مصطفى مدبولي يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة الاحتفال بعيد العمال    الرقابة النووية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الأيزو    مدبولي: مُتابعة خُطوات وإجراءات ضبط الأسواق وخفض أسعار السلع بصورة دورية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    تهديدات أمريكية.. لإنقاذ نتنياهو!!    إعلام عبري: حزب الله هاجم بالصواريخ بلدة بشمال إسرائيل    صلاح دندش يكتب : تخاريف    مفاهيم مغلوطة    «خلاف الشارة».. مدرب بلجيكا يؤكد استبعاد كورتوا من اليورو    حالة وحيدة تقرب محمد صلاح من الدوري السعودي    15 مايو.. أولي جلسات محاكمة 4 متهمين في حريق ستوديو الأهرام    مصرع زوجين وإصابة طفليهما في حادث انقلاب سيارة بطريق سفاجا - قنا    «التعليم» تحدد موعد امتحانات نهاية العام للطلاب المصريين في الخارج 2024    3 أغاني ل حميد الشاعري ضمن أفضل 50 في القرن ال 21    الخميس..عرض الفيلم الوثائقي الجديد «في صحبة نجيب» بمعرض أبو ظبي للكتاب    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    نادين لبكي: فخورة باختياري عضو لجنة تحكيم بمهرجان كان السينمائي    حسام عبد الغفار: نجاح المنظومة الصحية يعتمد على التنسيق مع القطاع الخاص    قبل شم النسيم.. جمال شعبان يحذر هؤلاء من تناول الفسيخ والرنجة    بالفيديو.. خالد الجندي: هناك عرض يومي لأعمال الناس على الله    مفاجأة بأقوال عمال مصنع الفوم المحترق في مدينة بدر.. تفاصيل    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    النائب العام يقرر إضافة اختصاص حماية المسنين لمكتب حماية الطفل وذوي الإعاقة    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    90 محاميا أمريكيا يطالبون بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل    غرق بمياه ترعة.. العثور على جثة شخص في الصف    موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم ل القطاع الخاص 2024    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    كرة سلة – قمة الأهلي والزمالك.. إعلان مواعيد نصف نهائي دوري السوبر    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    زاهي حواس يوضح سبب تجاهل الفراعنة لوجود الأنبياء في مصر.. شاهد    موقف طارق حامد من المشاركة مع ضمك أمام الأهلي    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    طرد السفير الألماني من جامعة بيرزيت في الضفة الغربية    كتائب القسام تفجر جرافة إسرائيلية في بيت حانون ب شمال غزة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    غدًا.. «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف الإعانة الشهرية لشهر مايو    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    آثار جُرم يندى له الجبين.. أبو الغيط يزور أطفال غزة الجرحى بمستشفيات قطر (تفاصيل)    وزير المالية: مصر قادرة على جذب المزيد من التدفقات الاستثمارية    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    "دمرها ومش عاجبه".. حسين لبيب يوجه رسالة نارية لمجلس مرتضى منصور    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    وزير التموين يعلن تفاصيل طرح فرص استثمارية جديدة في التجارة الداخلية    التأخيرات المتوقعة اليوم فى حركة قطارات السكة الحديد    اليوم.. محاكمة 7 متهمين باستعراض القوة والعنف بمنشأة القناطر    حزب الله يستهدف مستوطنة أفيفيم بالأسلحة المناسبة    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"جغرافيا الشهداء".. طيور النور لن تغادر الشيخ زويد
نشر في البوابة يوم 04 - 07 - 2015

تثير المعارك المظفرة لقواتنا المسلحة في سيناء تأملات حول مفاهيم البطولة وقيمة الأرض وجغرافيا الشهداء في الثقافة المصرية وفي وقت تبدو فيه هذه الأرض المصرية التي لم تتعب أبدا من القتال ومنازلة العدو مستهدفة من الثقافة الاستعمارية الجديدة وأصحاب أفكار الخرائط الجديدة للمنطقة كلها.
