انضباط وهدوء بلجان كليات العلوم وطب الأسنان والتمريض بجامعة قناة السويس    عاجل- عطلة البنوك في مصر 5 أيام بمناسبة عيد الأضحى 2025.. اعرف مواعيد العودة للعمل    أبو شقة يطالب بقانون موحد للاقتصاد الأزرق وتشديد العقوبات    رسميًا.. الأهلي يعلن ضم سيحا من المقاولون العرب    وزير التعليم: سيتم وضح أليات فور تطبيق نظام البكالوريا بالثانوية العامة لحضور الطلاب بالمدارس    إجازة عيد الأضحى المبارك 2025 في مصر للقطاعين الخاص والحكومي والبنوك    استعدادات مكثفة لمياه أسيوط والوادي الجديد لاستقبال عيد الأضحى    توريد 169 ألفا و864 طنا من محصول القمح لصوامع وشون سوهاج    وزيرا الاتصالات والتضامن الاجتماعي يشهدان توقيع مذكرة تفاهم وبروتوكولين لدعم الشمول الرقمي والمالي    محافظ القاهرة: الدولة تولي اهتمامًا كبيرًا بتأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين    تحكي تاريخ المحافظة.. «القليوبية والجامعة» تبحثان إنشاء أول حديقة متحفية وجدارية على نهر النيل ببنها    ضمن الاحتفال بيوم البيئة العالمي 2025.. «فؤاد» تفتتح معرض «إعادة التدوير»    مصدر في الوفد الأوكراني إلى محادثات السلام في إسطنبول: كييف مستعدّة لاتخاذ "خطوات كبيرة نحو السلام"    وزير الخارجية: التصعيد العسكري لا يخدم استقرار المنطقة    أزمة المعادن النادرة تفجّر الهدنة التجارية بين واشنطن وبكين    مصادر طبية فلسطينية: 35 قتيلا بنيران إسرائيلية قرب مراكز المساعدات خلال الساعات ال 24 الأخيرة    «التضامن»: انطلاق معسكرات «أنا وبابا» للشيوخ والكهنة لتعزيز دور رجال الدين في بناء الأسرة المصرية    "غصبًا عن الرابطة".. جدو يوجه رسالة بعد فوز بيراميدز بدوري الأبطال    ترتيب الكرة الذهبية بعد فوز باريس سان جيرمان بدوري الأبطال.. مركز محمد صلاح    إنتر ميلان يضع مدرب فولهام ضمن قائمة المرشحين لخلافة إنزاجي    الجلاد: على مسؤوليتي.. تغيير 60 % من أعضاء "مستقبل وطن" بالبرلمان المقبل    قيمتها 190 مليون جنيه.. القوات البحرية تحبط محاولة تهريب مواد مخدرة عبر سواحل البحر الأحمر    حملات مكثفة لإزالة الإشغالات والتعديات بمدينة أبوتيج فى أسيوط    ميراث الدم.. تفاصيل صراع أحفاد نوال الدجوى في المحاكم بعد وفاة حفيدها أحمد بطلق ناري    الحكم على المنتجة ليلى الشبح بتهمة سب وقذف الفنانة هند عاكف 23 يونيو    في ذكرى ميلاده.. محمود ياسين أشهر جندي بالسينما المصرية    آن ناصف تكتب: "ريستارت" تجربة كوميدية لتصحيح وعي هوس التريند    قبل طرحه.. ماذا قال محمود حجازي عن فيلم "في عز الضهر"؟    "الإغاثة الطبية" بغزة: الاحتلال يستهدف كل شىء بلا تمييز ولا مكان آمن بالقطاع    الأربعاء.. قناة الوثائقية تعرض الجزء الثاني من فيلم «الزعيم.. رحلة عادل إمام»    دعاء للأم المتوفية في العشر الأوائل من ذي الحجة «ردده الآن» ل تضىيء قبرها    بعد عقود من "الرعب".. وزير الصحة يتحدث عن إنجاز السيطرة على الفيروسات الكبدية    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    المدير التنفيذي: أنجزنا 99% من مشروع حدائق تلال الفسطاط    تفاصيل مظاهر احتفالات عيد الأضحى عبر العصور    تعليم دمياط يطلق رابط التقديم للمدارس الرسمية والرسمية لغات    "الكورة اللي بيلعبوها اختفت".. مالك وادي دجلة ينتقد طريقة لعب