لم يكن حضور الأمير محمد بن سلمان ولى ولى العهد السعودي، ووزير دفاع المملكة، احتفال الكلية الحربية بتخريج دفعة، إلا رسالة واضحة للعالم أجمع أن المملكة العربية السعودية ومصر هما حائط الصد للأمن القومي العربي، رسالة تعيد إلى الأذهان المرحلة الذهبية للتعاون العربي المشترك في مواجهة تحديات الأمن القومي في أكتوبر من عام 1973. لقد كان الدرس الأكبر، من دروس أكتوبر 1973، هو تكاتف العرب- وفى مقدمتهم مصر والسعودية- في مواجهة إسرائيل التي كانت مدعومة- آنذاك- من أمريكا، الأمر الذي غيّر من إستراتيجيات الحرب والصراع في العالم كله، وفتح حقبة جديدة ومختلفة من الصراع بيننا وبين قوى الغرب المتسلط. بدأ التخطيط الإستراتيجي للعدو- مصحوبا بالمؤامرات- ينسج خيوطه حول المنطقة، منذ ذلك التاريخ، بدءًا باستبدال الخطر الأحمر بالخطر الأخضر، ومرورا بإقناع شعوب العالم المتقدم بالخطر الإسلامي الذي تجب مقاومته عبر حصاره في منطقة معينة لا يبرحها، وانتهاء برسم إستراتيجيات جديدة للحرب تعتمد على تفجير العدو من الداخل. من ثم بدأت عمليات تصدير العداء الشيعي السنى، وتغذية الأطماع التوسعية للدولة الفارسية المسماة «إيران»، وبدأ الإيحاء بإمكانية قبول حكم الإسلام السياسي لمنطقة الشرق الأوسط، شريطة أن يكون معتدلا، ووضعت أول لبنة لحوار إستراتيجي مع جماعات الإخوان الإرهابية وغيرهم، وصولا إلى اللحظة الحاسمة التي وصل فيها الإخوان إلى السلطة في أكبر دولة عربية، لتبدأ واشنطن وحلفاؤها في حصد ثمار أربعة قرون من التخطيط الإستراتيجي الدقيق الذى يهدف لجعل انتصار أكتوبر هو الانتصار الأول والأخير للعرب على إسرائيل. كانت الخطة الأمريكية تهدف إلى الضغط على الإخوان مستغلين ولعهم بالسلطة- أىّ سلطة- حتى ولو كانت على شبر من الأرض، لتنفيذ الإستراتيجية الأمريكية لتفتيت الجيوش العربية والدول العربية، وخلق حدود جديدة تقوم على الرؤية العرقية، بديلة عن الرؤية الوطنية القومية، فينقسم العراق، بعد تفتيت جيشه، دويلات ثلاث، كردية في الشمال وشيعية في الجنوب وسنية في الوسط. وتنقسم سوريا- بعد استنزاف جيشها- إلى دولة علوية وأخرى سنية وثالثة مسيحية، وكذا لبنان واليمن وصولا إلى السعودية ومصر. وكما كانت مصر حجر العثرة الذى تحطمت عليه أحلام إسرائيل الكبرى «من النيل حتى الفرات» عندما لقنت الجيش الذي لا يقهر، درسا لن ينساه طوال فترة بقائه في المنطقة، التي نتمنى ألا تطول فقد تحطمت أحلام وخطط ومؤامرات الغرب على الصخرة المصرية في 30 يونيو2013، وكما كانت السعودية عاملا حاسما في انتصار مصر في حرب أكتوبر المجيدة، مثلت المملكة- بجانب شقيقتها الإمارات- الداعم القوى لعبور مصر الثاني نحو كسر الهيبة الغربية عبر ثورة يونيو العظيمة. لكن السؤال: هل استسلم الغرب لما حدث؟ والإجابة حتما بالنفي، فما زالت عواصمه تسعى لتركيع المنطقة والانتقام لما حدث لكرامتهم في 30 يونيو، والتي أهدرها الشعب المصري عبر الإطاحة «بعرايس الماريونيت» الغربية المسماة بجماعة الإخوان، لذا فإن واجب اللحظة يحفز قيام حوار إستراتيجي عربي، يبدأ بالدولتين المحوريتين، السعودية ومصر، وتلحق به وتشارك فيه الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج التي تدعم ثورة 30 يونيو، أما في وضع أجندة لتحقيق الوحدة العربية تبدأ باتفاقيات دفاع عربي مشترك، مرورا بتكامل اقتصادي عربي عربي، وصولا إلى تشكيل جبهة عربية صلبة تقف بالمرصاد ضد المخططات الغربية الهادفة إلى تقسيم وتركيع المنطقة لصالح إسرائيل الكبرى، فهل نحن فاعلون قبل فوات الأوان؟.