عشية لقاء بوش بمحمود عباس الخميس الماضي حرصت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية علي القيام بزيارة تفقدية للمنطقة بدأتها بالعراق وتبعتها بالبحرين حيث عقدت اجتماعا في المنامة مع دول محور الاعتدال "مصر + الأردن + دول الخليج الست" لمناقشة الوضع في العراق ثم ألفت إلي الكويت حيث عقد المؤتمر الثالث لدول الجوار العراقي. * الفشل علي الجبهة الفلسطينية وكأنما تحاول أمريكا تحقيق نجاح ما في العراق في ظل استبعاد تحقيق أي تقدم علي الجبهة الفلسطينية وبالتالي قد نري في العراق أحد المخارج لها لانقاذ ماوجهها بعد ان فشلت في إحراز تسوية بين الفلسطينيين والاسرائليين.ولعل امريكا علي يقين من أن القضية الفلسطينية لن تحل وأن الوعد الذي تعهد به بوش، في مؤتمر انابوليس حول إقامة دولة فلسطينية قبل نهاية العام الحالي سيتبخر لا سيما وان امريكا ليست علي استعداد للضغط علي اسرائيل ولاسيما ان اسرائيل تواصل الاستيطان بتشجيع امريكي، بالاضافة إلي الوعد الذي منحه بوش لشارون في ابريل 2004 واعفي اسرائيل بمقتضاه من تنفيذ أي التزام يتعلق بالحدود واللاجئين والمستوطنات والقدس. إملاءات أمريكية وضمانات المالكي: امريكا علي يقين بأن القضية الفلسطينية ستنتهي إلي لا شيء وبالتالي تركز اليوم علي العراق بهدف احراز تقدم ما ينهي بوش ولايته الثانية في البيت الأبيض خاصة ان حل المعضلات في العراق من شأنه تمهيد الأرضية لاحتلال طويل وتعزيز المصالح الامريكية في المنطقة. ومن ثم لم تستنكف رايس عندما زارت المنطقة في الاسبوع الثالث من ابريل من ان تملي علي أصدقاء امريكا ممن ادرجتهم في محور الاعتدال عدة مطالب تتعلق بالعراق مثل إرسال السفراء وشطب الديون ومجابهة النفوذ الايراني المتزايد في ارض الرافدين وهي مطالب لا يمكن تحقيقها لان الوضع في العراق يحول دون تنفيذها علي اساس أن أرض الرافدين ساحة غير آمنة، فكلنا يعلم كيف أن الدبلوماسيين الامريكيين رفضوا الخدمة من قبل في العراق فما بالك بالعرب الذين تعرضوا لمخاطر، فلا يمكن ان تنسي مصر كيف جري إغتيال سفيرها،2005 ولا يمكن للامارات ان تنسي كيف إختطف القائم بالأعمال الاماراتي ،2006 ولا يمكن للجزائر ان تنسي مقتل احد دبلوماسيها، وكذا البحرين. ولا يمكن للأردن ان ينسي كيف جري تفجير سفارته 2003 وتدميرها بالكامل. اغراءات المنطقة الخضراء العراق يحاول اليوم تمرير ما تمليه واشنطن باغراءات منها منح ضمانات الحماية للبعثات الدبلوماسية ومنها الاقامة في المنطقة الخضراء.وتنسي حكومة المالكي ان المنطقة الخضراء باتت مكتظة بالبعثات الاجنبية والمؤسسات الحكومية العراقية ممن يلوذون بها طلبا للحماية.ولكن وحتي المنطقة الخضراء لم تعد آمنة بل كانت عرضة لاستهداف الصواريخ لها. ايران وملء الفراغ.. ولا يحق لامريكا بأي حال ان تتباكي علي ما آل إليه الوضع في العراق الذي استشري فيه النفوذ الايراني، فهي التي فعلت ذلك وحققته بجريمتها في احتلال العراق حيث اختل التوازن وطفقت ايران تملأ الفراغ الذي نجم عن الاحتلال وما خلفه من عمليات قتل علي الهوية وتصفية علي أساس الطائفية. أمريكا هي التي جلبت إيران إلي العراق فكيف تطالب الدول العربية اليوم بمواجهة طهران ونفوذها؟ أمريكا ترتكب الجرائم ثم لا تلبث أن تحيل حل تداعياتها إلي العرب أي انها تريد أن يتحمل العرب وطأة ما خلفته جرائمها في العراق ويأتي هذا في إطار سياسة أمريكية صهيونية مكشوفة تهدف إلي تعميق الخلاف بين السنة والشيعة لتصبح إيران هي العدو المشترك بدلا من اسرائيل. من الذي أسلم إيران اللجام؟ الغريب ان أمريكا تسعي اليوم إلي استئصال النفوذ الايراني في العراق عن طريق دول محور الاعتدال العربي رغم انها هي التي أسلمت اللجام الي اتباع إيران في العراق بمساندتها لحكومة المالكي الطائفية التي تدين بالولاء لطهران كما ان أمريكا هي التي رسخت الطائفية عندما حلت الجيش العراقي وأصدرت قانون اجتثاث البعث وعينت حلفاء إيران حكاما جدداً في العراق وتأتي اليوم لتلقي بالتبعة علي العرب لانقاذ ما يمكن انقاذه وإصلاح ما أفسدته. أمريكا تملي علي العرب شطب الديون العراقية ولا أدري كيف يمكن شطب ديون دولة يرتع فيها الاحتلال وينهب ثرواتها النفطية وينشط فيها الفساد وسرقة المال بل ان أمريكا تحاول ما أمكن دعم حكومة المالكي التي لم يتبق علي فترة حكمها سوي نصف عام لانها تراهن عليها في تمرير قانون النفط الجديد في البرلمان لتصبح ثروتها في يد الاحتلال. خطيئة أمريكا الكبري يتعين علي العرب أن يتبنوا المنطق ويرفضوا الانصياع إلي املاءات أمريكا ومطالبها ويكفي ما فعلوه من أجل أمريكا، فلقد دعموها في يوم من الأيام في حصار العراق لأكثر من اثني عشر عاما ودعموها وسهلوا لها مهمتها في غزو العراق واجتياحه والإطاحة بنظامه ودعموها عندما اعترفوا بحكام العراق الجدد وآخرهم المالكي الذي سعي ويسعي إلي الابقاء علي الاحتلال الأمريكي في العراق بل انه انقلب علي التيار الصدري وشن عليه حربا ضارية لانه طالبه بوضع جدول زمني لانسحاب الاحتلال من الأرض العراقية. عار علي العرب عظيم إذا هم استجابوا اليوم واذعنوا لاملاءات أمريكا. ايران هي التي استفادت من غزو العراق الذي مكنها من احكام سيطرتها علي المراقد المقدسة وإدارتها في النجف وكربلاء. حرب أمريكا في العراق هي التي قدمت أكبر خدمة لايران في تصدير الثورة ووسعت هذا المد إلي دول الخليج. حرب العراق خطيئة أمريكا الكبري التي أوقعتها في مستنقع لا تستطيع الخروج منه وكبدتها خسائر مادية وبشرية واليوم تلجأ الي دور الجوار لانقاذ مشروع الاحتلال من السقوط وأغلب الظن ان محاولة بوش هذه تعد آخر سهم خائب في جعبته قبل رحيله عن البيت الأبيض غير مأسوف عليه.