بيراميدز    السعودية: أخرجنا أكثر من 205 آلاف شخص من مكة حاولوا الحج بلا تصريح    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    وزير الصحة: 74% من الوفيات عالميًا بسبب الإصابة بالأمراض غير المعدية    الخانكة التخصصي تنقذ حياة رضيعة تعاني من عيب خلقي نادر    تكريم الفائزين بمسابقة «أسرة قرآنية» بأسيوط    22 سيارة إسعاف لنقل مصابي حادث طريق الإسماعيلية الدواويس    الإصلاح والنهضة: صالونات سياسية لصياغة البرنامج الانتخابي    المخابرات التركية تبحث مع حماس تطورات مفاوضات الهدنة في غزة (تفاصيل)    حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي؟.. الإفتاء تجيب    «من حقك تعرف».. ما إجراءات رد الزوجة خلال فترة عِدة الخُلع؟    رئيس التشيك: نأمل في أن تواصل قيادة بولندا العمل على ترسيخ قيم الديمقراطية    بركات: بيكهام مكسب كبير للأهلي ووداع مستحق لمعلول والسولية    موعد عودة الموظفين للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب قبالة سواحل هوكايدو شمالي اليابان    مجلس الأمن الأوكرانى : دمرنا 13 طائرة روسية فى هجوم على القواعد الجوية    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    4 أبراج تتسم بالحدس العالي وقوة الملاحظة.. هل أنت منهم؟    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    هل حقق رمضان صبحي طموحه مع بيراميدز بدوري الأبطال؟.. رد قوي من نجم الأهلي السابق    قرار جديد من الزمالك بشأن المدرب الجديد.. مدحت شلبي يكشف    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراصير "داعش" في فراش نصر حامد أبوزيد
نشر في البوابة يوم 05 - 07 - 2015


نبوءة «نصر» عام 1995 تتحقق الآن
الحكومة المصرية تحرض الجماعات الإسلامية على معاقبة «المعارضين» والمثقفين
«الإسلاميون» يمنحون النظام فتوى «مفتوحة» لقتل المتظاهرين ثم ينقلبون ضده
الأسر المصرية سافرت الخليج وعادت ب«الإرهابيين» أطفالًا فى «اللفة»
الحرب بدأت، وستضع أوزارها على الجميع.
لن تفرق بين إرهابى، وضابط يدفع حياته ثمنًا لبلد لا يشبع من الدم.
لن تفرق بين ملتحٍ يحمل «آر بى جى»، وسلفى يحمل مصحفه إلى صلاة الجمعة.
العدو الآن مختلف.. ليس «الإخوان».. ليس «مرسى وجماعته» الذين انتهى بهم الحال إلى السجون، فلا تصوبوا بنادقكم فى الطريق الخطأ، ولا تتركوا «التنظيم الخائن» يشتتكم عن العدو الجديد. هل نقترب قليلًا؟
وقف زعيم عصابة «ولاية سيناء» يلقى على رجاله الخطبة الأخيرة قبل «الذبح»، قال: الحمد لله القوى، العزيز، القائل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً».. والصلاة والسلام على الضحوك، القتّال، القائل: «من قاتل فى سبيل الله فوق ناقة وجبت له الجنة». اجعلوا قتالكم لله وحده، وفى سبيل الله ومرضاته، لأن الله لا يقبل الأعمال إلا ما كان له خالصًا، ثم تذكروا أننا لا نقاتل بكثرة عدد ولا عدة، إنما نقاتلهم بهذا الدين.
بذور الجماعات الإرهابية كانت هنا إذن.
المشهد الثانى حين انتهى «زعيم العصابة» من خطبته، منتظرًا أن يسلم زبانيته على من لفّ وسطه ب«حزام ناسف» ذاهبًا ل«الموت فى سبيل الله».
هكذا يعتقد. كان مبتسمًا، يمسك سلاحه بثقة، خطواته تضرب الأرض بعنف، يحتضن زملاءه بلا نظرة حسد، متحفّزًا للموت كما لو كان قادمًا إلى الجنة رأسًا.. بغير حساب ولا عذاب.
