كانت السمة الغالبة علي المؤتمر العام للحزب الوطني الديمقراطي، حزب الأغلبية الحاكمة هذا العام هي الهجوم المتواصل علي المعارضة الذي اتسم بالحدة أحيانا في اتهامه للمعارضة بعدم الموضوعية، والمبالغة، وعدم تقديم حلول بديلة للكثير من القضايا والاكتفاء بالإثارة..! وكان واضحا انفعال عدد من قيادات الحزب الوطني إزاء الكثير من الأخبار التي وردت في صحافة المعارضة والتي رأوا فيها إساءة للحزب الوطني وتشهيرا به خاصة ما ذكر حول التكلفة المالية للمؤتمر واستضافة الوفود. ولكن ما يدعو للارتياح هو أن هذا الهجوم لم يكن فيه ما يدعو إلي العودة للدماء أو تقليل مساحة التعبير أو تضييق الخناق علي المعارضة، فقد كانت اللغة المستخدمة في الهجوم استنكارية ولكنها لم تكن تحريضية. والواقع أنه لا يوجد ما يدعو حزب الأغلبية للانزعاج من المعارضة القائمة حاليا أو التخوف منها، لأنه لا توجد لدينا معارضة بالمعني المتعارف عليه، والساحة السياسية للمعارضة تخلو من الشخصية التي يمكن الالتفاف حولها ليكون هناك زعيم للمعارضة. وكل ما يوجد علي الساحة كما هو معروف للجميع عدة صحف مستقلة وليست حزبية تقود المعارضة الشعبية وتغازل مشاعر الطبقات محدودة الدخل والمتوسطة دون أن تكون لديها رؤية سياسية مستقبلية واضحة تعبر عنها وتقود إليها. ولانها أيضا معارضة بلا طموح فإنها تكتفي في أغلب الأحيان باصطياد الأخطاء وابراز العيوب والسلبيات والتجاوزات، وهي تجاوزات يتم الكشف عنها في معظم الأحيان من خلال الأجهزة الحكومية التابعة للحزب الوطني مثل بعض قضايا الفساد والاستيلاء علي الأراضي وأموال البنوك وما شابه ذلك. ولانها كذلك معارضة بلا هدف فإنها لم تنجح في اجتذاب عناصر فعالة في الانضمام إليها، وظلت في مجملها معارضة شبه عائلية تتسم بالشللية تقوم بدور يرضي غرور البعض ويحقق للبعض الآخر تواجدا معينا علي الساحة الإعلامية دون أن تطور نفسها لتكون شكلا من أشكال القوي الوطنية المؤسساتية الدافعة نحو التغيير والإصلاح. ولا يمكن القول إن الحزب الوطني علي هذا النحو يواجه معارضة قوية من الخارج، إذ أن الأكثر دقة وصحة هو أن المعارضة المؤثرة إنما تأتي من داخل الحزب الوطني نفسه حيث يوجد هناك نوع من اختلاف الرؤي والفكر والأسلوب بينا من يطلق عليهم "الاصلاحيون الجدد"، و"الحرس القديم" وهو صراع قد يكون في صالح الحزب حتي يبقي في حالة من التفاعل والفوران والحماس، ولكنه صراع إن تعدي حدود القاعات المغلقة فإنه قد يصبح سهاما مدمرة مصوبة إلي الحزب تبرز عيوبه وعوراته وتقلل من شأنه بين الجماهير. ويؤخذ في هذا علي الحزب الوطني أنه يفتقر إلي القيادات الشعبية القادرة علي الاقناع والحوار مع الجماهير والتي تستطيع ترجمة وصياغة أفكاره الإصلاحية في شكل يجد التجاوب والمساندة الشعبية، فمازال المجال والحراك السياسي القائم قاصرا علي جموع المثقفين والمهتمين وذوي الشأن دون أن يمتد هذا الحوار إلي رجل الشارع العادي ليدرك أو يهتم بأن هناك من يحاولون أن يقوموا بدور مختلف من أجل المستقبل. ومازال الحوار الدائر يركز فقط علي الاسماء والأشخاص والمواقع دون أن يكون قائما ومنحصرا في فلسفة التغيير وصياغة شكل التحول وضروريات ومتطلبات كل مرحلة. فالحزب الوطني يجب أن يركز علي عرض الأفكار والسياسات التي يمكن أن يقوم بتنفيذها أشخاص يطرحهم الحزب لأي مواقع قيادية علي كل المستويات وذلك لتخفيف حدة الهجوم الموجه لأشخاص بعينهم، وكأن القضية كلها تنحصر في إطار من سيكون ومن سيذهب..! إننا لن نمل من تكرار أهمية إعداد القيادات الشعبية وتأهيلها للالتحام بالجماهير حتي لا يكون الحزب قاصرا علي أصحاب الياقات البيضاء ويكون في واد والشارع في واد آخر وهو ما يجعل الساحة خالية والباب مفتوحا لقوي يمينية متشددة ستلعب وحدها دون مقاومة تذكر لتسجل أهدافا سيكون من الصعب تعويضها..! [email protected]