من المهم جدًا أن نتعرف على الخلفيات الاجتماعية لقيادات الجماعات الجهادية، إن مناقشة الحياة الخاصة وخلفياتها لهم تفتح لنا طاقات مظلمة، لأن الناس لا يولدون إرهابيين.. فحياتهم أشبه بمزارع يحضر الحقل للزرع، فإما يخرج نباتًا طيبًا، وإما يخرج نكدًا. إن أردت أن تنظر إلى شاب ذى أصول عائلية، وشهادة جامعية عالية، وثقافة مطلعة واسعة، ثم يصبح متطرفًا، بل زعيم أكبر شبكة مسلحة فى العالم، فعليك بأيمن الظواهرى، فلا العائلة ولا الشهادة، ولا الثقافة تمنع من التطرف أو الإرهاب، لكن هناك شيئا آخر وهو ما سيظهر فى الأسطر التالية. ولد أيمن الظواهرى عام 1951 فى حى المعادى الذى تقيم فيه العائلات الغنية والعريقة بالقاهرة، وأبوه هو الدكتور محمد الظواهرى من أشهر أطباء مصر والعرب، وجده لوالده الشيخ محمد الظواهرى أحد شيوخ الأزهر، وجده لوالدته هو عبدالوهاب عزام، أحد أهم رجال الأدب والنفوذ بمصر فى مرحلة ما قبل ثورة 1952. التحق أيمن الظواهرى بكلية الطب، وأكمل الماجستير فى الجراحة من جامعة القاهرة عام 1978، ثم حصل على درجة الدكتوراه فى الجراحة من الجامعات الباكستانية. نشأ أيمن فى بيئة متزمتة دينيا، وكان حريصا منذ طفولته على أداء الصلاة فى المسجد وحضور الدروس وحلقات العلم مثل محاضرات المستشار مصطفى كامل وصفى نائب رئيس مجلس الدولة. تزوج من عزة أنور الصادق رزق، وكان يحبها بشغف، وأبوها هو أنور الصادق نوير عميد عائلة نوير، من أعيان صفط تراب بمحافظة الغربية، وهو محام معروف، ومستشار بهيئة تعمير الصحارى سابقًا، وأمها نبيلة محمد جلال، المديرة السابقة فى وزارة الشئون الاجتماعية، وجدها لأمها هو الشريف محمد بك جلال، وجدتها لأمها هى فاطمة رفاعة رافع الطهطاوى. ولدت عزة بحى الدقى التابع لمحافظة الجيزة ونشأت فى إحدى فيلله نشأة مترفة، ثم انتقلت مع أسرتها فى عمارة أسستها الأسرة فى حى المعادى، ثم سكنت بالقرب من فيلا أسرة الدكتور أيمن الظواهرى، وبعد تخرجها فى كلية الآداب، قسم الفلسفة بجامعة القاهرة وذلك عام 1977م، تقدم لها أيمن الظواهرى عن طريق بعض المعارف، هو أيضا كان يبحث عن عروس، وأقيم حفل زواجهما فى فندق شبرد بالقاهرة، وكان فرحا إسلاميا، لم يتم التقاط أى صور فيه بناء على رغبة العروسين، وفق ما ورد بشبكة شموخ الإسلام، التابعة للقاعدة. يقول عنها الظواهرى: ظللت ستة أشهر وانقطعت عنها أخبارى تمامًا لأننى كنت فى سجن داغستان، ولما هربت من السجن، أذكر أننى اتصلت بها بعد وصولى لقندهار، وقالت لي: لا تتركنا، ولو كنت تعيش فى حفرة فسنعيش معك، وعشنا فى بيت مكون من ثلاث غرف، اثنتين لنا وواحدة للضيوف، بلا ماء إلا من بئر فى فنائه ولا كهرباء، وأشهد الله أنى ما عشت فى حياتى فى بيت أفضل من ذلك البيت، ولا فى جوار أفضل من ذلك الجوار. لما سأله نبيل نعيم وهو فى أفغانستان، وفق ما ذكره لى: ألا تريد الزواج عليها قال له لا، إننى أحبها، وإنها أم أولادى، لكن لما قتلت هى وابنه محمد وابنته عائشة، تزوج من أميمة حسن الملقبة ب(أم خالد)، وكانت فى الأساس زوجة القيادى طارق أنور مسئول العمليات الخاصة فى «القاعدة»، ثم تزوج (أم تسنيم) واسمها «سيدة» من عائلة حلاوة، وهى أرملة الجهادى أحمد النجار القيادى بتنظيم القاعدة الذى قتل فى أفغانستان. إلى هنا الأمور قد تكون معروفة، لكن الشيء المهم هو كيف أصبح الظواهرى المترف الأرستقراطى، زعيمًا للقاعدة؟ ثلاثة أشياء تسببت أن نرى الظواهرى جهاديًا مفخخًا، يدعو للانتحار، وفق ما ورد فى كتابه (ريح الجنة.. أدلة جواز الاستشهاد فى سبيل الله). الأول: هو أنه سليل والد عبقرى له 16 براءة اختراع طبية، وعم أيضًا بنفس المستوى، دفعته عبقريته إلى أن ينتحر فى الفيلا التى كان يسكن بها بمفرده، كما توفيت والدته بسببه، وكانت هى نقطة البداية، التى جعلته دائم الذهاب إلى المساجد. يذكر عمه عزام الظواهرى ذلك فيقول: «كان أيمن من أكثر الناس تهذبًا فى عائلتنا والجميع يشهد له بالأدب وحسن المعاملة.. لم يسبب مشكلة يومًا ما لأسرته سوى اعتناقه لذلك الفكر والتيار الذى سار فيه.. كان متفوقا فى دراسته وقارئا نهمًا.. وموسوعة فى ما يعرف من معلومات بشكل يفوق أقرانه فى العائلة.. حيث إنه كان محط فخر أسرته وبخاصة أبوه الذى مات محسورًا على ولديه أيمن ومحمد.. أما والدته، رحمها الله فكانت تحيا على أمل أن ترى ولدها أو تسمع عنه أى شيء يطمئنها لكن القدر لم يمهلها؛ فلم يكن أحد فينا يتصور أن يكون هذا هو مستقبل أيمن أو مصيره، لأن أخوته يعانون كثيرًا من الطريق الذى سار فيه إبان نظام الرئيس المخلوع مبارك». الثانى: هو أنه لما بدأ ترحاله للمساجد، وبدأ الرحلة إلى المشايخ، كان دائم القعود والصلاة بمسجد (قولة)، بالقرب من ميدان عابدين، وساعتها كان يعطى الدروس الدينية الشيخ المشهور خليل هراس، أستاذ العقيدة، الذى له شروحات وكتب كثيرة نشرتها له المملكة العربية السعودية، التى انتقل إليها فيما بعد، وكان الرجل قطبيًا بامتياز، فتربى الظواهرى وزملاؤه نبيل البرعى، وإسماعيل طنطاوى وغيرهما على أفكاره. أثر نبيل البرعى، (من حى المعادى) مؤسس تنظيم الجهاد الحقيقى بمصر، فى الظواهرى، وساعتها كان معهم علوى مصطفى (من حى مصر الجديدة) وإسماعيل طنطاوى (من حى المنيل)، وكانوا جميعًا طلبة فى الثانوية العامة وقتها، ولقد تخرج إسماعيل من كلية الهندسة بجامعة الأزهر فيما بعد، كما تخرج علوى من كلية الهندسة أيضًا، بينما تأخر البرعى دراسيًا ثم التحق بكلية الآداب بجامعة بيروت. أصبحت هذه المجموعة تنظيمًا يضم عددًا من المجموعات فى القاهرةوالجيزة والإسكندرية، وربما قليل من المحافظات الأخرى، وكانوا جميعًا من طلبة ثانوى أو الجامعة لكن التنظيم استمر سنوات، وكان من بين أعضائه، يحيى هاشم، ورفاعى سرور، وأيضًا كان من أعضائه محمد إسماعيل المقدم، شيخ المدرسة السلفية الآن. كان من رفقائه أيضًا، أمين الدميرى، وسيد إمام عبدالعزيز (صاحب المراجعات المعروف)، والمهندس محمد عبدالرحيم الشرقاوى، وخالد مدحت الفقى، وخالد عبدالسميع، ومحمد الظواهرى شقيقه، وسيد موسى، والأخير استطاع إقناعهم بضرورة العمل السرى داخل الجيش، وأدخل إخوته الاثنين كضباط، و10 آخرين، مات منهم 6 بما فيهم إخوته فى حرب 73، وأثر هذا فيه كثيرًا فتحول للتصوف وترك الجماعة تمامًا وبقى منهم 6 آخرون كان من بينهم الضابط الشهير عصام القمرى. أما الثالث: فهو أن كل من اقترب من أيمن الظواهرى يدرك أن به عيبين خطيرين، وهما، أنه