يشكل استئناف المفاوضات المباشرة بين الاسرائيليين والفلسطينيين الجولة الاحدث في مفاوضات السلام التي بدأت في أوسلو عام ،1993 ومهما تكن النجاحات التي احرزت في شكل مؤقت في بعض فترات المراحل السابقة فإن هذه المفاوضات لم تحقق تقدما كافيا للتوصل إلي اتفاق شامل ما يحيل هذه المفاوضات بعد 17 عاما من انطلاقها إلي نقطة البداية، خاصة أن مواقف الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي لا تزال متباعدة جداً في القضايا الرئيسية لحل الخلاف، وهي إنشاء دولة فلسطينية وسلطاتها، وترسيم حدود هذه الدولة ومصير المستوطنات فيها، بالإضافة إلي وضع القدس ومكانتها ومصير اللاجئين، ووضعهم أي تسوية يتم الاتفاق عليها. واذا كانت هناك استطلاعات للرأي العام تظهر أن الشعب الفلسطيني غير متحمس للمفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، إلا أنه في الوقت ذاته غير متحمس لمعارضتها، وهذا يعني أن التردد وعدم اليقين في الشارع الفلسطيني ازاء هذه المفاوضات هو المتسيد، فمن جهة يبدي الرأي العام الفلسطيني تشاؤما ازاء فرص حدوث تقدم في المفاوضات مع حكومة يقودها اليمين الاسرائيلي الذي لا يخفي توجهاته في مواصلة الاستيطان وتهويد القدس خاصة أن الحكومة الاسرائيلية أعلنت انها تتجه لمواصلة البناء في الكتل الاستيطانية التي تعتزم ضمها في الحل النهائي، رغم أن الرئيس عباس كان قد طمأن شعبه في خطاب له قبل توجهه إلي واشنطن للمشاركة في إعادة اطلاق المفاوضات بأنه لن يقبل بأي حل جزئي للقضية الفلسطينية في المفاوضات، وأنه متمسك بمطلبه وقف الاستيطان! وفي الوقت الذي كان يعمل فيه المسئولون الأمريكيون في البيت الأبيض ووزارة الخارجية علي وضع اللمسات الأخيرة لإعادة اطلاق المفاوضات المباشرة وانهاء الترتيبات اللوجستية للمفاوضات يسود الشك والتساؤلات بين الخبراء والمحللين في قضايا الشرق الأوسط في واشنطن حول جدوي تلك المفاوضات، جاءت عملية الخليل سريعة ومباغتة التي قتل فيها أربعة مستوطنين وتبنت مسئوليتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس الأمر الذي أجج الموقف من جديد وعزز شرعية مطالب بنيامين نتنياهو المتشددة في شأن وضع ترتيبات أمنية صارمة يتم الاتفاق حولها مع الفلسطينيين قبل إقامة دولتهم، ويقصد أساسا المطلب الاسرائيلي بانتشار قوات عسكرية اسرائيلية علي الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية الصغيرة في إطار اتفاق سلام أي في غور الأردن لمنع تهريب أسلحة إلي الدولة الفلسطينية، ولمواجهة التطورات في العراق بعد انسحاب الجيش الأمريكي، فضلا عن اشتراط أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح. وحتي بعد التصريحات المطمئنة لنتنياهو بعد عملية الخليل بأنها لن تؤثر علي المفاوضات غير أنه يري أن التحدي الرئيسي له هو في تجاوز مخاض المفاوضات بالسلام ومن دون شروط مسبقة بلا عوائق، وفي حال تعثرت المفاوضات لأي سبب، فإن نتنياهو سيتل من درجة متي رغب بحجة أن عباس لا يمثل الشعب الفلسطيني كله، إنما بالكاد نصفه، فيما تسيطر حماس علي النصف الآخر، وعليه فإن نتنياهو سيؤكد أنه لن يكون أي اتفاق مع السلطة الفلسطينية طالما لم تسيطر علي القطاع، وبذلك يتبني نتنياهو موقف وزير خارجيته المتطرف افيغدور ليبرمان الذي يري أن المفاوضات مع الفلسطينيين عبثية لا رجاء منها بداعي أن عباس رجل ضعيف، ولا يمثل جميع الفلسطينيين خاصة أن هناك قناعة لدي أوساط نتنياهو بأن الرئيس عباس ليس ناضجا لاتخاذ قرارات مؤلمة يتطلبها اتفاق سلام، اسرائيل لا تخفي نواياها تجاه السلام بكل الطرق مهما حاولت تغليف مواقفها واطلاق التصريحات الرنانة المطمأنة علي ألسنة قادتها، وما يؤكد ذلك استغلال قوي اليمين المتطرف في اسرائيل وقيادات الاستيطان في الضفة الغربية حتي النهاية عملية قتل أربعة مستوطنين في منطقة بني نعيم في الخليل، وراحت تحاول استثمارها لاضعاف الموقف الفلسطيني، وتحقيق مكاسب اسرائيلية جديدة خاصة في مجال الأمن والاستيطان. وفي واشنطن تلقف الناطمون باسم الوفد الاسرائيلي في المفاوضات خبر عملية بني نعيم، وكأنها كنز لاضعاف موقف السلطة الفلسطينية ونقل علي لسان نتنياهو أيضا أنه سيطرح في محادثاته في واشنطن بكل قوة أهمية الأمن الاسرائيلي، وضرورة بدء المفاوضات بالترتيبات الامنية التي تحمي المواطنين الاسرائيليين من الارهاب وليس بموضوع تجميد الاستيطان وأنه سيطالب السلطة الفلسطينية ببذل جهد حقيقي لضرب تنظيمات الارهاب. واذا كان طرفا المفاوضات الفلسطينية والاسرائيلية رغم ذهابهما للتفاوض غير جاهزين لانجاز أي اتفاق فإن الولاياتالمتحدة تخطط لانجاز تسوية سياسية علي المسار الفلسطيني الاسرائيلي في غضون عامين تقتضي الخطة قيام دولة فلسطينية في الضفة وقطاع غزة علي أساس خط الهدنة المعتمد بين ،1949 1967 واعتماد مبدأ تبادل