلى الإسماعيلية وتوجهت مجموعة من القوات إلى طريق السويس – القاهرة، وتوجهوا من طريق السويسالقاهرة، إلى طريق ناصر، ثم ذهبوا إلى القاعدة البحرية في الادبية ويضيف سلامة أنه تلقى اتصال هاتفى من محمد محمد عبد القادر، موظف في شركة السويس لتصنيع البترول، ليخبره بوصول أول القوات الإسرائيلية، إلى الشركة من طريق ناصر، يتبعها أفواج بعدد الدبابات والمدرعات التي وصلت من هذا الاتجاه، لتدخل السويس من الغرب كما أخبرنا الملازم عبد الستار من القوات المسلحة، أن هناك مجموعة أخرى من القوات، تم مشاهدتها، بطريق "الإسماعيلية – السويس"، لتدخل السويس من الاتجاه الشمالى، لتصل إلى مزلقان المثلث، كما اخبرني غريب الجيوشى أحد المقيميين بحى الجناين أن هناك قوات إسرائلية جاءت من الطريق الموازى للقناة وغايتها الوصول إلى المعبر بحوض الدرس للدخول إلى المدينة من الشرق. وكيف كان رد فعل المقيمين في السويس بعد التأكد أن القوات الإسرائيلية على مشارف المدينة؟ كل تلك الأنباء كانت تصل إلى تباعا، وكان لابد من الخروج إلى الشارع لاحث المواطنين على الاستعداد لحمل السلاح، وكذلك الجنود الشاردون الذين كانوا في مؤخرات وحداتهم والذين جاءوا من بعد ثغرة الدفرسوار إلى مدينة السويس مهرولين. وقد اتخذت منهم ومن أبناء السويس فرقا ومجموعات لعمل كمائن بشوارع المدينة، لاستقبال الدبابات والمصفحات الإسرائيلية عند وصولها صباح اليوم التالى للمدينة. يصمت قليلا، ثم يقول في تلك الليلة لم نتذوق النوم، وكنت أمر على أعضاء المقاومة الشعبية في الشوارع، والأهالي لأطمئن على الكمائن، وطالبتهم بعدم إطلاق أي طلقة واحدة حتى دخول القوات الاسرائيلية إلى داخل المدينة، حتى لا يشعروا بوجودنا وبالتالى يمكن القضاء عليهم. وأين تعلمت الإعداد لتلك الكمائن؟ ليست هذه أول حرب اشترك فيها، فقد سبق لى أن قمت بالإعداد لأماكن الكمائن في العدوان الثلاثى عام 1956، كما أتيح لي الإقامة والاشتراك في الدفاع المدنى أثناء الحرب العالمية الثانية في الأربعينيات، كما أننى كنت في أفغانستان في حربها ضد الاتحاد السوفيتى، وكنت في فلسطين عام 1944، عندما كانت تقاوم ضد الإنجليز، كما كنت ضمن منظمة الفدائيين عام 1950، نحارب القوات البريطانية، وكنت أجهز الفدائيين ضد الإنجليز بما أجمعه من سلاح وذخائر من معسكراتهم. كما تلقيت تدريبات من الاميرالاى محمد رشاد مهنى، ولا أنسى القوات المسلحة، وتعاونها معنا في مقاومتنا للإنجليز المحتلين، وبما كان ضباط الجيش يزودوننا بالمواد المتفجرة وغيرها مما كنا نصنع منه الألغام للتفجيرات. وماذا حدث صباح يوم 24 أكتوبر؟ كانت الأنباءالواردة تؤكد تحرك القوات الإسرائيلية من 3 محاور، وفى كل محور، كان لى من يتابعنى بالأنباء، وتواجد بعض المتطوعين، مع أفراد القوات المسلحة، في كل محور ليتصدوا لهذا الهجوم، المنتظر من لحظة إلى أخرى، حتى وصلت هذه القوات إلى مشارف المدينة تمهيدا لدخولها، حتى إن الإسرائليين أنفسهم قالوا في تقاريرهم " كنا نظن بعد دخولنا السويس، أنها مدينة أشباح، وفجأه انطلقت نيران من النوافذ والأبواب حتى أصبحت الشوارع كالجحيم". وكم كان حجم القوات الإسرائيلية التي حاولت دخول المدينة؟ القوات الإسرائيلية كانت عبارة عن 6 ألوية مسلحة، أي أن القوى الاسرائيلية وصلت قوامها 600 دبابة ومصفحة، وقد قضى الفدائيون ورجال المقاومة الشعبية في فترة زمنية لا تتجاوز 4 ساعات على 76 مدرعة ودبابة. وكيف تمكنتم من ذلك رغم قلة عددكم وضعف التسليح؟ معركة السويس، هي انتفاضة للأمة الإسلامية والعربية، والدليل القاطع بصدق القرآن الكريم، عندما يقول تعالى "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله". مدينة السويس لم يكن بها سلاح قط، وفوجئنا بنبأ وصول القوات على مشارف السويس قبل 12 ساعة من دخولها، وتمكنا خلالها من تنظيم المقاومة، وقد أراد الله أن يكون لدينا مخزون من الأسلحة التي كنا نضعها في حجرة بمستشفى السويس العام، والتي جمعناها من الجنود الجرحى عندما كانوا يأتون إلينا من سيناء. وأقولها بكل صراحة لم تكن لدينا قوة، نستطيع بها مواجهة 600 دبابة ومصفحة، إلا أننا كنا نستغيبث بالله ونتوجه إليه بقلوبنا وحالنا يعلم به الله تبارك وتعالى، لا حول لنا ولا قوة، مدينة حُوصرت من جميع الاتجاهات برا وبحرا، ولم يكن لدينا أي سلاح، غير بعض الأسلحة التي كانت مع الجنود الجرحى. كيف كان الوضع في المدينة؟ وصلت القوات الاسرئيلة نحو الساعة 11 صباحا عند السويس وتمركزت أمام القسم، كما أن " قول" من الدبابات الشيرمان، والمصفحات مكون من 7 دبابات أحاطوا بمسجد الشهداء، وديوان عام المحافظة، وجاء إلى المسجد مصفحة بها 6 أفراد وتوقفوا أمامه، وطلبوا منا عبر مكبر الصوت التسليم والخروج من المسجد الذي كان مقرا للمقاومة والفدائيين رافعين الراية البيضاء، وهددونا باقتحام المسجد وقتل كل من كان فيه. في هذه اللحظات كان هناك كمين به الملازم أول يدعى "صفوت"، وجندى اسمه "شوقي" وكل منهما يحمل مدفع "ار بى جى"، فقام الضابط بإطلاق قذيفة على إحد الدبابات فأصابها، وكان ذلك سببا في انسحاب جميع الدبابات المحاصرة لمسجد الشهداء والديوان العام، إلا أنهم فاجئوا الضابط بإطلاق النيران عليه فأردوه شهيدا، وبعد وقت قليل حضر إلى المجند شوقى واخبرنى باستشهاد الضابط. واقولها لله وللتاريخ، فردان فقط ملازم وجندى، استطاعا بفضل الله تبارك وتعالى من فض حصار مكون من 7 دبابات ومصفحات كانت تريد احتلال مسجد الشهداء بمن فيه وكذلك مبنى المحافظة. وماذا حدث صباح يوم 25؟ في صباح ذلك اليوم وصلت مجموعة جديدة من القوات الإسرائيلية إلى السويس، وتوجه قائدها "آريل شارون " إلى شركة السويس لتصنيع البترول بهدف التحدث مع حاكم المحافظة، ومطالبته بتسليم السويس. وبالفعل دخل الشركة وطلب هاتف مكتب المحافظ اللواء بدوى الخولى عن طريق محمد عبد القادر موظف الشركة، فرد على الهاتف مسعد القفاص مصور المحافظة، وأخبره أن المحافظ موجود بمنزل مصطفى محمد على في سوق شميس. اتصل محمد عبد القادر بالمحافظ في سوق شميس، وطالبه القائد الإسرائيلى شارون بتسليم السويس، إلا أن المحافظ طلب إعطاءه فرصة ليتصل بالرئيس السادات، وبالقيادة العامة للقوات المسلحة بالقاهرة، ليخبرهم بذلك ويرى رأيهم في ذلك الشأن. لكن شارون رد بكل غطرسة وقال " لا القاهرة ولا تل أبيب" طلب المحافظ مهلة حتى وصول قوات الطوارئ الدولية، فكان رد شارون " لا طوارئ ولا غيرها" فطلب فرصة أخيره حتى يتدخل الصليب الأحمر إلا أن شارون رفض وأعطاه مهلة نصف ساعة، على أن يحضر ومعه المستشار العسكري باستاد السويس ومعهم الراية البيضاء وإلا سيدك المدينة بالطيران. ما أبرز مشاهد ذلك اليوم؟ وكيف بدأت مسئوليته مدنيا وعسكريا عن السويس؟ عقب ذلك اتصل المحافظ بالعميد عادل إسلام المستشار العسكري للسويس، على تليفون مسجد الشهداء حيث مقر الفدائيين وغرفة إدارة المعركة، واخبره بما دار بينه وبين القائد الاسرائيلى، وأخبره أن موقف السويس سيئ، فليس هناك غذاء يكفى أهالي المدينة، وقد باتوا محاصرين، كما احترق مخزن الدقيق، وانقعطت المياه، وطلب منه إحضار الراية البيضاء والذهاب للقائد الاسرائيلى في الاستاد للتسليم، لكن العميد عادل، رفض وطلب استشاره من معه بالمسجد، سأله المحافظ من معك، أخبره بوجودى، فكان رد المحافظ "حافظ سلامة ماله هو عسكري؟ لكن المستشار العسكري أوضح له اننى رجل دين وان عليهم استشارتي، وطلب المحافظ قبل أن يغلق الخط أن يمر عليه العميد عادل وينطلقا سويا من شميس إلى الاستاد لإعلان التسليم. يقول سلامة أن الأمر خرج من أيدي الإثنين، وانهم قرروا التسليم، بل وأعدت الراية البيضاء بالفعل، لخروجهم للتسليم، في ذلك الوقت، أخبرت العميد إسلام أنى سأتدخل وأرد على الانزار الإسرائيلى، وأن المقاومة الشعبية والفدائيين لن يسلموا، وأخبر المحافظ أنه من تلك اللحظة مسئول عن السويس مدنيا وعسكريا. وأنطلق سلامة إلى ميكروفون المسجد، في الوقت الذي ضرب فيه الهدوء ما قبل العاصفة وكأنها ستشهد معركتها الأخيرة ووجة الشيخ حافظ رسالة عبر مكبرات الصوت للقائد الاسرائيلى جاء فيها " إننا كشعب السويس نرفض التسليم ونقول لكم، إن استطعتم أن تدخلوا المدينة مرة ثانية فأهلا وسهلا بكم، فان أرض السويس الطاهرة عطشى وفى حاجة إلى أن تروى من دمائكم القذرة مرة ثانية" يؤكد سلامة أنه استمر في ترديد هذا البيان، انتظارا لما سوف يقوم به شارون، ولكنه لاذ بالصمت، ولم يطلق ولا طلقة واحدة بعد هذا الإنذار، وقد ألقى الله تبارك وتعالى الرعب في قلبه ومن معه، وظنوا أننا نمتلك مصدر قوة وأن إمدادات كثيرة وصلت للسويس، بعدما كبدناهم خسائر بلغت 76 دبابة ومصفحة في 4 ساعات فقط، وهذا لم يكن في أي معركة من المعارك التي دارتها الجيوش المسلحة. ألم تخش أن تضرب القوات الإسرائيلية المدينة بعد رسالتك؟ تعاملي مع اليهود لم يكن المرة الأولى، فتهديداتهم إن لم تقابل بتهديد آخر أقوى كان من الممكن أن يدخلوا السويس ويأخذوا من فيها بين قتلى وأسرى. عندما جاءت القوات الدولية من جهة مزلقان المثلث، كان لديه علم مسبق، بوصولها، فاعطى تعليماته بالسماح لها بالدخول، إلا أن القوات الإسرائيلية أرادت أن تأخذ مراكز جديده لها لتدعى أنها مسيطرة على السويس، وتحدثت لقائد قوات الطوارئ، واخبرته أن القوات الإسرائيلية تقدمت مرة أخرى داخل السويس في حمايتهم، لكن القائد رد، اننا جئنا لنقف بينكم، وبينهم، ولم نأت للتصادم أو التدخل عسكريا. ثم طلبت من اخوانى التجمع بأسلحتهم، واطلقوا ضربه نيرانية موحده، حتى يعود الاسرائيليون إلى مواقهم السابقة، وتسمى هذه عسكريا دفعة نيرانية، فما إن اطلقنا هذه الدفعة النيرانية من نحو 50 أو 60 فرد دفعة مرة واحدة إلا وفر الاسرائيليون هاربين، وبذلك استطعنا أن نردهم بعيدا عن المراكز التي احتلوها بعد دخول القوات الدولية.