هل وضع الله الجنة على مواسير البنادق؟
بالطبع لا.. سيقولون إنهم قرأوا اسم الرحمن على سن السلاح، وقعر كل عبوة ناسفة، ودم الأعداء. لكن الحق ليس فى أيديهم، لقد جعلوا فى أيديهم بدلًا منه القنابل والروح مستباحة.. الأرض لا تشبع من الجثث.. الرصاص يخترق الجميع.. الموت أقرب إليكم من حبل الوريد. والله غاضب الآن. تعيد «البوابة» عرض كتب ومقالات المفكرين المصريين الذين دفعوا وقتهم وأرواحهم فى رحلة الجهاد ضد طيور الظلام هم رسل الله الجدد إلى أمراء الدم.. فاتبعوهم.
يومها بكى نصر حامد أبوزيد.. كانت زوجته، الدكتورة ابتهال يونس، تنتظره بعد «الغيبوبة الأخيرة» قبل «الوفاة»، سألته عن سبب البكاء، فقال: «دم الشهداء اللى تاجروا فيه».
قالوا، إن «نصر» فقد عقله، أو على الأقل، فقد الذاكرة، كانت الصحف الإسلامية تفتش تحت جلده عن المرض، الذى يجعله غير مسئول عمّا يقول، مجرد رجل عاجز، مجنون، يطلق رصاصة «الطائش» على الدين، لكن «ابتهال» لديها أقوالٌ أخرى، تقول:
«ليس صحيحا، كان الدكتور على مبروك يقرأ بيتا فى قصيدة، ويكمل نصر بقية القصيدة، وعندما يغيب للحظات ثم يعود، كان يسألنى ماذا جري؟ ويفتح كلاما لا ينتهى عن اضطهاد المرأة والأقباط فى المجتمع».
هل يموت «نصر» الآن؟
وإذا مات.. هل سيلقى ربه للمرة الأولى؟
فى العناية المركزة سأل «نصر» زوجته: «هو أنا عندى إيه؟».. قالت: «فيروس».. لجأ للسكوت «الطويل» الذى أدمنه فى آخر حياته، على عكس شخصيته «المزعجة» دائمًا.. سألته: أنت ليه بطلت تتكلم معايا يا نصر؟ هو أنت لك حد تانى بتكلمه؟
كانت الإجابة حاضرة، وسريعة، وجاهزة.. رفع إصبعه لأعلى.. إلى الله.
يمكن أن ترى نصر حامد أبوزيد من «أنقى» زاوية فى حياته.. الدكتورة ابتهال يونس.
حين حكمت المحكمة ب«التفريق» بينهما.. سألوها عن رد فعلها لو دخلت الشرطة إلى سريرها ل«تنفيذ الحكم».. قالت: «طيب يورونى هينفذوا الحكم إزاي؟».. وقال «نصر»: «سآخذ زوجتى فى حضني، مافيش حاجة تبعدنى عنها أبدًا».
غدًا، يدرِّسون كتب نصر حامد أبوزيد فى المدارس، أليس هذا تجديد الخطاب الدينى الذى يطالب به عبدالفتاح السيسي؟
ساعتها، هل يقول «إرهابي» قادم من تنظيم «بيت المقدس»؟ إن الحكومة تعلِّم الأطفال الكفر.
مشهد آخر يمكن أن يضع «نصر» أمام المرآة، وإجابة السؤال.
وقف «إمام التفكير» يضحك على من يردّدون إنه كافر، هو كان يريد أن يصل إلى الحقيقة فقط، ليس شيطانا، لكنه خائف على زوجته، وعلى حياته.
جلس «نصر» فى أولى محاضراته فى هولندا غاضبًا أمام الكاميرا، والجمهور، ودعوات تكفيره، قائلًا: «أشهد أن لا إله إلا الله.. وأن محمدًا رسول الله».
من يعرف «نصر».. يستطيع أن يرى الله أفضل.
تعالوا نستحضر روح «السيسي» فى حضرة نصر حامد أبوزيد.
كان «إمام المفكرين» يرى ما لا يراه الرئيس، يضع الإسلاميين أمامه، يتوقع أن يتحوّلوا إلى القتل وسفك الدماء قريبًا، يتحسس خطواتهم، يقدم إسلاما «لطيفًا» ينافس به إسلام الجماعات الإرهابية الذى يقود إلى «داعش» و«ولاية سيناء».