يتأثر بمن حوله جدًا، وأنه ليس له القدرة على أخذ القرارات المناسبة، أى يفتقد حنكة القائد الفطرى، لذا فقد كان أول من اعترف على المنتسبين للجيش، وقال له القمرى «لو عشت فلا تتول إمارة أبدًا»، لكنه تولاها وأصبح زعيمًا للقاعدة، وعلى هذا يتهمه داعش، أنه أرجع التنظيم للوراء. فى هذا قصة، يذكرها منتصر الزيات فى كتابه (الظواهرى كما عرفته): تنقل محاضر التحقيقات المصرية أن الظواهرى قاد رجال الشرطة المصرية إلى موعد لقائه مع مسئوله الضابط «عصام القمرى»، أى أنه سلّمه للشرطة. وهذه النقطة لا يوردها «أبوقتادة»، مع أنها نقطة حاسمة. ويكتفى بالإشارة إلى «إجباره- أى الظواهري- على الشهادة ضد إخوانه فى المحكمة العسكرية». كما تنقل أوساط مصرية متعدّدة كلامًا منسوبًا ل«عصام القمرى» (الذى قتل لاحقًا بعد فراره من السجن) يقول فيه مخاطبًا الظواهري: «لا تكن أميرًا على جماعة أبدًا». بينما يرى عبدالقادر عبدالعزيز، واسمه الحقيقى سيد إمام، زعيم تنظيم الجهاد سابقًا، أن ملخص حياة الظواهرى هو تاريخ مُظلم من الفشل المزمن، بعد أن تخصص فى فقه التبرير، مرتين؛ الأولى فى قضية الجهاد الكبرى عام 1981 حينما أوقع بأفراد مجموعته، وأرشد عنهم وشهد ضدهم فى المحكمة، لينجو بنفسه، ثم تباكى عليهم كعادته، والثانية فى عام 1993، حينما دفع إخوانه للصدام فى مصر وبأموال المخابرات السودانية، ففشلت أول عملية، وامتلأت السجون بالمئات منهم. فى سجون عام 81، كتب الظواهرى قصيدته الأولى، ليدعو الزمر وعمر عبدالرحمن للوحدة بعد خلافهما على جواز إمامة الضرير والأسير: أخا الإسلام أقبل لا تبالى.. نشق لفجرنا سود الليالي وشد بعزمه فى الله أزرى.. شريكى أنت فى نصرى وقهري لنحرك صوب الأعداء ونحرى.. فصن صدرى فأنت اليوم درعي أخى إنى أريدك لا تدعنى.. وإن بى ضاق صدرك من يسعني أأبكى دون أن تبكى لحزنى.. وجفنك بارد لم يبك دمعه رغم ما كتب إلا أنه بعد خروجه أصر على عدم جواز إمامة عمر عبدالرحمن، حتى يحتفظ هو لنفسه بالقيادة، فهو كما يحب القطبية والتكفير، يعشق الإمارة، وهذا ما يجعله يأخذ قرارات ترضى إخوانه، مثل القرار الذى أخذه فى إعدام صبى فى الخامسة عشرة من عمره وهو ابن أحد قادة التنظيم بتهمة التجسس على الجماعة، وقد أعدمه فى السودان عام 1994 أمام والده ومجموعة من قادة وعناصر الجماعة، وأعدم فى باكستان القيادى محمد عبدالعليم لأنه أثناء اعتقاله فى مصر اعترف بمعلومات أدت إلى اعتقال عصام عبدالمجيد أحد قادة التنظيم السريين فى مصر، هذا برغم أن الظواهرى نفسه كان قد اعترف فى أثناء اعتقاله ما بين عامى 1981 و1984 بمعلومات أدت إلى اعتقال عصام القمرى، واستخدم هو أيضا شاهد إثبات على زملاء له أدينوا بأحكام قاسية، وهذا ما جعله يهاجر عام 1985 من مصر إلى السعودية ثم باكستانوأفغانستان بسبب الألم النفسى وعذاب الضمير الذى تسبب فيه اعترافه على زملائه. الظواهرى مر بنكبات كثيرة، أولها انتحار عمه، ثم وفاة أمه حزنًا عليه، ثم مقتل زوجته وولديه، ثم التفاف أصدقائه القطبيين حوله، وبعدها انهياره النفسى عقب اعترافه على زملائه، وبعدها لقاؤه بن لادن، الذى التصق به حتى قتل، ما دفعه لتولى قيادة القاعدة، ليصبح الآن أخطر إرهابى عالمى.