مع اختتام جلسة الحوار الوطني الفلسطيني التي رعتها مصر وعقدت بالقاهرة في السادس والعشرين من الشهر الماضي تتصاعد الآمال في أن يطوي الشعب الفلسطيني صفحة مؤلمة جسدها الانقسام الذي عاني منه الجميع منذ منتصف يونيو سنة 2007 وبالتالي يتطلع الكثيرون إلي أن يقود ذلك إلي مسيرة التوافق والوحدة الوطنية الراسخة وأن يتبدد التوتر وتنقشع الغمة حال ظهور نتائج ايجابية تتمخض عن اجتماعات اللجان الخمس التي تم تشكيلها والتي تبدأ اجتماعاتها في العاشر من مارس الحالي وتستمر حتي العشرين منه. هل نحن أمام حقبة جديدة؟ وإذا سارت الأمور كما ينبغي ويؤمل فيمكن لهذه النتائج أن يتم تفعيلها علي أرض الواقع بحيث تقود إلي حقبة جديدة يتصدرها تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها حماس فضلا عن اللجان الخمس التي تقرر تشكيلها ويتوزع عملها بين التركيز علي اتمام المصالحة، ولجنة تتولي أمر تشكيل حكومة فلسطينية، ولجنة لإصلاح الأجهزة الأمنية بحيث يكون الانتماء للأجهزة الأمنية مبنيا علي الكفاءة وليس علي أساس فصائلي، ولجنة الانتخابات التشريعية والرئاسية، ولجنة إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها وفضلا عن ذلك هناك لجنة مراقبة تضم مصر والجامعة العربية والأمناء العامين للفصائل تكون مهمتها التدخل في حال وقوع أي خلاف بين العاملين في اللجان الخمس وحسم هذا الخلاف. ماذا عن مصير حوار القاهرة؟ رغم أن الفصائل الثلاثة عشرة اجتمعوا في القاهرة في ظل أجواء أكثر ايجابية إلا أنه يمكن القول بأن المصالحة تحتاج لبعض الوقت حيث إن الصعب لم يأت بعد، فمعظم القضايا الخلافية تم ترحيلها إلي اللجان الخمس التي شكلت، ولا يمكن للمراقب هنا أن يغفل وجود تحفظات من حماس علي الورقة المصرية وعليه يظل التساؤل قائما حول ما الذي سيضمن نجاح الاتفاق؟ التحدي الحقيقي ستظهر معالمه وسيكون مائلا في العاشر من الشهر الحالي عندما تجتمع الفصائل من خلال اللجان الخمس التي شكلت ولكن علي الأغلب إذا لم يكن هناك اتفاق علي جميع القضايا فلن يتم الاتفاق علي شيء وهنا ستخسر الآمال وتعود أدراجها إلي المربع صفر وعندئذ ستلحق اجتماعات القاهرة بما حدث من قبل وتم عبر وثيقة الوفاق الوطني واتفاق القاهرة واتفاق مكة، فكلها ذهبت أدراج الرياح. وحدة الفلسطينيين ضرورة غير أن الجديد الذي يعول عليه اليوم في اعطاء دفعة نحو التوافق والتصالح هو التغييرات الحادثة في المنطقة لاسيما مع حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة وفي أعقاب محرقة غزة 27 ديسمبر 2008 18 يناير 2009 إذ يتعين علي الفلسطينيين التوحد كي يمكنهم مجابهة المد اليميني الذي انتجته الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة أمر آخر يعول عليه ألا وهو وحدة الموقف العربي إذ إن استمرار الانقسام العربي سيعني استمرار الانقسام الفلسطيني وعليه لابد من رسالة عربية واضحة تتشبث بالوحدة حتي لا يستفيد اليمين الاسرائيلي أكثر وأكثر من الفرقة والتشرذم العربي وضمانا لأن ينجح