«السيسي» يحمل اليقين نفسه.. حين جلس غاضبًا أمام محرر صحيفة «وول ستريت» الأمريكية، وهو يتهم الإسلام ب«الارهاب»، قال:
«نحن لسنا آلهة على الأرض، ليس لنا الحق فى التصرف نيابة عن الله».. «الإسلام لم يقل إن للمسلمين الحق فى فرض معتقداتهم على العالم».. «الدين الإسلامى الحقيقى يمنح حرية لجميع الناس ليؤمنوا أو لا».. «الجنة ليست للمسلمين فقط، فالله لم يخلق الدنيا لأمة محمد وحده».. «1.6 مليار مسلم هيقتلوا الدنيا كلها التى يعيش فيها 7 مليارات عشان يعيشوا هم».
هذا، بالضبط، ما قاله نصر حامد أبوزيد قبل أن يكون التكفير والطرد من رحمة الله مصيره قبل الموت وبعده.
لا أعرف إن كان «السيسى» قرأ كتب «نصر» أم اكتفى بما سمعه عنه، هو من عائلة محافظة تحترم الدين، ولا تقترب منه بأذى، أو بالشبهات حتى لو كانت فى محلها، ربما يكون هذا ما أبعده عن قراءة كتاباته.. فلو كان أضاع وقته فى بضع صفحات فقط لأصبح الكاتب المفضل لديه، أفكارهما تتشابه إلى حد كبير، كلاهما يرى المسلمين فئة باغية، تريد للعالم كله أن يعيش كما تريد، لكن - من وجهة نظره - إن المسلمين ليس من حقهم فرض معتقداتهم على العالم، فهو رجل غير تقليدي، يجذب إليه من لا يستسلمون لإيقاع الحياة الهادئ، الميت، و«السيسي» منهم.
دعوة «الرئيس» لتجديد الخطاب الدينى كانت تضع الجميع أمام الله مباشرة، حتى إنه قال لأحمد الطيب، شيخ الأزهر، ورجاله: «سأحاججكم أمام الله بتجديد الخطاب الدينى وتصحيح صورة الإسلام».
يضع «نصر» خناجره وقنابله فى العقل الإسلامى الذى يتحوّل إلى إرهابى مباشرة.. يقول: «الحياة دائما فى خطر دائما فى عالمنا هذا.. لذلك لم أعر كثيرا اهتماما لخطابات التهديد التى لقيتها فى سياق حملة التكفير التى شنها ضدى بعض خطباء المساجد، وبعد صدور حكم محكمة الاستئناف بتكفيرى وإلزامى بتطليق زوجتى بيوم واحد أعلنت منظمة الجهاد عن طريق رسالة بالفاكس نشرت فى كثير من الصحف العربية إهدار دمى وأن من واجب كل مسلم أن يسعى لقتلي، بل أهدرت دم كل من يتصدى للدفاع عنى».
ويضيف: «الفهم المريض للإسلام أدى إلى ترسيخ سلطة كل من نصب نفسه حاميا للدين».
ثم ينطلق «نصر» إلى دوائر أوسع، يفسّر «التكفير» دون أن يفصله عن «الاحتقان السياسي» الذى اقتحم مصر منذ بداية الثمانينيات، وساعده «الفزع» الذى نشرته الحكومة باستعمال «الجماعات الإرهابية» كأداة عقاب للمعارضين.. تضخّمت سلطة رجل الدين، الذى يؤيد النظام، ويؤيد كل نظام.
هل تغير النظام؟
نعم.
هل تغير رجال الدين؟
لا.
حين يدخل النظام «النفق» لا يرى أحد شيئًا.. يظلّ رجل الدين «صديق السلطة» منافقًا، يسلّم «الحكومة الجديدة» نفسه، يركع لها، مؤيدًا «إرهاب النظام»، حتى إذا وصل الإسلاميون ل«كرسي» الرئاسة، منحهم علمه ودينه وعمامته وفتوى - مفتوحة – لقتل المتظاهرين والمعارضين وكل من رفع صورة غير صورة الرئيس.
ويقول «نصر»:
«فى ظل اشتعال الصراعات تحاول معظم الخطابات أن تستخدم ضد بعضها البعض أشد أسلحة الاستبعاد والإقصاء، ويسعى كل خطاب لأن يتحول إلى سلطة، وكلما اقترب الخطاب من السلطة السياسية ازدادت شهية القمع والتدمير عند ممثليه رغم الفارق بين خطاب يمارس سلطة مستمدة من مصدر خارجى، وآخر يستمدها من آليات الإقناع والحفز المعرفى، وللسلطة تجليات وأشكال شتى فإضافة إلى السلطة السياسية هناك سلطة العقل الجمعى، وسلطة الواعظ وهما سلطتان تساند إحداهما الأخرى وتشملها بالحماية، فإذا استطاع نمط من أنماط الخطاب أن يستخدم هاتين السلطتين ويوظفهما لترويج أفكاره فإنه يكون مؤهلا لا لتهميش نقيضه فقط بل يكون قادرا على تحدى السلطة السياسية التى غالبا ما تسعى للتحالف معه».