وسيناء التي شهدت مؤخرا أحد أروع انتصارات جند مصر ضد الإرهاب هي صاحبة التاريخ المجيد لقوافل الشهداء وهي تشكل بحق نموذجا مصريا مضيئا لمعنى "جغرافيا الشهداء" واستعداد المصري دوما للتضحية بروحه دفاعا عن الأرض.
وفى منجزه الثقافى الشامخ: "شخصية مصر..دراسة في عبقرية المكان" تتجلى سيناء بحضورها عبر المكان والزمان والإنسان- فيما يقول" الحاضر الغائب جمال حمدان":"أن تكون مصريا فهذا يعنى في الواقع شيئين في وقت واحد: الأرض والشعب".
وكتب جند مصر- وبعضهم من ابناء المقاتلين في حرب السادس من أكتوبر 1973- صفحة مجد جديدة في "جغرافيا الشهداء" عندما خضبوا بالدماء الطاهرة ارض مدينة الشيخ زويد في شمال سيناء وهم يدحرون الإرهاب الظلامي العميل ويردون غائلته وشروره عن التراب الوطني المصري وانضمت كوكبة منهم لقوافل الشهداء الذين هم أحياء عند ربهم يرزقون.
ولئن كانت مفاهيم البطولة موضع اهتمام ثقافي سواء في الشرق أو الغرب فان هذه المفاهيم تكتسب المزيد من الأبعاد النبيلة في ضوء بطولات جند مصر في منازلة كل أعداء هذا الوطن ودحر عصابات الإرهاب الدموي التي لاتستبيح حق الحياة فحسب وانما تستبيح أيضا قيمة الأرض التي تحظى بأهمية كبيرة ومعان سامية لدى المصريين ناهيك عن انتهاك تلك العناصر التكفيرية الظلامية العميلة والساعية لشرعنة قانون الغاب لقيم الحرية والعقل والكرامة والعدل.
ولعل المؤسسات الثقافية المصرية مدعوة لعقد ملتقيات وندوات حول مفاهيم البطولة على غرار ندوة أمريكية نظمتها مؤخرا مؤسسة "أبطال كارنجي" فيما اثارت مناقشات المثقفين الذين شاركوا في هذه الندوة حول مفاهيم البطولة بجوانبها الأخلاقية وابعادها الفلسفية اهتمام الكثير من الصحف ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة.
وفيما أدى العديد من المصلين أمس "الجمعة" صلاة الغائب على ارواح الشهداء الأبرار تتواصل قصص الفداء وملاحم التضحية لجند مصر البواسل الذين لقنوا الإرهاب العميل درسا لن ينسى في معركة "الشيخ زويد" فان تلاحم ابناء سيناء مع جيشهم الوطني يدعو للفخر بقدر ما يؤكد على إدراك قيمة ومعنى الأرض.
وخلال زيارة عدد من الضباط والجنود المصابين خلال محاولات الهجوم الإرهابية يوم الأربعاء الماضي على كمائن ونقاط ارتكاز أمنية بشمال سيناء والذين يخضعون حاليا للعلاج أكد الفريق أول صدقي صبحي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي على أن "أبطال القوات المسلحة سيظلون في طليعة الشعب المصري يذودون عن ارضه ويدافعون عن بقائه واستقراره في مواجهة التطرف والإرهاب ويضربون المثل في البطولة والتضحية من أجل مصر".
وإذ تتبنى عصابات الإرهاب الساقطة في غياهب العمالة فكرا متهافتا وتأويلات منحرفة عن صحيح الدين لإسقاط فكرة الوطن وأفكار الوطنية فانها معادية بالضرورة لقيمة الأرض ولايمكن أن تفقه المعاني السامية المرتبطة بهذه الفكرة والتي وقرت في وجدان كل من ينتمي حقا لأرض الكنانة.
ويوم الأربعاء الماضي أكدت القيادة العامة للقوات المسلحة في بيان رسمي على أن القوات المسلحة تخوض حربا شرسة ضد الإرهاب بلا هوادة "ولن تتوقف حتى يتم تطهير سيناء من جميع البؤر الإرهابية وينعم وطننا الحبيب بالأمن والاستقرار".