الحوار الفلسطيني. ** نحو الخروج من الانقسام ويرد التساؤل هل يمكن لآلية تشكيل اللجان الخمس التي ذكرت آنفا أن تطرح الآفاق نحو المماطلة والتأجيل، فالآلية فلسطينية بالدرجة الأولي بيد أن المشكلة تكمن في كيف يمكن لهم الاستفادة منها لجعلها أداة للخروج من بوتقة الانقسام لاسيما وأن القضية في الأساس هي قضية الشعب الفلسطيني ولهذا شاركت في الحوار كل الفصائل الفلسطينية في لحظة أرادت فيها حماس أن تنفرد بحوار مع فتح. ** بعيدا عن التوازنات الاقليمية ويظل نجاح الحوار بين الفلسطينيين رهنا بما نوه به عمر سليمان مدير المخابرات المصرية في كلمته الافتتاحية في السادس والعشرين من الشهر الماضي عندما دعا جميع الفصائل الفلسطينية إلي اتخاذ قراراتها بشكل مستقل والابتعاد عن التوازنات الاقليمية ومن ثم كانت دعوته لتوحيد الصفوف وتحذيره من ضياع الفرص وتأكيده علي أن الهدف من الحوار هو انهاء الانقسام وهو وفق ما يراه ويأمل ليس صعبا أو مستحيلا شريطة أن تخلص النوايا أيا كان يظل نجاح الحوار والوصول إلي نتائج ايجابية تصل في صالح القضية الفلسطينية معتمدا علي اعادة بناء منظمة التحرير بما يكفل تطويرها وضم الفصائل التي لم تضم إليها في السابق، ومعتمدا علي تشكيل حكومة فلسطينية توافقية غير مرتهنة بأية ضغوط. ** خيار استراتيجي لا مصلحة طارئة ويظل التوصل إلي اتفاق ينهي الانقسام خيارا استراتيجيا وليس مصلحة طارئة أو عابرة أي أن الحوار الوطني الجاري إذا ما أثمر نتاجا موضوعيا سيكون هو الوسيلة الأكيدة نحو الانقاذ الوطني وليس مجرد تكتيك سياسي ولعل ما يدفع الفلسطينيين إلي تبني وحدة المواقف ما يحدث من تطورات علي الساحة مع حكومة جديدة وافدة يديرها يمين متطرف ولذا فإن كل الملفات تبقي عالقة كالتهدئة والمعابر والحصار وإعادة الاعمار في ظل محاولات إسرائيل المتكررة لتعطيلها سواء من قبل حكومة أولمرت المنصرفة أو من قبل حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة التي طرحت رؤيتها من الآن بشكل صريح. بعيدا عن التجاذبات وبالطبع فإن كل ما يحدث الآن من تطورات لا يحمل للفلسطينيين أي بارقة أمل اللهم إلا إذاتوصلوا إلي الوحدة الفلسطينية وما من شك في أن التطور الذي حصل في إسرائيل في أعقاب الانتخابات الأخيرة وتكليف نتينياهو رسميا بتشكيل الحكومة كان أحد العوامل التي أدت إلي سرعة الاستجابة إلي مبادرة مصر لعقد مصالحة بين الطرفين فتح وحماس من خلال الدخول في حوار شامل يأمل الجميع في أن يسفر عن نتائج ايجابية تخرج الفلسطينيين من مرحلة التشرذم والفرقة إلي مرحلة جديدة لمواجهة حكومة نتيناهو من أرضية صلبة المهم أن يتوصل المجتمعون إلي المصالحة قبل عقد القمة العربية في الدوحة قبل نهاية الشهر الحالي والتي ستشكل بالقطع دعما لحكومة وحدة وطنية فلسطينية بعيدا عن التجاذبات والتطاحن إن القاسم المشترك بين كل الفصائل الفلسطينية هو أنها واقعة تحت ضغوط مختلفة ولهذا وجدت نفسها علي طاولة واحدة وفي خندق واحد بحيث سيصعب علي أي طرف أن يتحمل تبعة فشل الحوار.