ليست جزيرة العرب وحدها التي عانت من ظهور مدعي النبوة، الكذبة، ولكن شهدت بقاع أخرى ظهور مثل هؤلاء، ولكن سيظل مسيلمة الكذاب ابن الجزيرة العربية رأس المنافقين والأكثر شهرة، ونحن هنا نحاول إلقاء الضوء على بعض هؤلاء "الكذبة" والمهووسين والممسوسين الذين لم يخلفوا وراءهم سوى إرث كامل من الجنون والكُفر إذا أردت الصواب. سنبدأ ب"مسيلمة الكذاب"، ومنه نعرج على أخرين لا لشيء سوى أننا نريد إلقاء الضوء على وجه آخر من الجنون واللامنطق. مسيلمة بن حبيب رجل من بني حنيفة كان واحدًا من عدة أشخاص ادعوا النبوة حول نفس وقت بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، ويراه المسلمون على أنه دعِي وكثيرًا ما يشار إليه باسم "مسيلمة الكذاب". كان قد تسمى بالرحمان فكان يقال له: رحمان اليمامة، وكان يعمل كثيرًا من أعمال الدجل، ادعى مسيلمة النبوة في عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكان يدّعي الكرامات، ويقول المسلمون: "فأظهر الله كذبه ولصق به لقب الكذاب، وأراد إظهار كرامات تشبه معجزات النبي، فقد ذكر ابن كثير في البداية أنه بصق في بئر فغاض ماؤها، وفي أخرى فصار ماؤها أجاجًا، وسقى بوضوئه نخلا فيبست، وأتى بولدان يبرك عليهم فمسح على رءوسهم فمنهم من قرع رأسه ومنهم من لثغ لسانه، ودعا لرجل أصابه وجع في عينيه فمسحهما فعمي. قيل: إن مسيلمة كان ساحرًا ماهرًا، يبهر الجموع بمعجزاته، فكان بإمكانه وضع بيضة في زجاجة؛ كان بإمكانه قص ريش طائر ثم إعادة الريش ليطير مجددًا، وقد استخدم هذه المهارة ليقنع الناس بأنه يمتلك قدرات منحه إياها الله. ذكر مسيلمة آياتٍ مشيرًا بأن الله أوحى له بها، وقال للحشد: إن "محمدًا كان قد تقاسم النبوة معه"، بل إنه أشار لنفسه باسم "الرحمن"، الأمر الذي يشير لأنه ادعى بعض القداسة لنفسه، ولذلك فقد آمن به البعض نبيًا بجانب سيدنا محمد صل الله عليه وسلم، وتدريجيًا ازداد تأثير وسلطة مسيلمة بين أبناء قبيلته، وقد سعى مسيلمة لإلغاء الصلاة واباحة الجنس وشرب الخمر، بدأ يخطب في الناس كرسول لله تمامًا، وتلى آيات ادعى نزولها قرآنًا عليه. وكانت معظم آياته تمتدح قبيلته، بني حنيفة، وفضلها على قريش. اقترح مسيلمة على رسول الله "محمد" صل الله عليه وسلم اقتسام السلطة على جزيرة العرب، وفي ذات يوم في أواخر السنة العاشرة بعد الهجرة، كتب إليه قائلًا: "من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله: آلا إني أوتيت الأمر معك فلك نصف الأرض ولي نصفها ولكن قريشٌ قومٌ يعتدون". فرد عليه محمد صلى الله عليه وسلم: "بسم الله الرحمن الرحيم.. من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب السلام على من اتبع الهدى أما بعد: فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين". قتل مسيلمة في حديقة الموت بمعركة اليمامة أيام خلافة أبي بكر، وقيل: إن عمره حينئذ كان يناهز مائة وخمسين سنة، وقيل إن الذي قتله وحشي بن حرب قاتل حمزة بن عبد المطلب يوم معركة أحد، عندما ادَّعى "مسيلمة الكذاب" النبوة قال له أتباعه: "إن محمدًا يقرأ قرآنًا يأتيه من السماء فاقرأ علينا شيئًا مما يأتيك من السماء"، فقال لهم: "يا ضفدع يا ضفدعين.. نُقِّي ما تَنُقِّين.. نصفُكِ في الماء ونصفك في الطين، لا الماء تكدرين، ولا الشراب تمنعين". فتقزز أتباعه مما سمعوا وعلموا أنه ليس وحي سماء بل هذيان معتوه، وانبرى له من بينهم أحد الأعراب قائلًا: "والله إني لأعلم أنك كذَّاب، وأعلم أن محمدًا صادقٌ، ولكن كذابُ ربيعة أحبُ إليَّ من صادق مُضر"، لم يصبح جميع أتباع مسيلمة مسلمين مخلصين، فبعد عشر سنين أعدم حامل رسالة مسيلمة "التي أرسلها لمحمد" مع آخرين في الكوفة حيث اعتبروا بأنهم ما زالوا على دعوة مسيلمة.