وكان العميد محمد سمير المتحدث باسم القوات المسلحة قد أعلن أن "الأيام المقبلة ستكشف بطولات عديدة قام بها جنودنا البواسل" واشاد بأبناء سيناء الشرفاء الذين يساعدون القوات المسلحة في حربها الشرسة ضد عناصر التطرف والإرهاب وقال:"لايمكن أن نسمح لهؤلاء المرتزقة أن يسيطروا على حبة رمل واحدة من ارض الوطن".
وليس من المستغرب أن تسعى كل قوى الشر والأطراف المعادية لمصر والمصريين للتركيز على استهداف الروح المعنوية لهذا الجيش الوطني في سياق "حروب الجيل الرابع" لأن هذا الجيش المنتمي قلبا وقالبا لشعب مصر العظيم هو صمام الأمن والآمان للوطن والمدافع عن مقدرات الأمة.
وفيما تتوالى الطروحات حول المواجهة الأخيرة في مدينة الشيخ زويد والتي تشكل منعطفا حاسما في حرب المصريين على الإرهاب فان الدعوات تتوالى أيضا لاعلاء جدار الفعل المقاوم والمتعدد المستويات عبر ثقافة تعزز وعي المواطن بمصادر الخطر وتحفزه على المشاركة الفاعلة في تلك الحرب التي لاتقل خطرا عن حروب سابقة خاضتها مصر.
وباتت جرائم الإرهاب التي تصاعدت وطالت مؤخرا النائب العام الشهيد هشام بركات مثالا للوحشية والاستهانة بقيم شهر الصيام بينما بلغت ممارسات الجماعات التكفيرية الظلامية في المنطقة العربية ككل ذروة من التوحش يرى بعض المثقفين انها اعلى مما عرفه البشر في اغلب مراحل التاريخ الإنساني.
واذا كانت الأزمات والشدائد تكشف عن قوة أو ضعف المجتمعات من خلال طريقة تعاطيها مع هذه الأزمات وتلك الشدائد فان المجتمع المصري الذي شكل أول دولة في التاريخ ليس بحاجة للاسهاب في بيان مدى رسوخه واصالته وقدرته على مواجهة الأخطار الداهمة ولاريب أن جريمة اغتيال النائب العام هشام بركات ستحفز المصريين الذين فقدوا محاميهم النبيل لمواصلة الحرب على الإرهاب حتى اجتثاث هذا البلاء من ارض مصر الطيبة مهما كان الثمن والتضحيات واتساع ساحة المواجهة.
وسيناء التي عرفت بالانتصارات الفاصلة ضد اعداء الخارج كما حدث في حرب السادس من أكتوبر 1973 مكتوب لها فيما يبدو أن تكون صاحبة الجولة الفاصلة في الحرب ضد الإرهاب وقطع دابر هذا العدو في ربوع مصر المحروسة كلها.
وفيما يتناول روبرت بارليت في كتابه الجديد بالانجليزية:"لماذا يصنع الموتى اشياء عظيمة؟..من الشهداء إلى الإصلاح" مفهوم الشهادة وتأثير الشهداء الفاعل في أي مجتمع على اختلاف السياقات الثقافية بين المجتمعات والحضارات فان شهداء سيناء باقون ابدا في وجدان مصر وذاكرتها ويشكلون بحق مددا لاينفد في ثقافة الفداء والحرب التي كتبت على أرض الكنانة في موجهة عدوان الإرهاب الباغي.
وإذا كانت العديد من الكتب تصدر تباعا حول تلك المدن الباسلة أو مدن الكبرياء والوجوه النبيلة المستعصية على الاستسلام للمعتدى مثل ستالينجراد السوفييتية ولندن في الحرب العالمية الثانية فان ثمة حاجة ملحة لسد النقص الواضح في المكتبة المصرية والعربية التي تعانى من قلة الكتب التي تتحدث بصورة متعمقة ومحكمة عن مدن مقاومة مثل الشيخ زويد والعريش ورفح فضلا عن السويس وبور سعيد والإسماعيلية.
