انطلقت المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين في واشنطن محملة بتردد وعدم يقين في الشارع الفلسطيني ازاءها، فمن جهة يبدي الرأي العام الفلسطيني تشاؤما ازاء فرص حدوث تقدم في المفاوضات مع حكومة يقودها اليمين الاسرائيلي الذي لا يخفي توجهاته في مواصلة الاستيطان، وتهويد القدس ورفض الانسحاب إلي حدود عام 1967 ورفضه عودة اللاجئين. وفي الوقت نفسه لا يري الرأي العام الفلسطيني خيارات أخري غير المفاوضات بعد فشل الكفاح المسلح، وفشل الانتفاضة الشعبية والانتفاضة المسلحة والمقاومة السلمية في تحقيق الاستقلال ورغم معارضة فصائل فلسطينية في منظمة التحرير المفاوضات المباشرة قبل وقف الاستيطان، لكن لا تبدو ثمة رغبة أو قدرة لدي الفلسطينيين، الذين يعانون من الضعف والانقسام علي بدء انتفاضة منظمة ومستمرة ضد الاحتلال الاسرائيلي في المستقبل القريب. كما أن السلطة الفلسطينية اتخذت خطوات كثيرة ضد البنية التحتية لأي انتفاضة جديدة ليس فقط عن طريق استهداف الاسلاميين، ولكن ضد أي فصيل يفكر القيام بأي عمل وهذا لا ينفي أنه لا يوجد أي رغبة لدي الفلسطينيين لبدء انتفاضة أخري في ظل ارهاق متواصل يعاني منه الفلسطينيون منذ سنوات طويلة، ولا يوجد قناعة بأن خيار الانتفاضة هو الخيار الصحيح، وكذلك لا يوجد فريق في الميدان يقوم باطلاقها، خاصة وأن الانتفاضة كان لها دروسا عميقة في الواقع الفلسطيني، فأي استخدام للسلاح سيؤدي إلي اجتياحات إسرائيلية، وقتل وتدمير وحصار اقتصادي واجتماعي من دون أي نتيجة أو جدوي. وعلي عكس الانتفاضة الأولي عام 1987 التي اتسمت بمواجهات بين الشبان الفلسطينيين يرشقون الجنود الاسرائيليين بالحجارة لجأ الفلسطينيون، في الانتفاضة الثانية إلي السلاح، والمتفجرات، وأصاب مهاجمون انتحاريون أهدافا داخل إسرائيل ذاتها، وقد اندلعت الانتفاضة الثانية حين فشل الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في ابرام اتفاق بين الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أو ايهود باراك رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك، فأعلن القادة الفلسطينيون الانتفاضة كسبيل للتحرر. وإذا كان أمر اندلاع انتفاضة أخري من وجهة نظر الكثير من الفلسطينيين هو أمر حتمي مالم يتم التوصل لاتفاق سلام مقبول، غير أن انطلاقها يحتاج إلي وقت، وما هو مؤكد أنها ليس في المستقبل القريب، خاصة وأن المقاومة تحتاج إلي مظلة سياسية، وهي غير موجودة حاليا الفلسطينيون علي قناعة بأن أخطاء المساحة تتكرر، وأنه لا نتائج مرجوة من هذه المفاوضات، ولديهم تخوفات كبيرة بشأنها، قطعا كما حدث للرئيس الراحل ياسر عرفات حينما ذهبت لواشنطن في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000. لقد تلقي الفلسطينيون الضربة مرتين: مرة في أوسلو 1993 ومرة في كامب ديفيد، وهذا يكفي بالنسبة لهم، في ظل قناعة وأن القيادة الفلسطينية باتت رهينة عملية السلام، ومن هنا لابد لها من أن تحاول ولو مرة أن تقول لا، كي يفهم العالم حقوق الفلسطينيين، ويري قطاع كبير من الفلسطينيين أن ما يحدث في واشنطن هو ضياع للوقت، فالقيادة الفلسطينية بموقفها هذا تفقد مصداقيتها، ودعم الناس. إن العنصر الأهم في ذهاب الرئيس عباس إلي مفاوضات لا تحظي باجماع فلسطيني، ولا حتي نصف اجماع أنه توجه إليها وهو غير واثق من قدرته علي تمثيل يحمل الشعب الفلسطيني، بينما كان عرفات علي الأقل يمثل توافقا فلسطينيا عند موافقته علي الذهاب إلي كامب ديفيد حتي إن كانت الإدارة الأمريكية الحالية في موقع أفضل من الادارات السابقة، وأصبح الأمر أكثر وضوحا في ما هو مقبول وما هو غير مقبول لدي الطرفين، والطريق ممهد..!!