ثم يضيف فى كتابه «التفكير فى زمن التكفير»: «هناك حرب – بالمعنى الحقيقى وليس المجازى – يخوضها الإسلاميون بأسلحة (التكفير) والوصف ب(الردة) و(العلمانية) التى جعلوها مساوية لمفهوم (الإلحاد)، ويلى الاتهام بالكفر ومشتقاته إطلاق الرصاص من جانب الجناح العسكرى للاتجاه الإسلامى – أو الاتجاهات الإسلامية، ويصعب هنا الحديث عن (اعتدال) و(تطرف) فالحروب جميعًا لا ينفصل فيها (الإعلام) – بما يبثه من أيديولوجيا الحشد والتجييش – عن العمليات العسكرية فى ميادين القتال، من هنا تصبح المطالبة بمناطق فكرية آمنة، فى حقيقتها، دعوة للكف عن التفمير والبحث والنقاش، لأن المطالبين هنا هم الذين يميل التوازن العسكرى لصالحهم».
يصف «نصر» المشهد كما جرت وقائعه فى سيناء وفى حادث اغتيال النائب العام بالضبط.
التكفير ثم «الاتهام بالردة» ثم إطلاق الرصاص على عساكر حرس الحدود فى سيناء.. ثم «تصفية النائب العام هشام بركات».
فى البلاد المتخلفة لا أحد يرى المستقبل، لأن لا أحد يسأل عنه، ولا أحد يفكر فى «القنبلة القادمة».
فى زمن القنابل والعبوات الناسفة.. يقول هواة الذبح على شرف الرحمن، وحول عرشه، إن اسم «الله» مكتوب على مواسير البنادق.
لكن الله «بريء» مما يفعلون.
اسألوا نصر حامد أبوزيد.. هل يرد خصوم الإسلاميين على «عمليات التصفية»؟
سيكون الرد.. لا.
«ليس لخصوم الإسلاميين من الليبراليين ودعاة التنوير أى أجنحة عسكرية مماثلة للأجنحة العسكرية الإسلامية. لهذا يميل الاسلاميون إلى جعل الجناح العسكرى للسلطة السياسية – أجهزة الأمن – هو المقابل للجناح العسكرى للتنظيم الإرهابي».
من هنا تبدأ الحرب الأهلية.. تنصب قواعد المدافع.. تعمّر الصواريخ، ويخرج الرصاص كالمطر من «مواسير» المسدسات.. يخترق «قفاطين» و«قمصان» الجميع.
الكل خاسر.. ولا أحد يكسب من وراء «الدم».
والدم يجر دمًا.
والعجلة تدور وتدهس من يقف أمامها.. سواء كان يذبح، أو يحاول أن يسدّ مجارى الدم.
كان نصر حامد أبوزيد – عام 1995 – يرى المشهد الحالى بالضبط.
هل اطّلع على اللوح المسطور لهذا البلد «غير الآمن»؟
لا، لكن «نصر» كان يجلس أمام الورقة والقلم و«لعنة التفكير»، محمّلًا بتاريخ إسلامى «هائل» يمتد إلى آلاف السنين من «الأشلاء المقطوعة والجثث والجماجم» تطير أمام مكتبه حين يبدأ الكتابة.