والأمر ينسحب أيضا على الحروب التاريخية التي خاضتها مصر منذ زمن بعيد وهاهو كتاب جديد صدر تحت عنوان " بريطانيا ضد نابليون" لروجر نايت ليناقش وبستكشف مجددا تفاصيل المواجهة التي انتهت بهزيمة نابليون وجيشه امام الانجليز في معركة واترلو الشهيرة.
وكما هو الحال في معركة المنصورة مع الصليبيين أو معركة واترلو فهناك دوما ثلة من أبطال مجهولين وذلك مايفعله روجر نايت في هذا الكتاب الذي ينقب ويبحث بين عامي 1793 و1815 عن الأبطال المجهولين وسبل اعداد انجلترا للنصر في هذه المعركة الفاصلة.
ويبدو أن قدر سيناء التي خاضت معركة فاصلة مع العدو الخارجي أن تخوض معارك كبرى دوما مع اعداء الداخل والخارج وهي التي اقترن اسمها بحرب تحرير التراب الوطني المصري في العاشر من رمضان 1973.
وتلك اللحظات الفاصلة على الرغم من كل ماقد تثيره التضحيات من احزان على هؤلاء الذين رحلوا عن الحياة الدنيا وهم في زهرة العمر وشرخ الشباب تبقى ترياقا يعالج الكثير من جوانب الأزمة التي عانت منها مصر في السنوات الأخيرة لغياب القدوة ومايوصف "بالانقلاب القيمى" حيث غابت أو تراجعت بعض القيم النبيلة التي كانت تسود المجتمع المصرى مثل الايثار وانكار الذات والحب والاحترام بين الناس.
وهكذا لا بد من تقديم أبطال سيناء وقصص شهداءها وهؤلاء الأبطال البسطاء الذين اختاروا الانضمام لقوافل الشهداء ومن هنا يدعو الكاتب الدكتور عمرو عبد السميع لإنتاج أعمال درامية عن هؤلاء الأبطال لافتا إلى أن "هناك شهداء يسقطون ودماء تسيل ومنشآت عامة تتعرض للتخريب ولكننا لا نرى اثرا لذلك في ساحة الدراما.
وأضاف الدكتور عمرو عبد السميع "هناك جوانب إنسانية وفكرية وسياسية واجتماعية في ملف الإرهاب تستحق أن تكون موضوعا لدراما حرب سيناء" لخلق تيارات من الوعي تبني الوجدان الوطني كما ينبغي أن يكون البناء.
وإذا كان تعريف جمال حمدان للمثقف بأنه "الإنسان الذي يتجاوز دائرة ذاته والقادر على أن يجعل مشاكل الآخرين هموما شخصية له.. هو ضمير عصره وسابق لعصره في ادراك الخطر المستقبلى والحلم بالمستقبل.. يتوقع ويتنبأ.. كلى شمولى الرؤية لا يضيع في التفاصيل وصاحب نبؤة" فان المثقف المصرى مدعو لأن يقدم الكثير في مواجهة الإرهاب الظلامي التكفيري العميل.
وفي أوقات كهذه ينبغي ثقافيا تقديم بعض النماذج في المعارك المظفرة لقواتنا المسلحة وإضاءة أسماء شهداء في إصدارات ثقافية متنوعة كما كان على الثقافة المصرية أن تقدم هذه النماذج أثناء معركة 24 أكتوبر 1973 في السويس حيث كان كل من داخل المدينة بطلا وعظيما واحتفظت الذاكرة الثقافية الوطنية المصرية بأسماء لشهداء ابرار في معركة السويس مثل:" أحمد أبو هاشم ومصطفى أبو هاشم ومحمد أيوب وسعيد البشتلى وأشرف عبدالدايم وإبراهيم محمد يوسف وكثير غيرهم من شهداء هم أحياء عند ربهم يرزقون.
وفى مقابل الندرة الواضحة في مصر للكتب التي تتحدث بصورة موضوعية ومتعمقة حول سيناء وكوكبة المدن الباسلة كالمنصورة وبورسعيد والسويس والإسماعيلية ورشيد-لاتتوقف المكتبات في الغرب عن استقبال الكتب الجديدة حول الحروب والمدن الباسلة والصامدة.
