أصبحت الدعوة إلي تنظيم مظاهرة مليونية يوم الجمعة في ميدان التحرير -مسألة مزعجة في بعض الأحيان، وموضة ثورية من انجازات ثورة 25 يناير، ولكن قد تشوه مبادئ الثورة، إذا كانت ستكدر الأمن أو تشل حركة المرور، أو تعطل الإنتاج أو تضر بمصالح المواطنين، وقد تسمي ابتزازا سياسيا منظم، وتحديا لنظام الحكم "العسكري"، وهو ما قد يؤدي إلي بوادر صدام بين الجيش والشعب، وتراجع لأهداف الثورة المباركة، وتدعيم موقف خفافيش الثورة المضادة؛ لأن المواجهة بين المواطنين والعسكر قد تكون في البداية فوضي خلاقة، وتنتهي بصدامات دموية. أكتب ذلك بمناسبة المظاهرة المليونية التي دعت إليها بعض القوي الوطنية -الثورية والمجهولة- لإلغاء المرسوم بقانون "المقترح" الذي وافق عليه مجلس الوزراء يوم الأربعاء الماضي، ولم يوافق عليه المجلس العسكري بعد، والذي يتضمن تجريم "بعض" حالات الاعتصام والتجمهر والاحتجاج إذا أدت إلي تعطيل الأعمال سواء العامة أو الخاصة، والتأثير علي المال العام أو الخاص. كما تضمن المقترح توقيع عقاب أشد لمن "يحرض" أو "يدعو" إلي هذه الاحتجاجات أو الاعتصامات بعقوبة تصل إلي الحبس سنة وغرامة تصل إلي نصف مليون جنيه، ولكن تلك القوانين ستنفذ في حالة الطوارئ فقط. نعم هناك قسوة في هذا المقترح القانوني الذي سيصدر في صورة قانون ملزم وواجب النفاذ بواسطة المجلس الأعلي للقوات المسلحة، لاسيما في عقوبة التحريض التي قد تصل للحبس عاما وغرامة نصف مليون جنيه للمحرض الذي يدعو إلي الاعتصامات والتظاهر، لأن النص لم يضع معايير محددة لذلك، بل هو نص "فضفاض" ويخالف بشدة انجازات ثورة يناير. كما أن المحرض أو الداعي للتظاهر إما أن يكون صحفيا محترما أو ناشطا سياسيا، أو نقابيا مخضرما أو "كادرا" جديدا من شباب ثورة التحرير، أو مدونا بارعا أو مناضلا علي الفيس بوك، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون ذلك المقترح ذو العقوبات المغلظة سيفا مصلتا علي رقاب هؤلاء الشرفاء، لأن في ذلك ضربا لأهداف وانجازات ثورة يناير في مقتل. ولكن حكومة شرف لجأت إلي هذا المقترح القانوني الذي قد يصدر به مرسوم قانوني قريبا من المجلس العسكري، بعد أن أصبحت عجلة الإنتاج شبه متوقفة، وتزايد نشاط الثورة المضادة، ووجود إرهاصات لحالة فوضي قد تدخل البلاد في حرب أهلية علي المدي الطويل، فماذا ننتظر بعد أن أصبحت الشرطة نفسها والمنوط بها حفظ الأمن وتوفير الأمان للشعب -هي التي تتصدر المظاهرات والاعتصامات الآن، وتطالب بمطالب فئوية في هذا الوقت الحساس من تاريخ الوطن؟ صحيح أن تلك المطالب التي تأتي من بعض أفراد جهاز الشرطة "عادلة" ولكن ليس هذا وقتها، ولا يصح أن يقوم بعض أمناء الشرطة بحرق وزارة الداخلية مرتين خلال شهر واحد، ولا يجوز أبدا أن يمنع بعض موظفي الأزهر شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب من دخول مكتبه، ويسبوه علنا بسبب مطالب فئوية، كما أنه لا يصح إطلاقا أن يقوم متجمهرون غاضبون بتكسير سيارة الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء، كما لو كان التظاهر أصبح أحيانا لأتفه الأسباب، والاعتصام "مهنة من لا مهنة له". لقد ارتضينا بالحكم العسكري بعد سقوط نظام مبارك، فعلينا أن نقبل بنظامه وقوانينه مؤقتا حفاظا علي مصر، ولكن تحت شعار "لا ضرر ولا ضرار". حمدي البصير [email protected]