ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع.. هذا ما حدث بشكل مباشر نتيجة المضاربات العشوائية التي شهدتها الأسهم المجهولة في السوق خلال الشهرين الماضيين، وتسببت في ارتفاعها بشكل كبير ثم عادت بها إلي المستويات التي صعدت منها وكأن شيئا لم يكن. فالارتفاعات التي ظلت الاسهم تحققها منذ شهرين عصفت بها المخاوف في ثلاث جلسات متوالية بدأت قبل إجازة السادس من أكتوبر بيوم وانتهت بنهاية الأسبوع الماضي. جلسات الاثنين والأربعاء والخميس أعادت للاذهان احداث الكوارث الهبوطية الحمراء التي ألمت بالسوق خلال العام الماضي، وفور إحمرار الأسهم بدأ المتعاملون في الفرار والبيع العشوائي دون أي تفكير ولسان حالهم يقول "اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي"..!! سبب غير معروف المتابع للسوق المصري جيدا لن يجد شيئا مبررا لما حدث بجلسات الأسبوع الماضي، فالأسواق العالمية في غاية الاستقرار والمؤشرات الأمريكية التي نتشدق بها صعودا وهبوطا مازالت في صعود متوالٍ، لكن لماذا حدث كل هذا الهبوط محليا ولماذا تراجعت اسعار الأسهم إلي مستويات لم نرها منذ شهرين فائتين..؟!! ما حدث في الجلسات الثلاث الصعبة التي شهدتها البورصة خلال الأسبوع الماضي والأول من شهر أكتوبر له تفسير وسبب وحيد لا ثاني له. فأصابع الاتهام تشير وتلوح بشكل مباشر علي ما حدث خلال الشهرين الماضيين بالأسهم المجهولة التي ما أنزل الله بها من سلطان. فشركات لا تملك أية ملاءات مالية. وأخري مجهولة الأصحاب، وأخري لا تعمل ولا تمتلك أصولا بين عشية وضحاها تعالت أسهمها في عنان البورصة وبدأت ترتفع دون مبررات سوي أقاويل وشائعات عن توفيق أوضاعها واستمرار قيدها في البورصة. استغلال سبوبة توفيق الأوضاع المضاربون استغلوا مسألة توفيق أوضاع الشركات توافقا مع قواعد القيد الجديدة وبدأوا في نصب شباكهم واطلاق شائعاتهم علي تلك الأسهم وراحوا يروجون لها ذهابا وإيابا بين شرائح المتعاملين وبدأوا في التنقل من سهم لآخر وبدأت الارتفاعات تنتقل من سهم لآخر، ولو أردنا أن نسرد أسهم لشركات مجهولة فلدينا أكثر من 50 شركة أسهمها ارتفعت بشكل عشوائي خلال الشهرين الماضيين دون مبرر. النتيجة المباشرة لتلك الارتفاعات العشوائية هي موجة تراجع عشوائية ايضا تعيد الأمور إلي نصابها، لكن للأسف الشديد النتيجة الواقعية لهذا الهبوط هي خسائر فادحة لصغار المستثمرين وأموال متآكلة وبكاء وعويل وأزمات نفسية وحالات انتحار وسلبيات كثيرة تعود علي السوق وعلي المتعاملين. المؤسف في الأمر هو أن الأسهم جميعها تراجعت بنسب كبيرة زادت علي 30% في أسبوعين غير أن المؤشر لم يتراجع وظل عند مستوياته العادية، وهذا ما يؤكد وجود خلل في السوق وتعاملاته ويؤكد علي نظرية الارتفاعات العشوائية والتراجعات الفجائية للأسهم المجهولة. لقد اخفقت الأسهم المجهولة في استكمال موجة صعودها غير المبررة، وربما كان لهيئة الرقابة المالية دور محوريا في ذلك بعد رفضها المتتالي لتجزئة العديد من الأسهم وايقاف التداول علي كثير منها، لكن بكل أسف هذه التراجعات لم تصب فقط الأسهم المجهولة بل أصابت ايضا الأسهم الجيدة واختلط الحابل بالنابل ولم يفرق الهبوط بين أسهم شركات ذات ملاءة مالية قوية وأخري لا تملك أصولا تمنحها الحق حتي للتداول بالبورصة. لماذا كل هذه الارتفاعات؟ وبالعودة إلي تساؤل يفرض نفسه علي الجميع.. لماذا كل هذه الارتفاعات طالما ان نتائجها السلبية هي هبوط يعصف بالأخضر واليابس؟ الإجابة.. ليست معقدة أو غريبة، فالخسائر التي مني بها المستثمرون طيلة العام الماضي والتحرك العرضي الممل القاتل الذي أصاب السوق لشهور طويلة بعد موجة التراجع التي تزامنت والأزمة المالية العالمية كان لابد له من انتهاء.. وللوهلة الأولي التي يري فيها المتعاملون أو يسمعون عن أسهم تحقق ارتفاعات تضاعفت معها أسعارا يهرولون سعيا وراء تعويض جزء من خسائرهم والفوز بجزء من كعكة الصعود حتي لو كانت المخاطرة عالية، فكل ما يدور في أذهانهم هو قول واحد.. لن يحدث لنا أكثر مما حدث في العام الماضي. الأسهم الكبيرة والشركات ذات الملاءة المالية الكبري لم تعد أسهما جاذبة للمستثمرين فقد غابت عن السوق لفترات طويلة وتحركاتها العرضية وسيولتها العالية أبعدت المستثمرين والمتعاملين عنها، ولم يعد لأسهم مثل مجموعة طلعت مصطفي القابضة أو أوراسكوم تليكوم والمصرية للمنتجعات ومصر الجديدة للإسكان ومدينة نصر وغيرها من الأسهم التي تخص شركات لها أصول وأعمال تقدر بالمليارات دور في السوق فقد تخلت عن مستثمريها وتخلي مستثمروها عنها وابتعدت عن الأضواء وهو ما أفرز نوعا جديدا من الأسهم المجهولة أفسحت الأسهم الكبري لها المجال ووجد فيها المتعاملون ضالتهم من أرباح قياسية في أوقات وفترات زمنية محدودة.