ومن الكتب الجديدة التي تتوالى في المكتبة الغربية حول الحروب كتاب لماكس هاستينج بعنوان:"وانفتحت كل أبواب الجحيم.. العالم في حرب 1939-1945" وهو كتاب مشوق عن الحرب العالمية الثانية التي قتل فيها نحو 50 مليون شخص فيما يمزج بين التاريخ وعلم النفس ويشرح "النفسية العدوانية" وذهنية العدوان التي تتوق دوما للاغتصاب والاحتلال.
برؤية متعاطفة مع الإنسانية وتركيز على البشر العاديين وتجاربهم- يدرس ماكس هاستينج أحوال العالم في سنوات الحرب مابين 1939 و1945 عندما انفتحت ابواب الجحيم وتوالت المشاهد الدامية وراحت الأمهات في دولة كالاتحاد السوفييتى السابق تبحث عن الأبناء بين اشلاء القتلى في المعارك.
وتبدو ستالينجراد نقطة محورية في هذا الكتاب حيث يؤكد ماكس هاستينج وهو مؤرخ وعمل من قبل في الصحافة البريطانية أنه لو لم تستعص هذه المدينة وتبدع في مقاومتها لسقطت أوربا كلها في قبضة الاحتلال النازى الألمانى.
وهنا في سيناء الباسلة ومقبرة كل الغزاة والمعتدين ثمة حاجة لكثير من السرد المصري والجهد الثقافي الوطني والكتب ذات المستوى الرفيع الجديرة بتاريخ وواقع تلك المنطقة الغالية على كل مصري.
وإذا كان ماكس هاستينج قد تحدث في كتابه عن ابواب الجحيم فان ثمة شهادات إسرائيلية بشأن "مدينة الأشباح التي فتحت ابواب جهنم" للقوات الإسرائيلية عندما اقدمت على محاولة احتلال السويس الباسلة اما تلك الفئة الضالة من الارهابيين الذين سعوا لفتح ابواب الجحيم في مدينة الشيخ زويد فقد خاب ظنهم وضل سعيهم.
فهذه المدينة تنتمي لما يعرف تاريخيا بالمدن االمستعصية على مهاجميها مثل عكا التي استعصت على القائد الفرنسى الشهير نابليون بونابرت وستالينجراد التي استعصت على هتلر والسويس التي استعصت على الاسرائيليين وستظل مدينة الشيخ زويد درة للمقاومة ضد المعتدين سواء جاؤوا من الخارج أو تسللوا من الداخل في الحرب الجديدة القديمة مع الإرهاب الغادر.
وثقافة الشهادة كانت زادا للرجال الذين خاضوا حرب العاشر من رمضان ليكتبوا بدمائهم وارواحهم النصر لأمتهم تماما هي اليوم زاد الرجال الذين يخوضون واحدة من انبل الحروب وأكثرها عدالة في مواجهة خسة ونذالة الإرهاب.
وقد دفع المصريون الكثير والكثير من أجل تحرير سيناء واستعادة كامل ترابهم الوطني وبمشاعر قد لايصل لعمقها وحساسيتها اصحاب بعض الطروحات الغربية عن سيناء في راهن اللحظة المشحونة بالمتغيرات والتحديات ناهيك عن المغالطات المتعمدة وممارسات الحرب النفسية ضد مصر والمصريين.
ولعل من الأهمية بمكان الانتباه لطروحات تروج لها بعض مراكز الأبحاث في الغرب حول سيناء وماتتضمنه من "سيناريوهات انفصالية" أو تصب في مربع ثقافة التقسيم والانفصال الشعوري وان تتحمل مراكز الأبحاث الوطنية مسؤولياتها في المقابل لتأسيس ثقافة الانصهار الطبيعي بين مكونات الوطن ودرء مهددات الأمن الوطني المصري.