تقف ابتهال يونس الآن أمام سيرته، تتأمّل المشهد، حين سألوها: متى بدأ يشعر «أبوزيد» بالخطر الحقيقى من التشدد الديني؟
قالت فورًا: «حين بدأت الأسر المصرية تهرب إلى الخليج، خاصة السعودية، والعودة بأولادهم بعد التشبع بالفكر الوهابى السعودي، وكان نصر يطلق على هذا العصر (عصر شيوخ الدليفري) فهذه الظروف جعلت الناس لا تلجأ للبحث والتفكير، بل كانت تستسهل الاعتماد على غيرهم من الشيوخ، وهنا كانت مهمته، فكان يقول دائمًا: (أنا مش مهمتى توفير حلول لكم، أنا مهمتى أخليكم تفكروا). فى يوم، كان نصر داخل كلية الآداب، قسم اللغة العربية، بيت المفكر والأديب المصرى طه حسين، جاء طالب وقال له: عارف يا دكتور إن طه حسين كان ماسك قلم أحمر وبيصلح القرآن؟.. فرد عليه ساخرا: طه حسين الكفيف الذى لا يعرف الأحمر من الأخضر صحّح القرآن؟.. فالطالب بمنتهى الغباء أصرّ على كلامه، مبرِّرا أن الشيخ فى الجامع هو الذى قال ذلك».
هذا أول تحقيق خلف خطوط القتلة، أو واحد ممّن أصبحوا فيما بعد «قتلة» مع مرتبة الشرف.
مات نصر حامد أبوزيد من الحسرة.. والقهرة.. طلاب علم، وشباب مثل الورد، يقدّسون مشايخ لا يفكون الخط.
السؤال الآن.. وهل كان يتوقع ظهور «داعش»؟
تنظيم «الدولة الإسلامية» خرج من كتب «نصر حامد أبوزيد» إلى «العراق والشام» مباشرة.
لم يمهّد لهم.. كان يمهّد للقضاء عليهم.
يمكن أن تعتبر أفكار نصر حامد أبوزيد «بيروسول» كان يبيد به «صراصير» الإسلاميين قبل أن تكبر وتتضخَّم فى فراش الجميع.. يقول:
«المشروع الإسلامى مشروع سياسى بالأساس، وهو ضد مشروع الدولة، ويعتقد أنه يستمد شرعيته من سلطة مقدّسة فى مقابل مشروع الدولة الذى يستمد مشروعيته من القمع والاضطهاد والفساد».
هل نقترب قليلًا؟
فتح نظام «مبارك» الطريق ل«الإرهاب»، نام معه فى سرير واحد، طلب القرب منه ليقف ضد الثوار، ويكفر من يخرج على الحاكم، ويأمر باغتياله ساعة اللزوم.
حين يتستر فاسد على قاتل، يريد كل منهما أن يثبت إن مشروعه هو الصحيح وفساده قانوني.. يقعان معًا تحت جحيم واحد.. لأن المشروعين «قتل فى قتل».. يتذكر «أبوزيد» هذه الحقيقة باكيًا من «انتشار الفساد»، ويقول: «بعد سفر السادات إلى إسرائيل.. الفساد بقى حاجة مكلكعة فى البلد وصعب نفكها».
أين نصر الآن؟
كان يحذر من «الخطة الملعونة» التى نقع أسرى وقتلى وضحايا تحت جنازير مدرعاتها الآن، سواء كانت مدرعات عسكرية، أو مدرعات إرهابية.. ومات.. ثم دفعت الدولة الثمن.
إجابة السؤال نفسه عند ابتهال يونس، ولكن على لسانه: «كان نصر يتوقع أن يصل المشهد إلى أكثر من مجازر (داعش)، فتنبأ بأن إهمال التعليم الذى لا يعتمد على صناعة العلم على قدر اهتمامه بالحفظ (صم) وتركه على حاله لن تكون له نتيجة غير تفشى التطرف الديني، وذلك لأن التعليم لم يشجع على التفكير، والعقل، وهذا المناخ يساعد على انتشار جماعات العنف والمصالح والإرهاب مدفوع الأجر، والدليل أنه منذ أيام السادات تحولت كليات مثل الهندسة والطب إلى معسكرات للجماعات الإسلامية (الإرهابية)، عكس كليات العلوم الإنسانية لأنها تشجع على التفكير».
سيدة ابتهال.. هل لديك أقوال أخرى؟
أكثر ممّا تتخيل، تنام ابتهال يونس - يوميًا – على كم رهيب من الحرية والذكريات والأفكار ورائحة نصر حامد أبوزيد.. لا تملك إيمانًا غير الحقيقة.. ولا تقصد قبلة إلا «التفكير».. والكعبة المقدسة – فى نظرها – العقل.. التى هى - بالنسبة للسلطة والجماعات الإسلامية والإرهابية و«الإخوان» وتنظيم «بيت المقدس» و«داعش» - كفر ورجسٌ من عمل الشيطان.. فلا تجتنبوه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.