إنها مصر التي وصفها جمال حمدان في ملحمته العلمية الكبرى التي تجاوز مجموع صفحاتها اربعة آلاف صفحة من القطع الكبير بأنها "تشكل أقدم وأعرق دولة في الجغرافيا السياسية للعالم وهى غير قابلة للقسمة على اثنين أو أكثر مهما كانت قوة الضغط والحرارة".
واذا كانت مصر تواجه "حربا نفسية" ضمن الحرب الشاملة للإرهاب ومن يقف خلف الارهابيين فان ثمة حاجة ثقافية لتحليل هذه الظاهرة والتعرف على بنيوية مقوماتها وعلاقاتها وآلية حركاتها ومتغيراتها حتى يمكن التعامل معها على النحو الذي يدرء شرورها.
وتصدر الكتب حتى اليوم عن حروب قديمة للغاية لأن الحرب بطبيعتها حدث عظيم يثير مخيلة الكبار والصغار كما تتناول الكتب الصادرة في الغرب جوانب متعددة ولافتة بشأن الجيوش وهاهو كتاب جديد آخر يصدر بالانجليزية بعنوان "الجنود" للمؤرخ العسكري ادوارد ريتشارد هولمز ويتناول تركيبة الجيش البريطانى الذي يقترب حجمه من نسبة الواحد في المائة من مجموع عدد السكان في بريطانيا.
ويقول هولمز في كتابه الجديد والأخير- لأنه توفى بعد ظهور هذا الكتاب- أن واحدا من بين كل 70 بريطانيا له قريب وثيق الصلة يخدم داخل جيشنا اما مسألة الحروب فهى شأن عام يهم الجميع جيشا وشعبا ولعلها حقيقة تنطبق أيضا على بلد مثل مصر.
البطولة في معناها الأسمى تعنى أن يحمل كل إنسان سلاحه مهما كان هذا السلاح ليقاتل باخلاص وصدق في مجاله فالكاتب يقاتل بقلمه والفلاح يقاتل بفأسه والطبيب يقاتل بمبضعه واذا كانت مدينة وارسو البولندية هي أكثر المدن الأوربية التي تعرضت للدمار أثناء الحرب العالمية الثانية فان سيناء ستبقى علامة اصيلة وشاهدة على معنى جغرافيا الشهداء.
ولأنها حرب بكل معنى الكلمة فالحرب على الإرهاب التي دخلت مرحلة حاسمة بواقعة الشيخ زويد ليست ابدا بالسهلة ولاتقل خطورة وحاجة للحشد والتعبئة وتضافر كل الجهود في المجتمع عن الحروب التي تخوضها الجيوش والتي عرفت مدينة الشيخ زويد وكل بقاع سيناء من قبل معناها ومتطلباتها.
هل سيأتي يوم ما يتصدى فيه مؤرخ لتأثير واقعة العدوان الإرهابي الغادر على بلدة الشيخ زويد على مسار ومجريات الحرب التي تخوضها مصر الآن ضد الإرهاب؟..هذا سيحدث يوما ما وسيدرك الأبناء والأحفاد أن مدينة باسلة دوما دفعت ثمن الحرب الشرسة مع عدو لايعرف دينا ولايحترم أي قيم نبيلة..سيقول التاريخ أن مصر انتصرت على الإرهاب بفضل الشيخ زويد والشهداء الأبرار.
هاهم جند مصر البواسل يمنحون مزيدا من الالق لمفاهيم البطولة وقيمة الأرض وجغرافيا الشهداء.. وهاهي حكايات الشيخ زويد ليست اساطير وخرافات مختلقة وانما هي واقع وتاريخ يتجاوز الأسطورة !.. براح حرية وعشق مصري ومواويل في حب مصر المحروسة.. انها مواويل الصبا والجمال وطقوس الطيبين ومواقيت الفداء.. طيور النور لن تغادر الشيخ زويد ولن تستسلم أبدا لغربان الظلام.. تراتيل الصبح والليل باقية هنا.. ايها الشهيد: يا من تذهب ستعود.. يا من تمضي سوف تبعث فالمجد لك.. المجد لك وأنت تقول لخالقك الواحد الأحد: لقد أمرتني فجئت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.